العلاقة القلقة بين باكستان والولايات المتحدة

                                  

                      د.منار الشوربجي


أثارت زيارة الرئيس الأميركي للهند قلقاً معتبراً لدى باكستان، حليف أميركا القوي، والخصم التقليدي للهند.

ورغم أن الولايات المتحدة سعت بقوة لإقناع باكستان بأن التهديد الأمني الأكثر خطورة يأتي من الإرهاب والمتشددين لا من الهند، إلا أن الواضح أن باكستان لا تزال تعتبر أن التحدي الأكبر يأتي من حدودها مع الهند لا مع أفغانستان.

ولعلها ليست مصادفة أن تتزامن زيارة الرئيس باراك أوباما للهند مع زيارة وزير الدفاع الباكستاني للصين، التي هي الهدف الرئيسي من التحرك الأميركي الحثيث نحو الهند.

فزيارة الرئيس أوباما للهند جاءت في إطار سياسة إدارته المهتمة بالتركيز على آسيا ومواجهة النفوذ المتزايد للصين. وبالفعل، قالت مصادر مطلعة إن الزيارة أكدت أن القلق من تزايد نفوذ الصين، من أهم ما تتفق عليه القيادتان الأميركية والهندية.

لكن زيارة أوباما للهند وما تم فيها، كان مصدرا للقلق في باكستان. فالزيارة في حد ذاتها تذكر باكستان بأن الرئيس الأميركي الحالي لم يطأ أرضها ولو مرة واحدة طوال مدة رئاسته، وزيارته للهند هي الثالثة خلال مدتي رئاسته، التي لم يزر طوالها باكستان على الإطلاق.

والزيارة الوحيدة لأوباما التي كانت محددة لباكستان، تم إلغاؤها بعدما عثرت الولايات المتحدة على ابن لادن داخل الأراضي الباكستانية واستهدفته هناك.

فالزيارة حملت الكثير من التفاصيل التي زادت من التوتر الباكستاني، فخلالها أعلنت أميركا عزمها دعم الهند بالتكنولوجيا النووية، ووجدت باكستان في مثل ذلك الدعم ما يؤثر على «توازن الردع النووي» بينها وبين الهند.

كما صدر أثناء الزيارة بيان أميركي - هندي، يطالب باكستان بتقديم مرتكبي جريمة بومباي إلى المحاكمة. كما تم الاتفاق على دور للهند في أفغانستان بعد انسحاب القوات الأميركية، مما أثار قلق باكستان التي تسعى لتعزيز وجودها ونفوذها على الساحة الأفغانية.

والحقيقة أن سياسة الولايات المتحدة الأميركية تجاه باكستان، نموذج مثالي لما يعرف بخليط من المحبة والكراهية. فالولايات المتحدة تجد أولوية في التحالف مع باكستان في ما يعرف «بالحرب على الإرهاب»، بينما لا تثق في «الشريك» الباكستاني.

فأوباما استكمل ما كان سلفه، بوش الابن، قد تبناه في نهاية مدته الثانية، من اعتبار أفغانستان وباكستان مسرحا واحدا للعمليات العسكرية ضد تنظيم القاعدة.

وقد كرست إدارة أوباما تلك السياسة، حيث صارت تتبنى سياسة تعتبر البلدين وحدة واحدة في التعامل الاستراتيجي والعسكري، في ما صار يعرف بمنطقة «أفباك»، وهي اختصار يحمل الحروف الأولى لكل من أفغانستان وباكستان.

وتم استخدام الطائرات بدون طيار لاستهداف مواقع عدة، وصلت في عهد بوش إلى 44 ضربة جوية. لكن تلك الضربات الجوية استمرت بعد بوش، واتسعت بشكل غير مسبوق في عهد أوباما.

وقد لعبت الولايات المتحدة على التناقض والتوازن الحرج بين القيادات المدنية والعسكرية في باكستان، فمنذ بداية عهد أوباما كانت الفكرة الرئيسية هي دعم القيادات المدنية التي تؤمن بأن الخطر الذي يتهدد باكستان يأتي من «الإرهاب»، لا من الهند. ودعمت الإدارة الأميركية القيادة المدنية، وطالبت بوضع هيئة الاستخبارات الباكستانية تحت قيادة مدنية.

لكن الموقف الباكستاني كان موحدا في بداية عهد أوباما، إذ رفض المدنيون قبل العسكريين في أول الأمر، طلب الإدارة الأميركية بقيام القوات الباكستانية بعمليات عسكرية لاقتلاع المتشددين في منطقة وزيرستان.

لكن التطورات الأخيرة في الموقف الباكستاني، خصوصاً العمليات العسكرية الباكستانية ضد المتشددين، لقيت ترحيبا واسعا من واشنطن.

غير أن الاضطراب يظل هو عنوان العلاقات الباكستانية الأميركية، فهي علاقة قلقة منذ بدايتها. فرغم التحالف والأهداف المشتركة، ظل دوماً مناخ عدم الثقة المتبادل مخيماً على طبيعة تلك العلاقات، حتى في أكثر أوقات التعاون المشترك قوة.

وهناك في أميركا من يرغب في أن يؤدي الانسحاب الأميركي من أفغانستان لتقليل احتياج أميركا للتحالف مع باكستان، بما يفتح الباب واسعا أمام شراكة واسعة مع الهند لموازنة النفوذ الصيني في الجنوب الآسيوي.

لكن تلك الصيغة تقوم على أسس غير واقعية، لأن الانسحاب الأميركي لن يعني بحال سحب كل القوات الأميركية، الأمر الذي سيفرض الحاجة لاستمرار التعاون مع باكستان حتى في إطار العلاقة القلقة القائمة.

لكن هل يؤدي تطوير السياسة الأميركية التي تعطي الأولوية لموازنة النفوذ الصيني على المدى الطويل، لظهور محور هندي - أميركي مقابل محور باكستاني - صيني؟ هذا هو السؤال.


  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

796 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع