نبراس الذاكرة/عبدالكناني:مع وجود الكثير من فناني الكوميديا في معظم بلدان العالم، في السينما والتلفزيون والمسرح، غير أن الفنان والممثل البريطاني "نورمان وزدم، تربع على عرش الفن الهزلي في العالم من خلال مجموعة كبيرة من الافلام التي شكلت واصبحت احدى سمات العقد الستيني علاوة على الاعمال المسرحية حيث نشط اصحاب مكاتب استيراد الافلام السينمائية على استيراد وجلب احدث افلامه لعرضها في دور السينما في العراق، اذ كانت دور السينما تتسابق على عرض أفلامه الجديدة.
واحتكرت دورسينما "غرناطة والخيام والحمراء والشعب" عرض افلامه، وكانت احيانا تلجأ للاعلان المسبق لبعضها لجذب الجمهور، لاسيما العوائل التي غالباً ما تختار عرضي الثامنة مساءً، والحادية عشرة ليلاً.
وقد طغت شهرته على النجم الاميركي " بوب هوب" ، والفرنسي "لودي فينوس". وقبلهما "شارلي شابلن"، والثنائي "بدي بود ولوكستيلو" و"هاري واكستيل". حتى ذكر ان شارلي شابلن قال عنه: ان نورمان وزدم مهرجه المفضل.
واكتسب شهرة كبيرة، ومن المفارقات التي رافقت شهرته ان يصبح النجم المفضل في "البانيا الشيوعية" حين سمح لأفلامه مع عدد قليل من الاعمال السينمائية والثقافية الغربية بالعرض في تلك البلاد المنعزلة على العالم وقتذاك، والمنغلقة على نفسها ، لكونها كانت ترى ان تجربتها خاصة جداً.
ان ظاهرة "نورمان وزدم" قد عبرت عن نزوع العراقيين للنكتة والمزحة والروح المرحة، وهي خصيصة عكست وعياً وفهماً لهذه الحالة، وكيفية استثمارها لصالح القضايا المهمة والكبيرة في البلاد، والمشاكل التي يعاني منها، ولعل ما قدمه علي الاطرش "كعود" يندرج في هذا الامر، اذ وظف الكوميديا وقدراته الادائية في قضايا سياسية متعددة، ما جعل سلطة البعث تستثمر ذلك في نهاية الستينيات في طرح توجهاتها السياسية في الداخل وعلى الخارج.. والهجوم على خصومها واندادها . مثل تقديم حلقات تنال من شخصية الرئيس الراحل جمال عبد الناصر. حيث سمي "معيجل" وقتها، والهجوم على السعودية..
وقد فتح انجذاب الجمهور الى افلام "نورمان وزدم" الذي رحل عن عمر جاوز التسعين "95" عاماً، شهية المهتمين واصحاب مكاتب استيراد الافلام السينمائية واشهرها "مكتب الكاهجي" في بغداد الى الترويج لافلام اخرى كوميدية من دول مختلفة ، حتى اصبحت الافلام الهزلية سمة تلك المرحلة، وقد ساعد ذلك التسهيلات التي قدمتها الدولة العراقية في العهد العارفي السابق..
بعد انهيار الشيوعية وحدوث التغيرات في العالم الشيوعي اثر تفكك الاتحاد السوفييتي، ذهب لزيارة البانيا ليلقى ترحيباً كبيراً كونه كان رمزاً في تلك الازمنة الصارمة ويبدو أن النظام الألباني وقتذاك قد تنبه الى الجمود والانغلاق والانعزال الذي كانت تعاني منه البانيا، فسمح بمرور وعرض أفلام "نورمان وزدم" بالعرض فيها كنوع من التنفيس عن الكبت والحرمان والشدة والصلابة والحديدية التي كانت تطبع المجتمع الالباني..
والامر ذاته حدث في سوريا زمن الرئيس حافظ الأسد حين سمح بالأعمال الكوميدية التي قدمها الفنان دريد لحام، ومن أشهرها مسرحيته (كاسك ياوطن) التي ألفها الشاعر "محمد الماغوط" وغيرها من الاعمال الساخرة، مع مجموعة الفنانين السوريين الكبار في الكوميديا مثل رفيق سبيعي "أبو صياح" ونهاد قلعي "حسني برزان" وشخصية "فطوم حيص بيص" وشخصيات "ابو عنتر وابو كلبجة" وغيرها. ووقتها ذكر الرئيس السوري الراحل ، بأن ذلك لأجل التنفيس عن الشعب لنسيان همومه ومشاكله، وقضاياه الشائكة والعسيرة ومنها "مشكلة الجولان" والمواجهة مع العدو الصهيوني.
978 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع