تعد المكتبات مقصدا هاما لطلاب المعرفة أو متعة القراءة والاطلاع على تجارب أدبية وعلمية مختلفة، فوحدها القراءة ما يغذي الذهن وينحت ثقافة الفرد التي تصبح معوله للحفر في أي فكرة. لكن أحيانا لا تتوفر عناوين الكتب المطلوبة نظرا لنفادها أو قدمها أو غلاء سعرها، ما خلق مكتبات تقدم نفائس الكتب القديمة والمستعملة.
العرب/بيروت - تنتشر المكتبات الصغيرة في أرجاء بيروت، وتشهد إقبالاً من المهتمين على مدار اليوم، خاصة وأن رفوفها تحوي كتبا قديمة ونادرة لا يمكن العثور عليها في المكتبات الكبيرة، كما أن أصحاب هذه المكتبات في الغالب من المثقفين، ويناقشون الزائر في الأدب والسياسة والفن، ويختارون له الكتاب الذي يحتاجه.
بين رفوف هذه المكتبات، يبحث الشغوفون بالمطالعة والمعرفة عن نفائس الكتب، وغالباً ما يعثرون على “كنزهم الفكري” يرقد بين الآلاف من الكتب، بعد رحلة بحث تشمل العشرات من المكتبات الحديثة التي لم تعد تهتم بالكتب الثرية و”الدسمة”، خاصة ما كان قديما منها.
ويقول عصام عياد، صاحب إحدى المكتبات بشارع الحمرا في بيروت، إنه اضطر إلى اقتناء مكتبته إثر الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982، ويضيف “بعد هذا الزلزال الكبير لم أجد غير سلاح واحد هو سلاح المعرفة والثقافة. وقد استخدمت هذا السلاح بالتعامل مع الكتاب”.
ويؤكد أن المكتبة تضم تشكيلة منوّعة من الكتب في جميع المجالات المعرفية والثقافية، بالعربية والإنكليزية، بينها كتب قيمة ونادرة عن الفلسفة العربية القديمة، وكتب إسلامية، وموسوعات قديمة، بالإضافة إلى كتب أدبية وفكرية لشعراء وكتاب كبار أمثال شوقي أبي شقرا وأنسي الحاج وأدونيس.
بعض هذه الكتب لم تعد موجودة في السوق، ولم تُطبع منها نسخ جديدة، كما يقول عياد، فمكتبته تؤمّن للقارئ الطبعة الأولى من بعض هذه الكتب، منها مثلاً ديوان “لن” للشاعر أنسي الحاج، و”كلما كان الكتاب نادراً وقيماً يكون سعره أغلى، حيث يصل سعر الديوان إلى خمسين دولاراً أحيانا”.
ويكشف عياد أن القرّاء الشغوفين بمثل هذه الكتب يأتون إليه خصيصاً من الخارج، وهم مستعدّون لدفع مبالغ كبيرة من أجل الحصول عليها، إذ تشكّل المكتبة “مقصداً للمثقفين اللبنانيين والعرب والمستشرقين والمستعربين في العالم”.
وفي مكتبة أخرى في شارع الحمرا تُقسم الكتب إلى قسمين؛ قديمة وجديدة. وهي تشتمل على كتب فلسفية وسياسية ودواوين وموسوعات عن الديانات. ويقول صاحب المكتبة عمر سليمان إن الطلب يتزايد على الكتب القديمة، لأنها “نادرة وأكثر جدية من الكتب الجديدة” على حد تعبيره.
وبالنسبة إلى رواد المكتبة، فهم في أغلبهم من الكتاب والمحامين وأساتذة الجامعات والمثقفين. وعن كيفية حصوله على هذه الكتب النادرة يقول سليمان، وهو عسكري متقاعد، إنه يشتريها بشكل مباشر من أصحاب المكتبات الشخصية.
أما محمد ظاهر فيقتني الكتب القديمة من مستودعات في بيروت والبقاع وكذلك من خارج لبنان، ويوزع منها على المكاتب، كما يمتلك مكتبة في عرب صاليم في جنوب لبنان. ويرى أن الكتب القديمة مرجع مهم للباحثين، فهناك مثلاً كتب تتحدث عن المدن منذ الآلاف من السنين لم تعد موجودة الآن، و”قلّما نجد كتباً جديدة تشكّل مرجعاً للباحثين”. ويبين ظاهر أن رواد المكتبة هم في الغالب من طلبة الماجستير والدكتوراه وأساتذة الجامعات والمثقفين.
أما عن الكتب التي تُطلب منه باستمرار فيذكر ظاهر موسوعة “لسان العرب” لابن منظور، و”كتاب الأغاني” لأبي الفرج الأصفهاني وغيرهما.
وتضم المكتبة كتباً باللغات الإنكليزية والفرنسية والأسبانية والإيطالية والروسية، تباع بأسعار مخفضة جداً، تصل إلى نصف سعر السوق تقريباً.
وفي ضوء ازدهار سوق الكتب القديمة، ينظم الناقد التشكيلي سيزار نمور، وهو صاحب مكتبة أيضا، سوقاً للكتب تقام في السبت الأول من كل شهر، في شارع مونو بمدينة بيروت، مما يجعل الكتب أقرب إلى القارئ.
يقول نمور “في هذه السوق تَعرض المكتبات كتبها القديمة، ويمكن للناس العاديين أن يبيعوا كتبهم القديمة”. ويؤكد أن أسعار الكتب مخفضة جداً، فسعر الكتاب لا يزيد على دولارين اثنين. كما تتخلل المعرض الشهري حفلات توقيع كتب، وتوزيع نسخ منها للتشجيع على القراءة.
582 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع