لمعان أمين زكي اول طبيبة عراقية تختص في طب الأطفال

 

لمعان أمين زكي اول طبيبة عراقية تختص في طب الاطفال

 

     

      

لمعان امين زكي ... الرائده في طب ألاطفال، ألاستاذة ورئيسة قسم طب ألاطفال في الكلية الطبية والمستشفى التعليمي ، مديرة ومُؤسِسَة لرعاية الامومه والطفوله ، رئيسة جمعية أطباء الاطفال العراقية، والمشرفه على لجنة الدراسات العليا في طبالاطفال في جامعة بغداد، والخبيرة الدولية في التلوث الكيمياوي وألاستشارية في منظمة الصحة العالمية في التسمم في الزئبق

  


 آل الدملوجي، من الأسر الموصلية العراقية، وقد قدمت الأسرة إلى الموصل في النصف الثاني بين القرن السابع عشر الميلادي. ويقال أن الدملوجي نسبة إلى قرية دملوج اليمنية، القريبة من مدينة تعز
 
     

ولدت في سنة 1923. أكملت دراستها الابتدائية، المتوسطة والثانوية. تخرجت من كلية الطب بغداد سنة 1946. حصلت على شهادة الدبلوم في طب الاطفال من جامعة لندن. حصلت على عضوية كلية الاطباء الملكية، المملكة المتحدة. حصلت على زمالة كلية الاطباء الملكية، المملكة المتحدة.

 في سنة 1950 مثلت العراق في اجتماعات الجامعة العربية للدراسات الاجتماعية. عينت مديرة مؤسسة الرعاية والامومة والطفولة للفترة 1953-1958. أشرفت على دورات تدريب الزائرات الصحيات العاملات في المراكز والفروع في عدد من مدن العراق. أشرفت على تدريب القابلات بدورات مركزة حول مبادئ النظافة والتعقيم لضمان سلامة الامهات والمواليد. حازت على لقب استاذة في الكلية الطبية واصبحت رئيسة شعبة الاطفال في كلية الطب في بغداد سنة 1969.

 حصلت على اعتراف مجلس الامتحانات البريطاني في فرع الاطفال لفترة ثلاثة شهور في مدينة الطب، مستشفى حماية الاطفال والطفل العربي. في سنة 1970 تولت رئاسة لجنة الدراسات العليا. عضو في مجلس كلية الطب الاطفال العالمية. عضو في اللجنة المشرفة على دراسات التسمم في الزئبق. استقرت في أبو ظبي في عيادة خاصة مع زوجها الدكتور سالم الدملوجي

ادناه حديث اجراه احد طلاب الكلية الطبية العراقية، في نهاية سني الثمانينات، عن الحياة الدراسية والاجتماعية والثقافية، وذكريات عن الاستاذة والتدريس، مع الاستاذة الدكتورة لمعان امين زكي، لغرض نشره في عدد خاص من مجلة الكلية الطبية، بصفتها من اوائل الفتيات اللواتي انتمين الى الكلية ولكن الحديث لم يجد طريقه للنشر مع الاسف.
لماذا اخترت دراسة الطب دون غيرها من الدراسات؟
اخترت دراسة الطب مدفوعة بمثابة غامضة هي مزيج من الحلم والخيال والامال، او بالتعبير الجميل للدكتور محمد عابد الجابري بذهن حالم وليس بعقل عالم. وكنت ارجو ان اجمع بين الطب والادب، ولم اكن ادرك يومئذ كم يتطلب من فكر المرء وروحه كل واحد من هذين المسلكين
كان الدوام في الكلية مختلفا كل الاختلاف عما الفناه اثناء الدراسة الثانوية، اولاً، في المدرسة الثانوية كان المحيط كله من الاناث باستثناء مدرس الرياضيات المرحوم الاستاذ على مظلوم، في حين ان محيط الكلية كان يسيطر عليه الرجال، والدراسة كانت بالانكليزية والدرس على شكل محاضرة المتكلم الوحيد فيها هو الاستاذ ودورنا يقتصر على الاستماع
والجرئ الجرئ هو الذي يجسر على توجيه سؤال للاستاذ بعد انتهاء المحاضرة وجميع الكتب والمراجع كانت بالانكليزية. وقد شقت الحياة على البعض فتركوا الدراسة في اوائل السنة
كنا ننتظر الاستاذة تحت شمس الشتاء او في ظل الاشجار في مدخل الكلية. وكان في مكان المطعم الحالي للكلية رفعة جميلة من الحشيش الاخضر تظللها نخلات باسقات واشجار نبق عتيقة. وكان الاستاذ منهم يقبل من المستشفى بمعطفه الابيض فنخف نحن لدخول قاعة الدرس ويدخل هو غرفة جانبية هو غرفة يستبدل فيها معطفه الابيض بالروب الجامعي الاسود المهيب. وكان جميع المحاضرين ملتزمين بارتداء الروب الاسود اثناء المحاضرات وبارتداء المعاطف في المختبرات وردهات المرضى
الطلبة ايضا كان لهم زيهم الذي هو الزي المستعمل اليوم باضافة شعار كلية الطب مطرز على الجيب الايسر في صدر السترة. وكان ارتداؤه في الايام الاعتيادية اختياريا والزاميا في الحفلات والمناسبات الرسمية
الاساتذة الرواد
من كان افضل الاساتذة في رأيك؟ وفي اي قسم قام بتدريسكم في الكلية؟ وهل تأثرتم به ولماذا؟
ما اصعب الاجابة على هذا السؤال! لكل استاذ منهم ميزته ولكل موقعه في النفس، واني الان والله ، لاستحييهم من وراء الغيب وكانهم يقرؤون ما اكتب. دعني اروى لك بعض ما علق في الذاكرة عن افراد ذلك الجيل الكريم الذي سبقنا، وان اطلت عليك الحديث فان وصفهم لايتعارض مع الغرض من هذا الكتاب

  
 
المرحوم الاستاذ هاشم الوتري بخلفيات ثقافته الاسلامية العربية وطلعته المهيبة، ان ما يهمه انتقاء الكلمات والتعابير والاستشهاد بابيات من الشعر العربي. كما كان يحرض على ذكر ترجمة المصطلح العلمي باللغة العربية ويشرح الاصل والاشتقاق وكثيرا ما كان يستطرد فينقل مناقشاته في المجمع العلمي الى قاعة الدرس

  
 
ومعه كان الاستاذ صائب شوكت فارسا حلبة وفرسا رهان، يتنافسان ويتناوبان على عمادة الكلية ولكل منهما اتباعه ومريدوه. كان الاستاذ صائب شوكت شخصيته الطاغية واندفاعه في الوطنية يثير محبة الطلبة ورهبتهم في ان واحد
كان يراقب دواء الطلبة والمدرسين في الردهات والمختبرات وبحرص على مظهر الطلبة وسلوكهم ايضا، ليش شعرك طويل.. انت بنية؟ طلع ايدك من جيبك حين تكلم استاذك.. كان يريد من الطبيب ان يسلك سلوك الرجل الكريم، والادب كان يقضي ان تكون السترة مزررة واليد خارج الجيب حين يكلم الفتى ولده او من هو اكبر منه
وكان للاستاذ شوكت الزهاوي مثل هذا الحرص على سلوك الطلبة كما انه اثر الانصراف الى البحث العلمي فلم يفتح عيادة خاصة تدر عليه ارباحا اضافية
الاستاذ المرحوم عبد الهادي الباجه جي بتربيته الاسطنبولية ودراسته الباريسية كان مثال السيد الكريم الدمث الفكه والانساني المترفع عن الصغائر كان يلقي درس السريريات الابتدائية بعربية دارجة بغدادية صميمة وبمصطلحات عربية فصيحة وجميلة، كانت مستعملة في كليات الطب العثمانية التي كانت تتعامل مع اللغة العربية تعامل الغربيين مع اللاتينية، مع تردد المصطلحات الاجنبية كما يلفظها الفرنسيون، فيسر الطلبة بترديد تلك الاصطلاحات على لقد انطبع في ذاكرة طفولتي نظيفا اشقر جميلا مهذبا حلو المعاملة والتصرف طريقته

ثم المرحوم الاستاذ جلال العزاوي، كان رقيق القلب مرحا محبا للاطفال ينتظره كل صباح عدد منهم في مدخل قسم العيون فيوزع عليهم نقودا معدنية وهو يضحك معهم ويمرح ويمد يده مداعباً شعر هذا قارصا خد ذاك والكل ضاحك سعيد بمداعياته

                      

ثم هناك جماعة الاطباء البريطانيين وعلى رأسهم طبعا الاستاذ سندرسن بلغته المهذبة المنتقاة وحرصه على سلوك الجنتلمان الانكليزي. كان يحضر الى المحاضرة متأخرا وهو يتعلل بكثرة المشاغل ويقول خير لكم ان احضر متأخرا من ان لا احضر ومحاضراته تكاد ان تكون على شكل املاء من دفتر كبير سجل فيه المعلومات ، ويكتب على السبورة بخط جميل وكان له حضور مهيب بقامته الطويلة وشعره الفضي وربما لنفوذه الذي يعرفه الجميع ايضا
والاستاذ ملز العالم المخلص المجد، كان يتمسك بسلوك السادة في العهد الفكتوري، يفتح الباب وينحني لدخول الطالبات ويخاطب الجميع بادب وظرف جم..
لقد كان يتمنى ان يكون قبره في بغداد فلم تتحقق له الامنية، ولكن وصيته شملت بعض الذين عملوا تحت اشرافه في المختبر المركزي وقد استلموا المبالغ متعجبين
الاستاذ بيتي كان يدرسنا البكتريولوجي وشيئا من امراض الطفيليات، وقد كان ضليعا في عمله وكانت دروسه شائقة ولذيذة، وهو سكوتلاندي قصير القامة اشقر الشعر جم النشاط والحركة قريب من الطلبة، وزوجته كانت لطيفة ودودة. ولانها كانت اطول منه قامة ونحيفة جدا فقد اطلق عليها بعض الطلبة الخبثاء لقب دودة البلهارزيا وحين ترك العراق، شغل بيتي كرسي البكتريولوجي في كلية طب شفيلد الى حين تقاعده
الاستاذ ستيسي، استاذ علم العقاقير وفن التداوي، كان جادا متحفظا يغلب على سلوكه الخجل لكنه كان ملتزما بمواعيد المحاضرات والدروس السريرية، وكانت دروسه شائقة يقبل عليها الطلبة بحماس. وفي وسعي ان اقول بانه كان من خيرة من درس الطب الباطني في تاريخ الكلية، وكان الطلبة يكبرون فيه علمه وحرصه وانضباطه وحسن تقييمه للطلبة. وقد شغل منصب استاذ في كلية طب سنت توماس في جامعة لندن حتى تقاعده. وكانت له مكانة مرموقة بين اساتذتها. درس النسائيات والولادة كانت تدرسه سيدة سكوتلاندية هي الدكتورة ماكداول ويساعدها في الدروس السريرية د. فؤاد مراد الشيخ والاستاذ الدكتور كمال السامرائي وقد كان شابا يرتقي العتبات الاولى في المهنة والتدريس. كانت الدكتورة ماداول خجولة ومتحفظة واعتقد بانها لم تجد من معاونيها الدعم والتعاون المالوفين او هكذا كانت فكرة الطلبة. وارجوا ان لايكون ذلك التمييز الجنسي لكونها امرأة ترأست قسما مهما من اقسام الكلية

        

اساتذة طب الاطفال
تعمدت تأخير كلامي عن اساتذتنا في طب الاطفال لانهم كالعادة كانوا يستلموننا خلال السنوات المتأخرة من الدراسة اولا، ثم بعد ذلك اصبحوا زملائي الكبار ورؤسائي في العمل وقد طغت صفة الزمالة هذه على علاقتي بهم ولابد لي من ذكر ميزة كانت تجمع بين كل اطباء مستشفى حماية الاطفال. تلك هي حسن الزمالة والتكاتف في العمل اولا ثم الصبر العجيب على كثرة العمل بصرف النظر عن ساعات الدوام الرسمي. فقد كانت مشافي الاطفال ف القطر قليلة. وكان طبيب العيادة الخارجية منهم يعالج 300 – 350 طفلا في اليوم ، هذا الى جانب واجباته في الردهات وفي الاعمال الادارية، الامر الذي جعل اهتمام الاساتذة يتركز على المحاضرات النظرية. اما التدريس السريري فقد اعتمد على جهد الطلبة في التعلم، مثلا، يدفع لنا الاستاذ بمجموعة من الاطفال ويقول هذه كلها حالات حصبة. فنستلم نحن الاطفال ونقارن اعراضهم بما هو موجود في الكتاب، اي اننا كنا اقل اتكالية على الاساتذة من الوجبات المتأخرة من الطلبة
الاستاذ الدكتور عبد الله القصير كان يجمع بين ادارة مستشفى حماية الاطفال وبين عمله كطبيب وكأستاذ. وهو موصلي وواحد من رعيل الاطباء العثمانيين كان اول من تخصص في طب الاطفال في العراق بعد ان خدم في الجيش خلال الحرب العالمية الاولى، ثم تقلب في ادارات طبية مختلفة قبل ان يطمئن الى اختصاص طب الاطفال. وهو اول من عمل على فصل العيادات الخارجية للاطفال عن العيادات العامة في المستشفى الملكي، ثم اول من تولى مديرية مستشفى حماية الاطفال. وكانت له الريادة في استحداث عدد من مشايع رعاية الطفولة في العراق بما في ذلك تأسيس جمعية حماية الاطفال

كان الاستاذ القصير قصير القامة فعلا وافر النشاط عصبي المزاج له قدرة على العمل الطويل المتواصل. وكثيرا ما كان يثور على امهات الاطفال ان لمس منهن اهمالا او تأخرا في مراجعة المستشفى. وكانت الامهات يتقبلن توبيخه كمظهر لاهتمامه بالطفل، دروسه كانت شائقة لما كانت لديه من قصص مستعدة من خبرته الشخصية الطويلة
الاستاذ عبد الامير علاوي كان شابا نشيطا له قدرة عجيبة على مواصلة العمل لساعات طويلة مرهقة في الصباح ثم في العيادة المكتظة في المساء ثم في سهر الليالي في مجالات الحياة الاجتماعية النشطة. كان يحضر الى المستشفى قبل الدوام باكثر من ساعة لتفقد المرضى في ردهته وتوجيه علاجهم ثم يذهب الى عيادته الخاصة ثم يعود الى المستشفى ليفحص مئات من المرضى وليصرف الشؤون الادارية وغيرها من واجبات كثيرة وهو يمزح ويضحك وكان قاموسه لم يكن يعرف كلمة التعب وكانت دروسه السريرية لذيذة وشائقة ولكنه كثيرا ما اضطر على ايكالها لمساعديه، ومن هنا وجدت نفسي اقوم بتدريس الطلبة في المستشفى منذ التخرج! ولابد لي ان اذكر بانه كان يمر بالمستشفى بعد الظهر في طريقه الى العيادة الخاصة وكثيرا ما كان يعود الى المستشفى في الليل حين ينتهي من العيادة، كان مجموع ساعات عمله في المستشفى يفوق عدد الساعات المفروضة للدوام الرسمي وكان يتوقع من كافة العاملين معه ان يفعلوا مثله. كل هؤلاء بما كان لديهم من ايجابيات وسلبيات تركوا اثارهم في نفوسنا الشابة سهلة الانطباع ولكن هنك استاذ كانت لي معه لحظات دقيقة ومؤثرة ما زالت عالقة في الذهن راسخة في الايام ذلك هو الاستاذ كروكشتك كان واحدا من اساتذة الجراحة الكثيرين ولا استغرب ان اغفل ذكره من ارخ لتاريخ الكلية اخاله جاءنا بعد تقاعده فقد كان يبدو اكبر سنا من زملائه، كان ضخم الجسم جهوري الصوت خشن المظهر ولكنه كان حساسا رقيقا يتجنب ايلام المريض عند الفحص ويحترم حياء العراقيات وحرصهن على اسدال الغطاء على اجسادهن فلا يكشف منها اكثر مما يستوجب الفحص وكثيرا ما استعان بي في الدرس السريري للوقوف الى جانب المريضة والامساك بيدها وتشجيعها على تحمل الموقف
ولم يكن يضيق ذرعا بما كان بيديه بعض القرويين من جهل شديد في تلك الايام عكس بعض العراقيين الذين لم يكونوا يتحملون هؤلاء بل ربما اهانوهم واذلوهم. وكان قارئاً للادب متذوقا للشعر، لغته جميلة واصلاحاته فلسفية

  

الفعاليات الطلابية الى جانب الدراسة
ماذا كان دوركم في نشاطات الكلية وغيرها من الامور كالبحوث والاطلاعات خلال سنوات الدراسة؟
كنت نشيطة جدا في المشاركة بالفعاليات الطلابية. كانت هناك جمعيات وفرق رياضية ابدى فيها طلاب صفنا نشاطا كبيرا في كرة السلة والطائرة وكرم القدم كما في التنس والبنج بونج وغيرها
وكان من ابطال الرياضة في صفنا الدكتور علي غالب ياسين استاذ التشريح في هذه الكلية سابقا والدكتور فاضل يوسف كمال والدكتور رشيد الغبان وفخري الحكيم، وفي التنس فيضي الزهاوي وداود مسيح وغيرهم كثيرون. اما انا فلم اكن في حياتي من المندفعين في الرياضة وكنت العب البنج بونج والبادمنتون واشارك في التنس بلعب ضعيف. ولكننا كنا نحضر المسابقات ونصفق لفريق ضفنا مشجعات
جمعية الموسيقى كانت سيدة الجمعيات مستوى وتهذيبا. وكان اعضاؤها يستمعون في اجتماعات اسبوعية الى غرر فن الموسيقى الكلاسيكية على اسطوانات تستعيرها الجمعية من اعضائها. وكان ذلك يتم حسب منهج يطبع على الالة الكاتبة
ويسبق كل اجتماع شرح موجز للقطع التي سيتم الاستماع اليها. كان فارس هذه الجمعية الاغر غانم عقراوي استاذ استاذ الجراحة الذي كان ولايزال من المهتمين بالموسيقى والادب والثقافة. وكان يعزف على الكمان ومعه سامي الشيخ قاسم المغترب العراقي في اميركا، وشقيقه الاصغر. ابن صفي، يوسف عقراوي استاذ الباثولوجي سابقا وكان يعزف على البيانو. ومن ذوي النشاط في هذه الجمعية كانت سانحة امين زكي وامة الزهاوي وامنة صبري مراد وفيصل صبيح نشأت استاذ الفيزيولوجي سابقا وسالم الدملوجي وخالد القصاب وداود سلمان علي وكانت في صفنا بعض الاصوات الغنائية الجميلة كصوت رنين قنطرجيان استاذ الامراض العصبية والذي تردد صوته البارتيون الجميل من قاعة الكلية الى ارجاء منطقة العيواضية كلها واطرب الكثيرين باشجى الاغاني الغربية ومثله المرحوم فيضي الزهاوي. ولم تكن ذوات الاصوات الجميلة من البنات يشاركن في الغناء. وكان للكلية فرقة عزف وترية لاباس بمستواها. كما كانت تحضر معنا نخبة من طلبة الكليات الاخرى منهم من اصبح من المشاهير في مجاله كالقاص المشهور الاستاذ عبد الملك عبد اللطيف نوري والمرحوم الاستاذ مصطفى كامل ياسين ولاستاذ نجدة فتحي صفوت

  

الذكريات التي ميزت الحياة الدراسية في الكلية؟
كانت العلاقة بين التلميذ واستاذه اوثق منها في يومنا هذا. وبين الاساتذة من كان يتوقع منا ان نلازمه طيلة فترة العمل. وكانوا يستعينون بنا في العطل وكلما سمحت لنا واقاتنا
من الحوادث التي تذكر وفاة الجراح ابراهام ولم يكن يدرسنا ولكنه اعطانا المحاضرات في التشريح اثناء اجازة لاستاذ التشريح. شيعت الكلية جنازته بموكب مدني وعسكري مهيب. وقد قطعنا الشارع الموازي لحديثة الامير غازي (حديثة الامة اليوم) مشيا على الاقدام . الاساتذة بالقلنسوة الجامعية والروب الاسود وفوقه الوشاح بلوج براق احمر او اخضر يميز الرتبة الجامعية والطلبة بزيهم الموحد المكون من سترة زرقاء وتنورة او سروال رمادي، يسيرون جميعا بانتظام على عزف الموسيقى العسكرية العراقية مع كوكبة من الجنود. فقد كان معظم الاطباء الاجانب من العسكريين الذين دخلوا العراق مع الحملة البريطانية. واحتشد الناس على جانبي الطريق لمشاهدة هذا المنظر المهيب. وتمت مراسيم الدفن في مقبرة اللاتين الواقعة قرب ساحة الطيران بعد ان القى العميد الدكتور سندرسن كلمة الوداع وبعد ان اطلقت البنادق تحيتها للميت. على هذه لصورة كانت الكلية تقوم بالواجب الاخير لاساتذتها. الا ان هذا التقليد نبذ فيما بعد
هذا الاحتفال تجسم في ذاكرتي بعد سنين طويلة في فترة توتر سياسي في اوائل الستينات عند وفاة استاذنا الدكتور هاشم الوتري عميد كلية الطب وعضو المجمع العلمي العراقي وزميل كلية الاطباء الملكية في لندن.
اسرعنا، زوجي وانا، الى داره في الرواف حين كلمتنا ابنته تلفونيا وكان ابنه سعد يدرس في بريطانيا. توقعنا ان نجد دائرة الاطباء التي كانت تدور في فلكه يوم كان ذو حول وطول. قد سبقتنا الى هناك. ومن العجب ان احدا منهم لم يكن حاضرا، بل ان الطبيب الوحيد الذي خف لاسعافه وحضر لحظة وفاته كان الدكتور علاء الدينالخالدي استاذ الفرماكولوجي في هذه الكلية سابقا، وهو المعروف بدماثة الخلق والوفاء للمودات
وفي حفل تابين هذا الرائد الذي اقيم في قاعة كلية الطب كان عند حضور الحفل يعد على اصابع اليدين. والقى عميد الكلية المرحوم الاستاذ احمد عزت القيسي كلمة خرج فيها عن ما هو مالوف في هذه المناسبات. كما ابنه الدكتور سالم الدملوجي ممثلا للجمعية الطبية العراقية. وحين جاء دور المرحوم الاستاذ منير القاضي عميد كلية الحقوق الاسبق، ممثلا للمجمع العلمي العراقي الذي كان يرأسه، تعمد ان يضع الاوراق التي اعدها للمناسبة بشكل ملفت للنظر وارتجل كلمة مقتضبة من معانيها انه حضر وهو يعتقد انه لن يستطيع ان يصل المنصة لازدحام الاطباء في تأبين عميدهم الذي تخرجت على يده اجيال في تأبين عميدهم الذي تخرجت على يده اجيال من الاطباء . واشاد بجهود الاستاذ في تعريب المصطلحات الطبية وفي اعمال المجمع العلمي. ثم التقط اوراقه وانصرف ولم ينتظر نهاية الحفل التأبيني

طقوس حفلات التخرج
كيف كانت حفلات التخرج انذاك؟
بدأت الاستعدادات لحفل الشهادات الذي اقيم تحت رعاية رئيس الدولة في القسم الصيفي لقاعة الملك فيصل الثاني (قاعة الشعب اليوم) وكان هذا القسم الصيفي عبارة عن مدرج دائري مكشوف على طريقة المسارح الرومانية والمسرح الوسط وكانت تحيط به اشجار اليوكاليبتوس الضخمة واحواض الزهور. والمدرجات كانت مزروعة بالحشيش توضع فوقه المقاعد. كانت حفلة التخرج مناسبة رسمية هادئة يحضرها رئيس الدولة والوزراء. انتظرنا في الداخل ضاحكين مازحين معلقين على مظهر بعضنا بالروب الجامعي حتى اعلنت موسيقى الجيش ان الوقت قد حان فدخل اولا موكب الاساتذة الوقور بالروبات والقلانس السوداء تزين صدورهم الاوشحة مختلفة الالوان. وبعد ان استقروا في مجالسهم دخل موكب الطلبة وكانوا يحاولون اصطناع وقار كوقار اساتذتهم، فتخونهم نضارة الوجوه ونظرات الحبور التي يجيلونها بحثا عنل مواقع جلوس اقاربهم في الحفلة
العميد سندرسن القى كلمته بانكليزية فخمة مطعمة بالتعابير اللاتينية وهو يجهد ليرفع صوته على اصوات عصافير المساء التي لم يكن يهمها ان تطمس ذلك الصوت. ثم قام الاستاذ هاشم الوتري بتلاوة اليمين (يمين ابقراط) الذي كنا نكرره بعده جملة بعد جملة. ثم يقدم العميد الطلبة باسمائهم فردا فردا لتسلم الجوائز والشهادات كل ذلك يجري بما يشبهه الطقوس الدينية. وكنت استرجع كل هذا في حفلات السنوات المتأخرة لجامعة بغداد حين كانت بغداد تفور العواطف وترتفع هلاهل الطلبة كلما استدعي موكب من مواكب الكليات، فاتعجب للسرعة التي حل بها التساهل والانطلاق في هذا المجال محل وقار تلك الايام.
وكان للجمعية الطبية تقليد جميل هو العشاء السنوي للجمعية، ومن خلاله يتم ايضا تكريم الخريجين الجدد. كان العسكريون يحضرون بالملابس العسكرية والمدنيون بملابس السهرة السوداء ومنهم من يكتفي ببذلة غامقة، والسيدات بملابس السهرة الطويةل. وكان يدعى الى الحفل كبار الاطباء ومن هم في المسؤولية وكبار الممرضات والصحافة ايضا
حضرنا نحن البنات باثواب طويلة (سوارية) وشعور مصففة، لكننا لم نخرج على عادتنا في تجنب اصباغ الزينة (المكياج) اذ لم يكن ذلك مألوفا ولا مقبولا من قبل الانسات الصغيرات ولبس معظم الطلاب البدلات الغامقة، ومن درس على نفقة وزارة الدفاع حضر بالملابس العسكرية، واقلية من الطلبة استعاروا بدلة (السموكنك) من ابائهم رغم انها كانت تبدو فضفاضة، الامر الذي اثار فيما بينهم المزاح والمداعبات.

                    

مستوى الكلية الطبية العراقية
ما هو رأيكم في مستوى الطلبة خلال سني دراستكم وتدريسكم في الكلية وما بعد ذلك؟ وكيف يقارن مستوى كليتنا بالكليات العربية والعالمية؟
مستوى طلبة كلية الطب كان ومازال جيداً يؤهلهم للعمل بالمستوى المقبول وللتطور ومواصلة التعلم. وبالطبع هنالك الاقلية النابهة جدا والمتفوقة في كل المقاييس وعكسها الاقلية الخاملة. وهذه الاخيرة كانت في السابق تستبعد في مرحلة مبكرة من الدراسة فيتسنى لها ان تبدا دراسة اخرى غير الطب. بعد هذا القول يمكننا ان نحدد اهم سلبيات الطالب العراقي بالاتكالية الكبيرة على التلقين اولا وبالاهتمام برقعات المرضى كما يراها في المستشفى بمعزل عن خلفياتها الاجتماعية والبيئية ثانيا. ولا ابرئ المناهج الدراسية واساليب التدريس من شطرها من المسؤولية في غرس هذه السلبيات
اما مقارنتها بالكليات العربية فقد سمعت من اساتذة اجانب كثيرين في الخارج ثناء طيبا على الكلية مبنيا على انجاز الاطباء العراقيين الشباب هناك. وهي اليوم تعتبر واحدة من احسن كليات الطب في عالمنا العربي وفي العالم الثالث فيما يختص بتدريب الطلبة واطباء الدراسات العليا
اما بالنسبة للمراكز الطبية النادرة في العالم فاننا لانجاريها في جوانب مهمة منها تقصيرنا في دراسة المشكلات الصحية المحلية وامكانات مواجهتها وفي تنظيم البحوث والدراسات ذات المستوى الرفيع. اي اننا مازلنا نمثل دور المستهلكين والمستقبلين للعلوم والمعارف المعاصرة وليس دور المنتجين لها

الاطباء العراقيون متفوقون في الخارج
نسمع كثيرا بان الاطباء العراقيين يبدون التفوق عند الدراسة والعمل في المراكز العلمية الكبيرة في الخارج اكثر منهم في العراق فما هو السر في ذلك؟
في ظني ان هذا السؤال وما يتعلق به من تساؤلات يرتبط باكثر من سبب واحد يستحق كل منها الدراسة والتحميص فالعوائق والتحديدات التي يتعرض لها العلماء العراقيون لم تعالج بغير التجاهل والاهمال
من الاسباب التي تذكر ان اساليب التربية عندنا في جميع المستويات لا تهتم كثيرا بغرس انماط السلوك والعادات التي تنمي نزعة الاطلاع وفن البحث عن الحقيقة من مصادرها، ومنها ان الطبيب محليا مرهق بكثرة المتطلبات الانية، مهنية كانت ام غير مهنية. ومن الضغوط على اوقاته المحدودة، وهناك عوامل اخرى كثيرة.
داعب استاذ منا تلميذه وهما يشاهدان بستانيا يشذب سياجا من النبات ارايت اي الغصون يقص؟ تلك التي ترتفع كثيرا او تبرز.. ونصيحتي اليك لاءات ثلاثة وهي: لا تتفوق .. لا تتميز .. لا ترتفع.
وفي الخارج يعلم الطبيب العراقي، وهو خامة ممتازة منتقاة من بين المتفوقين في الدراسة الثانوية وقد تدرب جيدا في كلية الطب بان نيله لغرض العمل والتقدم لا يعتمد على شيء سوى مستواه العلمي والخلقي واتقانه لمهنته، ولانه اجنبي فانه يحتاج الى ان يضاعف جهوده لكي ينافس ابن البلد في عملية التسابق والتنافس لذا تراه منصرفا الى عمله وعمله
كما ان الجو الذي يعيشه في المراكز العلمية الاجنبية حيث يتسابق الجميع للاطلاع على الجديد في العلم تجعله يندفع في التيار ويتشبع بمعلومات يكتسب بعضها بالاستماع الى المقابسات والمناقشات
نعم، ان الطبيب العراقي مبرز في الخارج والشهادات على ذلك كثيرة جدا. قال لي زميل اجنبي عن احد طلابي بان وجوده في قسم المواليد والخدج يعد كسبا للاستاذ والقسم وقال استاذ كبير اخر التقيت به مؤخرا في احدى المؤتمرات بان احدى طالباتي تعتبر خير دعاية لكليتها ولبلدها، علما وخلقا والتزاما، ولكن ما يكاد الفرد منهم يعود الى بلاده حتى تظهر عليهم علامات الفتور والاحباط

هل هناك ما تودين ان تقولين للطلاب وللاطباء، الشباب كخاتمة لهذا الحديث؟
ربما كان من المفيد ان اكرر فاذكر الشباب باننا اصحاب مهمة لها خصوصية حساسة، تلك هي شرف مشاركة الناس في دموعهم وخضوعهم ولهفتهم ولوعتهم وادق اسرارهم، لذا كنا معشر الاطباء من اقصر الفئات عمرا واسرعهم هرما واكثرهم اصابة بازمات القلب وغيرها من الازمات وهذه الحقيقة تفرض حقيقة اخرى هي ان الطبيب بقدر حاجته الى التزود بعلوم الطب ومعارفه ومواكبه كل ما هو حديث. فانه يحتاج الى ان يمارس الطب بنوع من التبتل والتفاني، وما اجمل الحكمة التي تقول يريد الله من المؤمن ان يتعشق عمله..
المصادر / الموسوعة الحرة
حوار اجراه الاستاذ ابراهيم القيسي
جريدة الاتحاد 1985


  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

865 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع