الكاتب والقاص عادل المعموري
يشكل فن القصّ احد وجوه الأدب، لما له من أهمية تذكر في التعبير عن طموحات الإنسان وقضيته الأساسية في امتلاك الحرية والاستقرار والعيش الرغيد. ولهذا نجد القاص هنا لايتواني من استلهام التجارب والحيوات الإنسانية، إذ يتمثلها بأسلوب فني ولغة متينة معبرة عن رؤية للواقع المفترض بشكل يعزز من عمق التجربة، ومن هولاء الكتاب عادل المعموري الذي سبق وان أعطى رؤية شاملة لعمله الفني عبر مجموعتيه القصصيتين " العزف على وتر الفجيعة " عام 2015 و" خطوات ثقيلة " عام 2016 بالإضافة إلى مشاركته في المجموعة القصصية " 33 أيقونة عراقية " عام 2016 والتي ساهم فيها 10 كُتّاب عراقيين.
وفي أحدا نصوصه من مجموعته الأولى والتي تحمل ذات الاسم نفسه يرسم لنا تجربة حية تعد واحدة من أكثر إشكاليات الزمن المتشظي فقد انطلقت بحزمة من المشاعر الجياشة للعراقيين وللعالم برمته، حيث كانت آثارها قد بدت تطغى على أسبابها ويلف الغموض الأسباب الموجبة التي قامت من أجلها الجريمة النكراء وتكون بعيدة عن مسببات إعلانها حيث يصور لنا ذلك المشهد المأساوي الذي احتضن الجريمة :" مدينة مترامية الأطراف لايعرفون عنها شيئا، جنود جلبوهم من مدن الجنوب للتدريب في هذا المعسكر الكبير، وقعوا في كماشة أهالي المدينة والعدو القادم من خلف الحدود، سكان تلك المدينة التي تضم المعسكر الكبير، تعاطفوا مع الغزاة لتشريد وقتل الجنود التابعين للجيش الوطني، من التزام الحياد، فلم يرحب بالغازي الذي قدم المدينة وكذلك لم يرحبوا بجنود الجيش النظامي، لافائدة من طرق الأبواب، لامأوى لأحد، وقع الجنود بين نارين، نار العدو القادم من خلف الحدود، ونار أهالي تلك المدن، أين المفر".
وقد قدر لنا ان نلتقي الكاتب والقاص عادل المعموري في حوار عن تجربته السردية.
* ما أهمية القصة في الأدب العربي، وهل لها من أثر على تشكيل الوعي الجمعي ؟
- لاشك أن واقع التخلف نتيجة للصراعات السياسية في العراق كان لابد من وجود طبقة مثقفة تأخذ على عاتقها القيام بإصلاح المجتمع ونبذ مظاهر التخلف الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، وتزرع الرغبة الجادة في المفكرين والمثقفين لأداء دورهم الريادي في تصوير الواقع وتقديم الحلول الناجعة للنهوض بالواقع، وهذا ديدن القصة العراقية منذ أوائل تأسيسها على يد الرواد محمود أحمد السيد وأنور شاؤول وذنون أيوب، ولاننسى تجربة غائب طعمه فرمان التي شكلت نقلة نوعية في تطور ماهية السرد، وانعطافة فؤاد التكرلي التي أمدت الأدب القصصي بنسغ جديد، سواءً في الشكل أو في البناء الفني، وإلى عصرنا هذا تنطلق أهمية القصة في كشفها وتعريتها للواقع. وقد مرت القصة بعدة مراحل منذ أوائل الثلاثينات من القرن الفائت حتى اليوم، كما عبرت في تلك العقود عن مسايرتها للواقع وتشخيص سلبياته والإشارة إلى ايجابياته عبر مرتكزات السرد والتكنيك الفني، مع تطور تجارب القصاصين عبر تلك المراحل واستقاءها من المدارس الفنية ومواكبتها لتقديم نتاجات تساير الأدب العالمي.
* القارئ لبعض نصوصك يلمس بوضوح حجم المعانات والآلام التي رافقت شخصيات نصوصك، إلى أي مدى تكون لديك ذلك الإحساس ؟
- الكاتب يعبر عن واقعه وما يعتمل في داخله، إذ أنه لايحمل هم نفسه فقط كما يتصور البعض، ولأن واقعنا مازال يرزح تحت مطرقة الألم والحزن واضطراب الواقع السياسي والطبقي حتما يؤثر ذلك كله وينعكس بالنتيجة على معاناتنا في قصصنا من حيث ندري أو لا ندري، إن لم نسكبها على الورق، فستسقط رغما عنا مع سيل الدمع .
* في " العزف على وتر الفجيعة " كثيراً ما نجدك تقترب من سيول الدم الأرجواني كمن عايش الحدث، كيف تهيأ لك بناء الأحداث والشخصيات بهذا الشكل ؟
- تلك مجموعتي الأولى التي كتبتها تزامنا مع واقعة سبايكر فكان عليّ أن اجعل أحدى قصص المجموعة تؤرخ وتؤرشف لجريمة العصر التي يندى لها جبين الإنسانية، فمهما كتبنا لن نستطيع ان نفي حقها في تصوير ما حدث من مجاز بحق الإنسانية.. وما كتب عن سبايكر من قبل القاصين والروائين قليل جداً، سبايكر جريمة إبادة جماعية ينبغي ان لاتفارق أقلام الكُتّاب وبخاصة الذين عايشوها عن قرب، تلك مسؤولية تاريخية تقع على عاتق الكاتب حتما .
* أين تجد موقعك من القارئ والناقد كقاص ؟
- من مفروض السؤال ..أجد أن لي جمهورا واسعا يقرأ نتاجاتي القصصية عبر الصحف والمجلات الورقية والالكترونية ومنجزاتي المطبوعة، والأهم من هذا عبر الفيس بوك، لا أكتمك سرا، أن القراء العرب بمن فيهم من كان داخل الوطن العربي أو ممن يعيش في المهاجر ويتوزع في الشتات الأجنبية يقرؤون ليّ أكثر ممن كان في الداخل " العراق "، والدليل على ذلك ما لمسته من خلال الردود والإجابات وإشادة الكثير من النقاد العرب الذين تناولي أعمالي القصصية بالقراءة والنقد من مصر وتونس والمغرب وبلدان أخرى، قياسا إلى ما كتب عن تجربتي الناقد العراقي، أما لماذا ؟ فهو سؤال يطول الجواب عنه .
* مزج الواقع بالأسطورة، في القصة القصيرة هل يعتبر تقنية لتوصيل موقف معين إلى المتلقي، أم أنه يعبر عن رؤية إبداعية في الكتابة السردية ؟
- الحقيقة أنها رؤية إبداعية في الكتابة السردية لمواكبة النتاج العالمي، مزج الواقع بالأسطورة ليس جديدا على السرد وبخاصة بعد الحداثة ومابعد الحداثة، تطورت الأساليب التكنيكية والفنية، القصة لم تعد سردا كلاسيكيا وواقعيا انتقاديا، القصة أصبحت خلقا جديدا لها عناصرها المستقاة من كل المدارس، لم يعد القاص يكتب وفق منهج مدرسة معينة، إنه يطلق العنان لقلمه لكسر كل " التابوات " التي كانت مفروضة، الإبداع لا يقيده شيء مطلقا .
* كيف تمت معالجة موضوعة المرأة في نصوصك السردية، ومن أي جانب تنظر إليها ؟
- أنا مُتهم بانحيازي للمرأة، واقعا أنا لست منحازا لسلبياتها، ولكني منحاز لآلامها ومعاناتها، المرأة أكثر كائن حي تعرض للظلم من قبل الرجل وقيود المجتمع الذكوري، تضحيات المرأة لا حدود لها، ولكن لم أجد من ينصفها، نحن الشرقيون تحكمنا القيود الدينية والعشائرية والمجتمعية، فنحمل تلك القيود لنضعها قلادة في جيد المرأة لتنوء بأحمالها الى يوم يبعثون .
1157 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع