حوار مع الناقد عصام شرتح أجرته القاصة والروائية فداء شرتح(شقيقة الناقد)
1-كيف تعرف نفسك للقارئ كناقد مجد ومجتهد ،وما هي أهم مقومات الناقد المبدع من منظورك؟!!
-النقد موهبة،وليس دراسة وممارسة وتجريب، إن لم تتوفر في الباحث أو الدارس ملكة النقد،وموهبة النقد الملحة كموهبة الشعر،لن يكون ناقداً مؤثراً أو ناقداً مهماً؛ لأن أهمية الناقد تتأتى من ركيزة جوهرية وهي ملكة النقد؛وهذه الملكة هي التي تصقل فيما بعد بالممارسة والتجريب والانفتاح على قراءات سابقة كثيرة؛ بمعنى أدق: إن الناقد بانفتاحه على تجارب النقاد الآخرين يغذي موهبته النقدية،ويهبها ثراءً وخبرة تفيده فيما بعد لتشكيل بصمته المميزة،والناقد شأنه شأن المبدع يتغذى على تجارب سابقيه لا يستطيع الاستغناء عنهم في تأكيد بصمته فيما بعد؛وأنا مدين لكل ناقد عربي أفدت منه خاصة(محمد عبد المطلب- رجاء عيد – محمد عبد المطلب- صلاح فضل- محمد العبد- عبد الملك مرتاض وغيرهم كثير) وأفتخر أني نهلت من معين هؤلاء حتى الثملى؛ فكانوا لي قدوتي فيما أكتب،وزادي فيما أكتب.
-أما أهم مقومات الناقد المبدع فهي الموهبة،والخبرة الجمالية،والذهنية الإبداعية الخلاقة والمتوهجة. بالإضافة إلى كل ذلك مهارة التجريب، وسعة الأفق الجمالي لدى الناقد وتنوع دراساته وقراءاته،واستثماره لهذه القراءات في تطوير أدواته النقدية فيما بعد. وهناك عوامل كثيرة لا يمكن حصرها في هذا الحوار المقتطب، لكن ما أريد قوله: ينبغي على الناقد أن يتسم بالتواضع ،والحرص على المعرفة والاعتراف بكفاءة الآخر،وإنصاف الآخرين،فهذه من أهم مقومات الناقد المؤثر أو الناقد المهم.
2-ما هي أهم مؤلفاتك النقدية؟ وما هي أهم الأعمال لديك؟!!
-أنا اشتغلت كتباً متواضعة كثيرة أهمها تلك الكتب التي اشتغلتها على بدوي الجبل،أهمها:
1-ظواهر أسلوبية في شعر بدوي الجبل
2-جمالية الخطاب الشعري عند بدوي الجبل
3-بدوي الجبل بلاغة القصيدة وتشكيلها البصري
4-مستويات اإلإثارة الشعرية في شعر بدوي الجبل
5-بناء الأسلوب الشعري عند بدوي الجبل
6-بدوي الجبل وظواهره الفنية ومختارات شعرية.
بالإضافة إلى هذه الكتب صدر لي بعض المؤلفات التي لم تنشر على النت واعدها الأهم بالنسبة لي،ولا يعرفها القارئ العربي،وأذكر أهمها:
1-جوهر الرؤية الشعرية ومسارها الفني عند نزيه أبوعفش،دار النمير دمشق 2011.
2-الصورة الأيقونية وأيقونية المشهد، عند سميح القاسم دار الينابيع ، دمشق 2011.
3-اللغة وإبداع الدلالات في شعر ثائر زين الدين، دار الينابيع دمشق،2011.
4-أدونيس شاعر التجريد والاغتراب في الشعر العربي المعاصر، دار الصفحات،دمشق.
5-تحولات الخطاب الشعري عند أدونيس،دار الصفحات، دمشق،2011.
6-الشعرية من منظور النقد الأسلوبي الغربي، دار الينابيع ، دمشق،2011.
7-القباني وثقافة الصورة،دار الينابيع، دمشق،2011.
8-شعرية المواربة والاختلاف،دار الأمل الجديدة دمشق،2012.
9-ملفات حوارية في الحداثة الشعرية، دار الأمل الجديدة،دمشق،2012.
10-محمود دوريش مشهدية الصورة وتلفزة المشهد، دار الينابيع
دمشق،2011.
11-مفاتيح الشعرية في قصائد حميد سعيد ،دار الصفحات دمشق،2016.
3-أنت تعمل على مشروع نقدي تشتغل عليه، ما أهمية أن يكون للناقد مشروع يشتغل عليه؟!! ماهو مشروعك وهل أنجزت فيه ما أنت راضٍ عنه؟!!
أنت تعلمين أن الناقد المهم يشتغل على مشروع أو حلم إبداعي يسعى لتحقيقه،وأنا أحاول أن أنجز هذا المشروع الذي يتنامى تدريجياً.. كنت أظن سأقف عند هذه التجربة الإبداعية أو تلك فأجد نفسي في بحث دائم ومراودة دائمة لتجارب إبداعية لا متناهية،وهذا هو سبب تراكم كتبي النقدية وكثافتها في مرحلة ما من المراحل ، خاصة تلك المرحلة التي تعرضت فيها لهجمة شرسة على النت،وفي الجامعة التي كنت أدرس فيها مرحلة الدكتوراه على يد مشرف ظلوم جهول لارادع له ولا ذمة ولاضمير ذهب بحلمي إلى الحضيض،وخرجت من الدكتوراه بلا لقب مع كم وافر من الجراح والآلام والإهانات الراسخة في الذهن. وكان الجميع يراهن على انطفائي ونهايتي كإنسان،ولم يكن أحد هؤلاء الظلمة يظن أني سأستمر كالشوكة في حلوقهم.ممسكاً قلمي بصمت وكبرياء في مواجهتهم،وأرتقي فوق ماكتبوه.
وأقول بتواضع: أنا راض على المستوى النقدي الذي وصلت إليه وأطمح بالمزيد، لكن ثمة مواضيع تشدني،وتأخذني إلى آفاق جديدة آمل ارتيادها والتحليق في آفاقها.
4-إنك تصرح بأسماء أعدائك؟ وهم ذوو مناصب مرموقة وحساسة في الجامعات؟!! ألا تخاف هجماتهم الوثابة خاصة هم شلة كما تقول؟!!
أنتِ تعلمين كم نزفنا من الجراح والآلام في طفولتنا المعذبة، حتى ألفنا الدموع والجراح، حتى أصبحت زادنا في الحياة.. أقول لك بصراحة: ماذقت طعم السعادة ولا المتعة... والآن أتلذذ الألم. باختصار: لا يوجد شيء أندم عليه أو أخاف عليه... ومن حياته دموع لا يهمه كثرة الجراح وكثرة البشعين والدنسين، لأنه اعتاد مواجهتهم بتقبل المزيد من الطعنات، ما يهمني الآن أن أبقى ممسكاً قلمي إلى آخر زفرة في الحياة،أدافع عن الجمال الذي لم آره بعيني، عسى أن أورثه لغيري.. أو أرسم لوحة لأولادي عنه وصدقيني أن الجمال الذي لم نره في حياتنا لابد أن يشع يوماً ما على وجوه الكثيرين ممن يستحقون الجمال ويجاهدون من أجله؟!!. صحيح أن جهادنا كان خاسراً لكن – ياأختاه- يكفينا شرف المحاولة.
5-أ لا تحلم أن تقدرك إحدى الجامعات العربية لتدرس فيها كأستاذ جامعي،وتطوي صفحة البؤس خاصة وأنت تملك الكفاءة كما قلت؟!!.
-أنا كرهت الأحلام الوردية،لقد أصبح الفقر والبؤس والقهر صولجاني أينما أذهب... وبصراحة أقولها: هذه الأحلام كثيرة على أمثالنا... إذا البلد الذي تربينا في أحضانه،وقدمنا له قلوبنا لم ينصفنا.. ولم يمنحنا ما نستحق.. هيهات هيهات أن يأتي بلد آخر ويمنحنا ما عجز وطننا أن يمنحنا إياه،لكن إذا حدث هذا-ولن يحدث- سيكون أحب وطن وأجمل وطن. وسأكتب بريشة دمي هذا وطني.
6-أنا وأنت كنا نحلم بالمارد السحري أو بمعجزة إلهية تلبي أحلامنا؟!! لم يأت المارد وبقينا ننتظر إلا تذكر؟!!
هذا صحيح عندما كنت صغيراً.. لكن مصباحي السحري الآن أن أقبض أرواح ظلمتي بيدي، وأرى بأم عيني النهاية الوخيمة لهؤلاء الظلمة،وسأكون مقهوراً وحزينا إذا رحلوا عن عالمنا..كأبطال وفاضلين.. وهم أشد إجراماً من اللصوص والقتلة والمجرمين.. وسيزداد قهري أكثر أني لم أرَ نهايتهم بعيني. لأن من يسرق حلم نجاحي
7-يقال : للباطل جولة وللحق جولات,, ماذا تقول أنت؟!!
-سأحدثك من خلال تجربتي؟ للحق جهولة وللباطل جولات.. في هذه الدنيا الأمر مختلف.. إيقاع البشاعة يطغى على الجمال، الشر على الخير.. الظلمة على النور.. الحزن على الفرح.. الموت على الحياة.. باختصار: السلب في الدنيا أقوى بكثير من الإيجاب؛ أما في العالم الآخر فالأمر مختلف إلى النقيض، فالحق والنور والخير هي التي تبقى وتثبت،وتمحي كل مظاهر السلب بأشكالها وألوانها.لأن مديرها رب عادل جميل، وأنا مؤمن بانتصاري لكن ليس في هذا العالم الدنس الذي نعيشه.
8-إن لك بعض الرؤى والمقترحات في تطوير النقد السوري ما هي هذه الرؤى والمقترحات ،هلا وضعت القارئ في صلبها؟!
-ما من شك في أن النقد السوري يعاني من أزمات شتى منها ضعف الكفاءات النقدية،وضعف المواضيع المطروقة، وانعدام أهميتها،وعدم الاشتغال على الذات، وركون الناقد إلى المستوى النقدي الذي وصل إليه، وتحجر أدواته النقدية،وضعف المخزون الجمالي، أو الوعي الجمالي،ويضاف إلى هذه القضايا مسائل وإشكاليات أخرى ،منها: الشللية النقدية،والقدح في مواهب بعضهم البعض ،وضعف الكفاءات النقدية الموجهة التوجيه الصحيح،وعدم الاعتراف بسوية الآخر،وعدم إنصاف النقاد لبعضهم البعض،وكأن عدو الناقد السوري الابتكار، و محاولة كسر النمطية السائدة،وأي خروج أو تطوير في المصطلحات أو المفاهيم، والرؤى النقدية، ينعكس سلباً على جمهرة نقادنا الذين غالباً ما يلتزمون بالمناهج والمصطلحات التزام تعصب وتعنت وجهل،وأي خروج عن القاعدة يمثل انتهاكاً لمفاهيمهم القارة، ومصطلحاتهم المتحجرة بالبلاغة أو الأسلوبية وتشعباتها؛ ومن ثم نجد الكثير منهم يعيد ويكرر في المصطلح حتى يمج من كثرة استخدامه، لدرجة يفقد المصطلح بريقه،ولا أبالغ: أن بعض الدارسين يعمدون إلى تقليد بعضهم البعض ،وهذه الطامة الكبرى أن يحذو بعضهم حذو بعضهم الآخر في القول والفعل،وأغالب نقادنا اليوم، يفتقدون الجرأة وجسارة الطرح،ومحاولة الابتكار والثورة على المفاهيم والرؤى القديمة، وبتقديرنا: قلما نجد من النقاد من يبتكرون مصطلحاتهم؛ تبعاً لحركة الحداثة، وما شهدتها هذه الحركة من تقنيات وفواعل أسلوبية، وتطورات، ومنظورات مواربة،ولا نذهب بعيداً في قولنا: إن ثمة حضوراً واسعاً للمواهب الشابة المتطورة في كل من مصر والعراق وتونس والمغرب والجزائر فيما نلحظ العقم النقدي للمواهب التي لا تكاد تتجاوز الكف الواحدة في سورية، وهذه الطامة الكبرى.ويضاف إلى ذلك ضعف السلك الجامعي في تأسيس النقاد وتنمية مواهبهم ؛ إذ إن أغلب من يمارسون النقد السوري ليسوا بنقاد؛ وإنما هم دارسون، ويختلف الناقد عن الدارس اختلافا كبيرا من حيث المهارة، والكفاءة، والذهنية الإبداعية المتقدة، والمحاكمة العقلية النشطة، وتمحيص الأمور،وتوليف الأفكار، وربطها، واستنتاج الأحكام النقدية، والانتقال من حكم جزئي إلى كلي أو العكس وهذا يعني أن مهمة الناقد مهمة مضاعفة لا يستطيعها الدارس إطلاقاً،ومن أجل أن يتطور النقد السوري وينتشي من جديد لدينا بعض الرؤى والمقترحات عسى ولعلها تحقق فائدتها إذا ما تم تطبيقها بالشكل الأمثل ،شريطة الانتباه إلى الإشكاليات التالية:
1-البون الشاسع بين دراساتنا التنظيرية ودراساتنا التطبيقية،إذ نجد الكثير من نقادنا أبطالاً في التنظير أقزاماً في التطبيق، وهذا دليل عدم تمثل الرؤى التنظيرية بما يتم الإفادة منها في المناحي التطبيقية ،وأغلب هؤلاء على حد تعبير الناقد الفذ خليل موسى أشبه بمن يحكي عن الفحولة وهو عنين،فشتان شتان ما بين القول والفعل، الكل في التنظير يدعي الفحولة ،وعند التطبيق تجده يغيب،ويغيب في كل ما يقول في زوايا سرابية ضحلة لا تنتج رؤية، ولا تنتج فعلاً إبداعياً؛ غاية في التجسيد والقوة والنشاط الفكري المؤثر.
2-الطعن والغيرة والحقد التي تنال الكثير من نقادنا، خاصة في المجالات التطبيقية ؛ فالكثير من نقادنا يواجهون أية دراسة تطبيقية ولو كانت مجيدة على المستويات كلها بالطعن والذم والقدح المغرض، وأغلب هؤلاء هم في الحقيقة أعنة، أو هم ينتمون إلى الشللية القادحة التي لا تهلل أو تطبل إلا للدراسة التي ينتمي صاحبها إلى هذه الفئة أو تلك، فإن كان صاحب هذه الدراسة ينتمي إلى شلته ، يحلق بهذه الدراسة إلى مرتبة سامقة رغم أنها دراسة أقل من عادية،وربما تكون تقليدية أو مستهلكة.
3-التركيز على الأسماء والألقاب، فمثلاً عندما يذيل الباحث دراسته بلقب دكتور أو (البروفسور فلان) يكون فوق الجميع في عرفه وعرف السذج من القراء الذين ينخدعون بالأسماء؛ فأي حرف ينطقه مقدس،وأي فكرة يدلي بها تتقبلها الأذواق،وكأنها منزلة، وأغلب هؤلاء فارغون من الداخل، فاللقب إن لم يكن مشفوعاً بفاعل نقدي مؤثر وعمل مبتكر لا قيمة له ولا لدراسته.والعكس صحيح، فأي دراسة يقدمها الباحث أو الناقد المبدع مهما كانت مجيدة ومتميزة تجد النقد يلتهمها من هنا وهناك ويذهبون بصاحبها إلى الحضيض، لأن صاحبها لم ينل هذا اللقب المقدس ولو قدم أجمل البحوث وأعمقها على المستوى العربي.
باختصار، يفتقر الكثير من نقادنا إلى الموضوعية في الأحكام، وبتقديرنا : إن عنجهية الأستاذ الناقد الجامعي تطغى على موضوعيته،والأمثلة على ذلك كثيرة،كشلة السعداوي والويسي،والقدوري،وغيرها من الشلل اللامشرفة.
4-تحجر الأدوات النقدية وعدم تطورها، عند الناقد السوري ناهيك عن ضعف الممارسة وأفق التجريب عند هذا الناقد أو ذاك ،وثمة عجز ملحوظ في سوية الكشف النصي أو التحليل النصي،،وهذه مشكلة كبرى يعاني منها جل نقادنا.. فالناقد الإبداعي الحق هو الذي يكشف ما ليس في النص وليس ما في داخله،وإن فهم البعض إني أبالغ في قولي فليطالع ما قدمه الناقد صلاح فضل والمرتاض ويجد مصدر شموخهما وارتقائهما فوق كفاءاتنا النقدية. خاصة في مجال التحليل والكشف النصي؛ لأن ما يكشفانه خارج النص أهم بكثير مما فيه.
5-سطحية الأحكام، والرؤى النقدية المستخلصة، وتراكم كم غفير من الدراسات في محرق واحد، لدرجة التناسخ، وهذا ما يبدد الكثير من الجهود في السطحيات والبديهيات والمنظورات المعتادة.
وثمة مشاكل جمة كثيرة تحتاج منا وقفة متأنية ،وهذا ما سنقف عليه في كتابنا( النقد السوري بين التيه والضياع)،وسأشير إلى مقترحين كتمهيد مما خلصنا منه وهو:
1-تضافر الجهود النقدية صوب نظرية عربية تقوم على أسس ومنطلقات واعية في الكشف النقدي والخلوص إلى دراسات نقدية تضاهي الدراسات الأجنبية.
2- الانفتاح على الثقافات الأوروبية ومتابعة الحركة النقدية العالمية وترجمة الدراسات والكتب المهمة في مجال التحليل النصي ، خاصة في الجانب الجمالي .وثمة أشياء أخرى سيطرحها كتابنا الذي سيصدر في مطلع عام 2017
9- أزمة النقد السوري بين التقليد والإتباع؟!! أين أنت من هذا الطرح الجريء؟!
-من المعلوم أن النقد السوري يعاني من أزمات عديدة جلها تصب في دائرة التقليد،والإتباع؛ وهذا يعني أن الأزمة تبدأ من الناقد نفسه ومن المدرسة التي ينتمي إليها؛ أو المنهج ، أو الاختصاص،وأكرر أن أزمة النقد السوري تبدأ من السلك الجامعي ؛ هذا السلك الذي أضعف المواهب النقدية ليرتقي أضغاث المواهب المناصب الحساسة في السلك الجامعي؛ وللأسف قلتها مراراً وتكراراً يجب أن يحاسب أساتذة الجامعة المخربين؛ونكرم المؤسسين المجتهدين الذين كأنوا مثالاً يحتذى كخليل موسى، وعبد الكريم الأشتر،ومحمود فاخوري، وبكري الشيخ أمين،وفؤاد المرعي وغيرهم من هؤلاء العظام،وكم أتمنى من وزارة التعليم العالي الكريمة أن تشكل هيئة رقابة لكشف مفاسد هذا السلك وتعاقب المسيء العقاب المستحق ؛بمعنى أدق يجب رفع الحصانة عن الأستاذ الجامعي؛ ويركل بالأقدام إذا دمر موهبة أو كفاءة مشرقة في هذا الوطن؛ ويجب أن يحاسب كما يحاسب الطالب إذا ما أخطأ،وبذلك ينال الطالب احترامه،ويحسب الأستاذ الجامعي الموقر ألف حساب قبل أن يقتل هذه الموهبة أو تلك؛ لأن الكفاءات إذا احترقت لا تعوض. والقاتل للكفاءة الأدبية بمثابة المجرم؛ لأن قتل الأحلام والمواهب أشد ضرراً من قتل الأرواح؛ وللأسف بانعدام الرقابة فإن مئات المواهب والكفاءات تتبدد وتتلاشى بعنجهية هذا الأستاذ الظالم أو ذاك؛ خاصة ما يعانيه طلبة الدراسات العليا (الماجستير/ والدكتوراه) في جامعاتنا العزيزة، وما حدث معي على أيدي ثلة من الظلمة أكبر دليل، فلما أصبحت أطروحتي جاهزة للمناقشة في جامعة حلب، وأصبح جميع أصدقائي يباركون لي باللقب قبل شهر من المناقشة، أجد نفسي قد قذفت قارعة الطريق؛ لأن المشرف على الرسالة (الموقر) قد قرر شطب الأطروحة؛ لأني طلبت تغيره؛ وما طلبت تغيره إلا لأنه كان يشبعني سخرية وإهانات،ولا يؤدي الأمانة كما يجب أدركت بعدها أن هذا المشرف لن يمنحني الدرجة المستحقة،وبدأ الصراع،وهنا دخل أعدائي المجرمين،ليحيكوا المؤامرة بدهاء مع مشرفي الموقر؛ بحجة يضحك عليها الصغير قبل الكبير(عدم الأمانة العلمية) ودخل الثعلب الماكر بدهاء مشفوعاً بعميد الكلية(لا رحمه الله)؛ ليقرروا شطب أطروحتي قبل شهر من مناقشتها، وكان ذلك منذ عام 2007، والطامة الكبرى أنهم لم يكتفوا بذلك؛وحاربوا أي جامعة أخرى لاستقبالي إلى أن حققوا غايتهم الإجرامية... وعرقلوا مسيرتي العلمية... إلى من أشكو،وكل الأنظمة والقوانين مع هذا الظالم ؛وذهب حلمي أدراج الرياح،وما ذلك لأنه لا رقيب ولا محاسب على هذا المجرم الظالم، وبعد مضي (9) سنوات دفنت قضيتي وكأن شيئاً لم يكن؛ وحتى لو تحققت المعجزة الإلهية(ولن تتحقق) وأرادت وزارة التعليم العالي أن تحفظ ماء وجهها ...إنصافي ، وتشكيل لجنة لمناقشة الأطروحة، ومنحي الدرجة المستحقة.. ماذا تنفع الدرجات العلمية وقد رحل قطار العمر،وتلاشت الأحلام وتبددت، كل ما أرجوه الآن أن أحفظ حقوق زملائي وأخواني الطلبة لئلا يحدث لأحدهم ما حدث لي، أو أن تنال يد الغدر من هؤلاء السفلة المجرمين إحدى الكفاءات النقدية... وكم أرجو أن تتكرم وزارة التعليم العالي بتشكيل لجنة مركزية،(لجنة مراقبة داخلية صارمة) لمحاسبة أخطاء الأساتذة الأكاديميين المدمرة، لتنصف الطالب، وتمنع قدر الإمكان تعنت الأستاذ الجامعي وظلمه الذي لا يليق بهذا السلك على الإطلاق،وأقول للقارئ و لا أبالغ في قولي: لقد احترق قلبي منذ ذلك الوقت؛ وأصبحت عاجزا عن حضور مناقشات الدكتوراه لزملائي،ويعلم الله لما نشرت أطروحتي ككتاب في عام (2010 التكرار في الشعر العربي السوري المعاصر) نال هذا الكتاب شهرة عظيمة لأنه الأول في مجاله في هذا الموضوع؛ كل من يقرأه يدرك أنه أطروحة مهمة نظراً لأحكامه النقدية،وقيمته العالية؛ والمؤلم حقاً أن هؤلاء الظلمة نسوا بلحظة أنهم لم يدمروا حلمي فحسب، وإنما دمروا حياتي وأسرتي بالكامل وأحرقوا كل شيء جميل فيها؛ وللآسف لقد نالت أضغاث المواهب درجة الشرف، وقذفت بكفاءتي في زوايا الدموع المشبوبة بالقهر والغيظ الخانق؛ والأسى المرير......
-ما أريد قوله:إن أزمة النقد تنطلق من هنا،في تخريج الكفاءات المستحقة، التي تنتج ويشكل حضورها بصمة خاصة مؤثرة، في دفع عجلة النقد إلى الأمام؛ فالقارئ العربي لا تعنيه الدرجة العلمية لهذا الناقد أو ذاك ،وإنما تعنيه المادة النقدية وسويتها القرائية،ومدى دقة الأحكام النقدية وموضوعيتها؛ وهذا ما ينبغي على المؤسسات الجامعية الاشتغال عليه ليس في الحقل النقدي فحسب ،وإنما في مختلف الحقول الإبداعية.
-أما أزمة النقد الحقيقية في سورية فإنها تنطلق من توجهات النقاد أنفسهم ؛ إن معظم نقادنا السوريين اتباعيون أو تقليديون، قلما نجد منهم ما هو مجدد أو مبدع ؛وهذا القول لا ينطبق على الجميع، فثمة نقاد مبدعون متميزون أمثال :الناقد الفذ خليل موسى الذي نوع في قراءاته النقدية بين التطبيق والتنظير، والناقدة الشابة الواعدة خلود ترمانيني وهي درة النقد السوري،وتعد أطروحتها ( الإيقاع اللغوي في الشعر العربي الحديث) أهم عمل نقدي صدر عام 2004،ولا نبالغ في قولنا أهم إنجاز نقدي شهدته سورية في القرن الواحد والعشرين؛ حيث استطاعت الناقدة اللامعة أن تقدم عملاً نقدياً استثنائياً من الصعب تجاوزه،وتحليلات نصية غاية في الروعة والتقصي والدقة،وإكراماً لهذا العمل وصاحبته، غالباً ما استشهدنا بأقوالها في معظم سياقاتنا البحثية، لنمنح هذه الناقدة حقها ومكانتها السامقة التي تستحقها ليس محلياً وإنما عربياً، ولهذا انتشر اسمها وزاع صيتها في الأوساط العربية؛ولن نقلل من شأن كتابات الناقد اللغوي فايز الداية ،ويعد كتابه جماليات الأسلوب قفزة نوعية في مجاله، وهو درة النقد العربي،وهو عميد النقد السوري، وقد أدهشنا الناقد الفذ فاروق إسماعيل، بدراساته التطبيقية على المقامات فكانت أدواته النقدية مبتكرة ،وأسلوبه الفني المتعالي خير دليل على قيمته وزهو إبداعه،ولا ننسى القامة النقدية المعطاءة (فؤاد المرعي) الذي خرج أهم باحثي النقد العربي الجمالي، فكان ناقداً استثنائياً في زمن استثنائي بالتوهج والإبداع؛ ولا نقلل من أهمية الناقد العظيم غسان غنيم الذي قدم دراسات تطبيقية تدلل على شعريته وإحساسه الجمالي، فكان وخليل موسى درتي النقد الحديث الإبداعي في جامعة دمشق،وكذلك دراسات الشاعر النقدية المتميزة نزار بريك هنيدي، الذي جمع أناقة الشعر،مع دهشة مكتشفاته النقدية،وأيضاً الناقد السوري حسين جمعة الذي جمع بين النقدين القديم والحديث وكان مبدعاً مجدداً في الأسلوبين معاً وكتابه عن الاغتراب من أهم ما كتب في مجاله،ولا ننسى كتبه القيمة(جمالية الكلمة -الحيوان في الشعر الجاهلي)من قيمة وجدة وابتكار،ولا ننسى جهد الناقد أحمد زياد محبك في مجال التحليل النصي، وكذلك جهد الناقد وليد مشوح الأنيق روحاً وإبداعاً؛ وكذلك جهد الناقدة لطفية برهم،وهي عميدة النقد الجمالي في جامعة تشرين،وكذلك جودت إبراهيم الذي يستحق وسام الجدارة والتميز، والناقد الشاب هايل الطالب، الذي يبشر بمشروع ناقد مهم،وكل هذه الكفاءات ثروة وطنية في الحقل النقدي لا يمكن الاستهانة بها.
-وكم بودي أن أظلل هذه الأسماء بظلال من نور داعياً لهم مزيداً من التطور والعطاء المثمر والتألق الكامل.لأنهم ثروة وطنية يجب المحافظة عليها.
-وما أريد أن أنوه إليه : إن التقليدية في النقد آفة خطرة ،تأكل النقد وتنخر به كالسوسة في الخشب،على الناقد أن يختار المواضيع الجديدة اللامطروقة ،وأن ينماز في آرائه ومقترحاته،ولا أريد الحديث عن بعض المواضيع الاتباعية التي كررت مئات المرات،وعلى الكم الغفير من الكتب النقدية الاتباعية أو الكلاسيكية،لئلا أجرح أصحابها أو أُشَهِّر بهم،كل ما أريد قوله: إن عجلة النقد السوري تمضي تدريجياً وببطء شديد فيما عجلات النقد العراقي ودول المغرب تمضي مسرعة بشتى المواضيع والإفرازات والكفاءات النقدية،لأن الحركة النقدية في مثل هذه الدول أنتجت البديل،واشتغلت على الكفاءات الجديدة،ومهدت السبيل لإحيائها؛ أما في قطرنا الحبيب فالأمر جد مختلف، المواضيع مكرورة تقليدية،والمواهب فردية،تحتاج إلى طاقات مضاعفة في البحث والجهد،وكما قلت: سورية مهد الكفاءات والطاقات المهدورة ولو تم الإفادة من نصفها وتوجيهها التوجيه الصحيح لكان الأمر جد مختلف، ولكانت الحركة النقدية في سورية في ذروة مجدها وألقها وعطائها المثمر كما كانت من سابق في مراحل ليست ببعيدة.
- وأعود وأكرر إن فرحتي بولادة ناقد حقيقي كفرحتي بدرجة الدكتوراه المسلوبة مني على أيدي ثلة من الظلمة (لا رحمهم الله)، لأن ولادة ناقد حقيقي هو ولادة مستقبل نقدي يعود بنفعه على الجميع، خاصة بلدنا الحبيب الذي هو بأمس الحاجة إلى الكفاءات المباركة التي تعطي بإخلاص ومحبة، وأجمل حب حب الوطن، والإخلاص له و العمل على تطويره في كل الحقول.
10-النقد ممارسة أم إبداع؟!! من منظورك النقدي؟ متى يكون النقد ممارسة من منظورك ومتى يكون إبداعاً؟!!.
- النقد فن من الفنون المؤثرة في كشف الأشياء،والحكم عليها، والناقد المؤثر لابد له من موهبة، وخبرة إبداعية ومرجعية ثقافية واسعة؛ بالإضافة إلى عمق الرؤية،وعمق الحساسية الجمالية، أو لنقل الخبرة الجمالية؛والنقاد هم الذين يطورون الإبداع،ويرفعون أسهمه الإبداعية بنجاح،ولهذا احتفى به القدماء منذ القدم؛ والنقد القديم على سذاجته وانطباعه الحدسي رفد النقد الحديث، لكن السؤال المطروح أين وصل النقد العربي الحديث،؟ أين موقعه من حركة الإبداع المتسارعة؟ هل واكب النقد الإبداع أم تخلف عنه؟ ومن هم النقاد المؤسسين الذين أغنوا حركة النقد العربي؟ وأسهموا في دفع عجلة النقد إلى الأمام؟!!.
هذه الأسئلة المطروحة تدفعنا إلى طرح الكثير من الرؤى النقدية والمفاهيم الرؤيوية، وفق ما يلي:
1-النقد مرجعية إبداعية:
لاشك في أن النقد مرجعية إبداعية تتفتق بين الحين والآخر؛تبعاً لذخيرة المبدع، وثقافته المعرفية،وهذه الخبرة تتنامى تدريجياً،وتتفتق بمقدار موهبة الناقد، ورؤيته، وأحكامه النقدية المؤسسة على وعي معرفي، وخبرة إبداعية راقية في الكشف، والاستدلال، والتمحيص؛ومن أجل أن تتنامى هذه المرجعية لابد من روافد إضافية تزيدها منها: الثقافة المتطورة، والحساسية الجمالية، والموجة الرؤيوية التي تنبثق من صميم المعرفة، والتشوف الرؤيوي المتوهج على ما هو جديد ومبتكر؛ ولهذا؛ لا غنى عن هذه المرجعية في ثراء تجربة الناقد وغناها.
2-النقد حساسية جمالية:
لاغرو أن يكون النقد حساسية جمالية،وإرادة واعية تتحسس الأشياء،وتتشوف جوهرها من خلال حسن الاستشفاف الجمالي،وحسن الرؤية،وعمق مخزونها الإبداعي؛ فالإبداع في أسمى تجلياته ثورة جمالية، وحساسية جمالية مرهفة، لا يمكن الوصول إليها إلا عبر مدلول جديد،وعين ناقدة مبدعة تستشف ما خلف الكلمات؛والناقد الرائي المتميز هو الذي يخلق النص من جديد؛ و يتغور أعماقه،ويستخلص ما هو خبيء في باطنه؛وبتقديرنا:
إن أية قراءة نقدية موضوعية ناجعة تنطلق من النص ذاته دون علاقة بما سواه. شريطة الجودة والإتقان؛سواء أكانت محلقة برؤاه أم مثبطة لها. فهي قراءة ناجعة تشكل إضافتها لا محالة،وما نقصد ب(القراءة الناجعة) القراءة التي ترقى بالنص،وترتقي به؛ أما القراءة المثبطة فهي ليست القراءة التي تقلل من شعرية النص أو تقيده؛وإنما ما نقصده هي القراءة التي تتصيد الجوانب اللاشعرية في النص لإظهارها وإبرازها،والكشف عنها لتحريض الشاعر أو المبدع فيما بعد أن يتجاوزها إلى أعمال أخرى أكثر نضجاً وإبداعاً وعمقاً من الأولى حتى هذه القراءة وإن رامتها الظنون ستصب في المحصلة في مصلحة العملية الإبداعية ذاتها، ودائرة التأويل الناجع المثمر الذي لب مسعاه الخلوص بنتائج موضوعية ،ورؤى حقيقية تدخل عمق النص،لتفيد القارئ والمبدع في آن، بأحكام موضوعية ترقى بالنص،والمبدع ،والمتلقي.
3-النقد مكاشفة دائمة:
النقد حركة نصية رؤيوية واعية؛ وهو مكاشفة دائمة ، فالناقد ليحقق قراءة نقدية مهمة عليه أن يحيا مع النص ؛ أن يعيش طقوسه، وأجواءه الإبداعية؛ أي على الناقد أن يتحسس مناخات النص الإبداعية، ويعاود قراءة النص من جديد ، ويخطئ الناقد حين يقدم قراءة نهائية أو قراءة أحادية ؛وأغلب القراء الفاشلين أو التقليديين أولئك الذين يعتمدون قراءة واحدة أو قراءة أحادية؛ أو نهائية للنص؛ظناً منهم أنهم قد حققوا القراءة الناجعة أو القراءة الفاعلة المنتجة لجمالية النص؛ فالقراءة الناجعة هي القراءة اللامنتهية أو القراءة اللامكتملة؛ وهي القراءة القابلة للمحو التغيير، أو هي التي تتقبل المحو التغيير؛ أي هي القراءة التي يمكن أن تتطور،وبمكن أن تتغير. أما القراءة المنتهية التي يركن إليها أصحابها فهي القراءة المائتة التي لا تضيف أو لا تقبل الإضافة؛لذلك معظم كتاباتي النقدية تبقى في حوار وانفتاح وتصادم وتناقض،وإضافة ومحو، فأنا لا أؤمن بناقد كامل؛ أو دارس مبدع لا يأتيه الباطل من بين يديه؛ فالناقد الحقيقي هو المتغير في قراءاته، هو الذي يضيف،ويغير ويتغير في كل مرة يطالع النص أو ينفذ إليه؛وأغلب الدراسات النقدية الهشة هي التي ظن أصحابها أنها منتهية ؛ولذلك أنا ضد مقولة النص المكتمل أو النص المنتهي، وضد مقولة دراسة منتهية،وكثيرا ما عدلت قراءاتي النقدية وحذفت منها؛ لدرجة المحو أحياناً؛ ففي كتابي الموسوم ب( ظواهر أسلوبية في شعر بدوي الجبل)رغم ما حظي من اهتمام نقدي محوت كل ما فيه في كتابي( جمالية الخطاب الشعري عند بدوي الجبل)،ورجعت محوت هذا الكتاب بكتابي الثالث( بدوي الجبل بلاغة القصيدة وتشكيلها البصري) ثم محوت هذا الكتاب بكتاب رابع هو(مستويات الإثارة الشعرية في شعر بدوي الجبل) الذي صدر عن دار علاء الدين دمشق(2015)؛وربما يأتي يوم وتتغير قراءتي فأعيد عملية المحو تلك مراراً وتكراراً، تبعاً لتطور أدواتي وقدراتي النقدية ؛ ولذلك الناقد الذي يظن أن رؤيته منتهية أو مكتملة هو ناقد عنين عقيم عاجز عن ارتياد النص وفك جموحه.
وهذا ما فعلته في قراءاتي النقدية لتجربة الشاعر العراقي الكبير حميد سعيد ؛ فقد اشتغلت كتابي الأول عن تجربته وهو(مسارات الإبداع الشعري) ثم عدت فمحوت كل ما فيه لأنجز أهم قراءة نقدية لي في مشروعي الطويل الذي دام (15)عاماً وهو (فضاءات جمالية في شعر حميد سعيد) لم استطع محوه أو حتى تجاوزه ،وهذا دليل عدم تطور أدواتي النقدية ؛وأخاف أن تكون شاخت رؤيتي أو تحجرت أدواتي ؛ ولهذا أنا أجاهد أن أمحو هذا العمل بأهم منه،ولهذا أعيش مع نصوصه كثيرا، وأعيش طقوسها وآمل النجاح في تخطيه وتجاوزه؛وكل ما يهمني ليس الطنين الإعلامي أو الهرطقة الدعائية لما أكتب؛وإنما ما يهمني أن تتطور رؤيتي وأدواتي؛ لهذا أضحك حتى الإعياء من أولئك الذين ينتقدون كتاباتي في عامي(2006-2009)؛ وأذكر منهم أحمد ويس، والبروفسور علاء وغيرهم لأن هذه المرحلة اعتبرها تمرينات نقدية،وهي هوامش قرائية ليس إلا؛وهم يطبلون ويزمرون للإقلال من شأن ما كتبته فيما بعد؛ بقصد عدواني إجرامي بحت.
ولا أبالغ في قولي أنا أبتهج وأفرح عندما أجد دراسة نقدية تمحو ما كتبت أو تقفز فوق ما كتبت، وأفرح أكثر إذا كان صاحبها شاباً، أو ناقداً واعداً؛أشعر أن النقد السوري أو النقد العربي بخير؛ لكن ما يؤلمني أن الكثير من النقاد يعيشون الجهل النقدي الحقيقي،ويركنون إلى ما وصلوا إليه؛ إن النقد يشيخ ويهرم إن وقف عند حد معين ؛ والناقد يدفن نفسه بيديه إن ركن إلى المستوى الذي وصل إليه؛ولهذا رغم قوة أعدائي في الحقل النقدي وما نالوه من درجات علمية لم يحققوا نصرهم علي ولم يستطيعوا محو كتبي بإبداعاتهم لأنهم ركنوا إلى ما وصلوا إليه واعتمدوا التشهير الفاضح على النت ، ولهذا خسروا الرهان خسروا أبهة أسمائهم لأنها شاخت وتحجرت أدواتهم النقدية وتخشبت؛هؤلاء ماذا سيقدمون للنقد السوري سوى الطنين؛ إن ما يقتل الناقد الركون إلى المناصب والألقاب( أستاذ نظرية النقد والأدب جامعة حلب.. البرفسور فلان جامعة دمشق)، هذه الأسماء لا ترفع الدراسة قيد أنملة؛ المبدع هو الذي يقدم دراسة نقدية غير مسبوقة.. ويتجاوز سابقيه بأشواط؛ أما أن يكرر ويجتر ما قيل في حقل التنظير فلن يقدم شيئاً مهماً ولن يتطور... هم أرادوني وراءهم وأنا جريت أمامهم ، لهذا هم تخلفوا ،وأنا مضيت!!
هم استعانوا ببريق الألقاب لترويج كتاباتهم نجحوا في لفت انتباه السذج؛ وأنا استعنت باسمي العاري وجهدي الدؤوب،فنجحت،ووصلت، وأعمل بجهد أن أمحو ما وصلت إليه بأعمال نقدية أكثر قيمة وأهمية وإبداعاً؛ولهذا؛ لن أركن إلى ما وصلت إليه لأن النقد مكاشفة دائمة وحركة متجددة كما دورة الحياة,ومن يظن أنه وصل فليعلن موته كمبدع، وناقد، وأديب.
ولا أخفي القارئ أن إطراء البعض على بعض أعمالي يحملني مسؤولية مضاعفة أن أعمل جاهداً لتطوير أدواتي وهذا ما عمدت إليه الآن، أو أشتغل عليه في كتابي ربما الأهم في مسيرتي القادمة وهو(الفكر الجمالي عند شعراء الحداثة)؛ولا أخفي القارئ أيضاً مدى المرارة التي نلتها من قبل أعدائي بعدما سلبوا مني درجة الدكتوراه،في عام 2007. بتآمر مشرفي سعد الدين كليب، في تلك المرحلة المريرة التي تجاوزتها،وآمل أن أتجاوزهم فكراً وإبداعاً جمالياً يرقى فوق ما كتبوا وما سطروا؛.. إنهم الآن – بالنسبة لي مجرد أرقام علي تجاوزها وهذا حافزي الآن؛وانتصاري القريب بمشيئة الله.
4- النقد إبداع أومنظور إبداعي متطور:
يخطئ من يظن أن النقد تحليل نصي، أو أحكام نقدية، أو مجموعة رؤى، واستنتاجات درسية.. النقد رؤيا واكتشاف،باختصار: النقد إبداع على إبداع، أو إبداع فوق الإبداع، هو خلق نصي جديد،ولهذا يختلف النقد كدراسة عن النقد كإبداع، من فهم النقد دراسة لا يفهم حقيقة النقد ولا جوهر العملية النقدية، إن القارئ النقدي المبدع هو الذي يخلق النص من جديد بأدواته ورؤاه، إنه يحيي فيه بذرة الإبداع التي جفت بعد إخراجها من تربتها. إنه يمنحها بريقها الآسر ،وينفث فيها من نفثات روحه لتحيا من جديد. على الناقد أن يعيد هذه البذرة إلى تربتها بنبضه وإحساسه الجمالي، ليحيا النص من جديد،وينتشي في ثوبه الإبداعي الجديد.
5- النقد ممارسة ومتابعة وحراك رؤيوي متواصل:
لقد سبق أن قلنا: إن النقد السوري يحتضر،ولا أبالغ أن من أسباب احتضاره ضعف الممارسات التطبيقية ، أو بالتحديد عقم الدراسات التطبيقية مقارنة بالدراسات التنظيرية التي تصول وتموج وهي أشبه بالفرقعات الكاذبة والهرطقات الفارغة التي لا تغني ولاتسمن من جوع؛ وهنا أقول إن النقد ممارسة وأدوات الناقد تضمر إن لم تتطور ، ولهذا ينبغي على الناقد أن لا يغيب عن الممارسة إطلاقاً؛ فالممارسة تسهم في تنشيط الإبداع،وتسهم كذلك في تطوير الأدوات النقدية ،ومن ثم تحريك الرؤية للبحث عن مستجدات، وأعود وأكرر مراراً وتكراراً: إن براعة الاكتشاف وعمق المكتشفات لا تأتي إلا بعد طول مران وتجريب،وبهذا يحفظ الناقد أدواته من الصدأ والتقادم الزمني ويضمن للغته النقدية سموها ورشاقتها وسلاستها الإبداعية الرائقة.
وفي الختام:
لا تنفصل الممارسة عن الإبداع في حقل الكشف النقدي ، فالممارسة شرط من شروط الإبداع ،ولا يمكن أن تتحقق قراءة نقدية ناجعة أو مبدعة دون ممارسة جادة وحقيقية ومجتهدة ودؤوبة تروم الفرادة والكشف والإبداع.
11-النقد السوري إلى أين من منظورك؟!!هل ثمة تطور في الحركة النقدية في سورية أم تراجع في الكفاءات والممارسات النقدية؟!!
بادئ ذي بدء، نقول إن النقد موهبة كموهبة الغناء، أو الرقص، أو الموسيقا؛ وهذه الموهبة تصقل بالممارسة، وعمق التجربة، والخبرة،والمعرفة الواسعة؛ويخطئ من يظن أن الناقد يُصنَع صنعاً؛ويخطئ من يظن الدارسَ ناقداً؛فشتان شتان مابين الناقد والدارس؛ فالناقد يؤسس ويبني ويبتكر ويقوَّم، في حين أن الدارس عاجز عن كل الأشياء التي ذكرناها، إنه يقدم رؤية بناء على رؤى،ويصل إلى رؤية مستخلصة أو مستوحاة من سابق؛ بمعنى أدق: إنه ينطلق من نتائج مسلمة؛ ورؤى محكمة ومثبتة من سابق؛ في حين أن الناقد يصنع رؤيته من مقدمات، ومن خلالها يصل إلى نتائج عديدة، ؛ويستخلص الأحكام المبتكرة، والرؤى الجديدة؛ولا يمكن أن يصل الدارس إلى مرتبة الناقد،وإن اجتهد،لأن النقد إبداع شأنه شأن الإبداع ذاته؛ ولا نبالغ إذ نقول: إن الناقد والمبدع صنوان في عملية الخلق الفني،لا يقل أحدهما عن الآخر في العملية الإبداعية.
وهذا الأمر يدفعنا إلى التمييز بين الناقد بالمعنى الحقيقي الجوهري للكلمة، والدارس بالمعنى الدقيق لها؛ ولا نبالغ في قولنا: لقد توفي النقد السوري بعد احتضار دام سنوات من المرارة، والألم، والركون، والتحجر،ولعل القائل يتساءل كي توفي النقد السوري، وثمة نقاد يبدعون في مجال النقد،وثمة دراسات نقدية محمومة لنقاد سوريين مرموقين تصدر هنا وهناك؟!!
أقول لهؤلاء: إن موهبة نقدية أو موهبتين لا تصنع مجداً نقدياً لبلد يغص بالمواهب الإبداعية الفذة في ظل عشرات المواهب النقدية الأخرى التي تتفتق في أقطارنا العربية؛والمؤسف حقاً أن الكثيرين لا يعترفون بتدني الحركة النقدية في سورية؛ وخاصة في المجالين الأسلوبي والجمالي، فمعظم من يشتغلون في النقد السوري هم لا يعرفون من النقد سوى اسمه،والمؤسف أكثر من ذلك بكثير أن الجامعات السورية تخرج تحت اسم النقد: أسماء لا تعرف معنى النقد ،ولا تملك أدواته، ومقوماته الحقيقية،وإليكم على سبيل المثال لا الحصر كل سنتين تخرج جامعة حلب تحت مصطلح أستاذ في النقد طالباُ أو طالبين بأطاريح وعناوين بعيدة كل البعد عن مضامينه،والأدهى من ذلك والأمر يمنحونهم درجة الشرف،والشرف منهم ومن أساتذتهم براء، والأغرب من ذلك بكثير أن أغلبهم أضغاث مواهب، فماذا ستقدم مثل هذه الأضغاث للنقد السوري وللحركة النقدية؛ والمؤسف حقاً أن هذا الأمر لا يتعلق بجامعة حلب فحسب،وإنما بمعظم جامعاتنا السورية العزيزة. ولا أبالغ إذ أقول : إن الأساتذة القائمين على النقد في سورية هم (دارسون)؛وليسوا بنقاد،وهذا الأمر بالطبع لا يخلو من استثناءات،ولكن السمة العامة في جامعاتنا السورية انعدام النقاد المؤسسين الحقيقيين الذين يخرجون المواهب الفذة، التي عليها تنبني ركائز الحركة النقدية المثمرة في المستقبل القريب.
والملاحظ أن دارسينا ولا أقل نقادنا من الأكاديميين يهربون من الدراسات التطبيقية هروبهم من الموت،فيلزمون طلبتهم بمواضيع نظرية، أو تجميعية لا تصنع نقداً،ولا تؤسس لناقد أو مبدع حقيقي أو حتى تمهد له،فلا تقدم هذه الدراسات سوى أبحاث عقيمة ودكاترة أكثر عجزاً وعقماً من أساتذتهم؛فلا يعرفون سوى القاعة واللقب الجديد المفخم الذي كساه به مشرفه وألبسه إياه لبوساً حسناً،وهو ومشرفه لا يزن بعوضة في ميزان النقد.
والمؤسف أكثر من ذلك بكثير أن بعض الأساتذة يلزمون طلبتهم بأفكارهم، فلا يستطيع الطالب المسكين إلا أن يرضخ لأوامر المشرف ،وإن خرج عليه تشطب أطروحته ويلقى به في قارعة الطريق لأن كل القوانين ضده،وللأسف في سورية الأستاذ الجامعي إله الطالب الأكبر، معصوم عن الخطأ، والذلل، والنسيان، ينال الطالب أعلى الدرجات إن استشهد بقوله، أو طبل أو زمر برأي مشرفه، وإن كان العكس رمي بهذه الكفاءة بقارعة الطريق خالي الوفاض إلا من بعض الإهانات الشنيعة الملصقة في دهنه من مشرفه اللعين العنين (وأسفاً على بلد لا تحاسب فيه أساتذة الجامعة المدمرين كالقتلة والمجرمين) لأن من يقتل موهبة في هذا الوطن أشبه بجندي محتل) يستحق الدعس بالأقدام مهما كانت درجته العلمية ومنصبه المفخم،وللأسف إن رضخ هذا الطالب المسكين لمشرفه في القول والفعل؛ يصبح دون أن يدري نسخة مصغرة متحجرة من مشرفه العنين،فماذا يقدم هذا العنين للنقد السوري غير الطنين؟!!
واللافت أكثر من هذا وذاك أن بعض الألقاب المفخمة التي تمنحها الجامعات السورية لطلبتها(أستاذ نظرية النقد والأدب) وهو برئ من النقد والأدب براءة الذئب من دم يوسف،ولا أبالغ بأن الحرقة والألم تكوي القلب عندما نجد أن النقد المغربي وصل القمة ونحن نجتر الألقاب، ونتزاحم المناصب،والمؤسسات الثقافية،متوهمين أو واهمين أن النقد السوري بخير وبأنه معافًى؛ إن أمثال هؤلاء يضحكون على أنفسهم،قبل أن يضحكوا على الآخرين؛
والملاحظ أيضاً أن المواهب النقدية المثمرة في سورية تحارب، والناقد المبدع المؤسس ليس له رصيد، أو حافز سواء في مؤسسته التي يعمل فيها، أم بالمنابر الثقافية ،وللأسف هذا الأمر يدفع بكثير من المواهب إلى الانزواء، ورويدا رويدا إلى السكتة الإبداعية المميتة فتذوي هذه الموهبة أو تلك، وتذوي معها قلوبنا حزناً وغيظاً على مجد نقدي كان سيسطر بوفاة هذه الموهبة أو تلك ،ومعها تخفت أحلامنا وترتد إلى الحضيض.
ما أريد قوله : إن الحركة النقدية في سورية ضعفت ليس من قلة المواهب والخبرات السورية وإنما من تطفل أضغاث المواهب المفاصل الحساسة قي مراكزنا الثقافية خصوصاً بالمؤسسات الجامعية التي عليها المعتمد في رفد الطاقات النقدية التي ترتقي بها الحركة النقدية، وتزدهي ،فهي للأسف كانت العبء ؛وكانت نقطة التخلف، والضعف ؛وهي السبب الرئيس في تدهور الحركة النقدية وعقمها؛ولا أبالغ قد تفتقد جامعة سورية بكاملها إلى ناقد حقيقي مبدع ،فكيف تصنع مثل هذه الجامعة ناقداً؟؟ أو حتى تفكر في تخريج ناقد،ولو تصفح ناقد حقيقي بعض الأطاريح التي نالت مرتبة الشرف في درجة الدكتوراه في إحدى جامعاتنا الموقرة خاصة في النقد، لضحك حتى الإعياء من الطلبة وأساتذتهم الذين منحوهم هذه الدرجة اللا مستحقة؛ بالمقابل نلحظ أن جامعة بغداد كانت تخرج في السنة الواحدة أكثر من ثلاثة نقاد مؤسسين بمؤلفات لا تنسى؛ وحاتم الصكر،ومحمد صابرعبيد،علي جعفر العلاق،بشرى البستاني،ومحسن أطميش أمثلة رائعة للحركة النقدية المحمومة المتطورة في العراق الشقيق.
والمؤسف حقاً أن الكفاءات النقدية المهمة مازالت مهمشة مقارنة بأضغاث المواهب،ولعل ارتقاء هذه الأضغاث المفاصل الثقافية الحساسة في مراحل كثيرة، أسهم رويداً رويداً في قتل الحركة النقدية في سورية إلى لحظة تأبينها مساء أمس.
والسؤال المطروح الآن هل يمكن للحركة النقدية في سورية أن تولد وتنتشي من جديد في ظل وجود بعض الكفاءات النقدية المهمة؟
من الظلم أن نجحف أهمية بعض الطاقات النقدية التي أعطت وقدمت الكثير للحركة النقدية في سورية ومازالت تعطي أمثال الناقد الكبير: خليل موسى،و فايز الداية، وفؤاد المرعي،وعبدالكريم اليافي،ونعيم اليافي، وأدونيس،وحسين جمعة ،عبد الله أبوهيف، ووفيق سليطين،ولطفية برهم وخلود ترمانيني.... إلخ لكن هذه الطاقات إن لم تجد بديلاً عنها أو رافداً لها لن تتطور الحركة النقدية وتنتشي؛ولا أبالغ إذ أقول : إن النرجسية وحب الذات وعدم الاعتراف بكفاءة الآخر كانت السم الزعاف الذي قتل الحركة النقدية في سورية ،ما إن يولد ناقد حقيقي حتى تجد سياط الهجوم والتشهير به على هفوة هنا أو هناك يدمرون مشروع جيل أو أمل أمة، ينالون بأسمائهم الطنانة الرنانة(دكتور نظرية النقد والأدب- بروفسور فلان) أي بذرة نقدية حقيقية ستنتشي وتظهر للسطح لئلا تكشف هشاشتهم وعقمهم النقدي ،وقد سبق أن أشرت إلى وجود ثلة من الدارسين المدمرين وليسوا النقاد المدمرين، لأنهم بعيدون كل البعد عن النقد ودائرته المقدسة ،هؤلاء هم سبب دمار الحركة النقدية في سورية في الكثير من مراحلها، والأمثلة عليهم كثيرة أدع القارئ الحصيف لاستكشافهم؛ونطلب من الله هدايتهم،كفى مما أصابنا منهم عقماً وعدماً؛ اللهم خلصنا منهم ومن أمثالهم الذين لا يروا إلا أنفسهم؛ فالساحة النقدية تسع جميع النقاد الحقيقيين؛ أما هؤلاء الأضغاث فلا مكان لهم على خارطة النقد الإبداعي الحقيقي الذي نرومه من ناقدينا الشباب؛ وأعود وأكرر لن تنتشي الحركة النقدية في سورية وتنتشي كسابق عهدها إلا بالطاقات والروافد النقدية الحقيقية التي تنطلق من الجامعات والكوادر الإبداعية الخلاقة وليست الكوادر الطنانة التي لا تزيد الحركة النقدية إلا الأنين والطنين.
12-ماهي وصيتك لقارئ أعمالك النقدية؟!!
عليك أن تتجاوزني،بما هو أكمل وأنبل وأجمل... إن حققت ذلك تكرمني وتكرم رسالتك النقدية. واشتغل بجد.. . أنت الأقوى، والأجمل، والأنبل...ولك المستقبل..
13-ماهو حلمك المستقبلي؟!!
-أن تعود سورية الوديعة وشعبها المسالم.. ويبنون بالمحبة الحياة..
985 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع