نبراس الذاكرة:مازال ملف موسيقار الاجيال محمد عبد الوهاب مشرعاً حيال الذكريات الطويلة التي خلفتها حصيلة حياته في هذا القطر اوذاك رغم مرور مدة ليست بالقصيرة على رحيله عن الدنيا.
ومن هذه الذكريات وماتركته زيارته الى بغداد العام ( 1932م ) من انفاس ظلت تفوح في اجواء بغداد على مدى ما يزيد على نصف قرن . ولان تلك الزيارة اغفلت عن الكثير من المباحث والمؤلفات التي وضعت , فان ذاكرة بغداد مازالت تختزنها كجزء من تاريخها , رغم ان هذه الزيارة لم تشغل بغداد كما شغلتها زيارة ام كلثوم في اواخر العام نفسه . فخلال المدة من 1 / نيسان / 1932 وحتى الثلاثين منه ...
اقيم المعرض الزراعي – الصناعي الاول في باب المعظم الذي افتتحه الملك فيصل الاول , برفقة اخيه الملك علي , وكان اول معرض من هذا النوع يقام في بغداد يومذاك وقد دعي المطرب الشاب محمد عبد الوهاب من قبل الحكومة العراقية لتقديم بعض الحفلات الغنائية لمناسبة اقامة هذا المعرض الذي سميت الأرض التي أقيم عليها ب ( حديقة المعرض ) فيما بعد فاحيا حفلاته على مسرح بدائي مكشوف سور بحصران مصنوعة من القصب.
وبعد ان أحيا عدداً من الحفلات على مسرح المعرض , اقام حفلات اخرى على صالة احدى سينمات بغداد الشهيرة يومذاك كان الإقبال عليها قليلاً جداً , لانه كان مطرباً مغموراً لم تكن شهرته يومها قد اخذت مداها الواسع في الاوساط الفنية العراقية كما هي اليوم , الا من اولئك المشغوفين المستمعين الى أغانيه المسجلة على اسطوانات لايملكها الا الميسورون منهم . كما احيا عبد الوهاب حفلة خاصة حضرها الملك فيصل الاول , وغنى فيها عدة ابيات من قصيدة للشاعر احمد شوقي مطلعها:
يا شراعاً وراء دجلة يجري بدموع تجنبتها العوادي
وكان امير الشعر الشعبي الملا عبود الكرخي قد دعي لحضور الحفلة الاولى التي أحياها عبد الوهاب من على مسرح المعرض , فنظم قصيدة نشرها في جريدته ( الكرخ ) التي كان يصدرها يومئذ وضمها الجزء الاول من ديوانه , هاجم المطرب وسخر منه بعد ان لاحظ الدعاية التي بثت لم تكن تتناسب مع صوته ومقدرته الفنية.
ويحضر الكرخي إحدى حفلات عبد الوهاب في تلك السينما , وكانت الصالة شبه خالية , وبعد خروجه كتب قصيدة أخرى سخر فيها من صوته ولون غنائه الذي لايرتاح له العراقيون المولعون بالمقام ورواده المعروفين امثال الشيخلي والقبنجي وخيوكة وغيرهم , وقد نشرت القصيدة في الجزء الرابع من ديوانه.
بقي ان نقول ان عبد الوهاب تطرق الى زيارته للعراق هذه في ذكرياته التي سردها عبر برنامج (النهر الخالد) الذي كانت تبثه قناة البرنامج الاول لتلفزيون العراق مساء كل يوم اثنين في مطلع التسعينيات من القرن المنصرم , ومما قاله عن هذه الزيارة انه سافر من دمشق الى بغداد ب ( الاوتومبيل ) (السيارة ) واستغرق الطريق من ( 8 – 9 ) ساعات وكان يحمل قصيدة احمد شوقي لتقديمها الى الملك فيصل الاول وكان شوقي صديقاً للملك فطلب عبد الوهاب مقابلة الاخير فاعطاه القصيدة ثم غنى بعض ابياتها في حفلة خاصة.
ويستطرد عبد الوهاب في ذكرياته ليروي ان السيارة التي كانت تقله ومجموعته الموسيقية ضلت طريقها في الصحراء اثناء عودته الى الشام عن طريق البر , بعد انتهاء زيارته للعراق , فعثر عليهم بعض البدو , ولما عرفهم عبد الوهاب على شخصيته ضيفوه وزملائه وكرموهم ثم ارشدوهم الى الطريق الصحيح نحو الشام .
1371 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع