صمت قاتل' تكسره الروائية كريستينا أولسون

الرواية تدور أحداثها بين استوكهولم وبانكوك، وقد تم تصميمها بمهارة وتشويق شديد لتكشف عواقب مآسي الماضي في مطاردة الحاضر، والتي تصل إلى أبعد وأعمق مما توقعه أي شخص.

ميدل ايست اونلاين:في إحدى الليالي الصيفية قبل خمسة عشر عامًا تعرضت فتاة مراهقة للاعتداء والاغتصاب أثناء تواجدها لقطف الزهور في حديقة منزلها ولكن لم يتم الإبلاغ عن الجريمة أبدا. وفي الوقت الحاضر يتم العثور على رجل مجهول مقتول في عملية دهس وقد أمسك بخاتم بيده وبعض الورق الذي كتب عليه كلمات عربية، وفي ذات اليوم يتم العثور على وزير وزوجته ميتين في سريرهما في عملية اطلاق الرصاص عليهما، كما نجد امرأة شابة في رحلة عمل لبانكوك، تفاجأ بأن رحلتها قد ألغيت بشكل غامض، وأيًا كان الاتجاه الذي تتجه إليه، فإن كل محاولاتها للاتصال بمنزلها تبوأ بالفشل.

هذه ملخص رواية "صمت قاتل" للكاتبة كريستينا أولسون والتي ترجمتها جهاد صلاح الدين وصدرت عن دار العربي، وتشكل العمل الثاني من "سلسلة المحققين فريدريكا برجمان وأليكس ريشت"، وتدور أحداثها بين استوكهولم وبانكوك، وقد تم تصميمها بمهارة وتشويق شديد لتكشف عواقب مآسي الماضي في مطاردة الحاضر، والتي تصل إلى أبعد وأعمق مما توقعه أي شخص.

يكتشف المحققان وفريق عملهما المساعد أن الشر تعود جذوره إلى عقود من الزمن، هو الرابط وراء هذه الجرائم التي تبدو غير ذات صلة. وأن هناك سببا لعدم الإبلاغ عن أي من الجرائم على الإطلاق، حيث يتعلق الأمر بالتستر الصادم والمروع على عكس أي شيء يمكن أن تخيله. لنتساءل هل قتل الوزير السابق المسن زوجته حقًا ثم قتل نفسه؟ فقبل أيام قليلة يتم اخطاره بوفاة إحدى ابنتيه، التي نقلتها شقيقتها إلى المستشفى، بسبب جرعة زائدة من المخدرات، وفقده لابنته الثانية؟ أم تم اغتياله وزوجته لتعاطفاهما مع قضية اللاجئين القادمين من الشرق الأوسط مما أثار الجدل حوله وخلق حوله الكثير من الأعداء وكان يتلقى رسائل تهديد؟ وماذا عن ابنته المفقودة؟ وهل هناك أي صلة بين الرجل ضحية الدهس الذي تم العثور عليه بدون هوية وبين مقتل الوزير وزوجته والفتاة المفقودة؟.

يعلم القارئ في وقت مبكر أن المرأة التي تم التعرف عليها على أنها ماتت بسبب جرعة زائدة من المخدرات لا تزال على قيد الحياة في تايلاند، حيث سُلب منها جواز سفرها وأموالها ولا تستطيع الحصول على مساعدة من السفارة. علمت بوفاة والديها من خلال الصحف السويدية وتتصل بصديقها السابق للمساعدة في العودة إلى المنزل والذي يتصل بدوره بشقيقه الشرطي، إنها حبكة معقدة تتسم بالازدواجية والانتقام والمال والعلاقات المختلة التي تتمكن الكاتبة من تجميعها معا بطريقة ماهرة، وعلى الرغم من أنها غير محتملة، تظل ضمن نطاق الممكن. وبطبيعة الحال، المكافأة هي أنه حتى عندما تعتقد أنك قد اكتشفت الأمر، فمن المحتمل ألا تفعل ذلك.

يذكر أن المؤلفة كريستينا أولسون متخصصة في العلوم السياسية. وقد شغلت حديثًا منصب مسؤول مكافحة الإرهاب بمنظمة الأمن والتعاون الأوروبي، وعملت سابقًا بكل من جهاز الأمن السويدي، ووزارة الخارجية، وكلية الدفاع الوطني السويدية، إذ كانت الخبيرة الأصغر سنًا في نزاع الشرق الأوسط، والسياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي. نُشرت روايتها الأولى بعنوان "غير مرغوب فيه" بالسويد عام 2009، ولاقت استحسان النقاد، وحازت على جائزة "جولدن بوكت". تقيم "كريستينا" بمدينة ستوكهولم.

مقتطف من الرواية

كانت حديقتها مزهرة دائمًا، تملؤها نباتات وأزهار برية نضرة. إذ لم يستعصِ عليها عقد اتفاق مع شقيقتها، كل ما تعين عليها فعله؛ هو الموافقة على منحها الغرفة العلوية بالمنزل الصيفي. لم تفهم، مطلقًا، سبب قبول شقيقتها لمقايضة كهذه؛ غرفة بالية مملة في الدور العلوي مقابل حديقة، إلا أنها التزمت الصمت. ففي نهاية المطاف، ربما تنوي شقيقتها طلب المزيد منها.

كانت أرض الحديقة كبيرة ومترامية الأطراف، وقد تُركت دون تهذيب على طبيعتها. في صغرها، بالكاد بلغت أطول النباتات ذقنها، أما الآن وهي أكبر فقد أصبجت تبلغ خصرها فحسب. سارت عبر العشب بخطى واسعة، وحركات رشيقة متأنية، وعينين حادتين. شعرت بالزهور والجذوع تخدش ساقيها العاريتين. يجب أن تقطف الزهور في صمت تام، وإلا لن يجدي الأمر نفعًا. تحتم قطف سبعة أنواع مختلفة من الزهور في منتصف ليلة صيفية، ووضعها أسفل وسادتها. عندئذٍ، سترى الرجل الذي ستتزوجه.

على أية حال، هذا ما ظنته في صغرها عند قطفها للزهور للمرة الأولى وهي في منتصف الصيف. كانت شقيقتها تحب ممازحتها، فتقول ضاحكة:

ـ ترغبين في رؤية "فيكتور".

لطالما كانت ساذجة وحمقاء، حتى حينها؛ لكنها لم تفعل ذلك من أجل "فيكتور" على الإطلاق، بل من أجل شخصٍ آخر، شخص غامض.

بعد المرة الأولى، استمرت في ممارسة الطقوس نفسها كل عام. حينئذ، كانت أكبر من أن تؤمن بهذه الخرافات القديمة، لكنها ظلت تشعر بأنها أمر مهم يتحتم عليها فعله. في نهاية المطاف، لاحظت- بغضب- عدم وجود أي شيء آخر يمكنها أن تفعله. وبعد مرور عام تلو آخر، أصر والداها على قدومهم إلى الريف، والاحتفال بمنتصف الصيف به. وفي كل مرة، بدت الطقوس أكثر من مجرد تجربة. في ذاك العام، ازداد الوضع سوءًا، لأنها دُعيت إلى حضور حفلة صديقتها "آنا". كان والدا "آنا" قد أقاما احتفالًا ضخمًا بمنتصف الصيف، ودعَوَا أصدقاء أطفالهما كذلك.

إلا أن والدها لم يسمح لها بالذهاب. قال:

ـ سنحتفل بمنتصف الصيف مثلما اعتدنا دائمًا، معًا. هذا ما سيكون عليه الأمر، ما دمتِ تقيمين في هذا المنزل.

اجتاحها الذعر؛ ألا يدرك أن كلامه غير معقول؟ ستمر سنوات قبل أن تفكر حتى في مغادرة المنزل. كما أن سلوك شقيقتها غير المتعاون لم يساعدها، فهي لم تُدعَ- قط- لحضور أية حفلات على أية حال، ورأت أن بقاءهما بمفردهما مع والديهما في الريف أمرٌ لا بأس به. كما أنها أحبت قضاء الوقت مع الضيوف الغرباء الذين يخرجون من القبو عند الغسق، ويُرحب بهم في الشرفة المُجهزة بألواح زجاجية، حيث أسدلت والدتها الستائر حتى لا يراهم أحد.

لقد كرهتهم؛ فعلى النقيض من بقية أفراد العائلة، لم تشعر بأي تعاطف أو شفقة تجاههم. إنهم قذرون، وكريهو الرائحة، ولا يتحملون أية مسؤولية في حياتهم. من هذا الذي يرتضي لنفسه الاختباء في قبو بمنطقة ريفية نائية؛ من ذلك الذي يرضى بمقدار ضئيل يُرثى له؟ من ناحيتها، هي لم ترضَ بذلك مطلقَا؛ بتاتًا.

ظل والدها يقول:

ـ عليكِ معاملة الجار بألفة.

قالت والدتها:

ـ علينا الامتنان لما لدينا.

توقفت عن الاستماع إليهما منذ زمن بعيد.

لمحته وهي تقطف الزهرة الرابعة. لا بد أنه أصدر صوتًا ما، وإلا لما لاحظت وجوده هنالك مطلقًا. رفعت نظرها سريعًا عن الحديقة والزهور، فحجبت الشمس رؤيتها؛ لم تستطع أن تميز سوى ظلٍّ داكنٍ، واستحال معرفة عمره أو هويته.

أغمضت عينيها قليلًا، وظللتهما بيدها. أجل، لقد عرفته. فقد رأته من نافذة المطبخ منذ ليلتين، حين عاد والدها إلى المنزل متأخرًا برفقة حشد كبير من الضيوف الجُدُد. ارتفعت قامته عن معظمهم. لم يكبرهم سنًّا، لكنه فاقهم طولًا. كان أقواهم بنية، وله فك مميز للغاية أضفى عليه مظهر الجنود الأمريكيين في الأفلام. فك مربع. وقف كلاهما ساكنين، يحدقان في بعضهما بعضًا.

قالت بنظرة متعجرفة:

ـ وجودك هنا غير مسموح به.

قالت له ذلك مع أنها تعلم أنه لا جدوى من الحديث معه؛ فلم يتحدث أي فرد من ذلك الحشد الكبير الذي يمكث بالقبو اللغة السويدية إطلاقًا. عندما لاحظت أنه لم يحرك ساكنًا، ولم يتفوه بشيء، تنهدت، واستأنفت قطف الزهور.

وردة " الجريس" مستديرة الأوراق.

أقحوان المروج الشائع.

تحرك بتمهل خلفها. اختلست النظر وراءها وتساءلت إلى أين هو ذاهب.. رأته يقترب.

سافرت مع عائلتها إلى الخارج مرة واحدة فقط؛ تمتعوا بعطلة ذات برنامج متكامل عادي. استلقوا تحت أشعة الشمس، وسبحوا بجزر الكناري. اكتظت الشوارع بالكلاب الضالة التي ظلت تلاحق للسائحين، لكن والدهما كان يجيد إبعادها.

صَاح ملقيًا حجرًا في اتجاه أحد الكلاب:

ـ هش.

أتى الأمر بثماره في كل مرة؛ فقد تركهم الكلب، وطارد الحجر المُلقى.

ذَكَّرها ذلك الرجل في الحديقة بالكلاب الضالة. لاح في عينيه شيء يتعذر تكهنه، شيء يصعب فهمه. ربما هو الغضب. فجأة، ارتابت مما سيفعله بها. لم يبدُ أن إلقاء حجر عليه بالقرار السليم. ألقت نظرة خاطفة نحو المنزل، وتأكدت مما تعلمه بالفعل؛ ذهب والداها وشقيقتها بالسيارة إلى المدينة لشراء بعض الأسماك الطازجة لعشاء الاحتفال. إنه تقليد سخيف آخر اختلقه والداها للحفاظ على صورتهم كعائلة عادية. كالمعتاد، عبَّرت عن عدم رغبتها في الذهاب معهم، مفضلة قطف زهورها في هدوء وسكينة. سألت بحدة:

ـ ماذا تريد؟

شعرت بالغضب، وتزايد الذعر داخلها. لم تُخطئ في شكوكها، فقد استشعرت خطرًا حقيقيًّا. أخبرتها جميع حواسها بضرورة أن تسيطر على الموقف.

شعرت بخشونة جذور الأزهار على يدها بعد أن أحكمت قبضتها عليها. لم يتبقّ لها سوى قطف زهرة واحدة فحسب. الأقحوان الرقيق الذي أحب والدها أن يسميه عُشبة المظهر الكاذب.

خطا الرجل بضع خطوات أخرى نحوها، ثم وقف هناك على بعد بضعة أمتار منها. ارتسمت ابتسامة ساخرة عريضة ببطء على وجهه. في تلك اللحظة، أدركت غايته.

سبقت ساقاها خواطرها. استشعرت الخطر وتصرفت لا إراديًّا، بدأت تركض في اللحظة نفسها. كان سور الحديقة يبعد مسافة أقل من مائة متر. صرخت وهي تستغيث مرارًا وتكرارًا، إلا أن صرخاتها المدوية غرقت في سكون الحديقة. كتمت الأرض الجافة صوت خطواتها المنطلقة وارتطامها الشديد بعد أن أسقطها بمجرد أن ركضت عشرين مترًا فحسب. وكأنه يعلم منذ البداية تقريبًا عدم قدرتها على الفرار، فتركها تركض قليلًا ليستمتع بلذة المطاردة فحسب.

قاتلت بضراوة وهو يلقيها على ظهرها، وينتزع ملابسها بعنف شديد واحتراف فعرفت أنه فعل هذا سابقًا.

حين قُضي الأمر، واستلقت هناك تنتحب داخل الحفرة الذي أحدثها جسداهما بالعشب، أدركت أنها لن تتعافى مما حدث أبدًا. وبقبضتها المشدودة، ومفاصل أصابعها المنهكة من قتالها اليائس، ظلت متشبثة بالزهور الصيفية، ثم ألقتها كأنها تحرق أصابعها. فقدت الزهور جدواها كليًّا في تلك اللحظة. لقد علمت، بالفعل، من الذي سترى وجهه بأحلامها.

حين توقفت سيارة والديها خارج المنزل، كانت لا تزال مستلقية في الحديقة عاجزة عن النهوض. بدت السحب كأنها تلهو في السماء الزرقاء، وبدا العالم ثابتًا، رغم تحطم عالمها إلى الأبد. استلقت هناك في الحديقة إلى أن أدركوا اختفاءها، وخرجوا للبحث عنها، وحين عثروا عليها، كانت بالفعل شخصًا آخر.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1462 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع