خسر العراق عراقيا وأي عراقي ؟ الشهيد نوري باشا
لتأريخ العراق المعاصر تزوير للحقائق وتزييف للشخصيات الوطنية والأحداث !!! لم يزيف أحدا وعهدا بقدر تزييف الحقائق عن العهد الملكي الزاهر ورجاله المخلصين!! وبجهود الخيرين !!! ...
بغض النظر عن ما كتب عن ذلك العهد سابقا وعن رجاله , وبغض النظر عن أراء الكثيرين وكل الأتجاهات (أحترامي لجميع الاراء),أود أن أبين حادثتين سمعتها شخصيا عن رجل العراق المحب لوطنه وأمته المرحوم الشهيد نوري باشا السعيد ولتكن فقط للتأريخ , و الذي لا بد أن ينصف العظماء ولو بعد حين ...!
الحادثة الأولى
كان المرحوم أبو ثائر صاحب أول كشك لبيع الصحف والمجلات في المنصور (ليس بمكتبة ولوجود مكتبات كثيرة مثل الشموع وبشار وعامر وغيرها)..
أفتتح كشكه البسيط في نهاية شارع 14 رمضان من جهة المأمون وبالزاوية المتقاطعة من شارع السفارات حاليا ,, المرحوم أبو ثائر لديه عدة أولاد أحدهم وهو أخي ثائر وهو أحد معوقي الحرب العراقية الأيرانية ! كان أبو ثائر هو مصدر أستلام الصحف وتوزيعها على أولاده ليقوموا بتوزيعها على المشتركين في منطقة المنصور واليرموك والمأمون والداوودي وغيرها من الديار القريبة ومعها الصحف العربية والمجلات التي كانت تصدر في ذلك الوقت وتصل الى العراق !! مثل:
الأسبوع العربي والصياد والأنوار والنهاروالحياة اللبنانية والشبكة والموعد وحواء الفنية و العربي العظيمة واليقظة والنهضة والسياسة والرأي العام والقبس الكويتية , والمستقبل والعرب والشرق الأوسط اللندنية!!وغيرها من المطبوعات التي كانت مسموحا لها بالدخول للعراق
وبعد أن كانت معظم المجلات والصحف العربية والعالمية تدخل الى العراق مثل التايم والنيوز ويك وناشيونال جيوغرافي وفوت بول وكوول ورايدرز دايجست (( المختار )) والهلال وروز اليوسف ووووووووو !!! حيث كان العراق هو السباق بالقراءة !!!(بالأضافة الى سوبرمان وبات مان وأستريكس بطل الأبطال ولولو وصديقها طبوش وسمير وميكي وغيرها للأطفال, ضمان المستقبل !!!!!!!)
ملخص الكلام في أحد أيام شتاء 1977 وقد كنت في المراحل الأخيرة من الجامعة , ذهبت لشراء الصحف والمجلات من المرحوم أبو ثائر وكان الوقت بعد الظهر والجو ممطر وقد غطى كشكه الصغير بالنايلون حفاظا على مملكته الصغيرة التي لا تقدر بثمن :::: رأيته ممتعضا وعصبيا وهو الرجل المكافح الوقور فسألته ما هو السبب أبو ثائر؟؟؟
فقال :أجه زعطوط يهددني لعدم نشري في صدارة المجلات! مجلات وصحف وعي العمال والف باء وغيرها من المجلات العراقية في ذلك الوقت !!!
قلت له وأنا لا أزال طالبا ولم أكن مناضلا في أي وقت!!تحملهم!! قال لي:
في الخمسينيات كنت أسكن كرادة مريم (الشاكرية) وكنت موزع الصحف الوحيد في كرادة مريم وكنت أوزع وأعمل دعاية أفضل للصحف المعارضة للنظام الملكي على التي محسوبة عليه !!!
وأول من كان يفضل الصحف المعارضة ليقرأها هو الباشا رحمه الله , وكان الشرطي المرافق له من أقاربي وأنا الذي كنت أكره الباشا( من طيح الله حظي وحظنا ) حرفيا كما نطقها !!!!
في أحد الأيام من أواخر الخريف سنة 57 كانت سيارة الباشا قرب رگبة الجسر ( جسر الأحرار حاليا ) , ولم أرى الباشا في السيارة,, سمعت قريبي الشرطي يقول ( ها ولك أشجابك للصالحية ؟؟) ..
فنزعت النعال ورميته على السيارة في الشباك الأمامي ( كان مفتوح ) وگتله: الجابني هو فكر وظلم عمك الباشا !! ..
ولم أنتبه الى من هو جالس في الخلف !!! تصورت فقط الشرطي والسائق والساعة السادسة صباحا والدنيا ظلمة !! طبعا كانت تلك الحركة من باب الميانة !!..
فجأة رأيت الجامة الخلفية تنزل وفد (زييييييييييييك معتبر) , مع ضحكة كبيرة وقال:
ولك أني فكر!! نص جرايدك أني أشتريها !! ..
وقال لي : ولك هذه ميت فلس روح أكل كباب من ساهي الكببجي وتريك وراها جاي من الزين !! بلكت دماغك يشتغل ( مخبل) !!!!!..
عند روايته تلك الحادثة لي أبو ثائر رحمه الله أخذ يبكي وولده ثائر معه لا يعرف السبب !!!
ثائر الان هو باقي في محل والده رحمه الله وقد أصيب في الحرب العراقية الأيرانية وتعوق .....
ثائر أخذ يحتفظ لي بكل الصحف والمجلات الممنوعة ومن كانت تأتي للسفارات وترمى كأزبال في أيام السعادة ويعطيها لي مجانا !!!
حفظك الله يا ثائر ورحم والدك العصامي النجيب , لكم كل الدعاء بالخير والسلامة .
الحادثة الثانية ...
أثناء زيارتي الأخيرة الى عمان ألتقيت بأحد الشخصيات العراقية الحقوقية و الأقتصادية والأدارية ( ع .ش ) ومن الذين تبوأ عدد من المناصب المتقدمة المهنية في العراق طيلة الستين عاما الأخيرة!في أحدى الجلسات والنقاشات على أستقلالية القضاء اليوم في العراق عقب الأستاذ الفاضل على الموضوع وهو من المستقلين دائما بما يلي :
تخرجت من كلية الحقوق سنة 1953 , وتقدمت للتعيين في مجلس الوزراء, فتعينت بمرتبة سكرتير تحت التجربة !! بعدها بسنتين تم تثبيتي على الملاك وكنا نداوم في مجلس الوزراء الواقع قرب القشلة (محكمة الشعب لاحقا ) , ومن ثم دار الحكمة ! كنا نأتي الى الدوام الساعة السابعة والنصف قبل مجئ رئيس الوزراء بنصف ساعة مهما يكون رئيس الوزراء!!! للتحضير !!في منتصف الخمسينيات كان رئيس الوزراء المرحوم نوري باشا السعيد وكنا جميعا من الأحزاب التي تضمر العداء له !!!!( عجيب أمور غريب قضية ) ..
في صباح أحد الأيام من سنة 1956 وفي( الخريف أيضا) وكان باردا وصلنا الى مقر عملنا ( مجلس الوزراء ) ,, رأينا رجلا يلتحف بعباءة عربية ويشماغ نائما في الحديقة الصغيرة لباب المجلس ,فسألناه!!خير حجي ؟؟؟؟
فقال :معليكم دا أنتظر أبو صباح !!!عوفوني بدردي !!!!
دخلنا الى غرفنا, وعند وصول الباشا رحمه بالثامنة كالعادة نزلنا لمساعدته في أخذ البريد الذي كان يأخذه الى البيت لدراسته وتوقيعه ..
دخل الباشا ورأى الرجل وقال له : لك أبو فلان أشجابك بهل البرد ؟؟؟ فأجابه شوف أبو صباح ! أني من البارحة منايم !! أبني تعارك وسب الحكومة ووقفوا بالمركز اللي بالقشلة !!! بلكت تخابر القاضي يطلعه !! فقال له الباشا :
لك أنت مخبل؟! هو أني لو أبوية لو حتى جلالة الملك يگدر يحجي ويه قاضي !!!!.. تعال فوت خلي أنطيك عشرة دنانير توكل بيها محامي بلكي يطلعه بكفالة !
وقال للمحاسب : أبني گص عشر دنانير من راتبي هل الشهر وأنطيها لأبو فلان , خلي يوكل محامي لأبنه الزعطوط ويسويله چارة!!
تلك المعلومة أنقلها بكل أمانة وكما سمعتها من شخص كان من الضد من الباشا رحمه الله ...
بعد الأنتهاء من المناقشة ،سألت العم الفاضل ؟؟؟؟
لماذا كنتم تكرهون الباشا ؟؟؟؟؟
لم يجبني وقد طفرت دمعة من عينيه ...
تلك وقائع لم يعشها جيلنا غير المحظوظ برجال دولة وأشراف كما عاشها من قبلنا ولكن!!!!!
ختاما أقول مليون رحمة طاهرة على شهيد ورجل العراق نوري باشا السعيد وملوك العراق الاشراف وكل من حاول بناء وطن من الهشيم .
1309 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع