بغداديات ... ايام وذكريات من الزمن الجميل
في عمر الانسان لابد ان تكون هناك ايام ومواقف وذكريات جميله وعزيزه اضافة الى المنغصات ويظل الانسان يعيش من ذكرياته وتحي في نفسه نشوه خاصه وتعيد اليه جزءا من شبابه وحياته ومن شخوص مرت بشريط الحياة وهنا سوف نستعرض حقبه من هذه الذكريات الجميله التي مررنا بها في فترة السبعينات من القرن الماضي وهي التي يطلق عليها جيلها الفتره الذهبيه لكونها شهدت انفتاحا واستقرارا وتطورا وزيادة في الدخل ومعالم جديده ..
الزمن الذهبي الذي كنا فيه و كأنه حلم جميل، ولا زلنا نستذكر صوره العذبة نستشعر بهائها وجمالها مما يدفعنا الحنين الى ما تضمنته من مواقف يعتبرها المواطن البغدادي الذي عاش تلك الفتره والتي شملت عقود الخمسينيات والستينيات والسبعينيات من القرن الماضي بكل عنفوانها وآلقها على انها اجمل مامر بها ,،وقد كان املنا ان تستمر وتتطور قدما الى الافضل ولكن شاءت الحال ان تكون غير ماتمنينا ..
لم تكن بغداد في تلك الفتره مدينه عاديه بل كانت قلبا نابضا بالحياة واللهو والمتعه والحركه والعمل والنشاط فكانت لا تنام ليلاً وتبقى ساهرة على أصوات البستات والمقام والغناء البغدادي وعلى طول جراديغها الممتدة على ضفتي نهر دجلة الخالد وجزراته وخصوصاً في أيام الصيف، وفي مقاهيها وملاهيها ونواديها في كل فصول السنة.
كانت بغداد تعج بالمقاهي والكازينوهات والنوادي والملاهي والبارات والنقابات والجمعيات وتراها مزدحمة على مدار السنه ولكل منها طريقته في المتعه والاطعمه والمقبلات ولكل منها روادها مثل نادي العلويه ،الهنديه ، المنصور ، الهومتمن ،المشرق ،الفقير،صلاح الدين واذا كنت راغبا في اكلة باجه ممتازه عليك بنادي الهنديه او اكلة كباب لذيذه عليك بنادي صلاح الدين وهكذا وكذلك الحال في الجمعيات المختلفه والنقابات وكانت التعليمات تطبق بقوه والنظام يسود هذه الاماكن وللضيوف اياما محدده .
كانت العوائل البغداديه تختار يوما في الاسبوع للتنزه اما في كازينوهات ابو نواس او احدى السينمات او الى احدى النقابات او النوادي للاستماع الى برنامج او موسيقى او عرض او معرض فني .
وكانت بعض الفرق او الشخصيات تقدم عروضا في النوادي والنقابات مثل المرحوم نوري الراوي والمرحومه العازفه المشهوره ( بياترس اوهانسيان ) او الرباعي الوتري او مقامات بغداديه من قبل الجالغي البغدادي.. اضافة الى الفرق الموسيقيه او الغنائيه التي كانت تتواجد في بغداد مثل ( الفرقه السمفونيه العراقيه ،فرقة فور ام لعزت ابو عوف ، فرقة ديمس روسس ، فرقة ذي نيوز وغيرها ..)
كانت العوائل البغدادية ترغب دوماً لحضور المسارح التي كانت تكتظ بها بغداد لمشاهدة المسرحيات التي تعرض على تلك المسارح ومن هذه المسارح نذكر(مسرح المؤسسة العامة للإذاعة والتلفزيون في الصالحية ومسرح الرشيد ومسرح البالون والمسرح الجوال ومسرح النجاح ) وقد قدمت مسرحيات عديدة لازالت في الذاكرة الى يومنا هذا منها مسرحية النخلة والجيران والخيط والعصفور وبيت الطين وأطراف المدينة وبيت وخمس بيبان والدبخانة والبستوكة ومسرحية المحطة، إضافة لما قدمته فرقة المسرح العسكري وفرقة المسرح العمالي من مسرحيات رائعة.
كما كانت العوائل البغدادية والأفراد يرتادون العديد من المطاعم الراقية والمتميزة بجودة وتخصص طعامها الذي تقدمه لزبائنها، ومن أهمها مطعم فوانيس الكائن في الباب الشرقي والمتخصص في الكاري والستيك بالفلفل وطبق المشويات الشهير وتاج محل للأكل الهندي واكلة التندوري المشهوره ودنانير الي كانت تسميته سابقا مطعم البرمكي ومطعم ستراند المتخصص بالطرشي المكبوس في البيوت وألأناء الذهبي ومطعم الشموع ومطعم فاروق في الحارثية والغريب وقرطاج وقيراط قرب السفارة الألمانية وألأيطالي والصيني والهندي والتركي ومطاعم الفنادق الكبرى ألأخرى التي شيدت أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات كالشيراتون وفلسطين ميرديان وميليا منصور ومطعم فندق بغداد.
أما المطاعم الشعبية فقد برز منها الكثير ولكن أهمها كان مطعم شباب الكرخ، حيث تقام ولائم الأعراس وكذلك مطعم الشمس ومطعم نواقيس والسعدون المتخصص بالكريم جاب
وأبو علي تاجران ومطعم أبو حقي في سوق الصفافير ومطعم الحاتي للباجة في الشيخ عمر وأبن طوبان في الكرخ وأبن سمينة وكبة السراي وكباب ألأخلاص في شارع المتنبي وعلي شيش في ساحة النصر والعش الذهبي في الجندي المجهول القديم وغيرها الكثير لمن لا يقدر على أرتياد المطاعم غالية الثمن.ولكل مستوى اماكنه الخاصه التي يرتاح فيها للترفيه عن نفسه ..
ولم يكن شاطىء دجله وابو نواس غائبا عن الزوار فقد كان مكانا خاصا له طعم متميز في شرابه وطعامه ورائحة الشط والسمك المسكوف وانتشرت فيه الكازينوهات العائليه والرجاليه والبارات وفي السبعينات كما انتشرت المساراح والملاهي واصبح بممرين واكتسب رونقا جديدا جميلا بوجود المنتزهات ومحطه للعبارات والزوارق النهريه كما كان يمتلىء بالجراديغ صيفا والسباحه .
لقد كان البغداديون يرتادون شارع الرشيد والتمتع بمأكولات العربة التي كانت تخرج من مطعم عمو الياس ويديرها بائع يرتدي اللباس ألأبيض الأنيق والنظيف ليقدم بعض الاطعمه الخفيفه ا وشرب اللبن مع الكيك من محل (ستراك) الكائن في السنك، أما اهل الاعظميه فقد كانوا يمرون على محل الحاج زبالة لشرب شربت الزبيب ويعرجون على سوق السراي للتمتع بأكلة كبة السراي الشهيرة، ومن ثم زيارة سوق الغزل المتخصص بعرض وبيع الحيوانات الحية والطيور واسماك الزينة، أو الذهاب الى شارع المتنبي أو سوق الكتب للاطلاع على أحدث الإصدارات المعروضة على جنبات الشارع أو في مكتباته العامرة وهذا الحال ينطبق على الكثيرمن العراقيين .
أما الرجال فقد كانوا يرتادون المقاهي المتخصصة أو العامة حيث وجدت في بغداد المئات من المقاهي منها الرصافي والشهبندر والبرازيلية والبرلمان والمميز والتجار وأبو القاسم والقبطان والبيروتي والريف العربي و14 رمضان في ساحة الشهداء ومقهى العاني ومقهى محمد القيسي الكائنة في أبي نؤاس وذلك لقتل الوقت في لعب الطاولة أو الورق أو في مناقشات سياسية وادبية أو لعقد صفقات تجارية، وبصورة عامة فأن مئات من المقاهي تنتشر على طول الخارطة الجغرافية لبغداد سواء تلك التي تشرف على شوارعها وساحاتها الرئيسية أو في داخل ألأزقة والمحلات البغدادية المختلفة.
كانت منطقة المنصور وخاصة تقاطع الرواد يعج بالحركه وخاصة الشباب منهم من يتمتع بتناول الدوندرمه او زيارة مجلات بابيت او التجول وكانت المنصور وعرصات الهنديه من اجمل المناطق الى يؤمها الشباب لقضاء الوقت .
وكان مطعم المشوار والساعه مزدحما دائما لكثرة الرواد وجودة الطعام .
مازالت هذه الذكريات ترن في العقل وتظهر امام العين وكانها بالامس وخاصة لمن عاش تفاصيلها ...
مع تحيات
عبد الكريم الحسيني
1365 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع