د.عبدالرزاق محمد جعفر
أعـمـى بطـريق مـظـلـم / الحلقةالسادسة
في أيلول (سبتمبر) "1961" أنهى "صابر" مقرر اللغة الروسية، وما ان أكمل الوثائق المطلوبة لدراستة العليا, حتى ذهب إلى كلية الكيمياء التابعة لجامعة موسكو,لمقابلة عـمـيد كلية الكيمياء بجامعة موسكو,.. وتم اللقاء بينه وبين العميد, وبعد الترحاب والمجاملات, قدم صابر له كافة الوثائق من الجهات الرسمية العراقية, وراح العميد يدقق فيها,.. ثم سـلمها لسيدة متقدمة في السن وسيمة وأنيقة كانت على مقربة منه,وراحت بدورها تتصفح الملف وتنظر "لصابر", وهو يحدث العميد باللغة الإنكليزية المطعمة باللغة الروسية (المكسرة) والمرأة تتبادل النظرات مع العميد,..ثم كلمته بصوت خافت والأبتسامة تعلو وجهها, وبعد لحظات قال العميد" لصابر": أقدم لك الرفيقة "فالنتينا موسويفنا", البروفوسورة في الكيمياء غيرالعضوية التي ستشرف على دراستك المعمقة لنيل الدكتوراه !
أصيب "صابر", بالذهول والأرتـباك, فهومازال في مقتبل العمر, ولم يعمل بمعية امرأة في حياته,.. ومن دون ان يدري قام وصافح الأستاذة بكل حرارة كما يفعل ابناء القبائل في ديرته, ووقـفت الأستاذة مـرحبة به,.. ثم صافحت العميد لتودعه,.. وطلب العميد من "صابر" مرافقة الأستاذة الى مختبرها في قسم الكيمياء/ كلية الكيمياء / ط 4
صاحب "صابر" أستاذته وهو في حالة يرثى لها ,.. وبعد أستراحة في قاعة الأساتذة, تخللها شرح لطريقة العمل وأسلوب البحث العلمي ،.. قادته الأستاذة إلى مختبر الأبحاث،..ورحب به الطلبة الباحثون، وشعر"صابر" بغبطة لا مثيل لها وهو يرى مختبراً للأبحاث العلمية خاص بطلبة الدراسات العليا من كلا الجنسين !.
رحب الجميع بصابر عند دخوله, وتلقى وابلا من القبل من الطالبات كادت أن تفقده الوعي فراح يقرأ "آية الكرسي" عسى أن يزول الأرتباك عنه وسط هذه الباقة من الزهور الموشحة بـ (الصدرية) البيضاء وكأنهن عرائـس !, فزال الأرتباك عنه, بعد أن غمر بمودة لا مثيل لها,.. ثم تمكن من السيطرة على عواطفه وأتجه لمجاملة بقية الطلبة ، واستمرعلى تلك الحالة وعاش بينهم بمرح واجتهاد.
وفي نهاية السنة الدراسية سألت "صابر" أستاذته : أين ستقضي العطلة الصيفية؟ فقال لها: سأستمر بالعمل لأنهي أطروحتي بسرعة وأعود للوطن !, فقالت له على الفور: سـوف لن تستطيع,..فتعجب ,..وقالت: لأنك ستكون متعباً وتخطأ بالنتائج ونطلب منك أعادتها, وهكذا تضيع منك فرصة لكي تستمتع بالراحة وتعود للعمل بهمة ونشاط !
وعلى أية حال,أستوعب "صابر" الدرس, وبدأ يتأقلم مع عادات الطلبة الروس , ولذا نوى المشاركة معهم في الفعاليات الصيفية, وطلب المشاركة مع طلبة جامعة موسكو في العطلة الصيفية,.. وأستلم الـ (بيتوفكًه), اي التذكرة للأ قامة والتغذية واجورالسفر لمدة شهرواحد, بقطار خاص, يطلق عليه اسم ( قطار الصداقة), وركابه خليط من طلبة الجامعة الأجانب ومن كافة جمهوريات الأتحاد السوفيتي من كلا الجنسين و من مختلف القوميات.
ففي بداية العطلة الصيفية يخرج هذا القطار, من موسكو, متوجهاً نحو كافة مدن في جنوب الأتحاد السوفيتي السابق,.. وتستغرق الرحلة شهراً كاملاً.
كان "صابر" سعيداً بأختلاطه بتلك الجموع ,.. وانبهر لمشاهدته الأجسام الـشـبـه عارية, على ساحل البحر, وراح يحلم بصحبة غادة او قل حورية حسناء قد تزيل عنه الضجر وألم الغربة , متذرعاً بغطاء الرغبه لتعلم اللفظ السليم للغة الروسية من اهلها مباشرة, فقواعد اللغة الروسية اقرب الى العربية الفصحى, و لكن ليس فيها لغة عامية !
تحرك القطار من محطة موسكو, وسـار طول الليل ,..وفي الصباح الباكر توقف عند أحد (بلاجات) ضواحي مدينة " سوجي", وبعد تناول الأفطار ,.. هبط الراغبون من الركاب الى ساحل البحر للسباحة,وأستمروا بمرحهم حتى موعـد الغداء .
وعندما يأتي المساء ,لا يسمح لأحد من ركاب قطار الصداقة بالتجول بمحاذات ساحل البحر, ويستعدون للسهرة في مركزالمدينة,.. على أمل التعرف على الصبايا في مقاهيها اومطاعمها!
وفي احدى الأمسيات دخل "صابر" احدى المقاهي, وجذبت انتباهه صبية في غاية الوسامة جالسة بمفردها بحـشمة,.. واستسمحها بمشاركتها الجلوس على نفس الطاولة,... فهزت رأسها بالموافقة, وما ان تـمً التعارف معها حتى سألها عن سبب ارتدائها وشاحاً أسوداً على رأسها؟ فقالت له انها مسلمة واليوم هو عاشوراء, مقتل الحسين بن علي (ع ), وهكذا فهم انها (شيعية) من مدينة (مخاج كاله)! ,..وردد:
قل للمليحة ذي الخمار الأسود
ماذا فعلت,.. بالصابر المتعبد
سـعدت الفتاة عندما علمت هوية صابر, وعلى الفور طلبت منه تناول الغداء غداً في دارها ليشرح لوالدتها تفسيرلآيات من القرآن الكريم ويسرد لها مأساة الحسين (ع),فوافق صابر! ,..وفي اليوم التالي, تـمً اللقاء مع والدة الصبية ,.. وبلغة روسية ركيكة تمكن "صابر" ان يجيب على استفسارات الأم الدينية ,.. ثم هرعت لأعداد المائدة, وظل "صابر",.. صابراً,.. يتبادل الحديث مع تلك الحورية !
وبعد ان تـمً اعداد الطعام , جلس الجميع حول المائدة, وعليها بعض الأصناف, و من اهمها الأكلة الموسـومة بـ " البيتي", وهي اشبه (بالتشريب العراقي او الفتة المصرية) , وهكذا وبعد مجاملات واطراء بكرم هذه العائلة, بدأ "صابر" يشعر بتعلقه بهذه الغادة,,.. وأعلمته من انها طالبة في السنة الثالثة في كلية الحقوق في جامعة موسكو,.. وستعود عند بدأ السنة الدراسية, ووعدته باللقاء معه وكتبت له اسم المقهى وتاريخ اللقاء, وودعته , ولسان حاله يردد:
ودعته وبودي لو يودعني = صفو الحياة على أن لا أودعه
تعثرحظ "صابر" كالعادة مـرًة اخرى,..حيث لم تطل عليه تلك الحسناء وفق الموعد, ولام نفسه لعدم تسجيل عنوان سكنها او رقم هاتفها, ولكن ما نفع الندم ؟... وهكذا خسـر فرصة لن تتكرر, وما زال خيالها يراوده حتى هذه اللحظة التي يسـرد فيها هذه السيرة ، فما زال يراها بشموخها او قـل بـشـحـمها ولـحمها كلما سمع صوتاً للقطار,... وصار موقناً بأن:
القطارلا يقف لمن لا يجيد الصعود به،
وهو لا يفتح أبوابه لمن لا يجيد فتحها!
يتبع في الحلقة/ 7 مع محبتي لكل قراء الكاردينيا الكرام
للراغبين الأطلاع على الحلقة الخامسة:
http://www.algardenia.com/maqalat/12724-2014-09-23-18-30-22.html
492 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع