حياة الشباب ايام زمان /الحلقه الثانية
الانتقال من مرحلة المراهقه الى الرجوله عمليه معقده وصعبه وتعتمد عليها الشخصيه المستقبليه للشاب وخاصة ما يرافقها من تغيرات في الجسد والعقل والتصرف والاهتمام بالمظهر الخارجي ومحاولة التقليد لماهو افضل ..
غالبا ما تكون هذه المرحله والشباب في الاعداديه وهنا تتنوع الهوايات والافعال وتتنوع التصرفات وتزداد المتطلبات والمصاريف وظهور حالة سبر اغوار كل قضيه يمارسها الرجال لمعرفة خفايا الامور ..
كان الشباب في تلك المرحله والتي صادفت في عقد الستينات من القرن الماضي والتي كما اسلفنا مليئه بالاحداث الجسام ولكنها مليئه ايضا بالكثير من الاحداث الشبابيه ومنها خلال الدراسه ومنها على صعيد المحله والترفيه والمطالعه والعمل والرياضه والتدخين وشرب الكحول خفيه والحب والغرام ..
كانت الدراسه لاتزال متينه ومنضبطه ومتابعتها من قبل الحكومه والاهالي وكانت تشكل حجر الزاويه في حياة الشباب ولكنها لم تكن تمنع الشباب من مزاوله هواياته ,,
المدرسه كان لها احترام خاص وللمدرسين مكانه خاصه وللعلم احترام والاخلاق تسود الحياة المدرسيه ولااريد ان اقول مثاليه ولكني عندما اقارنها باليوم فأني اجدها مثاليه ولذلك فقد تخرجت في تلك الفتره مجموعات من الشباب تمكنت من تقديم كل ما يحتاجه الوطن والمجتمع ولم تكن المناهج خامله وضعيفه بل كانت رصينه وقويه وصعبه وكان الدخول الى الامتحانات الوزاريه عمليه صعبه للغايه اذا لم يتمكن التلميذ من تحقيق الدرجات المطلوبه وكانت قوانين وزارة التربيه صارمه بهذا الخصوص وبموضوع الانضباط المدرسي وسير السلوك ..
كان بعض الشباب ينتمي الى النوادي الرياضيه والاجتماعيه وكان نادي الكرخ والاعظميه والهومتمن وال - y . m . c . a والمشرق والمنصور والعلويه والسكك بنوعيه و التجار والهنديه وسيروان وصلاح الدين وغيرها وكان البعض الاخر يأتلف داخل المحله ضمن مجموعات كفرق كرة القدم او نصب ( الجراديغ ) على الشواطي او الجلوس في المقاهي وكان الفراغ سيد الموقف لهؤلاء وقد يلجأ البعض الى احتساء الكحول على ضفاف دجله ليلا او لعب الورق والرهانات في سباق الخيل ..
الطبقه التي ظلت تحافظ على الدراسه والثقافه من الشباب كان لها دور آخر فكانت تتجول في شارع المتنبي وسوق السراي ومكتبة مكنزي للاطلاع على اخر الاصدرات الادبيه واختيار الافلام العالميه لمشاهدتها في سينمات بغداد المنتشره مثل:
( مدافع الحريه / السفينه بونتي / القرصان الاحمر / افلام هيتشكوك / جميله بوحيرد / ذهب مع الريح /الحرب والسلام / الخطايا / العصفور / السمان والخريف/اللص والكلاب / يوم ي / الدبابه تي 34/ وغيرها الكثير ) التي ازدهرت في تلك الفتره بشكل كبير مع دخول السينما سكوب والافلام الملونه وكانت حصة سينمات بغداد من الشباب المثقف كبيره جدا لما لهذه الوسيله من ثقافه عاليه ودور في سقل ثقافة الشباب وقضاء وقت ممتع وكانت تعد من اجمل الهوايات ,و يضاف الى ذلك التنزه في النوادي والمنتزهات وحتى المقاهي كانت تختلف لما هو موجود في المناطق الشعبيه
فمثلا مقهى البرازيليه كانت ملاذا للمثقفين وطلبة الجامعه وطلبة الاعداديه كانت لهم مقهى خاص مجاور للاورزدي باك تطل على دجله فاتني اسمها وتجد فيها المدرسين والطلبه وتداول الاسئله المقترحه والمواضيع المهمه والملخصات والملازم والكراسات والمدرسين الخصوصين اضافة الى المطاعم التي يرتادها الشباب مثل الكافتريات المنتشره في الكراده الشرقيه والباب الشرقي وشارع الرشيد...
ومطعم عمو الياس وهي تختلف عما هو متداول في المناطق الشعبيه التي تعتمد على البساطه ومنها شوي الكباب والمعلاك والتكه على قارعة الطريق او الباجه والسمك المقلي وغيرها ..
لقد كان الاختلاط والعلاقات بين الفتيان والصبايا من اكثر المشكلات في تلك الفتره للقيود الاجتماعيه والدينيه الكثيره وتتسبب الى الكثير من المشاجرات بين الشباب انفسهم وبين ذوي الفتاة غالبا ونادرا ما يفضي هذا الحب الى زواج لان كلا الطرفين لايمتلك المستلزمات عدا الشعور بالحب ..
من الممارسات الجميله هي المطالعه التي كان الشباب يؤمنها من خلال المجلات العديده التي كانت تغزو الاسواق وخاصة المصريه واللبنانيه ومنها:
( الكواكب ، اخر ساعه ،المصور ،روز اليوسف ، الصياد ، الموعد ، الشبكه ،المختار ، العربي ، اليوم ، النهار ، وغيرها ) ولم يكن الشباب ميالا الى مطالعة الصحف ومتروك ذلك الى الرجال والموظفين واصحاب المصالح والاعلانات ..
كان الكثير من الشباب يتمتع بالمراسلات لاغراض التعارف وخاصة مع الفتيات وكنا نراسل الفتيات الامريكيات او الانكليزيات لغرض الاستفاده من اللغه الانكليزيه وكانت ذات فائده كبيره في تحسين اللغه والكثير كان يراسل اللبنانيين والمصريين شباب وصبايا وكانت هوايه جميله وتزيد من ثقافة الطرفين .
هناك العديد من الهوايات التي كانت تسود تلك الحقبه مثل جمع الطوابع والصور والسبح والبعض مولع بجمع الاربطه والوردات واخرين بالعطور والقداحات والساعات وكان الجميع يلتزم بالتسريحه التي تناسبه والحلاق الخاص .. كانت ايام جميله .
البعض كان يأوي الى احدى مشارب شارع ابو نواس او الى احدى كازينوهاته المنتشره من الباب الشرقي وحتى قرب الجسر المعلق ومنها ( الخضراء ، الفردوس ،البيضاء ، الكاردينيا ، زناد ، الزيتون ، دجله وغيرها ) ومنها العائليه ومنها الرجاليه وكانت صيفيه والبعض القليل شتويه وتقدم الطعام والشراب والالعاب الاعتياديه...
وآخرين يرتادون السينما الليليه في الدور الاول من 7 – 9 او الثاني من 10 – 12 بعد ان يتناول عشاءه عند احدى المطاعم الصغيره في الباب الشرقي من البيض والعنبه او الكباب أو معلاك او فلافل ابو سمير او كبة فتاح في البا ب الشرقي ...
بعض من الشباب القادرين على السفر الى خارج العراق وخاصة لبنان والتنزه في مصايفه الرائعه والتسوق من هناك وانشاء علاقات قويه مع اللبنانين من الشباب مما يضيف بعض المعارف والعادات والترفيه..
كانت المكتبه الامريكيه في الكراده الشرقيه ( خارج ) تقبل اشتراك الشباب فيها مجانا وتقدم لهم خدمة استعاره الكتب المجانيه وتؤمن بعض المجلات العربيه والاجنبيه مجانا مثل الحياة في امريكا والنيوز ويك ويمكن مطالعة جميع المجلات والصحف الامريكيه وهناك ايام تعرض فيها المكتبه افلام ترفيهيه وتثقيفيه لمشتركيها . اضافة الى المعهد الامريكي للغات والمعهد البريطاني للغات والمعهد الفرنسي والمركز الثقافي السوفيتي ..
لقد كانت حقبة الستينات من احلى الفترات وكانت مليئه بالحركه والنشاط والحيويه والتنوع ومجال الاستطلاع لكل ماهو جديد واستكشاف الكثير من الامور .
انتهت حقبة الستينات التي كانت تمثل اروع فتره هادئه وخاصة في منتصفها وقد نجدها كذلك نحن من كنا شبابا في تلك الفتره ولكنها بعد المقارنه لم نجد افضل منها لحد الان ..
كنا شهود على ما حصل خلالها من انقلابات فاشله وناجحه في الاعوام 1963- 1965 – 1966 – 1968 ولكنها لم تكن تؤثر فينا بسبب التعود على حالة السياسه العراقيه المضطربه . دخلنا السبعينات وبدأت مرحله اخرى جديده في حياتنا وفي البلد ايضا وكما سأورده في الحلقه القادمه ..
والى الحلقه الثالثه مع السبعينيات
عبد الكريم الحسيني
للراغبين الأطلاع على الحلقة الأولى:
http://www.algardenia.com/ayamwathekreat/12945-2014-10-07-19-11-40.html
1058 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع