حظ أمحيسن ! الحلقة الثامنة والعشرين ..الحلقة الأخيرة

                                           

       

حظ أمحيسن مـسلـسل تلفزيوني بين الحقيقة والخيال من الحياة الأجتماعية في العراق في الحقبة الواقعة في منتصف الأربعينيات ولغاية أحتلال بغداد في 9 / نيسان2003  

                                        

              الحلقة الأخيرة / ح 28

نام "أمحيسن" تلك الليلة قلقاً, وظل ذهنه يقظاً, ليحلل تصرف الأستاذة "ميراج", عندما أختفت من أمام عينه وهو يراقبها من على بُعد يوم أمـس عندما غادرت المقهى, وعلى أية حال نهظ صـباحاً ,..وبدأ بمراجعة كل كلمة نطقتها, وكل حركة ابدتها, أثناء جلوسها معه في المقهى  ولم يجد ضَرراً ولا ضرار من رغبتها بعدم اللحاق بها, لأنها أرادت أن تبعد عنها عيون الطلبة  وترفع عنها الشبهات وهي بصحبة رجل غريب!    
بدأ "أمحيسن" يشــك في قواه العقلية, وراح يحاور نفسه ويقول: قد يكون ما رأيته هوحلم من احلام اليقظة, اوأنني مصاب بالشيزوفرينية , ولذا سأتحرى الحقيقة عند اللقاء معها اليوم , و ثم يكون لكل حادث حديث!

ما أن حان الدوام في الكلية, حتى جهز"أمحيسن" نفسـه للخروج , ولم  يتوجه كالعادة الى مقر عمله في القسم , بل توجه فوراَ نحو قاعة الكمبيوتر, وجلس بنفـس مكان جلوسـهما يوم امس,.. وصـار يتلفت نحو الباب عـدة مرات, لعل وعسى,ان تطل الغادة "ميراج " في أية لحظة !  

بدأ "أمحيسن" يشـعر بالضـجر, ولم يسـتطع التريث, وبعد ان يأ س من حضـورها توجه من غير وعي الى قســم الفيزياء الذي أدعت أنها طالبة فيه, و سـأل عنها السكرتيرة, فنفت سـماعها مثل هذا الأسـم , وبعد البحث والتنقيب في سـجل اعضاء هيئة التدريـس لم تعثرالسكرتيرة على مثل هذا الأسـم,.. وبعد برهة  من الزمن,.. دخل رئيس القسـم,.. فاستوقفته السكريترة وقدمت له "أمحيسن" ثم شرحت له المشكلة فرحب به وقاده الى غرفته, وبعد المجامله, بين الزائر رغبته  بمقابلة الطالبة, حيث وعدها ببعض المصادر باللغة الأنكليزية, فأستغرب الرئيس وقال :   
انني اعمل في هذا القسـم منذ اكثر من عشـر سـنوات, ولم اسـمع بهذا الأسـم !,..فأستغرب "أمحيسن" من كلامه, وبعد فترة صمت وتأمل نطق,.. وقال : لابد ان تكون تلك الطالبة اعطتك عنواناَ خطأ,.. لأننا, في بلد اسـلامي , فالحذرمطلوب عند النسـاء , فقد حدثت مشـاكل اجتماعية عديدة بسـبب أمثال هذا التعارف الســـريع !,.. ثم أستمر في  الحديث وقال : ربما تريد الســـيدة التأكد من شـخصــكم الكريم !
خاب امل "أمحيسن ", وعاد لسـكنه بخفي حنين,.. يجر اذيال الفشـل, وموبخاً ذاته على ايمانه المطلق بالأنسـان,..فكم من مطب اثر في ســيرة حياته بســبب ثقته غير المحدودة, او قل : ثـقـتة العمياء, ثم رفع رأسه للسماء طالباً من ربه العون لمعرفة الحقيقة, وراح يردد,.. "ما العمل"؟,..
 وعلى الفور,هرع للأتصـال بها تلفونياً, وطلب من الصوت المجيب,.. الرجاء أريد التحدث مع " ميراج", فساد الصـمت لفترة قصـيرة,  ثم  سـمع صـوتاً يقول " النمرة خطأ " فكرر الأتصـال عدة مرات, الى ان  حصـل على  توبيخ مهذب !

بدأ " أمحيسن" يســترجع اقوالها, وفرحها باللقاء معه وتدوينها بيدها رقم هاتف سـكنها, وتأكيدها على الأتصـال بها,.. فأذن اين الخطأ ؟,.. ان كل ما لمســه فيها من مزايا, تُبعد الشــك عن كونها من بنات الليل, ولقد فرضت شـخصـيتها كأسـتاذة محترمة, او قل بنت ناس, اذن اين العِلًة ياترى؟.. ومن يقدر على حَل هذا الطلِسِـم, ويعلل سـبب أختفاءها؟!
انفجرت القوة الكامنة لدى "أمحيسن", ..وصـمم على التحدي , ولا بد من كـشـف سـِــرَ تلك المرأة مهما كلف الأمر!,.. وهكذا دارت الأيام و مـرًت الأيام  و"أمحيسن" يتخبط في الخطط, الى ان توصـل لأسـتخدام " الأسـلوب البوليسـي"!  
*توجه " أمحيسن" في صـباح اليوم التالي الى منطقة ســـكن " ميراج ", بعد ان حصـل على العنوان بجهود مضـنية,.. ووصل الى الدار التي انكر اصـحابها وجود احداً بأسـم " ميراج ",.. وبعد التأكد من العنوان على باب الدار الرئيس, هَمَ  بطرقه, واذا به يفتح ويخرج منه رجلا كهلا تصحبه  امرأة انيقة,  فتظاهر"أمحيسن" بالنظر الى جهة اخرى, ولم يشـعر أحداً بوجوده , واذا بالرجل ينادي على سيارة " تكسي"!,  ويركب فيها على عجل , وتغبق المرأة باب السيارة , ثمتودعه , وتتوجه  نحو احد المخازن التجارية, وتبعها "أمحيسن" كظلها ولم تدرك هي بوجوده, الى ان اكملت مشـترياتها, عادت الى بيتها, وهو خلفها ولم يفكر بأي احتمال قد يؤدي الى اسـتدعاء الشـرطة له بدعوى التحرش الجنسـي بأمراة محترمة في مثل هذا الصـباح الذي
يعج بالموظفين المتجهين لأعمالهم!
 عادت المرأة الى دارها, وما ان دخلت واغلقت بابها, حتى قرعه "أمحيسن", وفتحت نافذة الباب واسـتفسـرت منه عن طلبه, فتلعثم, وانتزع الكلمات من فمه بصـعوبة,.. وقدم نفسـه لها,  واعلمها عن هدفه, ومكالمتة التلفونية معها, وطلبت منه الدخول الى بهو الدار,.. وكانت في منتهى الأدب, واعتذرت نيابة عن زوجها  لكلماته النابية بالتلفون, بسـبب سـوء حالته النفسـية منذ ســنوات, وفي  تلك اللحظة وقعت عينه على صـورة جدارية كبيرة لأمرأة جميلة لفتت نظره, فتطلع فيها ملياً, ولم يتماك نفســه, وصـرخ كالمعتوه, هيَ ,.. هيً  والله هيَ ! طلبت منه المرأة الهدوء والجلوس لشـرح الموضـوع , و بعد ان اسـترجع "أمحيسن" انفاسـه قال لها: هذه المرأة هي " ميراج"!,  فاســتغربت المرأة او قل, ذهلَت لما سـمعت, وطلبت منه  اعادة ما تفوه به وهي  بغضـب شـديد, وقالت هذه هي اخت زوجي !
وبعد فترة صـمت , سـردت المرأة قصـة شـقيقة زوجها , وقالت:
 لقد غرقت مع  زوجها في الباخرة وهما بطريقهما الى فرنسـا لقضـاء شـهر العسـل منذ سـنوات, وصـاروا في عداد المفقودين,  حيث لم يعثروا عليهما عند انتشـال كافة الجثث من البحر, ولم نعرف عنهما اي شـيئ ليومنا هذا !  
اصـاب "أمحيسن" الذهول, ودخل في غيبوبة, وسـقط ارضـاً, وسـارعت المرأة الى اسـعافه, وعاد الى رشـده, وتطلع ثانية في تلك الصـورة,.. وصا رعلى ثقة اكبر, من ان تلك الصـورة الجدارية هي من دون شــك , الى الأستاذة " ميراج" التي تعرف عليها في غرفة الكمبيوتر!,..  
 ثم ادركت ربة الدار ما يختلح من  افكار في ذهن "أمحيسن", وقالت:
" قد تكون تلك الأسـتاذة شـبيهة للمرحومة "ميراج", فالله يخلق من الشـبه اربعين" !
هدأ "أمحيسن"  قليلاً, او قل آمن بالواقع, ... وصـمم على عدم البوح به حتى لا يتهم بالجنون, ثم دخل مع المرأة في جدل,.. وسـألها عن المعجزات التي وردت بالقرآن الكريم, كما في سورة اهل الكهف, والأسراء والمعراج وكلام السيد المسيح وهوفي المهد صغيراً.
لاحظ "أمحيسن" تشـنجاً لدى المرأة,.. وانهمرت بالبكاء, فأشـفق عليها ولم يرغب في فتح جرحها القديم , وبدأ يتراجع عن تعنده بكون تلك المرأة هي الأسـتاذة "ميراج" وقال لها:
" لندع الخلق للخالق "!, ووقف "أمحيسن" أمام صـورة "ميراج", مبدياً رغبته بالوداع,..وهو في حزن شـديد على صـاحبة الصـورة الحقيقية, وعلى المرأة التي تعرف بها, وزجته في هذه المتاهة التي افقدته رشـده, وردد مع نفـسـه مقطعاً من قصيدة الشـاعر "سيف الدين ولائي",..
 التي غنتها المطربة  السورية "  نهاوند", في الخمسينيات, والموســومة بـ "أين يا ليلُ"؟!

أين ياليل صباباتي وأحلامي وكأسي
أين ياسمار نجواي وأحبابي وعرسي
ذهب السمار والكأس وآمالي ونفسي
وتأسيت فلم يرضى فؤادي بالتأسي
أسال الليل عن الماضي وحلو الذكريات
أسال النجم عن النادي وعهد النغمات
أسال الاحلام عن تلك الليالي الحالمات
أين يالليل نداماي ومجلى الصبوات
أين مني طيفك إذا ماالليل أمسى
وسقاني الشوق آلام الهوى كأسا فكأسا
قد كرهت الليل والأحلام والأشواق يأسا
ليتني أنسى هواكم ثم أنسى!
يرجو "أمحيسن" من كل قارئ لمسلسله, أن يستمع للمطربة "نهاوند" عدة مرات لأنها تعبر بصدق عن مشاعره , و تتمنى لكل من أنكوى بالحب العذري أن يردد معها :
ليتني أنسـى هواكم ثم أنسـى !, ودار الفلك الدوار دورته,..  ووصـل "أمحيسن" وربة الدار الى البوابة الخارجية, وصمت للحظات, ثم هـَمَ بمصـافحتها بحرارة ولوعة, وانهمرت المرأة  بالبكاء, وابت اي دمعة ان تنهمر من عيون "أمحيسن",.. ففتح مسـجله والمرأة تراقبه بدهشـة !,
 وراح يغني مع المطربة " فيروز", ..عيونك الصـيف وعيوني الشـته!

بأيام البرد بأيام الشتي
والرصيف بحيرة والشارع غريب
تجي هاكل البنت من بيتا العتيق
ويقلا نطريني وتنطر ع طريق
ويروح وينساها وتبدبل بالشتي
حبيتك بالصيف حبيتك بالشتي
نطرتك بالصيف نطرتك بالشتي
وعيونك الصيف وعيوني الشتي
مرقت الغريبة عطيتني رسالة
كتبها حبيبي بدمع الحزين
فتحت الرسالة
حروفا ضايعين
ومرقت أيام وغربتنا سنين
وحروف الرسالة محيها الشـتى
 ودع "أمحيسن"  ربة الدار المنكوبة وهو  يجر اذيال الفــشل , ليدخل في دوامة لا نهاية لها, وها هو يعيشـها ليومنا هذا, تورقه ليلاً ونهاراً, وصار صـريعاً :

"بين ألحقيقة والخيال"
فمن يدله عن الحقيقة؟

للراغبين الأطلاع على الحلقة السابعة و العشرين:

http://www.algardenia.com/maqalat/10592-2014-05-26-06-44-14.html

                        

الكاردينيا: نتقدم بالشكر الجزيل للأستاذ الدكتور/ عبدالرزاق محمد جعفر على هذه الحلقات من قصة(أمحيسن) ..لقد تمتعنا جدا بمتابعتها وتابعها آلآف القراء.. فبارك الله فيكم أيها العراقي الأصيل..

 

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

573 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع