د. صباح الخزرجي
مع اعتزازي وتقديري لكل المعلمات والمدرسين الذين واكبوا فترات دراستي الابتدائية والمتوسطة والثانوية... فان بعضاً من أولئك الذوات كانوا بمرتبة (مُربين) للجيل إضافة لما كان يحملون من ألقاب التعليم أو التدريس المعهودة...ومنهم:
1. الأستاذ جميل سليم( المحامي):
الذي حَملَ تأثيراً مضاعفاً على النفس لمواكبتهِ بداية مرحلة دراستي المتوسطة آواخر عام 1963. سقوط الأبرة كان يسمع بحق ، عندما يُطِلُ بطلعتهِ المهيبة ذات الشعر الأشيب الفضي وهو يناهز أواسط العمر بقامة مديدة فارعة ، ليبتدأ حصة اللغة العربية بصوتٍ رتيبٍ مجلجل لطالما أسهمَ وأيم الحق ، في إرساء قواعد النحو والصرف في أذهاننا، مع تعميق أزمة درس اللغة العربية لدى البعض من الزملاء. فهو عندما يحاضر، كأنه يقف في مرافعة أمام إحدى الهيئات القضائية.وقد أسهم صياد الطيور الأستاذ جميل ، في إنقاذ الكثير من طلبتهِ المتأخرين عن الدوام الصباحي من العقوبة، عندما كان يتوقف لبعضهم بسيارتهِ الخضراء من طراز فوكسهول فيقلهم معه شاكرين ممتنين.
2. الأستاذ خضوري بهنام فرجو:
مدرس اللغة العربية فصيح اللسان الذي أدمنَ تحريك آواخر الكلمات والباحث الأبدي عن الياء المجرورة بالكسرة المقدرة على نحو: كل عراقيٍ وطنيٍ وعربيٍ أبيٍ أخي. لم أسمعهُ ينطقُ بكلمة واحدة خارج المنهاج الدراسي أو يُبدي رأياً في موضوع عامٍ أو خاص ، وكذا فلم يكن يحفظ اسم أي تلميذ قط وأظنُ إن أسمي لم يشذ عن القاعدة , رغم أني كنتُ المتفوقَ الأول في اللغة العربية طوال العام.
3. الأستاذ محمد علي البير:
أغرورقت عيناي بالدموع ضحى يوم 29 / 4 / 1966 في آخر حصة له في تلك السنة الدراسية المنتهية ، وقد نظمتُ فيها أبياتاً وداعية إستهللتها بالآتي:
ذهبَ كطيفٍ كسرابٍ منسحبِ
مودعاً بأسفٍ وعبراتٍ كالسحبِ
ذهبَ ولم تعرف الأيامُ رحمةً
بفراقِ مُربٍ بفراق أبِ
لم أحزن على فراق معلمٍ كما حصلَ مع ذلك الأب والمربي واسع الصدر، كريم المحتدِ ، ذي العينين الزرقاوين والتواضع الجم.
4. الأستاذ ياسين محمد رشيد:
او( ياسين ملا حويش) ويعود بأصوله العريقة الى لواء الرمادي..وقسم كبير من عشيرته يستوطن الأراضي السورية المجاورة. مدرس التاريخ الأوربي ذوالنظارات المعتمة وحقيبة المحامين الجلدية السميكة، بابتسامة وطبع هادئ لم نرهُ محتداً في يومٍ ولا متغيباً عن حصتهِ المسائية إطلاقاً.
بعد أن يُنهي واجباته الرسمية صباحاً كمدير لدائرة تنفيذ بغداد في وزارة العدل ، يصل مدرستنا الثانوية بسيارته القديمة السوداء من طراز كاديلاك ، ثم يُغادر حال إنتهاء الدوام عند الساعة 20/ 3 مساء الى حصص تدريس أخرى في ثانوية أهلية مسائية للبنات ، مُختتماً يومهُ الحافل عندما يسدل الظلام جناحيه على بغداد الستينات , الممتلئة عملاً ونشاطاً وحركة.
كنتُ أحرصُ على التفوق في درسهِ لصلةٍ عائليةٍ ونسبٍ يربطنا ، ولكنها لم تحرك ساكناً في ميزان مساواتهِ لجميع التلاميذ ، حتى اعتقدت جازماً بأنهُ لم يكن يميز شكلي عن غيري من طلبة الصف.
5. الأستاذ يعقوب عيسكو:
المسالم والطويل بإنحناء ، كان بحقٍ شمعة تذوب لتعليم الجيل ولكن حمداً لله فقد كانت شمعة باسقة ، كقوامه الممشوق بالهندام الغامق الأنيق. واقفاً طيلة وقت الحصة ومعتمراً شعره المهيب الأبيض. كان حريصاً على تلقين قواعد النحو لكل التلاميذ الملزمين بكتابتها في دفتر خاص ، حرصهُ الشديد على التدقيق في كل كلمة يلفظُها الطالب أو ترتسمُ على شفتيه.
أطالَ الله أعمار الأحياء منهم , وأسكن المتوفين فسيح جناته...والرجاء الرجاء من ذويهم ومعارفهم الكرام التكرم علينا بما يجودون به عن أخبارهم وأحوالهم ، ولهم الشكر والعرفان سلفاً.
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
521 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع