السماوة : شارع مصيوي .. الجذور والتغيرات
شارع مصيوي هو الشارع الذي يمتد بموازاة السوق الكبير المسقف والمكشوف ، ويبدأ من نهر الفرات شمالا حتى يصل محطة القطار جنوباً .. وكان عبارة عن درب ترابي تخترقه من الوسط ساقية يتدفق فيها الماء من النهر يسقي البساتين التي على يمينه والتي تعود لمالكها علي مصيوي الذي سمي الشارع باسمه ، ا, كما يطلق عليه الناس قديماً ( جادة مصيوي ) ، ثم ينحرف يميناً قبل ادراكه شارع المحطة . ولقد ردمت الساقية واستحدث شارعاً في العام 1937 في عهد القائمقام قاسم خليل .
وفي ادارة القائمقام علي حيدر تم استملاك البساتين من قبل الحكومة حيث بنيت مدرسة سومر وخلفها شق شارع ( ابو الستين ) وكان عرضه ستين متراً لكنه قلّص في السبعينات إلى عشرين حيث بنيت العمارات السكنية ، يقابلها مصرف الرافدين ( الرشيد حالياً ) وفندق البلدية ( الباحث للالكترونيات حالياً ) .
عبد شارع مصيوي في العام 1957 فاستبشر الاهالي بشارع يحمل صفة الشارع الحقيقي اذْ كان مستقيماً من بدايته حتى نهايته لا ينحرف يميناً أو يساراً وكان القسم الأول منه ، والذي سمي في ما بعد بشارع العيادة الشعبية تتوزعه البيوت ، أما قسمه الثاني ( الذي يبدأ من تقاطع شارع باتا حالياً ) فكانت تتوزعه البيوت وعدد من الخانات ( خان صاحب الزعيري ) و ( خان محمد شلال ) وخان ( سيد مندل ) ، واسطبلات ( اسطبل مهودي ) تتوزع عليه ، ويحسب
شارع مصيوي والتسميات المتعددة
اعتادت الحكومات حين تتعاقب على تغيير اسماء الشوارع والاحياء وفق منظورها الآيدلوجي ، وتعمد إلى جعل اسمائها هي الراسخة دون أن تعلم أن ما محفور في ذاكرة الناس لا يمكن محوه بمجرد تغيير لافتة واستبدالها بأخرى أو تكريس ذلك في الكتب الرسمية التي تتبادلها الدوائر الحكومية ليكون الاسم الجديد حقيقة واقعة .. من هنا لا يشذ شارع مصيوي عن غيره من الشوارع والأحياء التي يطالها تغيير الاسم سمي عن قصد . فقد تعاقبت على هذا الشارع عدد من الاسماء وتسربل بأسماء جديدة ، ولكن لفترة محدودة من الزمن ، ما يلبث ان يعود الاسم الاول ليكون هو الثابت في الذاكرة . ففي العهد الملكي ، وبعد أن عبِّدَ اطلق عليه ( شارع الملك فيصل ) . وفي عهد الجمهورية ومحاولة مسح ذاكرة الاجيال عن اسم الملك استبدل بـ ( شارع الجمهوري )
وخصص في العهد الجمهوري ليكون مساراً تسلكه التظاهرات المؤيدة للزعيم عبد الكريم قاسم وغالباً ما ينظمها الحزب الشيوعي العراقي والنقابات العمالية وجمعية الفلاحين حيث تنطلق من بداية شارع محطة السكك ، مقابل سينما الشعب ، فتدخل على امتداده ، ثم تسلك شارع الكورنيش ، وصلاً إلى مبنى السراي .. وقد تستمر التظاهرة فتعبر الجسر الخشبي وتنحرف يساراً لتصل إلى مركز القائمقامية وتعلن وجودها ؛ ثم تتفرق هناك .
وفي العام 1969 ارتفعت عند مدخله الجنوبي لافتة حديدية تحمل اسم ( شارع الوحدة ) اشارة إلى اول هدف من شعار اهداف حزب البعث الذي استلم السلطة عام 1968 هو " الوحدة " .. ولم تنفع التسميات المذكورة ، وبقيت حبراً على ورق المخاطبات الرسمية الحكومية . وازيلت اللافتة كما ازيلت غيرها . وبقي اسم شارع مصيوي هو الماثل في الذاكرة وعلى الالسن .
شارع مصيوي .. التغيرات
في العام 1971 ، وضمن توجه المحافظ عيادة الصديد إلى تقديم ما يمكن أن تقدمه الحكومة التي يقودها حزب البعث الذي عاد إلى السلطة وفي برنامجه كما يبدو شعار محو الفترة السوداء لسلطته التي قبض بها على العراق من 8 شباط حتى 18 تشرين ثاني وعدت من الفترات المظلمة التي مر بها العراق فقد ضمت الحكومة قطعة الارض العائدة إلى مصيوي السلمان وكانت فارغة يرتفع فيها عدد من النخلات ، وباشرت ببناء ( العيادة الشعبية ) عن طريق ( العمل الشعبي ) وهو تقليد رفعته حكومة البعث آنذاك لإنجاز بعض المشاريع ، ومنها المستوصفات : مستوصف الثوار في الحي الشرقي ، ومستوصف الحيدرية ، وحي المعلمين .
وبوجود اسم العيادة الشعبية وارتفاع لافتات الاطباء الذين اتخذوا من الشارع اماكن لعياداتهم الشخصية اصبح الناس يتداولون اسم (شارع العيادة الشعبية ) أو ( شارع الاطباء ) ، ويبدأ من شارع النهر حتى التقاطع مع شارع باتا .
؛ أما الجزء الثاني من شارع مصيوي ، الذي يبدأ من التقاطع شارع باتا حتى شارع المحطة فصار يطلق عليه ( شارع الفنادق ) ، وذلك لاحتوائه على عدد من الفنادق ، منها : الحيدري ، بغداد ، الأخوين ، الخيام ، بابل .
واحتوى اضافة إلى ذلك عدد من المقاهي ، ومنها : مقهى عبد الله حطحوط ، ومقهى صادق حاج داخل ، ومقهى شاكر حاج ناصر ، ومقهى ابو سعد . ولا ننسى ان مدرسة سومر الابتدائية تشكل ابرز مَعلَمٍ في الشارع .
شارع مصيوي الهندسة المدينية .. البيوت والمحلات
من أجل التعرف على شارع مصيوي بيوتاً ومحلات ؛ سكاناً ومعالم ارتأينا رسم خريطة جغرافية وبشرية من بدايته ونهايته ، وعلى جانبيه .
لنبدأ به من جهة اليسار باتجاه محطة قطار السماوة . فبعد عيادة باقر المشاط يأتي بيت ثم عباس هرو ، ثم حمام السعداوي ، ثم دكان مهدي النجار الذي آل في ما بعد إلى صخيل النجار ، ثم صيدلية السماوة ( وهي أول صيدلية رسمية يديرها مؤيد قدوري ، وهو صيدلي اختصاص ) ، ثم عرصة غير مأهولة تعود للسيد مندل الحصيني ، ثم بيت محمد حسين تاج الدين . وعند هذا البيت ينفتح زقاق فرعي يطلق عليه ( عـﮕد دبعن ) الذي يبتدى ببيت ابو كحلية .. ثم يستمر الشارع ببيت الشيخ علي والد المضمد ياسين ،
ثم خان اتخذه حاج علي سعودي لبيع المشروبات الغازية كولا وكراش وبيبسي ؛ ثم مخبز السيد هاشم ، ثم خان الحصيني ، وافتتح جبار عبد جاسم دكاناً لخياطة البنطلونات والقمصان من خان الحصيني . ثم يأتي بيت عبود المصرنجي ، والذي عنده يبدأ ( عـﮕد الجامع الكبير ، الذي يقود الى السوق المسقف ) ، ثم بيت حسن آلجوهر ، ثم بيوت صغيرة جداً اتخذ منها الدكتور بولص بهنام سياوش قس عيادة له ، وهي مقابل العيادة الشعبية تماماً ؛ ثم بيت حميد ابو عبد الشحسن ومجيد الشطراوية الذي يحتل ركناً مهما يشترك مع شارع باتا ، يشغله الان جاسم ابن القهوجي محمد سعد كمحل عطارة وحلويات .. في الركن الثاني الذي يرتبط وشارع باتا ، واستمراراً في شارع مصيوي باتجاه المحطة يرتكن بيت عباس غريب وأخوه ستار ، ثم بيت حميد سماوي أخو المعلم امحمد سماوي مويشي ، ثم يدخل الى فرع يقود لبيوت الحجاريين وبيت آلعساف .. ثم يأتي بيت حاج داخل آلهمود ، ثم بيت حاج عزيز داخل ، ثم معمل وفرن مكي لصناعة الحلويات حيث يبدأ ( عـﮕد زبيري الي يقود الى بيوت آلحذاف ثم يتواصل الدرب الى السوق المكشوف وقابل دكان العطّار ( ﭼـوني ) )، ثم ملك كاظم جحيل الذي كان يضم مكتباً لمالكه يتعامل فيه بتزويد المقاولين والراغبين ببناء الدور بالطابوق كونه يملك معمل لصناعة الطابوق ، إلى جانب معمل محمد اسماعيل آلعبيد المخصص أيضاً لصناعة الطابوق ) ، ثم بيت رزاق مصيوي الذي سمي الشارع باسمه ( ولم يكن بيتاً كبيراً انما بيتاً متواضعاً رغم ان الارض المحيطة به كانت جميعها لمصيوي ) ،وبجواره بيت هادي ابو كلل والد الفنان التشكيلي كاظم ابو كلل ، ثم محل كريم النجار ، ثم خان يحوي غرفاً لتجميع الصوف تعود ملكيته لكريم عاثور . ( اذكر ان مدرسة المتنبي انشطرت ، وكان مكانها في المجمع الحكومي في السوق المكشوف ، بعد شارع الرشيد ، ويضم أيضاً مدرسة خديجة الابتدائية للبنات ، ومركز الاطفاء . وكان انشطارها تأسيس مدرسة الرصافي حيث صرت احد تلاميذها . نقلنا يوما من مدرسة المتنبي إلى هذا الخان ، وكنا نجلس على بواري القصب ومعلمنا يوسف السيد مهدي يعطينا الواجب المدرسي ويقول لنا من ينتهي منه يذهب الى البيت ، ويبدو ان هذا الفعل متأتِ من ان المكان لا يصلح ان يكون مدرسة ، فلا رحلات نجلس عليها ولا سبورات ، واستمر الحال الى ان نقلنا الى مدرسة سومر التي تقابل الخان تماماً ) ، وقد اتخذت نقابات العمال في بداية السبعينات مكاناً لها قبل ان تحول الى سوق صغير بدكاكين متقابلة .. في هذا البناية التي تحتل ركنا يدخل منه إلى ( عـﮕد بداوي ) الذي يستمر لينفتح على السوق المكشوف .. ومع الركن الثاني يكون خان صاحب الزعيري ( والد الشعراء يحيى ، وصادق ، وباقر ) ويحتل مساحة كبيرة جداً احتوى ماكنة لجرش الرز ن وكانت مخلفات الرز ، اغلفة حبوب الرز وتسمى " السبوس " تكون صلبة ولونها بني ، تجمع في ركن من الخان الذي كانت له باب خلفية تطل على ( عـﮕد آلبادي ) ، الذي كان يطلق عليه عـﮕد ( السبوسة ) يصبح طرفه مدخلاً لـ( عـﮕد آلبادي ) .وقد اصبحت واجهة الخان محلات عديدة منها مقهى عبد الله حطحوط ، ثم مكتبة حسن فالح الزعيري ، ثم مقهى كاظم سهر ، ثم مكتبة محمد مطشر ، ثم مدخل الخان ، ثم مقهى صادق حاج داخل ، وجاء من بعده محمد ابو طالب ، ثم مطعم ناصر الذي افتتحه في التسعينات . ثم يستمر شارع المصيوي فيكون العقار القادم لبيت علي وهاب الذي احاله بعد انتقاله الى بيت آخر إلى فندق حمل اسم ( الامل ) ، ثم خان سيد مندل ، وبجواره فسحة تعود ملكيتها لمحمد شلال ، ثم اشتروه آلشهيب وبنوه فندقاً اسموه الاخوان .. ثم ينفتح فرعان : فرع يقود إلى ( عـﮕد الهـﭼـع ) وفندق الوحيد وخان محمد شلال ، والفرع المجاور والذي يقع بموازاته يسمى (عـﮕد النخالة ) وكلاهما ينتهيان بالسوق المكشوف ؛ الاول مقابل شارع الرشيد ، والثاني مقابل سوق السك .. ثم يبدأ سياج نادي السماوة الرياضي الذي كان قبل ذلك حديقة عامة استحدثت في السنة الثانية من ثورة تموز 1958 وتقع في شارع محطة القطار .
شارع مصيوي من جهة اليمين دخولاً من شارع الكورنيش .. وكان يبدأ ببيت السيد مندل الحصيني ، وكثيراً ما شوهد السيد مندل فجراً وهو يجلس في شرفة بيته المطلى على الكورنيش وأمامه الفرات يجري منساباً ؛ ثم يجاوره بيت الحاج علي موسى ، والد حسن وحسين ، وكان بيتاً مبنياً على الطراز الحديث وواجهته جميلة تلفت الانتباه ، وكم تمنيت لو أن السلطة المحلية اشترته من ورثته وجعلته بيتاً تراثياً يؤرخ لبيوت المدينة قبل ان يهدم ويصبح كراجاً .. يليه بيت والد المعلم صاحب مشل ، ثم بيت حويجي عوفي والد الفنان التشكيلي عباس ، ثم بيت منصور حيدر صاحب فندق ( الحيدري ) الذي يقع في نفس الشارع ثم بجواره بيت شاكر الحميدي وأخوه مزعل الحميدي وبعدهما حساني البصام .. ثم يبدأ شارع يقود الى شارع الستين .
ويستمر شارع مصيوي بملك آلبهيش حيث حوى محلات منها صيدلية كريم أبو تنك المضمد ، والد الاستاذ فؤاد ، ومحلات نجارة لحمودي محسن بهيش ، ودكان المصور أمين العاقولي ، ودكان بمثابة مقهى سفري لكاظم عاصي قبل ان بريح جائزة اليانصيب ويستلم خمسة آلاف دينار اشترى بهما بيتين وترك العمل في المقهى .. ثم يبدأ فرع يدخل الى بيوت كاظم شبلات وحاج رزاق حاج اسماعيل ابو شكاك وحنيوي ، ثم بستان آلمكتوب الذي وضعت الحكومة في زمن المحافظ عيادة الصديد عليه وحولته الى دار للسينما ومحلات ، وكراج للسيارات ... وكانت هناك بقعة زراعية تعود لمصيوي ، بينيت في مكانها مبنى العيادة الشعبية وبأسلوب العمل الشعبي فألحقت بها محلات ، وبنيت في طابقها الثاني شقق استأجرها الاطباء .
وتنتهي العيادة الشعبية بامتداد شارع باتا باتجاه شارع الستين ، ليستمر شارع مصيوي بمحلات جهاد كركوش الذي بنى الطابق الثاني سكناً لاسرته ، وفتح محلا كبيراً لبيع الاخشاب . ويتنتهي محلات جهاد بفرع صغير ليبدأ بيت كاظم جحيل ، ومن بعد بيت السيد حبيب بائع الحاجات المنزلية طباخات وثلاجات ، ثم بيت المعلم رؤوف جيجيان الذي علمنا في مدرسة الرصافي الابتدائية قبل ان ينتقل الى بغداد ، ويترك بيته مقفلاً ترتفع من حديقته الصغير المطلة على الشارع تلك النخلة الذكر التي تعج بالعصافير طوال النهار ؛ وبجوار بيت الاستاذ رؤوف بيت قادر احمد قادر .. وأحمد قادر كان مختار محلة الغربي وورد ذكره على لسان عبد العزيز القصاب في كتابه ( من ذكرياتي ) اذ أشار عليه على أنه مختار محلة الغربي وحلقة الوصل بين رباط آلسلمان شيخ محلة الغبي .. ثم يبدأ شارع فرعي في بيت عزيز ديبس وطاهر مكتوب ، وينتهى بشارع الستين ... ثم تبدأ مدرسة سومر ، وأخذت مساحة واسعة جداً ، فهي تطل على شارع مصيوي من الأمام وتمتد حتى شارع الستين ، استحدثت في فترة وجود القائمقام علي حيدر .. ثم هناك شارع فرعي أنشئت فيد مدرسة الزينبية وحولت في ما بعد إلى مديرية التربية عندما استحدثت محافظة المثنى في العام 1969 .. ثم فندق الحيديري وبجواره افتتح في السبعينات مطعم عشتار ، ثم فندق المحافظة .. وينفتح زقاق وبجانبه مكتبة لطفي جبر ، ومكتبة رزاق الشاهر ، ثم فندق الخيام لشاكر العصري الذي يمتلك دكاناً يمارس فيه خياطة الملابس والبدلات الرجالية ، ثم محل تسجيلات يديره المعلم كامل مكتوب ، وبجواره محل لبيع المواد الانشائية ، ثم فندق بابل ، وبجواره بيت تعود ملكيته لعبد الملك جعفر .. ثم يبدأ شارع فرعي ينتهي بشارع الستين فيه بيت المعلم محمد شاكر ، واقيمت فيه محلات للحدادة .. ثم يستمر ارع مصيوي بدكان الخطاط عبد الخالق ، وبجواره افتتحت دار الشؤون الثقافية العامة مكتبة اشرف عليها جاسم شفيج الذي كان مهتماً بالتراث ؛ ثم محل خالد العساف لعمل ملفات المولدات وتصليحها ، وإلى جانبه محل لبيع الادوات الكهربائية والمصابيح ؛ ثم يبدأ زقاق فرعي يقع فيه بيت محمد شبلان والمصور عزيز .. ثم مقهى شاكر حاج ناصر ، وبجوارها فندق بغداد ، ثم بيت عدد من البيوت قبل أن نصل إلى مقهى محمد شبلان الذي ينتهي بها شارع مصيوي ، ويطل قسمها الثاني على شارع المحطة الرئيسي .
ولم يكن شارع مصيوي بالشارع الذي يمكن أن يشار إليه بوصفه شارعاً مهماً ، إنما كان كبقية شوارع المدينة التي تطل عليه المحلات والبيوت . فهي بيوت ومحلات عادية قطنها وعمل بها أناس لا يبغون غير العيش بسلام وقناعة . ولم نجد من سعى ليجعل من أحد منشآته مَعلماً اقتصاديا مهماً أو بنى فيه بيتاً عامراً يثير الانتباه والعجب .
621 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع