رحم الله ايام زمان ورجال زمان الاخيار.....
وهنالك مثل شعبي ينطبق على هذه الايام ورجالها في الحكم يقول من قلت الخيل شدو على الك...... سروج.
مؤيد الناصر/المانيا
في نهاية الاربعينيات أو في بداية الخمسينيات من القرن الماضي تلقت اللجنة المكلفة بمقابلة الطلبة المتقدمين للدراسة في الكلية الطبية في بغداد طلبا من الوزير المختص بقبول أوراق طالب تأخر في تقديمها لاسباب تتعلق بتهيئتها. كانت الفترة المحددة لقبول طلبات التقديم قد انتهت، وتقديم الطالب جاء بعد مرور أسبوع واحد على انتهاء الفترة المذكورة.اجتمعت اللجنة للنظر برجاء الوزير بتجاوز الفترة المحددة للتقديم وقبول طلبه باستثنائه وشموله بالمقابلة أسوة بزملائه من الطلبة الاخرين.
بعد دراسة الطلب من قبل اللجنة اتخذت قرارا برفضه التزاما منها بضوابط التقديم المعتمدة بهذا المجال وعدم خرقه، مهما كانت المبررات.في اليوم التالي على اتخاذ اللجنة لقرارها ، حضر الوزير الى الكلية الطبية وطلب الاجتماع بأعضاء اللجنة.بيّن الوزير أن رئيس الوزراء يرجوهم اعادة النظر بقرارهم لكون والد الطالب أحد الرموز في الدولة، إذ شغل مواقع عديدة كالنيابة والوزارة، اضافة الى كونه صاحب صحيفة لها ثقلها في الشارع. وبعد انتهائه من تقديم ايضاحاته طلب من اللجنة اعادة النظر بقرارها وشموله بإجراءات القبول أسوة بزملائه، خصوصا أن سبب الرفض لا يتعلق بأمور جوهرية كالمعدل وغيره من الشروط المهمة الاخرى، بل ينحصر بتأخير تقديم الطلب ضمن الفترة المحددة للتقديم.أستأذن الوزير وغادر بناية الكلية الطبية منتظرا من اللجنة ابلاغه هاتفيا بقرارها بشأن قبول الطلب. كانت اشارة الوزير - وبشكل مهذب- واضحة وهي على اللجنة وجوب حسم الموضوع، واعتباره توجيها لها بهذا المجال يتطلب الاستجابة له.تسمر أعضاء اللجنة في أماكنهم ينظر أحدهم للاخر، فهم أطباء في مؤسسة رسمية وليس لهم الثقل المطلوب للوقوف بوجه رغبة المسؤولين في الدولة. وبعد فترة من الصمت والحيرة أخذت تتبلور أفكار لدى أعضاء اللجنة، إذ تكلم بعضهم وأيد قبول طلب الطالب وتجاوز فترة التأخير في التقديم باعتبارها لاتمثل حجر عثرة في شروط التقديم، وليست هي بالفقرة الجوهرية التي تحول دون تجاوزها وقبول أوراقه. في المقابل أصر بعض الاعضاء الاخرين على وجوب الالتزام بالضوابط وعدم خرقها مهما كانت المبررات. وهكذا انقسم أعضاء اللجنة في آرائهم لمعالجة الموضوع ، الاعضاء الذين أبدوا القبول طالبوا زملاءهم الرافضين لذلك تولي أمر الاتصال بالوزير وابلاغه بقرار اللجنة المتضمن تأكيد قرارها برفض الطلب. وبينما كان أعضاء اللجنة بين الاخذ والرد ، رن جرس الهاتف في غرفة الاجتماع وكان المتكلم رئيس اللجنة الدكتور المرحوم هاشم الوتري، انفرجت أسارير أعضاء اللجنة لأنه سينقذهم من مأزق لايعرفون كيف يتصرفون ازاءه.كان الدكتور الوتري يتكلم من المطار عائدا من سفرة الى خارج العراق، ابلغ أحد الاعضاء اللجنة الدكتور الوتري قائلا:
(أن الله بعثك الينا، فنحن في مأزق، ولا ينقذنا منه غيرك).
وبعد أن استمع الى موجز الموضوع، طلب انتظاره وتأجيل أتخاذ القرار لحين الالتحاق بهم ولفترة وجيزة هي مسافة الطريق من (المطارالمدني) الى داره لايصال مستلزمات السفر والالتحاق بهم فيما بعد، فرحوا جميعا، لأنه المنقذ الوحيد أذ ان له ثقله من خلال موقعه وبين الاوساط الرسمية والاجتماعية على العكس من بقية أعضاء اللجنة الاخرين الذين لايرتقون الى مستواه بهذا الجانب ، لهذا فإن القرار سيكون من خلال كونه رئيسا للجنة محسوبا عليه وبالتالي تأمين جانب أعضاء اللجنة من أية تداعيات قد تترتب على رفض الاستجابة للتوجيه في حالة اتخاذه من قبلهم نحن أعضاء اللجنة.بعد حضور رئيس اللجنة والترحيب به وبسلامة الوصول دخل فورا في مناقشة الموضوع وبعد استماعه الى التفاصيل طلب تأييد قرار اللجنة وسيقوم شخصيا عبر الهاتف بإبلاغ الوزير بقرارها.رفع سماعة الهاتف وجرى حديث معه وبعد المجاملات المعتادة بسلامة الوصول أبلغه بأن اللجنة تؤكد قرارها المتخذ سابقا بعدم
الاستجابة للطلب لكونه يمثل خرقا لشروط القبول وأية مبررات تطرح بهذا الجانب للقفز على تلك الشروط لن يكون لها مجال أو نصيب من المرور. انتهت المكالمة باستسلام الوزير أمام اصرار اللجنة المتمثل برئيسها وأغلق سماعة الهاتف.
بعد مرور بعض الوقت على تلك الحادثة حضرت اللجنة احتفالا في أحدى المناسبات الرسمية أقيم في (بهو الامانة) وهو المكان الذي كانت تقام فيه تلك الاحتفالات، مر من أمام الطاولة التي كانت تشغلها اللجنة رئيس الوزراء المرحوم نوري السعيد والقى التحية على أعضاء اللجنة وهو يتجه الى مكان جلوسه وبعد ابتعاده عن طاولة اللجنة بأمتار قليلة عاد الى الطاولة وخاطب المرحوم الدكتور الوتري مصافحا:
(دكتور هاشم من لا يستجيب لطلب نوري السعيد، ورجاءه يستطيع أن يقول ذلك لغيره أيضا مهما كان ثقله أو منزلته، وأنا أشكرك على موقفك هذا).
شد على يد الدكتور هاشم الوتري ومضى في سبيله الى حيث موقع جلوسه في الحفل.تأمل معي عزيزي القارئ كم من القادة أو الزعماء لهم مثل هذه الروحية في تقبل نتائج لا تحقق مبتغاها ولا تترك في أنفسهم الضغينة أو الحقد الاعمى، أنهم قلــة بالتأكيد إن أفترضنا وجودهم حقا.نعود الى حادثة الطالب الذي لم يتسن له تحقيق أحلامه في أن يقبل بالكلية الطبية ليصبح طبيبا.....
إنه أبن المرحوم (روفائيل بطي) صاحب جريدة البلاد (والنائب والوزير سابقا). رحم الله أيام زمان ورجاله.
1101 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع