أسماء الجزائرية .. ورحلة البحث في ربيع الحريق العربي

     

أسماء الجزائرية..ورحلة البحث في ربيع الحريق العربي

   

  

         بغداد / الگاردينيا - عبدالرضا غالي الخياط*

  

منذ ما يقارب السنتين على وجه التحديد وأنا أتابع بشغف كبير كتابات أسماء الجزائرية، وبالرغم من عدم معرفتي بها شخصياً.

وهي وان كانت على ما يبدو ليّ امرأة متوسطة العمر بهيئة طفلة بريئة تحمل من الأسئلة الوجودية، ما يجعلها حاضنة للوجع الإنساني المتشظي على مدار المعمورة، وبسعة ومساحة الإنسانية كلها.. وفي خضم هذا العالم الهارب من نفسه ومنا تلجأ أسماء الجزائرية إلى عالمها الخاص بها، هناك تجد الراحة، والهدوء، والعزاء، ففي قصائدها الشعرية كما في نصوصها النثرية، تحاول ان تصف لنا بألوان زاهية، ولكن خلف الألوان الزاهية، أسى خفي ساهم، ومع ذلك مليء بالفرح الوجودي الساذج" فمن يكتب بالحبر لا كمن يكتب بدم القلب "، هذا القول لجبران خليل جبران.. حين تكتب تضع كيانها كله على الورق، تستنزف عصارة الروح ودم القلب، تكشف عن نفسها المليئة بالجمال الذي يغلفه حزن مستديم، وتعري في نفس الوقت العالم المليء بالقبح والفجور. من هنا هذا النبض في كلماتها  وأسلوبها وهي ميزة أحجزت وأفردت لها مكاناً خاصاً. فعندما تقرأ " الجزائرية " تبهرك القصيدة التي تكتب، قصيرة لكنها مكثفة، وسهلة وآسرة، بسيطة لكنها مربكة بالأسئلة الوجودية.  تحول الواقع إلى رموز غرائبية تتطلب من القارئ جهداً غير يسير حتى يعيد تشكيل الصورة ذات الأصل المستمدة من الواقع المعاش بما يتناسب ورؤية مثل هذه الفن الذي يسود في الأدب الحديث، للواقع الأهم حينما يدفع إلى مستوى الفن من منظور يخلخل عادية انعكاس الحواس لينفذ إلى صورة التجربة في أعماق روح الإنسان، في معناه الصحيح ومصيره الحقيقي الذي يشكل بنظرها الأمل الوحيد والملاذ الأخير. للحياة الواعية ومستقبلها واستمرارها وازدهارها ويحض عقل الإنسان على البقاء والبناء والارتقاء. فقضية تنمية الإنسان بما يحفظ كرامته ويصون وجوده على هذه الأرض التي لن نملك منها شيئاً قط.! تلك هي مواصفاتها الأولى، فالشاعرة تمقت المجانية والغنائية الفجة في ظل الشعر هي كالمتصوف تتعامل مع اللغة التي تكتب بها بحكمة واقتصاد، وهذه ميزة تحسب لها دون الآخرين. فهي لاتكتب حكاية تقليدية كما عودت القارئ العربي في معظم نصوصها الابداعية، بل سوف يجد نفسه إمام سرد هو نوع من الاتجاه الجمالي القوي الذي يتخذ من المجاز إطاراً فنياً يعتمد الانزياح اللغوي والمجازي والكناية عبر لغة شاعرية تغدو المعادل الموضوعي للواقع والعمل والسلوك بما تحمله من الدلالات السردية الشعرية والأساليب البلاغية والاستعارة والمجاز. إذ يعزو " جان كوهين " لها كل الفضل بالشعر بقوله : ان المنبع الأساس لكل شعر هو مجاز المجازات، هو الاستعارة ". إذ تبدو الجزائرية هنا أنثى متمردة تصوغ غضبها في نصوص مبعثرة كروحها التي لاتستقر في مكان ما معين على التحديد،  وتخرج إلى فضاءات جديدة في إطار انشغالها بالإنسان والمكان كأحد أهم روافد الوجود الإنساني للإنسان العربي المحبط  في المنطقة، في محاولة منها عبر قصائدها الشعرية المكثفة بالصور الرائعة، ونصوصها السردي الزاخرة بالعطاء والإبداع، إشارة الى مواقع الجمرة التي أحرقت روح الانسان المحاصر والمعذب بنار الحريق العربي، مع التلميح إلى كشف أسباب تلك الحرائق ومصدرها.
ومن هنا نقدم لها نصاً لا على التعين ومن دون اختيار مسبق، فنصوصها كثيرة، ومبعثرة كروحها كما سبق لنا القول سلفاً..
   
لا أحبك ...

لا أحبّك لأحيا
أحبك لأعرف معنى الهلاكْ
لا موتَي يحزنني
لا العابرون على حزني يصبحون موتاكْ
نم بلا ليل العاشق
أنتَ الصباح النديّ
و ما يوجعنا في السهر سوى الاحتراق
و نم بما شئت من ذكرى
و إن شئت بلا شيء للذكرى
نم كالملاك
أنا من بقايا الصمت كالسطر على مرفقٍ من القشّ ملقاة
أنا من بقايا صمت القشّ
أخرجتُ من لغتك بللغة الى منفاكْ
ثمّ قال لي المنفى فيَّ
لا أحد في ضبابك الشائك يراكْ
ليس لاسمك ما ينسى فأُذكرَ منكَ كمنسيّ
و ليس لاسمي ما يذكر فيكَ، فتُنسى بما اقترفت يداكْ
اخلع بلادك.. أصدقاءك .. اخلع عنك الحبيبة
إن شئتَ كنْ كمن يتعرّى
 من صفات الشباكْ
لا أحبّك لأرتاحْ
أحبّك ليصبح النسيان يُرى .. ليُصبح هكذا كالمُتاحْ
و إن قال لي أحد لتوِّه عاد من الذاّكرة : كنْ
قلتُ : أكون كجنديّ يراقب الهزائِم بما تبقى من كفاحْ
و إن عدتَ مع العائدين من قوائم الموتى
قل : إنني حرٌّ فررت مني .. من هذه  الحياة بالمزاحْ
كم كنتَ بالمزاح فصلاً غائماً
آهٍ .. لو كنتَ فصلاً غائماً بالمزاحْ
لا أحبك لأقوى
أحبك لأستعيد ضعفي
لأستعيد صورة الانكسار
فليس لوقتك متحدث رسميّ يخبرني ما لديه عنّي
و عن احتضار الاحتـضار
أبيتُ على المُتبقى من صورٍ
لأبقى في ما تبقى منك كطفلة جئت بها من الكلمة الى حياة
نعم
كحياة تُجيد إجترار كلّ الأدوار
لا أحبك لأموت
أحبك لتتصور جنازة الصَّخبِ بلا بكاء
و ترى كأنّك تستَدعيكَ
لقضاء حزنِك في نفسكَ
كصديق حميم لا يرحل دون إخبارك
بآخر يد فلحتْ بالبكاء مكاناً عالمياً كالسّماء
كآخر عدوٍّ يترك لكَ المكان
ليصبح العالم فيك هامشياً
فتكون بما لا تكون
نصفٌ يحتضر كالخيال  في ليلة موت شاعر
وآخر
يحـاول فيكَ انقاد عمر غيمة من عجل
 انقضاء الشّتـاء
لا أحبك ..    
حتى
يضعون كلَّ أغراض البُـكاء في جيبـكَ
ثـمّ يأمُرونك بقطعِ حاجـزا للفرحة !!
أنـتَ صغير على اشتباك الحزن برصاص طائش
أعلم !!
أنتَ صغير كي يفرغوا هكذا عروقَ قلبك
و إنْ كنتُ أعلم ؟!!
هذه أنا كالموقوف خلف الأبواب
أنتظر موتاً يهين انتظاري لطرقة
أنتظر طرقاً يعيدُني من  موتي بطرقة
و إن نظرتَ إلى جدار رمّله الهدوء من الزّحام
فكن قميصي الذي شقَّ
و كنْ إن أردتَ مَن لقميصي  شقّ
فقد كنتُ كما لا اشاء و كما تشاء كنتَ
و إن نظرت الى رجل يدير شأن الذّكريات
بمهارة هاربِ مما لا يعنيه
قل : ما لأحد في الحب من مُتبقىَّ
سوى ما فقدتَ
و يوم فقدت موتك قلتَ    
أريد من كل هذا الحبّ النجاة
و نمتَ كمن إغتالته
أيادي المشقّة !!
لا أحبّكَ .. لأحبّك
أحبّك لتعرفَ من النساء
ما استطعتَ مني
و منكَ ما لا يستطيع الغيبُ منه الخلاص ..
__________

*محمد يونس، البنية الشعرية – المنهج والقيمة، ص،17 طبع، دار الشؤون الثقافية – بغداد 2015.

       

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

925 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع