حسين السكاف: وطني أكلته الذئاب
بغداد / الگاردينيا - عبدالرضا غالي الخياط *:حسين السكاف كاتب وروائي يمتلك القدرة الرائعة على ملاحظة الظواهر الجديدة في حياة عصره، وتجسيدها في أعمال فنية. ومضمار إبداعه واسع على نحو غير اعتيادي، فهو يكتب النقد الفني والرواية والقصة، والمسرحيات، والروايات التي يعالج فيها حياة فئات مختلفة من المجتمع العراقي.
وله رسالة واضحة ومخلصة إلى الجميع، مفادها التأكيد على ضرورة البدء بالتأمل وأخذ العبرة وكشف الخلل على ضوء مرآة الضمير ونور البصيرة، ثم المبادرة السريعة بالتصحيح والتقويم والأخذ بمنهج الإصلاح الفردي والاجتماعي اهتداء بمسيرة النماذج الإصلاحية الراقية التي قدمتها الإنسانية عبر منعطفاتها التاريخية. صدرت له رواية" مثلث الموت – كوبنهاغن " عن العارف للمطبوعات / بيروت 2015، وسبق إن صدرت الرواية في طبعتها الأولى عن " دار ميريت /القاهرة / 2007 بعد إن نفدت، كما للسكاف كتاب نقدي جاء بعنوان" الرواية العراقية –صورة الوجع العراقي .. ثماني سنوات في الرواية العراقية-2012-2004 "، صدر عن دار الروسم،2014، وقد احتفى به " ناد السرد " في اتحاد الأدباء والكتاب العراقيين يو28 / 6 / من عام 2014، وبحضور نخبة كبيرة من النقاد المبرزين وبمشاركة روائيين كبار في تناولهم للكتاب، وقد أشادوا بأهميته وقيمته الجمالية كدراسة تؤثق لتاريخ الوجع العراقي في الرواية العراقية للفترة المحصورة بين عامي 2004 – 2012، وله أيضا " طاقة الحب " مسرحيتان في كتاب واحد، كما سيصدر له عما قريب رواية بعنوان " الحجاب الراقص" تبحث عن مصير الإنسان الذي غيبته السجون. كتب الكثير من المقالات والبحوث والدراسات الفنية والأدبية. نشرت له العديد من الصحف والمجلات والمواقع الإلكترونية المحلية والعربية والدولية. عمل محرر للصفحة الثقافية في جريدة الأخبار الصادرة باللغة العربية في العاصمة الدنماركية – كوبنهاغن .
غادر العراق مرغما عام 1991 بعد الانتفاضة الشعبانية، يتخذ من الدنمارك - كوبنهاغن، سكناً بديلاً عن الوطن الأم، الذي لا يتوانى عن فراقه وهو في غربته الطويلة يحمله بين ثنايا الروح في حله وترحاله. هذا ويسرنا أن نلتقيه في حوار عن المشغل السردي وقضايا الفن والمسرح بشفافية عالية وموضوعية تقترب من روح الإنسان .
س: تكتب الرواية والقصة القصيرة، وتمارس النقد الفني، أيهما أقرب اليك؟ وكيف ترى المواجهة بينهما كجنس أدبي ؟
في الكتابة، تأخذني الفكرة.. الفكرة هي التي تختار جنسها الأدبي، هي التي تأخذني إلى حيث تجد نفسها مؤثرة وفي مكانها الصحيح.. أما بخصوص النقد، فالذي يغريني هو الموضوع، فكرته، أهميته، جديته، كل هذا يستفزني ليدعوني إلى الكتابة عنه.. الحقيقة أنا أشعر بمتعة أكبر حين أشتغل في مجال النقد، أو عرض عمل فني أو أدبي للصحافة، صحيح أنني لا أنشر ومنذ فترة طويلة جداً إلا في الصحف الورقية، وأبتعد عن المواقع الإلكترونية - باستثناء موقع إيلاف - حيث لا رقابة مهنية أو أدبية على ما يُكتَب، إلا أن الصحف الورقية وخصوصاً جريدة الأخبار اللبنانية التي أنشر على صفحاتها مقالاتي منذ أكثر من سبع سنوات، تمنح الكاتب مساحة محددة بـ (700-900) كلمة، وهذا قد يكون عائقاً لأفكار الكاتب في أغلب الأحيان، ولكن المهم فيه هو اختبار قدرة الكاتب على التركيز والاختصار، أي الكتابة بلغة مركَّزة وعميقة، وبهذا تكون متعة الكتابة النقدية أكبر لأنك تكون في تحدي مع الموضوع ومع قدرتك على إيصال الفكرة كما يجب.
أما موضوع المواجهة، فأجده واضحاً حين اشرع بالكتابة.. كوني أهتم في مجال النقد، لذا أكون في صراع جميل بين الفكرة والأسس والمفاهيم النقدية للعمل، لحرصي الشديد على كتابة نصاً حراً يصل إلى القارئ بسلاسة، وغالباً ما أكون الكاتب والناقد في الوقت نفسه، وهذا ما يؤدي أحياناً إلى ترك العمل لفترة قد تطول أو تقصر، ثم العودة إليه ليكون بالشكل الذي أطمح إليه..
س: بعد رحلة طويلة مع النقد الفني، كيف تصف علاقتك بالنقد، وهل ما زلت تستطيع أن تخرج ما يدور بداخلك من خلال النقد ؟
مجال النقد هو المجال الذي يمنحني متعة أكبر، خصوصاً الفن التشكيلي والأغنية، وعالم الرواية، والحقيقة أجد الاهتمام بما يحمله العمل من أفكار ولمسات إبداعية على صعيد الفن التشكيلي، وتركيبة المشهد والحوارات والمادة التاريخية وطبيعة السرد في مجال الرواية، هو ما يجب تسليط الضوء عليه وجعله واضحاً أمام القارئ، وهذا ما أجده أكثر أهمية، من أن أطرح أفكاري الخاصة من خلال عمل ليس لي، أفكار الناقد تنصب على تحليل رموز العمل وترجمته، وإظهار مواطن الجمال فيه، بالإضافة إلى تقديم نبذة عن العمل قد ترشد أو تغري القارئ في البحث عن العمل المتناول نقدياً.. والحقيقة أن المقالة النقدية هي التي تستهويني أكثر من التحليل النقدي المفصَّل، كوني أكتب للصحافة، ولست متخصصاً في تأليف كتب نقدية ودراسات تحتم على الكاتب الخوض في التحليلات النقدية بشكل علمي دقيق ومفصَّل يعتمد المصطلحات النقدية ويستشهد بآراء كبار النقاد.. ولتقريب الفكرة أكثر، يمكنني القول بأنني متأثر بمدرسة شيخ النقاد الراحل الدكتور علي جواد الطاهر التي عملت على ترويض النقد ليقترب من المقالة النقدية، أي أنني أكتب في مجال "المنهج الانطباعي" في النقد، كونه يأخذ دور المرآة للعمل الإبداعي التي تعكس فكرته ومكنوناته وأهم ما يميزه... وهو الأسلوب الطاغي على حركة النقد الأوربية وإن بقي محصوراً في الصحف فقط.
س :ماذا عن التداخل بين الماضي والحاضر والمستقبل في روايتك الأخيرة " كوبنهاجن – مثلث الموت " ؟
كتبت رواية "كوبنهاغن – مثلث الموت" بين عامي 2005-2006 أي في خضم سنوات الدم العراقي المراق، لتتبنى طرح سؤال مهم وشائك، "كيف تحولت مدن العراق الآمنة، التي كانت تهتم بالثقافة والفن وتعمل جاهدة إلى تقوية أواصر الألفة والمحبة بين أبنائها - ومدينة المحمودية نموذجاً - خلال فترة زمنية قصيرة، إلى مدن موت واختطاف وإرهاب، حتى صارت تسمى بمثلث الموت؟" هذا السؤال المحيِّر والصعب في الوقت نفسه، حاولت الرواية أن تجيب عليه.. وللإجابة على هذا السؤال كان لا بد من العودة إلى الماضي، كون الرواية تخوض في أسس هذه الظاهرة الغريبة "الإرهاب" والتي ظهرت بشكل مفاجئ، لتضع أمام القارئ أهم الروافد التي أسست لهذه الظاهرة، ومنها تعوّد الفرد العراقي على منظر الدم نتيجة الحروب المستمرة والإعدامات التي شهدتها شوارع وساحات العراق في زمن الديكتاتور الزائل، وبالتالي صار العراقي غير آبه بالموت والقتل أو يعده من المسلمات، فأصبحت حياة الإنسان فاقدة لقدسيتها بنظر الآخر. ثم تفاقم ظاهرة انتشار الأيتام في مدن العراق نتيجة الحروب، هذه الظاهرة التي لم يلتفت إليها أحد، صنعت من بعض الأيتام مجرمين شاركوا في تأسيس ظاهرة الإرهاب، وشيء آخر مهم، هو أن ظاهرة الإرهاب ظهرت نتيجة العداء المبيت والثأر الذي جاء الاحتلال ليغيِّب السلطة ويمنح الفرصة للأخذ بالثأر، والعراقي يعرف حجم هذا العداء والثأر الذي عمل الديكتاتور على تنميته لسنوات طوال، والحقيقة، أن رؤية الرواية وفكرتها ما زالت فاعلة على أرض الواقع العراقي حتى الآن، حيث تؤكد على أن لا دخل للدين والطائفة أو القومية في كل مظاهر الإرهاب، بل إنه العداء والثأر والجشع وممارسة الجريمة، وتعود الإنسان العراقي على مناظر القتل والموت والدم لسنوات طوال.
لرواية "كوبنهاكن – مثلث الموت" ألمها الخاص، إنها تحكي وجع كل مدن العراق وإن جاءت متمثلة بمدينة المحمودية، كمثال أو نموذج لبقية المدن، وكان لذلك التمازج بين الماضي والحاضر ضرورة المقارنة بين الزمن الجميل الذي عاشته هذه المدينة وهي تهتم بالثقافة والأدب والفن... وبين زمن التمزق والانفلات الذي جعلها تعيش الفجيعة على حين غرة...
س: مؤخراً، صدرت لك مسرحيتان في كتاب واحد "طاقة الحب"، ترى لماذا انتقلت من الرواية إلى المسرح.. وهل حقق لك المسرح ما لم تحققه الرواية؟
أن الاشتغال على كتابة النص المسرحي له متعته وطقوسه الخاصة التي تميزه عن كتابة الرواية، فالكاتب يكتب فكرته ويبني عالم المسرح المتخيل، وهو يعرف أن ما يكتبه سيصل إلى مسامع وأنظار المشاهدين عن طريق صوت الممثل والإيحاءات وبمساعدة المكونات الأخرى للمسرحية مثل الديكور والمؤثرات الصوتية والضوئية، وهذه الحالة المتخيلة لا تجدها في أي فن كتابي آخر، ومن هنا تأتي متعة الكتابة المسرحية..والحقيقة أنا لم أنتقل في الكتابة من الرواية إلى المسرحية، بل أن كتابة النص المسرحي قد سبق كتابة الرواية بكثير، فمنذ سنوات الدراسة وأنا أكتب النصوص المسرحية، ولكن لم يكن نشر النصوص في الصحافة بالأمر الهيَّن، لذا ضاعت أغلب هذه النصوص.
وعن شغفي في المسرح وكتابة النص المسرحي فالفضل يعود إلى مدينتي الجميلة "المحمودية" التي كان أبناؤها حريصون على تشكيل الفرق المسرحية المدرسية أو الشبابية، وعلى مدى سنوات طويلة، واستطيع القول أن المحمودية تعودت على وجود فرقة مسرحية واحدة على الأقل كل عام، منذ بداية ستينيات القرن الماضي، وقد تخرج من هذه الفرق فنانين مهمين كونها زرعت حب التمثيل في أرواحهم ليقدموا على دراسة الفن في معهد الفنون الجميلة والأكاديمية، وأذكر منهم مع حفظ الألقاب، عبد الأمير شمخي، وعامر جهاد، وفضلي الجبوري وعلاوي حسين ومهند هادي وحسين شبيب وآخرين، وفنان جميل لابد من ذكره فقد أكلته الحرب حال تخرجه من المعهد ولم تمنحه فرصة الظهور هو ضياء نعمة ولي الذي يعرفه أغلب الفنانين الذين كانوا زملاء له في معهد الفنون الجميلة.
أما عن القسم الأخير من السؤال، فبكل تأكيد، النص المسرحي قد حقق الفكرة بالشكل المطلوب، فلم يكن لنص مثل مسرحية "شقيق الورد" التي تحكي قصة إنسانية من قصص المقابر الجماعية المتعددة، أن تكون بشكل رواية، لأنها لن تكون مؤثرة تماماً، كما هو تأثيرها على خشبة المسرح، وكذلك ما يخص مسرحية "هموم السيد محترم" التي أتمنى أن أشاهدها وهي تتجسد على خشبة المسرح العراقي قريباً.
س: رغم منفاك الاختياري خارج وطنك، إلا أن العراق حاضر يطل من قلبك دائما؟
اسمح لي هنا أن أصحح معلومة وجدتها مؤلمة جداً، فالحقيقة إنا لم أختر المنفى، بل كنت مكرهاً على تقبله، لذا تجدني أعيش العراق في كل ثانية وأنا تحت سماء المنفى الواطئة، فالكثير من أصدقائي الكتاب والفنانين ومعارفي، يقولون لي بأنك لم تخرج من العراق حتى اللحظة، أنتَ تعيش العراق في كل حواسك ويومياتك وكتاباتك، وهذه حقيقة، صحيح أنا أعيش في أوربا منذ قرابة ربع قرن، ولكنني أعيش داخل العراق وإن كنتُ جسداً بشرياً يعيش المنفى.. فأنا أتابع وأحلل يوميات العراق وآلامه وصراعاته، وأكتب عنه، فلو تلاحظ أن أغلب نتاجي الأدبي والصحفي يدور حول العراق، حتى في روايتي "كوبنهاغن – مثلث الموت" تجدني أعيش داخل العراق ولم يحظى الدنمارك إلا بمساحة قليلة من الرواية، والحال نفسه مع روايتي الجديدة "الحجاب الراقص" التي أنطلق فيها من الدنمارك لأدخل سجون ومعتقلات العراق بحثاً عن صديقي " فرزدق " الذي لم أجد له أثراً... وأسمح لي هنا أن أستعير عبارة الشاعر قاسم جبارة الأخيرة، قبل أن ينتحر في فينيا التي تعد واحدة من أجمل مدن العالم "كل أعضائي هادئة باستثناء العراق".
س: كيف تتجلى الحركة الأدبية والفنية في العراق حاليا؟ وما تقيمك لها؟
الحركة الأدبية والفنية العراقية، حركة مهمة ومؤثرة جداً، ولها ما يميزها داخل العراق وخارجه، وهذا الرأي نابع من فكرة الجمع بين النتاج العراقي داخل العراق وخارجه على أنه نتاج واحد لبلد واحد، فلا يمكن أبداً الفصل بين نتاج ونتاج آخر على أ ساس اختلاف جغرافية المكان، فالروح المبدعة العراقية واحدة في كل مكان.. ثم أن الحركة الأدبية والفنية العراقية إن تم حسابها بشكل دقيق بعيداً عن النزعات الشخصية والنرجسية المدمرة، ستجدها ذات شأن رفيع وتحمل قيمة فنية وأدبية عالية جداً ومؤثرة.. أن النتاج العراقي خارج العراق هو نتاج عراقي لا يختلف أبداً عن النتاج العراقي داخل العراق من حيث الانتماء والرؤى والأفكار والهموم، وهذه نقطة من المهم جداً الانتباه إليها.
والمفرح أن حركة الرواية العراقية باتت تشهد نمواً وتطوراً ملموساً، وأصبح للروائي العراقي والرواية العراقية حضورهما الواضح والمميز في العديد من المهرجانات والمحافل العربية والدولية، هذا بالإضافة إلى مكانة الشعر والفن التشكيلي والسينما، هذه المجالات التي سبقت الرواية العراقية في الوصول إلى الساحة الأدبية والفنية العربية والعالمية. والمهم في كل هذا، هو أن الكاتب أو الفنان العراقي يعمل بمجهوده الشخصي خارج نطاق المؤسسة، وهذه ميزة عظيمة تحسب لصالح المبدع العراقي، وفي الوقت نفسه تدين المؤسسة الثقافية العراقية التي عملت على تحجيم أو في بعض الأحيان إلغاء الدور الثقافي والإبداعي في المشاركة ببناء مشهد ثقافي عراقي رصين تديره الدولة ومؤسساتها، وهذا بكل تأكيد نابع من استخفاف الدولة بالثقافة فتراها تعين أشخاص لا يمتلكون أي حس أو نتاج ثقافي، بل هم دخلاء على الوسط الثقافي العراقي، وفي أماكن حساسة جداً وفي موقع إتخاذ القرار.
س: هل هناك من قنوات تواصل بينك وبين أدباء العراق في الداخل ؟
امتلك علاقات واسعة وطيبة مع الكتاب والأدباء والفنانين العراقيين المتواجدين داخل العراق، ومتواصل معهم بشكل يومي، بل أنا مصر على القول، بأنني أعيش معهم، كل يوم... فقد منحني "شيخنا الجليل، الفيسبوك" فرصة عظيمة للتواصل مع أغلب المثقفين ممن يعيشون داخل العراق، ناهيك عن علاقتي بمثقفي العراق ممن يعيشون المنفى..
والحقيقة أنا حريص على اقتناء النتاج الأدبي العراقي، والتواصل مع أغلب ما ينتج حديثاً، ودائماً ما تصلني نتاجاتهم عن طريق البريد أو بمساعدة الأصدقاء، وحرصي نابع من المهمة التي أخذتها على عاتقي منذ زمنٍ بعيد، وهي الكتابة عن الناتج الأدبي العراقي في الصحف العربية، حتى تصل أخبار نتاجات العراق الأدبية والفنية إلى الوسط الثقافي العربي، لذا تجد أغلب مقالاتي النقدية تتناول الرواية العراقية أو الفن التشكيلي العراقي في الداخل والخارج فلا فرق بينهما، وكتابي "الرواية العراقية.. صورة الوجع العراقي" الذي صدر أواسط العام الماضي يضم العديد من هذه المقالات.
س: ماالذي يدفعك إلى الاستمرار في الكتابة، وهل ثمة رسالة تسعى إلى إيصالها للقارئ ؟
الكتابة عندي ليست مهنة، بل هي متعة. لا أكتب أبداً حين لا أشعر بالمتعة وأنسجم روحياً مع المادة التي أكتب عنها، الحقيقة أستطيع القول بأنني قارئ أكثر من كوني كاتب، فالقراءة تحتل المرتبة الأولى في يومياتي، ومن خلال القراءة تتولد الأفكار التي تلح عليَّ للانتقال إلى الكتابة خصوصاً عندما أجد أهمية وخصوصية في فكرة الكتاب الذي أقرأه، حتى لو كانت هذه الأهمية تتمثل في فكرة دعم وتشجيع كاتب عراقي شاب يكتب لأول مرة. ومنذ البداية حرصت على إظهار النتاج الأدبي والفني العراقي إلى الساحة الثقافية العربية؛ كون أن المبدع العراقي كان مغيباً بسبب سياسات الديكتاتور وهيمنة جلاوزته على الصحافة العربية، وللإسف ما زال المبدع العراقي مغيب في بعض المجالات العربية، وما زلت مؤمناً بأهمية الكتابة عن المنتوج الإبداعي العراقي كوني أتلمس أهمية وخصوصية هذا الإنتاج وضرورة التعريف به عربياً وعالمياً إن توفرت الفرصة لذلك.
س: لكَ تجارب في كتابة السيناريو، هذا الفن الذي يتطلب الكثير من الصبر والتركيز، فهل حققت شيء مما كنت تبتغيه في هذا المجال؟
كتبت أكثر من خمسة سيناريوهات لأفلام روائية قصيرة، ثلاثة منها منشورة في بعض المواقع الإلكترونية الخاصة بالسينما، للأسف لم يتم تنفيذ أي منها على الرغم من أنها نالت إعجاب بعض أصدقائي من المخرجين الذين أصروا على أخذها والعمل عليها، ولكنهم وللأسف أقول وقعوا ضحية إهمال المؤسسة الثقافية العراقية وعدم منحهم الفرصة، خصوصاً ضمن مهرجان بغداد عاصمة الثقافة العربية، والمعروف أن إنتاج فيلم سينمائي وإن كان قصيراً، إلا أنه يتطلب مبالغ مالية غير قليلة، ولا أعتقد أن مخرجاً عراقياً يمتلكها شخصياً.
وبما يخص الكتابة للتلفزيون، وأقصد الدراما، فقد باشرت بتحويل رواية "كوبنهاغن – مثلث الموت" إلى مسلسل تلفزيوني، بعد أن كلفني أحد أصدقائي وهو فنان عراقي معروف ومنتج للدراما أكن له كل الإحترام، ولكني توقفت عن الكتابة بعد أن أتممت ست حلقات منه، وذلك بسبب هبوط مستوى الدراما العراقية، فأغلب ما شاهدته من مسلسلات عراقية على مدى العامين المنصرمين أدنى بكثير من مستوى الطموح مع شديد الأسف، باستثناء أعمال تعد أقل من أصابع اليد الواحدة
س: لو خيرت بين المنفى والوطن، أيهما تختار ؟
وطني أكلته الذئاب...أعرف هذا، ولكني ما زلت أبحث عنه، عن عراقي الذي أعرف.. هل أدعوك لنبحث معاً عن عراقنا، علنا نجده سالماً معافى كما كان ؟
*مدير مكتب الگاردينيا في بغداد
806 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع