بقلم / صبري الربيعي
لا نستجدي أحدا ..ابتداء من رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ومرورا بوزير الدفاع ( وكالة) وكافة القادة الذين يجلسون على ذات الكراسي التي جلس عليها الفريق الأول الركن عبد الجبار شنشل , وأولئك المتمتعين بذات الألقاب التي تمتع بها شنشل , ملازما , وآمرا لفصيل , ثم سرية , ثم فوج , فلواء , فقائد فرقة , ورئيسا لأركان الجيش , ووزيرا للدفاع ..
معنى هذا أن شنشلا قد علم علامته الفارقة خلال مسيرته الطويلة ,عسكريا شريفا لم يضنّ على مسلكيته بجهد بدني أو عقلي , اذ حارب من اجل فلسطين عديد المرات , واسهم في درء الفيضانات عن بغداد والعراق , وحارب من اجل حماية دمشق , ومصر , ولبنان , والأردن ..حارب من اجل قضايا ألعرب ضمن بودقة الجيش العراقي , في جميع معاركه المشرفة لحماية الفكرة القومية والدين وشرف العقيدة !
شنشل .. لم يكن جنديا صداميا , حتى يوجد من يآخذه على صدامية جهاده ! وشنشل لم يكن قد عبأ عقله بأيديولوجيات وافدة أو ناشئة , او موضوعة ..شنشل اعتنق ايديولوجية (العقيدة العسكرية العراقية) التي جعلته دائما (فوق الميول والإتجاهات ) مما جعله جنديا نبيلا, ليس له إلا عقيدة تسخير السلاح لحماية العراق !
وعندما انتدبه صدام حسين , لم يكن ذلك الانتداب لدرجته الحزبية المتقدمة , أنما لجهة عسكريته فائقة الالتزام والانضباط والشجاعة ايضا , وهو لم يمت الى قيادة النظام بصلة قربى أو انضواء تحت عباءة أو التصريح او التلميح بتكريس ما نبذ من سياسات او تصرفات , بل كانت له رؤيته الخاصة ,في انه جنديا عراقيا , ليس له إلا الوفاء للعراق وحماية حدوده , ليس بوجه الإيرانيين خلال سنوات الحرب الثمان فحسب , بل اثق ان شنشلا كان سيحارب بذات الشجاعة فيما لو كانت سلامة العراق قد هددت من أي طرف كان .
طالما تحركت مع (شنشل ) في جبهات القتال خلال (الحرب العراقية الإيرانية ) خطوة بخطوة , وطالما جلست اليه في غرف الحركات العسكرية تحت الأرض , وطالما شاهدته في المراصد الأمامية راصدا وموجها اشرس المعارك ,,كنت أشاهده مهموما , عصبيا , كل تفاصيل جسده المعبرة عن الحرص في اشد درجات الاستفزاز , هذا الرجل كما اني أجلّه , لي عليه مأخذين.. الأول انني لم أشاهده مبتسما او ضاحكا مرة واحدة , وربما كانت همومه المهنية , هي التي أسست لجعله طريح الفراش في (عمان) الغالية , برغم ما قد يعزوه البعض الى تقدمه في السن , أقول ذلك لأني بالتجربة العملية أدرك هذه الحقيقة , التي كنت طرفا فيها حيث أصبت بمرض (سكر الدم) خلال (معركة شرق البصرة الأولى عام 1982 , إذ رأيت جثث العراقيين والإيرانيين رؤية العين المجردة في حالة تفحم , فيما استقرت جماجم بعضهم تحت (سرف ) دبابات كلا الجانبين , وبعد عشرون عاما بانت ملامح انتصار هذا المرض علي شبابي وقوتي ورياضيّتي , لتأخذ مني الكثير مما لا يعاد ,دون وصوله الى ارادتي وعقلي ! فيما يتلخص المأخذ الثاني بحرماننا من التوفر على مذكراته, عن مرحلة من أدق مراحل تأريخ العراق السياسي والعسكري الحديث !
عبد الجبار شنشل ايها ألسادة ..يعاني اشد آلام ألمرض ملقى على سريره في بيت ابنته ,التي أخرجته من مستشفاه الأردني , لعجزها عن تلبية نفقات اقامته وعلاجه ..هذا القائد العسكري الرمز اليوم من دون راتب تقاعدي , هو حقه الذي دفع عنه توقيفات تقاعدية قانونية طيلة عمره , لا كما يمتع او يتمتع اعضاء في (مجلس النواب العراقي) على افتراض أداءهم عملا لفترة محدودة لا تتجاوز 24 شهرا ! يتقاضون عنه رواتب تقاعدية خرافية ! (زقنبوت) لهم في ظل غياب المقاييس القانونية و الإعتبارية !
شنشل ,.. الرجل الكريم , ونحن معه لانحنى قامة إلا لله ,ولكه ونحن ايضا نطالب بحقوق شنشل , المغتصبة من قبل النظرة الأحاديّة والإقصائية , وبعض مشاعر حقد لا يتناسب مع من بيده السلطة ..ولنؤشر بصراحة شديدة ..الم يطرق سمع (رئيس الجمهورية) جلال الطالباني , او رئيس الوزراء نوري المالكي , ظروف مرض وحاجة الفريق الأول الركن عبد الجبار شنشل في معاناته على سرير مرضه في غرفة باردة خارج وطنه , من دون علاج او مقام يتناسب مع مركز هذا الرجل ووظائفه التي كرسها من اجل الدفاع عن العراق , وليس غيره بنزاهة وأمانه نحن بأمس الحاجة الى استلهامها ..ماذا لو كان شنشل قد جعل لأيامه القادمات بعض زاد محرم , هل سيحتاج الى مناشدة أحد , مع انه يتذكر ونحن ايضا حكمتنا الشعبية (لا تطلب الحاجات إلا من اهلها ) !
اقول لكم بصراحة ..ما وجدت نفسي على درجة من الانفعال بقضية ما , اكثر من قضايا المظلومين من امثال الفريق الأول الركن عبد الجبار شنشل , خادم العراق , وليس خادما لمرحلة من مراحل تأريخه ..ترى هل يمكن ان نرى قائدا عسكريا بارزا مثل عبد الجبار شنشل , يعادى او يقص او تمنع عنه حقوقه القانونية , مع أن المئات من الضباط من تلامذته ومرؤوسيه اعيدت لهم رواتبهم ورتبهم لعسكرية ..مثل عبد الجبار شنشل , لو كان في اية دولة أخرى هل سيعادى مثل ما حصل لشنشل ؟ إلا يمكن لنا تمثل ما تفعله الدول التي تحترم تأريخها وتقاليدها , وأدوار مواطنيها ذوي الجهد البارز لخدمة شعوبها !
وأقول لكم ايضا .. بصراحة شديدة ,عرف بها قلمي ..شنشل ظلم كونه حارب ضد ايران بالذات ! ولو كانت هذه الحرب قد جرت مع اية دولة اخرى اقليمية لهان الأمر ..وخارج العاطفة المذهبية التي تشد بعض المسئولين او النافذين في السلطة اليوم .. هل يمكن لأحد من هؤلاء المتنفذين , ان يسأل ..اية جريمة ارتكبها هذا الرجل , طيلة تاريخ عسكري يطال ستون عاما مضت ؟
كيف نريد لمواطنينا اخلاصا ونزاهة واداء مبرزا , ونحن نؤاخذه على ذلك الإخلاص والنزاهة والأداء المبرز ؟ وهل يكون مصير اداء غيره ذات مصير عبد الجبار شنشل ؟
لا نستجدي (رئيس الجمهورية) او (رئيس الوزراء) او (وزير الدفاع) , فشنشل اكبر من ان يفعل ذلك , حتى في ظروف محنته ولكننا نلفت نظرهم , وفي الوقت نفسه نستهدف استفزاز ضمائر العراقيين , من ذوي المال ألمكتنز الذين يدعون الوطنية , وحرصهم على خدمة العراق وهم عن واجباتهم لاهون !
إلا نجد سطرا في جدول انفاق سفارتنا في (عمان) , وهي على بعد بضعة أمتار عن سرير عبد الجبار شنشل يؤشر فيه دعما ماليا متصلا لوزير دفاع العراق , خلال مرحلة من اشد تاريخ العراق حرجا ؟ أنين الرجل يرتفع , ليسمع من صم أذنين أو به صمم .. ليدين الطائفية والمذهبية ومشاعر الحقد المستوطنة نفوس من يعادي العراقي عبد الجبار شنشل ..الا يحق لهذا الرجل النبيل , ان يعيش بقية ايام وربما سويعات حياته , قرير العين , تغمره مشار الرضا , عن وفاء قوبل به بعد ثمانين مجهدات عاصفات قلقات , عمدهن بإخلاصه لعقيدته العسكرية , الممثلة لمدرسة أحيتها دماء قادة عراقيين , لمّا تزل تصرخ فينا ( ان اوفوا عهد الشرفاء من سابقيكم لتصدقوا بعض صدق مع انفسكم )..وانا لله وانا اليه راجعون !
ورود الكلام..
(يوم المظلوم على الظالم, أشد من يوم الظالم على المظلوم )...(الإمام علي بن أبي طالب ع)
662 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع