ظاهرة (الشقاوات) في الأحزاب السياسية في العراق حـزب البعـث العـربي الاشـتراكـي.. أنمـوذجــاً ١٩٥٨- ١٩٧٢
مِن المعروف ان بعض السياسيين في العراق استعانوا بالشقاوات في صراعاتهم لتحقيق اهداف سياسية ومصالح شخصية ومن ابرزهم نوري السعيد الذي لم يتورع عن استخدام الشقي البغدادي الشهير (حجي شاكر!) في اغتيال خصومه كما مارس صباح دور والده واستعان بالشقاوات في مجونه ولياليه الحمر وكان يبعث بالشقاوة لتأديب من يرغب..
بل كان صباح في مرات كثيرة محسوبا على شلة الشقاوات! وفي عهد عبد الكريم قاسم انخرط الشقاوات في الاحزاب السياسية ومارسوا لعبة الدم في الاحتراب الوطني والقومي وقتذاك...
فكان خليل ابو الهوب شيوعيا "!!"
وخالد دونكي "ناصريا!!" وجبار وستار كردي "بعثيين!!"..
وقيس الجندي ذراع ناظم كزار وصدام في تصفية خصوم النظام والتخلص من بقايا شقاوات الحارات الشعبية والاحزاب وتمت تصفية حمودي الاقجم وابن ماهية واولاد الصفرة وقرداش! كان الشقاوات بصورة عامة يتمتعون بميزات جسمانية وعضلية ويتمتعون بالوقاحة والجرأة والغيرة ولهذا لم يكن من السهولة بمكان ان يتحول الرجل على حين غرة الى شقي فللشقاوة شروطها وميزاتها لا تتوفر الا في نفر معين ومحدد من اهالي بغداد وبعض المحافظات في العراق! في حوار ممتع مع بغدادي قال لي: "عندما يفتقد القانون من حياة المواطن ويضعف دور الشرطي ومركز الشرطة يبرز دور الشقاوة.. فالشقي هو حامي المحلة والناس الضعفاء .. لا يعتدون الا على الجائر ولا ينهبون الا مال المقتر البخيل المتجاوز على حقوق الاخرين"!
اليوم في ظل الفوضى الامنية وغياب الشقاوات ظهرت لنا على السطح ظاهرة قريبة من شرور الشقاوات وتماديهم هي العصابات المسلحة التي تتجرأ على المدنيين المسالمين وتنتزع منهم اموالهم او تقتل اولادهم او تخطف من اجل المال.. ولسان حال اهل بغداد يقول: رحم الله شقاوات ايام زمان.. كلهم نبل واخلاق وغيرة! شقاوات بغداد في الايام الخوالي كانوا ينجدون جيرانهم والغرباء في ان واحد..
سألني البغدادي: كيف يتحول الشقاوة الى "حاكم" في العراق وقد عرفنا نوري باشا واخرين كانوا يملكون "اخلاق" الشقاوات في الحكم؟!
أجبته: ان كنت تقصد النخوة والحمية والغيرة لدى الشقاوة فالباشا هو كذلك وان كنت تقصد البطش والظلم فمن الممكن اذا وفرت "دماغ يفتهم!" لاي شقاوة بالامكان ان يسوس العراق كما يشاء.. لو امتلك قيس الجندي "دماغا يشتغل" اضافة الى جرأته المتناهية لاصبح حاكما؟!
ضحك البغدادي وقال: "اذن نوري السعيد وغيره من حكام العراق كانوا قيس الجندي او جبار كردي او خالد دونكي ولكن.. بمخ يشتغل"! في السياسة صراع دموي ولا اخلاقي يخوضه البعض وهو يرتدي قفازات من الحرير وربما يقتل بدم بارد كما يفعل شقاوات ايام زمان! رحم الله شقاوات الزمن الماضي لانهم.. غيرة وحمية وشرف ونخوة لا غدر وخطف او قتل على الاسم والهوية !"
قال الدكتور وحيد عبد المجيد نائب مدير مركز الدراسات السياسية بالأهرام إنه لا يوجد زعيم في العالم العربي أو في العالم أجمع - بما في ذلك أكثر الزعماء تطرفا وتشدداً أو أكثرهم مقاومة للنفوذ الأمريكي - يشبه صدام حسين. ووصف صدام حسين بأنه حالة خاصة جداً، وربما لا تكون قابلة للتكرار فهو شخصية «بلطجي» انتقل من البلطجة الشخصية في شوارع بغداد إلي البلطجة السياسية، ثم إلى إخضاع دولة بأكملها لسياسة البلطجة. وأشار عبد المجيد إلى أن أول عمل قام به صدام في حزب البعث كان القيام بدور «البودي جارد» لبعض قادة الحزب لحمايتهم. وقال إن صدام عندما انتقل في حزب البعث من دور «البودي جارد» إلى دور السياسي، ظلت عقليته كما هي، حتى عند توليه الرئاسة، حيث أطاح بالرئيس السابق أحمد حسن البكر الذي فتح له الطريق وعينه نائبا له، كما أنه كان يتصرف حتى آخر لحظة من حياته بذهنية البلطجي. وذكر عبد المجيد أنه عندما تولى الرئاسة قتل حوالي مائة من كبار قادة الدولة، في مذبحة تشبه مذبحة القلعة التي نفذها محمد علي باشا، حيث عقد لهم اجتماعا ووجه لهم اتهامات بالخيانة أثناء هذا الاجتماع وقام بتنفيذ الحكم في الجلسة نفسها. وأوضح عبد المجيد أن صدام حالة خاصة، قد لا تكون قابلة للتكرار في أي وقت قادم، لأن مستوى تطور البشرية الآن أصبح يحول دون تكرار مثل هذا النوع من القادة.
وقال الدكتور رفعت سيد أحمد مدير مركز يافا للدراسات السياسية إن صدام حسين ليس له مثيل في العالم العربي سواء من ناحية شخصيته الاستبدادية أو تاريخه وصعوده السياسي ثم طريقة موته. وأضاف أن الحكم على صدام ينقسم إلى جزأين الأول: فترة حكمه للعراق وأشار إلى أن الجزء الثاني من حياة صدام، يبدأ بعد وقوعه في الأسر ومحاكمة الاحتلال له، حيث تحول صدام إلى بطل شعبي في نظر كثير من العرب ورأى البعض أن وقوعه في الأسر يمحو ما حدث منه قبل ذلك ".
كانت الاحداث والوقائع التي وقعت بعد عام 2003 وحتى هذه اللحظات وما جرته من ويلات والام ودموع ودماء وانواع القتول والتصفيات وتاسيس الميليشيات والجماعات المسلحة وما ارتكبته من جرائم مقززة كانت حصيلتها حسب الاحصاءات الدولية 3000 قتيل عراقي في الشهر الواحد طوال عام 2014 وما حدث واصاب العراقيين من نكبات ومآسٍ مروعة جعلت اغلب العراقيين يحنون لنظام صدام ويتمنون عودة الماضي القريب لتوفيره الامن والامان اللذين افتقدهما اهل العراق منذ الغزو الامريكي الجائر للعراق وحتى هذا اليوم برغم مرور اكثر من عقد على رحيل نظام صدام! لقد جلب الامريكان للعراق كل ما هو مؤذ ومؤلم ومدمر لشعبه.. لقد ارادوا اقتلاع السن المسوسة فقلعوا الفك برمته!
بصراحة وللحقيقة التاريخية اكدت الجرائم المروعة التي ارتكبت طوال 11 سنة اي من عام 2003 فشل المزاعم الامريكية والعراقية معا في اقامة نظام ديمقراطي علماني حر في العراق بل العكس فقد تاسس في العراق لاول مرة منذ عام 1921 أسوأ نظام ديكتاتوري – طائفي عرفه اهل العراق برغم مظاهره الديمقراطية المزيفة والمزورة كالانتخابات وانبثاق برلمان وانتخاب الرؤساء الثلاثة! نظام فشل في تمثيل العراقيين بكل اطيافه ومكوناته الدينية والقومية والطائفية.. نظام ثأري ميليشياوي قائم على الاحقاد وتبادل الكراهية وتصفية الخصم والمعارض على الاسم والمذهب والاقصاء والتهميش! وللحقيقة التاريخية تاسس نظام نخبوي بعد عام 2010 اسوأ بكثير من النظام السابق بل وانصافا لا يمكن مقارنة ما جرى للعراق بعد 2006 تحديدا من مظالم ومآس بكل الذي جرى في عهد صدام حسين!
على كلٍ. اعدم صدام حسين واصبح ملكا للتاريخ وليس ملكا للبعث او للعوجة او لا آل ناصر .. وطبع الرجل حقبة بكاملها باسمه بل طبع (35) عاما بايجابياتها وسلبياتها باسمه الشخصي!
إن ما جرى في العراق وخاصة خلال عام 2014 تحديدا لا يمكن تخيل حصوله في اي فترة من فترات حكم صدام حسين.. ما يحصل اليوم في العراق يفوق الخيال وادب الخيال السياسي .. العراق اليوم مشهد مرعب لا مثيل له في طول وعرض تاريخ العراق القديم والحديث! لا يمكن تجاوز شخصية صدام حسين باي حال من الاحوال ولا يمكن التقليل من اهميته وشانه فهو ابرز ان لم يكن اقوى حاكم عرفه تاريخ العراق الحديث والمعاصر وتذكرنا شخصيته بالنماذج التاريخية العراقية القديمة بسطوتها وعملقتها وقوتها وهيبتها.. قال صدام حسين في المحكمة: ان العراقيين سينظرون إلي بكثير من التقدير والتبجيل بعد وفاتي وليس في حياتي! ليس انحيازا لصدام او مبالغة منا لدوره وشخصه اذا قلنا هذا ما يحصل الان في العراق بالفعل! ويجب الاعتراف ايضا – بغض النظر عن اتفاقنا مع صدام او خلافنا معه – ان الرجل دخل التاريخ من اوسع ابوابه واحتل مكانته التاريخية رغما عنا جميعا بفضل الاوضاع السيئة جدا التي مررنا بها منذ اسقاطه بالقوة الامريكية الغاشمة! لا يوجد شخصية واحدة في العالم قديما وحديثا اسقطه الاستعمار بوجهيه القديم والجديد الا واحتفظ له التاريخ بمكانته الشعبية وخلد مع خلود الزمن مهما كانت اخطاؤه وخطاياه!
المصدر/ المشرق - شامل عبدالقادر
http://www.almashriqnews.com/inp/view.asp?ID=120318
1177 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع