رجل مـن زمـن الثائرين مذكرات العقيد الركن هادي خماس مديرالأستخبارات العسكرية الأسبق -الحلقة الثالثة ..
مذكرات العقيد الركن هادي خماس مديرالأستخبارات العسكرية الأسبق
اعترافات خطرة
.. وأجهش الأمير بالبكاء. لقد ساد صمت بيننا حسبته دهراً، منتظراً ما سيكون بعد هذه المعلومات الخطيرة التي سردها لي، وإذا به يبادرني بسؤال لم يكن ليخطر في بالي، وأدركت أن في باله أمراً لا يقل أهمية وخطورة عما رواه لي قائلاً:
"هل تتصور أن الجيش غير موال للعرش؟ وان هناك ضباطا ينوون تغيير الوضع؟.
وقبل أن تجيبني، لقد وردتني معلومات من مصادر شتى داخلية وخارجية حسبتها في حينها نوعاً من الدس الرخيص أو محاولة للإطاحة ببعض الضباط ، وكما يعلم الجميع إني أهتم اهتماماً بالغاً بمراقبة أوضاع الجيش خصوصاً بعد فشل حركة مايس سنة 1941، كما سعيت لإبعاد الجيش عن السياسة وضمان ولائه للعرش الهاشمي. ورغم ما وردني من أنباء لم أقم بأي أجراء أو تحقيق جاد عن ذلك، غير أني قررت إنشاء دائرة استخبارات برئاسة رئيس أول محمد شيخ لطيف الذي كان ينقل لي أخبار الضباط ونشاطهم". وبعد أن أسرف الأمير عبد الإله في تناول الخمر سألني: هل تعرف الأستاذ علي حيدر الركابي؟
أجبته:
إني أعرفه وهو مقرب من المغفور له الملك فيصل الأول ومخلص للعائلة الهاشمية، وقد عملت معه فترة عندما كنت عضواً في لجنة يرأسها الرئيس محمد مرهون الصفار وكنا نقدم منهج القوات المسلحة الذي يذاع كل جمعة من إذاعة بغداد والمشرف على هذا المنهج الأستاذ علي الركابي يعاونه الأستاذ دزموند ستيوارت الذي كان معادياً للسياسة البريطانية والذي طُلب منه أن يغادر العراق فغادره.
ولما أكملت سرد معرفتي بالأستاذ علي الركابي قال لي: "هل تعلم ما روى لي الركابي والذي له علاقة ببعض ضباط الجيش أمثال محمد نجيب وعبد المطلب الأمين ونعمان ماهر الكنعاني، لقد روى لي بعد لقائه بالسيد نعمان بأنه انتقد سياسة نوري السعيد نقداً لاذعا ومؤكداً استعداد ضباط الجيش للقيام بعمل للقضاء على نوري السعيد وسياسته."
لقد كنت قلقاً وأنا استمع إلى هذه المعلومات الخطيرة، خائفاً مما سوف يحرجني بتماديه في ذكر مثل هذه المعلومات الخطيرة أمامي. وأنا أفكر في ذلك ترك الغرفة التي نحن فيها وجاء بعد فترة ليست بالقليلة حسبتها دهراً ليكمل حديثه بالقول: إن أهم ما وردني من معلومات، أن لدى جلالة الملك حسين معلومات خطيرة تهم العرش في العراق طالباً مني أن أرسل من اعتمد عليه ليبلغه بها.
لقد أرسلت له رئيس أركان الجيش العراقي الفريق الركن رفيق عارف، وعند مقابلته جلالة الملك حسين روى له كامل تفاصيل مؤامرة يراد منها تغيير الحكم في العراق ذاكراً من يرأسها من ضباط وطلب جلالة الملك إيصال هذه المعلومات مباشرة إليّ. وأؤكد رغم هذه المعلومات وغيرها لم اتخذ أي إجراء مؤمناً أيماناً ناصعاً إذا كان الجيش والشعب غير راغب فينا ولا يريدنا فنحن مستعدون لتسليم أمور البلد وحكمه إلى من يشاؤون".
حادثتان
أدركنا الصباح أو كاد، وتركت الرجل وأنا في حيرة مما سمعت. أيكون صادقاً فيما قال وعاجزاً في آن ؟ أم هو أراد أن يبرئ ساحته مما يشاع ويقال عنه؟ وبما أني كنت بتماس مع العائلة المالكة، وخدمة للحقيقة والتاريخ، أروي الحادثتين اللتين كان طرفها الأمير عبد الإله بصفته وصياً على عرش العراق وأنا بصفتي مساعد آمر فوج الحرس الملكي الأول الذي مقره في قصر الزهور، وهما حادثتان تدلان على أن بعض المسؤولين لا ينفذون الكثير من أوامره.
الحادثة الأولى: كان الملازم الأول ماجد عبد الستار والنقيب يوسف شفيق النائب، اللذان كانا من منتسبي الفوج المسؤول عن حماية وحراسة القصور الملكية، رائدي الملك فيصل الثاني والمسؤولين عن مصاحبته والإشراف على تنقلاته وألعابه، وليس لهما أي واجب آخر. استحق ماجد عبد الستار الترفيع إلى رتبة رئيس وكان منصبه حينذاك آمر فصيل في السرية الثانية في الفوج، وكان من شروط ترفيع الضباط الأعوان أن يكون لهم ملاك يتحمل ترقيتهم ، فكلم الأمير عبد الإله رئيس أركان الجيش بشأن ترفيعه إلى رتبة رئيس. فصدر جدول الترفيعات ولم يكن ماجد عبد الستار ضمن المرفّعين.
الحادثة الثانية: كان الرئيس يوسف محمد سليم، معاون آمر السرية الثانية من الفوج، في مفرزة حماية العائلة المالكة في مصيفها شمال الوطن في سرسنك، فاستغل وجوده قرب العائلة واسترحم من الوصي أن يعينه معاوناً للملحق العسكري في لندن..
سعيد قزاز وزير الداخلية واللواء الركن غازي الداغستاني
ومثل هذه التنقلات هي عادة من مسؤولية معاون رئيس أركان الجيش للحركات وكان يشغل هذا المنصب اللواء الركن غازي محمد فاضل الداغستاني الذي، عندما وصله الطلب، علّق بالآتي: "إنها سابقة خطيرة أن يعيَّن في مثل هذا المنصب ضابط غير ركن، وعليه يتعذّر تنفيذ الطلب".
قضية الفساد
ولأعود إلى المجلس التحقيقي الذي أمر بتشكيله الأمير عبد الإله بشأن تقريري الذي رفعته عن الفساد، وما كانت نتيجة التحقيق. فبعد أخذ إفادات الشهود وإفادتي أنا قرر المجلس ما يأتي:
1. إني أسأت إلى القصر والجيش بأن فضحت مساوئ وفسادا كان عليّ أن أعالج ذلك بشكل هادئ ودون أحداث مثل هذا الصخب.
2. نقل آمر اللواء عبيد المضايفي كآمر للواء الحرس الملكي وتعيين العقيد الركن محسن محمد علي بدلاً عنه. والموما اليه اشتهر بمعاداته للجمهورية العربية ورئيسها جمال عبد الناصر، وكان يلقي محاضرات دورية على وحدات الجيش في محاربة الوحدة والقومية، وكان رجعياً إقليمياً والدليل على ذلك التجاؤه إلى السعودية بعد ثورة 14 تموز 1958.
3. نقل آمر الفوج العميد الركن ياسين محمد حليم، وتعيين العقيد طه البامرني بدلاً عنه.
4. نقل المقدم حمدون سعيد من منصبه في مقر اللواء إلى وحدات أخرى.
5. تم نقلي من منصب مساعد آمر الفوج إلى آمر سرية الإسناد في الفوج نفسه، وتعيين الرئيس هاشم الحاج كمال بدلاً عني.
لقد كان قرار المجلس التحقيقي تأييداً لوجهة نظري في إثارة قضية الفساد وسوء التصرف في الفوج، ولكن كانت أمكانية استمراري بالفوج مع الآمر الجديد ضرباً من المستحيل. اتصل بي آمر اللواء الجديد تلفونياً وطلب مني الاجتماع به في داره لمعرفة تفاصيل ما حدث وأدى إلى هذه التنقلات، فأجبته: سيدي إني ضابط واعتز بضبطي العسكري، وأنا مستعد للاجتماع معك لشرح ما حدث إما في مقري أو في مقرك. أما أن اجتمع في دارك فلا. لقد أسلفت أنه أصبح من المتعذر الاستمرار بمنصبي كآمر سرية الإسناد في الفوج وطبيعة ما حدث تلح علي أن أطلب النقل ولكن الذي حدث إني رشحت للقبول في كلية الأركان الدورة 24 فامتحنت ونجحت فقبلت.
وفي 19/9/1957 نقلت من منصب آمرية الإسناد إلى تلميذ في كلية الأركان بعد سنين حافلة بالأحداث والمشاكل بعد أن قضيت فترة من شبابي تزيد على التسع سنوات بشهر واحد للعمل مع العائلة المالكة.. وقد كان من ضمن دورتي في الكلية الطالبان الأردنيان الرئيس الأول عمر المدني والرئيس الأول محمد الحاج.
لقد انصرفت في هذه الفترة كطالب في السنة الأولى بالدراسة لتوسيع معلوماتي العسكرية، وقد تجمد نشاطي السياسي في هذه الفترة ولكني كنت، مع ذلك، على اتصال دائم بالتنظيم.
14 تموز.. تقاطع الخطوط وتقاطع الإرادات
لقد نجحت في دراستي من الصف الأول إلى الصف الثاني. قررت دائرة الأركان العامة سفر دورتنا بهيأتيها التدريسية والتدريبية إلى المملكة الأردنية لدراسة خطوط الهدنة بين الأردن وفلسطين المحتلة. لقد تركنا بغداد في صبيحة الخميس10/7/1958 ووصلنا الأردن في اليوم نفسه وكان لنا فيها قطعات من الجيش العراقي المتمثلة باللواء المدرع السادس الذي كان يعسكر في معسكر الزرقاء ، وكان في اللواء ضباط ينتمون إلى تنظيم الضباط الأحرار وهم الرئيس الأول الركن خالد مكي الهاشمي والمقدم الركن عبد الكريم فرحان، وكان اللواء لا يعلم بموعد تنفيذ الثورة كما لا يعلم بها أحد من الهيئة التدريسية إلا أن الرئيس محمد شلاش كان قد بلغ بموعد الثورة التي ستنفذ خلال مرور اللواء العشرين من بغداد في 14 تموز 1958.
لقد عسكرنا في معسكر خو في الزرقاء وكان آمر المعسكر يوسف رتيمه والملازم (كرسي) ضابط الارتباط بين تلاميذ الدورة وآمر المعسكر. ولما كنت أقدم ضابط في الدورة كانت الأوامر من الهيئة تبلغ لي وأقوم بدوري بتبليغها إلى تلاميذ الدورة وفي معسكر الزرقاء. وقبيل اندلاع الثورة وفي مساء 12 تموز طلبني آمر معسكر الزرقاء رئيس أول يوسف رتيمه واخبرني أن الرائد مازن العجلوني وهو ضابط أردني درس معي في الكلية العسكرية في بغداد يريد مقابلتي. وصلت إلى المعسكر فكنت وجها لوجه مع مازن ورحب بي واستصحبني بسيارته إذ كان حينذاك يشغل منصب مرافق الملك حسين.. وتجول بي في عمان ماراً بنقاط حراسة القصر التي كانت تستوقفه للتأكد من هويته ، وقد حاول عبثاً استدراجي للأوضاع عن وجود تنظيم للضباط يخطط بالإطاحة بالنظام الملكي ولم يفلح.
ويبدو من ذلك أن المخابرات الأردنية كانت لديها معلومات أكيدة عن تنظيم الضباط الأحرار في العراق وأرادت أن تتأكد من ذلك فاستغلت مازن العجلوني كتلميذ زاملني في الدراسة في الكلية العسكرية وكصديق لي عله يفلح في استدراجي.
ولم تيأس المخابرات الأردنية، ففي منتصف ليلة 13/14 تموز زارني العقيد الركن زهير عمر مطر المعاني وهو زميلي في الكلية العسكرية ومن دورتي فيها وقد حاول عبثا استدراجي وفشل في مهمته كما فشل من قبله مازن العجلوني.
وفي صباح 14 تموز تحركت دورتنا من معسكرها باتجاه معسكرها الجديد في البحر الميت وقبيل الانطلاق بالمسير جاءنا الطالب الأردني محمد الحاج مهرولاً ومبشراً عن حدوث انقلاب في بغداد وأن إذاعة بغداد تذيع بيانات قيادة الثورة وقد أعلن النظام الجمهوري. وبعد زيارة قصيرة إلى البحر الميت بلغت أن تتهيأ الدورة للحركة إلى نابلس وهناك بدأنا نسمع بيانات الثورة وعلمنا أن منفذي الثورة كل من عبد السلام محمد عارف وعبد الكريم قاسم.
وفي منتصف ليلة 14/15 أرسل علي آمر معسكر نابلس وبلغني بالتهيؤ غداً صباحاً للحركة إلى عمان لمقابلة الملك حسين في القصر الملكي، على اثر هذا الخبر اجتمعت الهيئة المعلمة عدا آمر كلية الأركان مع الطلبة حيث تم درس الموقف واحتمالاته وقررنا تأييد الثورة ورفض أي طلب للعمل ضدها.
وصلت الدورة بهيأتها التدريسية والتدريبية والطلبة إلى القصر الملكي في عمان ولم نعرف سبب استدعائنا ورغم انتظارنا الطويل لم تتم المقابلة لا للملك ولا أحد حاشيته ولكن الذي سمعناه في القصر أن رتلاً من اللواء الأول والذي يقوده شقيق رئيس أركان الجيش يتجه نحو بغداد لإحباط الثورة. وفي نفس اليوم نقلنا جميعاً إلى مقر القيادة العامة الأردنية حيث أخبرنا العقيد عبد الله المجالي أن القيادة العامة قررت قطع جولتنا ونقلنا إلى معسكر خو في الزرقاء حيث صدر أمر بمنعنا من مغادرة المعسكر، وقد كان محل اقامتنا في هذا المعسكر غير مريح وغير لائق فاعترضنا وتم نقلنا إلى دار الاستراحة في عمان وهي الدار التي كانت مقراً لكلوب باشا الانكليزي الجنسية والقائد العام للقوات الأردنية. وفي محل اقامتنا زارنا المقدم صالح عبد المجيد السامرائي لابسا رباطاً اسود وقدم لنا مغريات كثيرة طالبا منا اللجوء السياسي وعدم العودة إلى بغداد.
وفي الزرقاء بدأنا بمفاوضة السلطات الأردنية في موضوع عودتنا إلى العراق وأخبرونا إن أمر عودتنا مرهون بعودة الأردنيين المحتجزين في العراق ولما كانت العلاقات قد قطعت بين البلدين اقترحنا عليه إرسال أحدنا إلى العراق لأخبار حكومة الثورة بالموقف والسماح للأردنيين المحجوزين العودة إلى بلدهم وبعد مفاوضات وتشدد أبدى العقيد صالح الشرع الذي كان يمهد الموضوع لوجود أخيه اللواء صادق الشرع بين المحجوزين في العراق أبدى رأيه بموافقة السلطات الأردنية بالسماح للعقيد الركن إبراهيم فيصل والرائد الركن حقي أحمد الجودي بالسفر إلى بغداد وبعد مغادرتهما بخمسة أيام وصل الأردنيون بصحبة العقيد الركن إبراهيم فيصل وتخلف كل من السفير الأردني في بغداد وخلوصي خيري أحد وزراء الاتحاد الهاشمي لأسباب اضطرارية وبوصولهم تأكدت إشاعة مقتل أربعة أردنيين في التظاهرات التي حدثت في يوم الثورة في بغداد فأسفنا لهذا الحدث الغوغائي. ورغم وصول الأردنيين لم تسمح الحكومة الأردنية لنا بالعودة إلى العراق وأصرت على أن تستجيب حكومة الثورة إلى ما يأتي:
1. عودة باقي الأردنيين وهم ثلاثة.
2. عودة الطائرة الأردنية الموجودة في بغداد.
3. عودة 40 سيارة نفطية أردنية.
وبعد أسبوع وافقت السلطات الأردنية على عودتنا إلى العراق على أن يبقى ستة ضباط محجوزين في الأردن إلى أن تستجيب السلطات العراقية إلى مطالبها وهكذا وصلنا بغداد مساء يوم 18 تموز 1958 .
العودة إلى الدراسة و(كاسترو العراق)
لقد عادت الدورة من الأردن وابتدأت الدراسة للسنة الثانية في كلية الأركان في 18 أيلول 1958 وتخرجت في الكلية في أيلول 1959 بتفوق وكنت الأول على دورتي وحصلت على درجة الماجستير في العلوم العسكرية. وبعد تخرجي في الكلية عينت بمنصب ضابط ركن الحركات الثالث في مقر اللواء العشرين الذي يسكن في القصر الجمهوري والذي كان آمره العقيد الركن الشيوعي هاشم عبد الجبار، الذي كان يُلقّب بـ(كاسترو العراق)، وكان لهذا التعيين وقته ولآمري الجديد قصة. طلب آمري الجديد مقابلتي وما ان دخلت إلى مقره حتى لمحت ورقة مدونا عليها اسمي بالقلم الأحمر سلمت عليه ولم يرحب بي بل كان عابس الوجه متجهم السمات قال لي هل تعلم أن عبد الكريم فرضك علي ولم أكن راضياً أو راغباً على هذا التعيين ويبدو أن عبد الكريم قاسم بدأ سياسة الموازنة: يعين أمام كل آمر شخصا آخر يخالفه في العقيدة والمبدأ وهل يظن عبد الكريم أن هذه الموازنة تفيده؟ ومنذ متى عبد الكريم قاسم يخشى هاشم عبد الجبار حتى يعين من يكون رقيباً عليه.
دهشت من هذه اللقيا الخالية من المجاملة والبعيدة عن الذوق وما كان علي أن أرد الصاع بصاع مثله وليكن ما يكون فقلت له: "سيدي لقد أفرغت ما في جعبتك وأرجو أن تسمع ما بجعبتي ولو ترك لي الخيار في هذا التعيين ما قبلت به مطلقاً ووصلت أن اعمل في أي وحدة ومع أي آمر إلاك".
والعقيد الركن هاشم عبد الجبار، آمري الجديد، من مواليد بغداد أصيب بطفولته بمرض الجدري وترك هذا المرض حفرا وندبات كثيرة شوهت وجهه حيث غرست هذه الحفر وتلك الندبات عقداً نفسية حادة في شخصيته، ولم يتزوج وكان يشعر دائماً أنه غير مرغوب فيه. هذه العقد جعلته معاقراً للخمرة لحد الإدمان ميالاً إلى الترف واللامبالاة محباً للجنس فاستغل الشيوعيون هذه العقد واستمالوه إلى جانبهم بتأمين ما يؤمن له الترف إلى ابعد الحدود حتى اللا أخلاقية ، وبعد أن سيطروا عليه وأصبح ألعوبة بأيديهم استغلوه أبشع استغلال ووضعوه على رأس هيئة التحقيق المؤلفة منه رئيساً وعضوية كل من سعيد كاظم مطر وجلال للسلطة والحاكم داود خماس. وقد مارس أبشع أنواع التعذيب للضباط القوميين المعتقلين في معتقل الدبابات ومعتقل أبو غريب فاستعمل مع المعتقلين جميعاً سياسة غسل المخ من تجويع وتعذيب وعزل عن المحيط الخارجي وأهلهم بالذات.
ولكي أدلل على شعوبية الموما اليه وقسوته كنا جلوسا في حديقة نادي الضباط في جلولاء بعد نقل اللواء إليها وكان الموما إليه ثملاً مخموراً وكنا نستمع إلى إفادة المقدم رفعت الحاج سري وهو يدلي بشهادة أمام محكمة المهداوي انطلق العقيد هاشم عبد الجبار (الآن أصبحت منبوذاً ثق إن الصنعة التي كنت اصنعها للخونة المتآمرين كان صداها في أذن عبد الكريم قاسم وكنت عندما أعود من أحدى حفلات التعذيب في التحقيق أجد في انتظاري عبد الكريم قاسم وفاضل المهداوي ووصفي طاهر وطه الشيخ احمد وماجد أمين وبعد الترحيب يطلبون مني أن اصف لهم أساليب التعذيب التي مارستها، واني غير نادم على ما فعلت بل أني نادم على عدم استعمال الكي بالنار وإدخال القوازيق في مؤخرات الخونة المتآمرين". فانتقدته انتقاداً مراً لاذعا أدت إلى حدوث مشاجرة معه كادت أن تصل إلى الضرب وهو أضعف ما يكون أمامي.
إلى لواء المشاة العشرين
لقد كان في أمرة العقيد الركن هاشم عبد الجبار الآتي:
1. اللواء العشرون والذي كانت وحداته معسكرة في الفوج الأول والفوج الثالث في معسكر جلولاء.
2. الفوج الثاني الذي آمره العقيد الركن سعدون حسين ومقره في دار الإذاعة في بغداد وهو مسؤول عن حمايتها وحماية المرسلات في أبو غريب والمطار الدولي وعن امن قاطع الكرخ كاملاً.
3. مقر اللواء في القصر الجمهوري في الصالحية.
بعد أفول نجم هاشم عبد الجبار واستنفاد ما أناط به الحزب الشيوعي نقل هذا المقر بآمره وضباطه إلى جلولاء. وللحقيقة أقول أنه رغم كل مساوئ هذا الرجل كان يثق بي ثقة كاملة وقد وضع على عاتقي مسؤولية اللواء دون الاعتبار لمن هم أقدم مني رتبة وأنصرف هو إلى معاقرة الخمر والتجوال وممارسة هواية الصيد. في 24/4/1960 عينت بمنصب مقدم لواء العشرين وهو أهم منصب في اللواء وبهذا التعيين ازدادت مسؤوليتي في إدارة اللواء، ورغم كل النصائح التي كنت أبديها له بقي على تصرفه كارهاً لعبد الكريم قاسم ناقداً له حتى في مجالسه الخاصة لا يمتثل لأمر صادر له ولا يعرف ما يجري في اللواء. وفي 9/7/1960 عينت معاوناً لآمر الفوج الثاني في بغداد وكان هذا التعيين متنفساً لي ورفع عن كاهلي عبءاً ثقيلاً فالتحقت إلى منصبي الجديد بأمرة العقيد الركن سعدون حسن الذي كان قومي الاتجاه وحدوي العقيدة. في 22/7/1961 نقل آمر الفوج فعينت آمراً للفوج وكالة. في 15/2/1962 تثبت تعيني كآمر للفوج نفسه وهنا ولخطورة هذا المنصب أصبحت امثل أهم قوة في بغداد وذلك لسيادة قوتي الكاملة على قاطع الكرخ ودار الإذاعة والمراسلات في بغداد ومطار المثني الدولي ومما ساعدني في تولي هذا المنصب الخطير صديقي الأخ المقدم الركن جاسم العزاوي سكرتير الزعيم عبد الكريم قاسم والمشرف العام على دار الإذاعة والتلفزيون.
للراغبين الأطلاع على الحلقة الثانية:
http://www.algardenia.com/ayamwathekreat/13276-2014-10-27-13-09-51.html
1395 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع