رواد المكتبة عبروا عن إعجابهم بما يتوفر فيها من شتى أنواع الكتب
الجزيرة/زاهد صوفي -أنقرة – انطلاقا من عشق المطالعة وإدراكهم لقيمة العلم وأهميته، أسس عدد من عمّال النظافة في بلدية تشانقايا بالعاصمة التركية (أنقرة) مكتبة ضخمة من كتب عثروا على معظمها متروكا بجوار حاويات القمامة، ولم يكتفوا بهذا، بل حوّلوا إحدى عربات جمع القمامة إلى مكتبة متنقلة ليتمكن جميع سكان أنقرة من الوصول إلى الكتب والاطلاع على محتوياتها.
عمّال النظافة وهبوا حياتهم لمكتبتهم التي أطلقوا عليها اسم مكتبة "نورم-ألطاش العمالية" وتحتوي على أكثر من 12 ألف كتاب في 17 مجالا مختلفا من علوم وثقافة وفن وصحة، ويواصلون تطوير مشروعهم رغم صعوبة عملهم وقلة أوقات فراغهم.
وإلى جانب الاعتناء بالمكتبة التي أسسوها، بدأ العمال مشروع مكتبة متنقلة أطلقوا عليها اسم "الكتاب المتجوّل" لتجوب أرجاء العاصمة وقراها، وتتيح لمحبّي المطالعة والقراءة فرصة الاطلاع على فحوى الكتب الموجودة في مكتبتهم.
العمال جمعوا في أول 7 أشهر من تأسيس المكتبة نحو 4 آلاف و200 كتاب
تقاسم الكتب أسمى شيء في الدنيا
وفي تصريح للجزيرة نت، قالت مسؤولة الموارد البشرية والشؤون الإدارية في المكتبة سما كشقايا إنها تعمل في المكتبة منذ اليوم الأول لتأسيسها، وإنها تأتي إليها كل يوم لتشرف على وضع الكتب وترتيبها في الرفوف.
وأردفت قائلة "بعد أن أقوم مع كادري بتنظيف الكتب هنا، نفرزها إلى فئات ونضعها على الرفوف، لقد جمعنا في أول 7 أشهر من تأسيس المكتبة نحو 4 آلاف و200 كتاب".
ودعت كل من لديه كتاب انتهى من قراءته أن يرسله إلى مكتبة العمّال، مبيّنة أن مشاركة الكتب والعلم وتقاسم المعرفة من أجمل الأشياء وأسماها في هذه الدنيا.
وتابعت "زوار المكتبة في الغالب من طلاب المدارس والجامعات، يأتوننا في وفود للاطلاع على فحوى المكتبة، ولا نكتفي باستقبال الطلاب، بل نقوم بإرسال ما لدينا من كتب إلى مدارسهم، وحتى اليوم أسسنا مكتبات في أكثر من 40 مدرسة، فضلا عن الكتب التي نرسلها إلى السجون".
ولفتت إلى أن فكرة تأسيس المكتبة، التي يوجد في رفوفها حاليا أكثر من 12 ألف كتاب، أطلقها أمير أولو أرتكين المشرف على مصنع مهجور أُسّست فيه المكتبة.
وأشارت أيضا إلى وجود أكثر من 50 ألف كتاب في المستودع المخصص للمكتبة، وأن هذه الكتب تُعرض على نحو دوري في رفوف المكتبة، إضافة إلى توزيع بعضها على المدارس الموجودة في القرى بغية إتاحة فرصة المطالعة للطلاب.
مرحلة التأسيس
قبل أكثر من 4 أعوام، عزم عدد من عمال البلدية على تأسيس أول مكتبة عمّالية بعد أن جمعوا عددا من الكتب المرمية بجانب حاويات القمامة، فاختاروا لهذا المشروع مصنعا مهجورا في قرية "موهي" بالعاصمة (أنقرة) كان يستخدم لجمع القمامة.
وبعد مثابرة وعمل دؤوب، تمكن العمال من جمع نحو 4 آلاف كتاب لمكتبتهم التي كانت مخصصة في بداية الأمر لعمال النظافة في بلدية تشانقايا وأطفالهم. وبفضل التبرعات، نمت المكتبة وزاد عدد الكتب فيها بمرور الوقت، وباتت مفتوحة لعامة الشعب.
وفي تصريح صحفي، قال أمير أولو أرتكين المشرف على المصنع المهجور "عندما وضعنا رفوف المكتبة هنا، كان بعض زملائي العمال يقولون: لا أحد يعرفنا ولن يهتم أحد بجهودنا، لكنني نصحتهم وقلت لهم إن لهذا المشروع مستقبلا مشرقا".
وذكر أرتكين (من ذوي الاحتياجات الخاصة) أن المكتبة تحتوي حاليا على موسوعات وروايات وكتب أدبية وتاريخية وكتب في التنمية الشخصية، وأن العمال يستعيرون الكتب ويمضون أوقات فراغهم داخل المكتبة بالمطالعة ولعب الشطرنج، مع إمكانية استفادة أبناء العمال من قسم كتب الأطفال الذي أُنشئ لهم.
وأشار أرتكين إلى التبرعات للمكتبة، فقال "بفضل وسائل التواصل الاجتماعي والصحافة المحلية، بدأ تقديم كثير من التبرعات للمكتبة، نذهب ونأخذ التبرعات من المنازل، وهناك من يرسل تبرعات من خارج أنقرة، ففي بعض الأحيان ندفع نحن تكاليف الشحن وأحيانا أخرى يتكفل المتبرع بذلك".
بمساعي عمّال نظافة… مكتبة ضخمة تشع علما في أرجاء العاصمة التركية الجزيرة تركيا
فخور بعمّالي
جهود عمّال النظافة في تأسيس المكتبة وإغنائها بشتى أنواع الكتب حظيت بترحيب وإعجاب رئيس بلدية تشانقايا ألبير تاشدلن الذي أكد -في بيان- أن مساعي عمال النظافة تعبّر عن مدى اهتمامهم بالعلم وتقديرهم لقيمة الكتب والعلوم الموجودة فيها.
وأشاد تاشدلن بالوعي العام الموجود لدى سكان العاصمة (أنقرة)، مبيّنا أن تبرعاتهم بالكتب لمصلحة المكتبة كانت ذات قيمة كبيرة، وأن هذه التبرعات أسهمت في إثراء المكتبة بمزيد من الكتب في مختلف العلوم.
وتابع تاشدلن -في بيانه- قائلا "أنا فخور بزملائي العمّال الذين لم يكتفوا بتنظيف منطقتنا فحسب، بل قاموا أيضا بإنشاء مكتبة، ثم اتخذوا إجراءات لنقل الكتب إلى الذين لم يتمكنوا من القدوم إليها، فهذا عمل لا يستطيع القيام به إلا العاشق للكتب والحريص على نشر العلم".
بمساعي عمّال نظافة… مكتبة ضخمة تشع علما في أرجاء العاصمة التركية الجزيرة تركيا
أجواء المكتبة مريحة
قالت دودو يورت التي تواصل دراسة الدكتوراه في قسم السينما والراديو والتلفزيون بجامعة حاجي بيرم ولي بالعاصمة أنقرة إنها زارت المكتبة بعد أن علمت بتأسيسها من وسائل الإعلام.
وأضافت يورت للجزيرة نت "فكرة تأسيس المكتبة غريبة ومثيرة للاهتمام ودفعتني إلى زيارتها، جئت إليها مع زملاء لي في الجامعة، وقد أعجبنا تنظيمها من الداخل".
وأردفت "أجواء المكتبة رائعة، والمكان واسع، ويمكن العثور بداخلها على شتى أنواع الكتب، وخلال تجولي داخل المكتبة تذكرت قول فيكتور هوغو في هذا الصدد: بناء مكتبة أمر مقدس مثل بناء مكان للعبادة"، وشكرت يورت كل من أسهم في تأسيس هذه المكتبة وشارك في إغنائها بالكتب.
بمساعي عمّال نظافة… مكتبة ضخمة تشع علما في أرجاء العاصمة التركية الجزيرة تركيا
عمّال النظافة الذين أسسوا مكتبة العمال والكتاب المتجول لم يكتفوا بنشر الثقافة في أرجاء أنقرة وقراها، بل أسسوا فرقة موسيقية من المستلزمات التنظيفية والآلات التي عثروا عليها في حاويات القمامة.
وأطلق العمّال على فرقتهم الموسيقية اسم "مجموعة التنك"، وشاركوا في فعاليات رسمية مثل احتفالات عيد العمال ومهرجان أفلام العمال في تركيا، وتلقوا دعوات لإقامة حفلات في بعض الدول الأوروبية.
630 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع