الحياة ... حكايات /العميد عبد الله مريوش العماري
عنوان حكايتنا هذه المرة عن رجل عراقي عسكري ذاع صيته من خلال صفاته التي يذكر بها ومواقفه التي هي مزيج من الجد والطرافة والذكاء والبساطة.
كان ضابطاً في الجيش العراقي وعمل في مختلف وحداته ومعظم مناطق العراق وفي عام 1969 أعيرت خدماته من وزارة الدفاع إلى وزارة الداخلية , ونسب مديراً للتدريب في كلية الشرطة واستمر في هذا الموقع لفترة قصيرة حيث تمت تسميته عميداً لكلية الشرطة , وهنا لا بد من أن نعرج على الحكايات التي يتداولها أغلب ضباط الشرطة والجيش القدامى عن هذا الرجل.
العميد عبد الله مريوش العماري
الحكاية الأولى :
عندما استحق الترقية من رتبة عقيد إلى رتبة عميد ولعدم توفر الملاك للرتبة الجديدة فقد تم الاكتفاء بترقيته إلى رتبة عميد راتباً , مما جعله يشعر بحالة من عدم الارتياح , وهكذا كان حال جميع الضباط عندما كانوا يستبعدون من الترقية لأي سبب من الأسباب وخاصة عندما يكون سبب ذلك عدم توفر الملاك, وصادف في احدى صباحات أحد الأيام حضور رئيس الجمهورية ( أحمد حسن البكر) إلى مبنى كلية الشرطة لرعاية حفل تخرج إحدى دوراتها , فانتهزها العقيد ( عبد الله مريوش ) وعدها فرصة ثمينة لاستغلالها لنيل حقوقه التي حرم منها, وبطريقته التي تعبر عن شجاعته الأدبية وسرعة الخاطر لديه جمع طلاب الكلية في ساحة التجمع ( العرضات) وبعد الانتهاء من اعطاء الإيعازات العسكرية لطلبة الكلية وتهيئتهم للتفتيش, تقدم بخطى ثابتة نحو رئيس الجمهورية وبعد أداء التحية العسكرية صاح بأعلى صوته (( العقيد رتبة العميد راتباً عبد الله مريوش العماري الكلية حاضر للتفتيش سيدي)) .
ورد عليه رئيس الجمهورية بهدوء وصوت خافت : (( شدها ابن ......... ))
الحكاية الثانية:
وقعت هذه الحكاية في عام 1974 أثناء إجراء امتحانات الترقية لمجموعة مستحقة للترقية من المفوضين من كافة أنحاء العراق في كلية الشرطة وفي اليوم الأول للامتحان وكان عميد الكلية العقيد ( عبد الله مريوش العماري) موجودا في قاعة الامتحان مع عدد من ضباط الكلية ومن ضمنهم المقدم ( سوريان توفيق حسين).
في الوقت المحدد للامتحان جرى توزيع الأسئلة على المشاركين في الامتحان وباشروا الإجابة , وإذا بعدد من المفوضين يدخلون قاعة الامتحان وهم بملابس مدنية ومتأخرين عن الحضور , فما كان من عميد الكلية إلا أن ينظر إليهم وهو يردد :
(( هي هي.... وي وي .... بعد وكت وهو يحرك يديه علامة الاستهزاء )) عندها همس في أذنه المقدم ( سوريان توفيق ) الواقف بجانبه وأعلمه بأن المذكورين هم أخوان وأقارب وحماية السيد النائب ( صدام حسين) , عندها استدرك وبدون أن يحرج نفسه أو يبان عليه الارتباك مكملاً لكلامه ومغيراً للمعنى والمقصد وبأسلوب دبلوماسي بارع وهو يقول : (( هلا هلا ... أكيد أنتم مشغولين لكثرة واجباتكم ومسؤولياتكم الحساسة , ولدي أنتم مخيرين بين اداء الامتحان أو تأجيله .... )) وفعلاً أدوا الامتحان والنتيجة معلومة.
الحكاية الثالثة:
اشترك النقيب ( عبد الله مريوش العماري ) في انقلاب 14 تموز 1958 والذي كانت نتيجته انهاء الحكم الملكي في العراق , وعند وقوع انقلاب 8 شباط عام 1963 كان برتبة رائد وبمنصب آمر سرية الدفاع والواجبات في مقر وزارة الدفاع , وكانت المعارك محتدمة في ذلك اليوم بين المدافعين عن وزارة الدفاع بقيادة اللواء الركن( عبد الكريم قاسم ) رئيس وزراء العراق والانقلابيين وبمختلف الأسلحة.
تقدم الرائد ( عبد الله مريوش ) وعرض على اللواء الركن ( عبد الكريم قاسم) ومجموعة من الضباط الذين كانوا معه فكرة خطته , لفك الحصار عن الوزارة مع سريته عن طريق التسلل خارج البناية لكون الدفاع من داخل الوزارة لا يجدي نفعاً , استحسن الحاضرون فكرته وأجازوا له تنفيذها وقام بالفعل مع أفراد سريته باجتياز سياج الوزارة الخارجي وكان الوقت مع بداية حلول الظلام , عند استكمال اخراج وسحب أفراد سريته من داخل الوزارة أمرهم بالاستدارة وتوجيه فوهات بنادقهم إلى صدور رفاقهم الذين كانوا يقاتلون معهم قبل لحظات وتحول من فريق مدافع إلى فريق مهاجم عن الوزارة , وكان لتصرفه هذا الأثر الكبير في تغيير كفة ميزان القوات المهاجمة وتدني معنويات القوات المدافعة عن الوزارة بالتدريج لحين استسلامهم ظهر اليوم الثاني 9 شباط 1963 , وبذلك انتهت حقبة الجمهورية الأولى في العراق بقيادة اللواء الركن ( عبد الكريم قاسم).
وكيل وزير الداخلية المرحوم فليح الجاسم وبجانبه مدير الشرطة العام محمود الحلو وبجانبه عبدالله مريوش عميد كلية الشرطة
الحكاية الرابعة:
أعود إلى حكاية هذا الرجل معي ففي بداية عام 1975 استدعينا جميع ضباط قوى الأمن الداخلي في العراق المستحقين للترقية إلى رتبة أعلى إلى كلية الشرطة لغرض أداء امتحان الترقية والذي كان النجاح فيه شرطاً من شروط الترقية وكانت هذه الامتحانات سواء أكانت في الجيش أو قوى الامن الداخلي رغم كونها امتحانات شكلية إلا أنها كانت مصدر قلق لدى معظم الضباط لكونها وكما قال القائد الفرنسي نابليون بونابرت (ساحة الوغى ولا قاعة الامتحان).
وحيث كانت تحتم على الضباط التحضير لها وما تسببه من إحراج وحالة نفسية سيئة في حالة الرسوب أو الإكمال في موادها , كنا عدد من ضباط قوى الأمن الداخلي المستحقين للترقية من مديريات قوى الأمن الداخلي في محافظة أربيل متوجهين إلى العاصمة بغداد لغرض أداء الامتحان وكان معي في السيارة زميلي المرحوم الملازم الأول ( هوشيار بايز) والذي عرض علي أن أساعده في الامتحان من خلال الجلوس بالقرب منه أثناء تأدية الامتحانات , وافقت على طلبه بشرط أن اعطيه رؤوس أقلام الأجوبة دون تكليفي أو الإلحاح في طلب تفاصيل الأجوبة , فعلاً جلسنا في القاعة الكبيرة في كلية الشرطة ( المطعم) وكان عددنا يربو على الأربعمائة ضابط , جلست في منتصف القاعة وجلس خلفي زميلي الملازم الأول ( هوشيار بايز ) وعند توزيع الأسئلة كان يبدأ بالاستفسار مني وبصوت منخفض وأجيبه كذلك بصوت منخفض , وكانت المفاجئة في اليوم الأخير من الامتحان, كالعادة زميلي يستفسر مني وأنا أجيبه وفي لحظة من اللحظات جاءتني ضربة على كتفي الأيسر ... اعتقدت أنها من زميلي يطلب سرعة إجابة طلبه ... وأنا أقول له (( يا أخي أصبر )) تكررت الضربة ... وأنا أردد (( أكتب ماذا جرى لك )) , ثم جاءت الضربة الثالثة وكانت أقوى من سابقاتها وعندها التفت برأسي يساراً وإذا بعميد الكلية ( عبد الله مريوش العماري) واقف بجانبي وبيده لاود سبيكر يدوي كبير ناولني إياه وهو يقول : ((خذ ابني ردلهم كلهم )) وطلب مني ومن زميلي الوقوف , وكان زميلي طويل القامة عريض المنكبين كما يقول الممثل المصري عادل إمام, فأخذ ينظر إلينا , ويخاطب زميلي قائلاً: ((شوف طولك مو عيب عليك هذا الكَصير يردلك )), اكتفى بتفريقنا داخل قاعة الامتحان الذي كان وقته قد أشرف على الانتهاء.
هذه هي الحكايات التي طرقت سمعي عن هذا الرجل أو كنت طرفاً في إحداها واترك المجال لقراء مجلتنا الغراء ( الگاردينيا ) الأعزاء في إضافة ما تجود به ذاكرتهم من معلومات عن شخصية هذا الرجل ومواقفه طيلة خدمته الطويلة في الجيش والشرطة.
688 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع