إرم نيوز:هي التجسيدُ الحيُّ لمقولة "وراء كل رجل عظيم امرأة"، الجميلة التي تشع طاقة وحماسة، جعلت الإبداع سهلًا يترقرق بين يدي أحد أعظم أدباء العالم في القرن العشرين وهو الكولومبي جابرييل جارثيا ماركيز، الذي رحل في مثل هذا اليوم من شهر إبريل عام 2014.
تنحدر "مرسيدس بارشا " من أصول عربية، ووقع ماركيز في غرامها وهو لا يزال طفلًا بسن 13 عامًا إذ كانت تتجول في كولومبيا بصحبة والدها، الصيدلي بائع الأدوية المتجول، وطلب يدها للزواج بتلك السن المبكرة وهو ما تحقق بالفعل لاحقًا لكن في عام 1958 حين أصبح عمره 31 عامًا.
جدها مهاجر لبناني إلى أمريكا اللاتينية هو إلياس فاخوري المولود في الإسكندرية لأم مصرية، أمّا والدها فهو ديمتريو فاخوري الذي حصل على الجنسية الكولومبية عام 1932. وتصف جدها اللبناني – المصري قائلة في حوار إلى مجلة محلية " جدي كان مصريًّا خالصًا، كان يحملني على كتفيه لألعب. وكان يغني لي بالعربية، ودائمًا ما كان يرتدي الملابس القطنية البيضاء، وكان يمتلك ساعة من ذهب ويضع قبعة قش على رأسه، وتوفي عندما كان عمري 7 سنوات تقريبًا، وهذا كل ما أذكره عنه. "
مساندة وقت الأزمات
لم توفر فقط جوًّا من الهدوء المطلوب إبداعيًّا لزوجها بل كانت ملهمته بحكاياتها العربية التي لا تنتهي كما ساندته بقوة في أشد الأزمات المادية. وهناك واقعة بالغة الدلالة في هذا السياق، رواها ماركيز نفسه تتعلق بكواليس تأليف أشهر رواياته على الإطلاق وهى " مائة عام من العزلة " والتي بِيع منها عشرات الملايين من النسخ حول العالم وترجمت إلى كل لغات الأرض تقريبًا.
يؤكد ماركيز أنه لولا زوجته المحبة المتفانية لم يكن ليكتب تلك الرواية بل لم يكن ليصبح كاتبًا أصلًا. وما حدث هو أنه تفرغ تمامًا لكتابة العمل الملحمي الضخم، وكان يظن أنه سوف ينتهي منه في 6 أشهر. يقول : " كنت اشتريت سيارة منذ أشهر، وعندما نفد المال رهنتها وأعطيتها المال، اعتقدت أنه سيكفينا لمدة ستة أشهر، لكنني أمضيت سنة ونصف السنة في كتابة الرواية. عندما نفد المال، لم تخبرني بأي شيء ، لا أعرف كيف وفرت كل شيء دون مال، اللحم من الجزار والخبز من الخباز، وكيف انتظرَنا صاحب الشقة لمدة تسعة أشهر لدفع الإيجار، لقد اعتنت بكل شيء دون علمي، حتى أنها كانت تجلب لي مالًا بين الحين والآخر، وحين انتهيت من كتابة الرواية كنت بحاجة إلى مال لإرسالها (الرواية) إلى الناشر وأعطتني خمسمئة ورقة أخبرتني أنها كانت مفقودة بالمنزل، ولكنها لم تكن مفقودة ".
سجائر وأوراق
ويعلق ماركيز في حوار آخر أجراه عام 1982 حول دورها في حياته عمومًا وطبيعة شخصيتها قائلًا: " اتبعت مرسيدس أسلوب النساء الكولومبيات خلال الحروب الأهلية، تصرفت مثلهن، كان عليها أن تعتني بكل الأمور المنزلية، وأن تُبقي المنزل واقفًا كأنها تقاتل في الصفوف الأمامية، قامت بكل أنواع الأعمال الرائعة، وفرت لي يوميًّا بطريقة أو بأخرى ما أحتاجه للكتابة كالسجائر والأوراق، حتى أنها اقترضت المال وأصبحت مديونة لبعض المحلات".
ورحلت مرسيدس عام 2020 عن عمر ناهز 87 عامًا وهي السن ذاتها التي رحل فيها ماركيز.
820 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع