طرائف بغدادية ساخرة
حسين الكرخي
(كان المرحوم حسين الكرخي ــ حفيد الملا عبود الكرخي ــ قد نشر قبل عقود سلسلة مقالات عن طرائف اللهجة البغدادية وما اليها، وقد اخترنا منها عدد من الطرائف )
* من كنايات البغداديين القدامى كناية (ابو العطسة) وهي كنية عقال ينكسه صاحبه على حاجبه الايمن او الايسر بحيث يكون وضعه قلقاً،يسقط من رأسه اذا عطس اقل عطسة.قال كبير شعراء العوام هاجياً :
منكسَّ عكالة (ابو العطسة)،وخُرِج
على ﭼﺘﻔﻪ،طيط يامال العِرِج.
الخرج: مايطرح فوق ظهر الدابة،يضع فيه المسافر متاعه،ويتخذ من نسيج الصوف وغيره كما يضعه المسافر على كتفه اذا كانت المسافة قريبة.
طيط: عفطة،وقد تلحق بها عبارة (كُرِّش حَوْ) بقصد السخرية والاستخفاف. حدثنا الاستاذ عباس بغدادي قائلاً:في العشرينات كان لنا في الاعظمية جارٌ كنيته (ابو طيط) من بيت اشتهر بعمل الطرشي.
وحدثنا المرحوم الاستاذ عبود الشالجي، قال:كان(الجندرمة) العثمانيون في العراق لايحسنون العربية،وعندما كنت حاكماً(قاضياً) في ابي صخير عام 1935حدثوني عن واحدٍ منهم،كان قد تلقى امراً من مدير الناحية بان يصحب معه ثلاثة خياّلة (فرسان) وان ينزل على عشيرة توفي شيخها وتأخرت ارملته عن سداد بقايا الخراج،فيضطرها الى الأداء:وذهب الجندرمة واصحابه فقابلتهم المرأة مقابلة عنيفة،ولم يستطع الجندرمة ان يصنع معها شيئاً فعاد وقدّم الى مدير الناحية تقريراً جاء فيه :لما ركبنا على خديجة وطالبنا بمال البقايا رفعت ثوبها الى اعلى بطنها وقالت(طيط) قشمرة للداعي.
* ومن الفاظهم من التركية (ايسكي) بمعنى عتيق،و(ﭼﻲ) اداة النسب ويطلق على الذي يتعامل بالأشياء القديمة المستعملة بيعاً وشراءً.وفي ازقة بغداد سابقاً كان (ابو عتيق البيع) يمشطها وهو يصيح أيسكي بمد الياء،وبلغة البغادّة تعني ايضاً رقاّع الاحذية (إسكافي) وفي رصافة بغداد يوجد سوق بإسم سوق الاﺳﻜﭽﻴﺔ، وفي شمال العراق منطقة باسم(اسكي كلك) وفي بلغراد عاصمة يوغوسلافيا شارع يحمل اسم (ايسكي جادّة سي) وهو مايزال قائماً بطابعه العثماني القديم ينتابه السياح الأجانب والمواطنون اليوغوسلاف.
روى لي ايضاً استاذنا الشاعر محمد حسبن الشبيبي هذين البيتين على لسان صديقه المصور ارشاك مطالباً بتسديد قيمة صور له تأخر تسديدها ولم يكن ارشاك يعلم بمضمون الورقة التي حملها الى ابي علي لانه كان امياً، ومن المعلوم ان ثلاثتهم من اوفى الاصدقاء،ولكنها المداعبة البريئة :
ايا ابن الشبيبي يا حيلباز
ويا حنقباز ويا ﺳﺨﺘﭽﻲ
اذا لم تبادر بدفع الحساب
بعثنا بجلدك للـ (اﺳﻜﭽﻲ)
حيلباز: محتال.حنقباز: لعوب(لعبي). ﺳﺨﺘﭽﻲ: نصّاب،صانع الحيلة.
* فيس من أسماء الطربوش، و مثله (الفينة)، أول من أدخل أستعماله السلطان محمود الثاني سنة 1824 م، و الفيس ينسب الى مدينة فاس المغربية التي كانت تصنعه، كما أن الفينة تنسب الى (فينا) عاصمة النمسا، و حين أدخلها الأتراك الى العراق و بدأ (الأفندية) بأعتمارها، أطلق أسمها على بعض النساء العراقيات ممن ولدن عند شيوع أستعمالها، و منهن (فينة لفتة العزاوي) و هي من فضليات مدينة الكوت، أستشهد ولدها في القادسية الثانية، و الطربوش على ثلاثة ألوان : الأحمر العنابي و الأحمر القاني (فيس رنكي) و الأسود يتوسط قمته (بسكولة) عثكولة من خيوط حريرية سوداء أو زرقاء أو خضراء تتدلى الى الخلف أو جانبيا حسب الرغبة، و (ﭼﻠﺒﻴﺔ) بغداد يلفون حول طرفها الأسفل (كشيدة) من الحرير الأصفر المزهر. و (السادة) يلفون حولها القماش الأخضر أو الأسود، و بقية رجال الدين يلفون حولها القماش الأبيض. و بعض النساء البغداديات كن يعتمرن (الفينة القصيرة ذات الكركوشة الخضراء و منهن جدة الشاعر الكرخي الذي وصفها بأبيات عديدة) منها:
ﻳﺤك ﻠﻲعلى صدري أضرب بصخرة
ﻳﺤك ﻠﻲعلى صدري أضرب بصخرة
على الدنيا المشومة الفانية الغبرة
وين الفينة أم كركوشة الخضرة
(و مداس وﭼﹹﺪﹸﻙ ﻭﺍﻟﭙﻴﭽﻪ و ألأيزار؟)
و أنا حبوبتي شاهدتها تلبس
(فينة) براسها و الهاشمي أطلس
و (لاميّة و وردة) بخشمها و تدهس
بمداس الصريلي الصخر و الأحجار
على الدنيا المشومة الفانية الغبرة
وين الفينة أم كركوشة الخضرة
(و مداس وﭼﹹﺪﹸﻙ ﻭﺍﻟﭙﻴﭽﻪ و ألأيزار؟)
و أنا حبوبتي شاهدتها تلبس
(فينة) براسها و الهاشمي أطلس
و (لاميّة و وردة) بخشمها و تدهس
بمداس الصريلي الصخر و الأحجار
*ولقب الملا يطلق على من كان في عهود الجهل يحسن القراءة والكتابة، وصاحب الكتّاب يدعى أيضاً (مُلاّ) وحين انتشر نور العلم أصبح هذا اللقب سبّه، يكنّى به الجاهل، بعكس ما كان يعنيه قبلاً، وعلى هذا الاساس حذفه الكرخي عام 1938م من اسمه، وكان الرصافي التقاه بعد الحذف ومما قاله له : يجب أن نطلق عليك بعد الآن لقب أستاذ، فيكون اسمك الأستاذ عبود الكرخي، لأنك تستحقه، خاصة أنني أول من بايعك بإمارة الشعر الشعبي.
وردت هذه الكلمة كثيراً في الأمثال الدارجة، والأشعار الشعبية، كما تلقب به الكثير من مشاهير الرجال، فمن أمثالهم السائرة (خوجة علي، ملا علي) و(يا ملا وجهك أصفر) ومن أشعارهم :
أيها الكرخي (المُلّة) صابتك بالچبد عِلّه
وممن اشتهروا بهذا اللقب : الملا عثمان الموصلي، والملا عبود الكرخي، والمقرئ الملا مهدي، والملا علي الخصي، الذي كان الناس ايام العثمانيين يخوفون به أطفالهم ليناموا، وهو من رجال الوزير علي رضا باشا اللاز، الذي حكم بغداد من عام 1831 إلى 1843م، اشتهر هذا الملا بالظلم والقسوة وأخذ الأتاوات الكيفية من الناس، وكانت أخباره تتردد إلى الأمس القريب على ألسنة العراقيين، وصفه المرحوم الألوسي في مقاماته بأنه (أعجوبة الأمم، ملا علي كتخذا الحرم) – تاريخ العراق بين احتلالين 7/49 للمرحوم عباس العزاوي، المطبوع عام 1955م. حدثني المرحوم عبد القادر البراك، قال : قال لي مرة المرحوم عبد القادر مطبوعات : (ثلاثة ما ينشافون، عين النملة، ورجل الحيّة، وخبز الملا).
عن كتاب مجالس بغداد / حسين الكرخي
4767 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع