د. منار الشوربجي
مفارقة لافتة شدت انتباهي بخصوص الكونغرس الأميركي هذا الأسبوع، فبينما تسعى الأغلبية الجمهورية في المؤسسة التشريعية الأميركية لتقييد يد الرئيس الأميركي في استخدامه للمسار الدبلوماسي، فإنها ترفض وضع قيود عليه في استخدامه القوة العسكرية، وهو بالضبط عكس ما جاء به الدستور الأميركي نصاً وروحاً!
فبينما سعى الجمهوريون في الكونغرس عبر سلسلة من المواقف لإحباط مسعى المفاوضات الدولية بخصوص برنامج إيران النووي، فإنهم يرفضون البت في القرار الخاص بالحرب على داعش.
فبخصوص إيران، وبمجرد فوزهم بالأغلبية بالمجلسين في نوفمبر الماضي، أعلن الجمهوريون نيتهم في فرض عقوبات جديدة على إيران، وهو ما استتبعه إعلان أوباما عن استخدامه للفيتو ضد أي قانون يصدر بهذا المعنى بينما المفاوضات لاتزال جارية بين مجموعة (الخمسة زائد واحد) وإيران.
والحقيقة أن الكونغرس كان في تلك الأثناء قادراً على تخطى فيتو أوباما وفرض تلك العقوبات فعلاً، فوفق الدستور الأميركي، فإن أي مشروع قانون يستخدم الرئيس الفيتو ضده يصبح قانوناً رغم فيتو الرئيس إذا ما نجح الكونغرس في التصويت عليه مجدداً، بعد الفيتو، بواقع الثلثين في كل من مجلس النواب ومجلس الشيوخ.
وقتها، كانت أغلبية الثلثين تلك ممكنة، لأن عدداً من الأعضاء الديمقراطيين بالمجلسين كانوا يشكّون في جدوى المفاوضات، ومن ثم كانوا على استعداد لفرض المزيد من العقوبات، بينما المفاوضات جارية، لكن ما فعله الجمهوريون لاحقاً أدى لتراجع الديمقراطيين، الذين كانت أصواتهم حيوية لإلغاء مثل ذلك الفيتو الرئاسي، فرئيس مجلس النواب الجمهوري جون بينر قام بالتنسيق مع السفير الإسرائيلي لدى واشنطن بدعوة نتانياهو لإلقاء خطاب أمام مجلسي الكونغرس بخصوص إيران، وكل ذلك دون إخطار البيت الأبيض، ولا وزارة الخارجية.
إلا أن الأهم من ذلك، أن الدعوة تمت دون إخطار قيادات الأقلية الديمقراطية في الكونغرس نفسه، الأمر الذي حول المسألة الإيرانية من قضية سياسة خارجية إلى قضية صراع حربي، جعل الديمقراطيين بمن في ذلك أعضاء ديمقراطيين يهود، يصطفون فيها وراء الرئيس الديمقراطي.
وقاطع عدد كبير من الأعضاء الديمقراطيين خطاب نتانياهو، بينما خرجت نانسي بيلوزي قبل نهاية الخطاب محتجة على ما اعتبرته «إهانة» من نتانياهو لذكاء الولايات المتحدة.
لكن تلك لم تكن نهاية القصة، فما هي إلا أيام حتى كان 47 عضواً من الجمهوريين في مجلس الشيوخ يبعثون بخطاب مفتوح للقيادة الإيرانية، ليحذروها، لا من انتهاك القوانين الدولية وإنما من التوصل لاتفاق مع رئيس الولايات المتحدة، على أساس أن الكونغرس، الحالي أو أي كونغرس قادم، قادر على إلغاء ذلك الاتفاق «في أي وقت»، وأن أي رئيس قادم يمكنه إلغاء ذلك الاتفاق «بجرة قلم».
وبينما سعى الجمهوريون إلى تعطيل الدبلوماسية بشتى الطرق، التي هي وفق الدستور الأميركي من صلاحيات الرئيس، وإن كان للكونغرس أدوات مختلفة للرقابة عليها ليس من بينها إرسال خطابات للدول التي يتفاوض معها رئيسهم.
فإن الكونغرس بأغلبيته الجمهورية لم يبت حتى الآن في قرار منح الرئيس سلطة استخدام القوة العسكرية ضد داعش، رغم مرور ثمانية أشهر كاملة على استخدام الرئيس القوة فعلاً من دون قرار من الكونغرس، رغم أن صلاحية إعلان الحرب أو استخدام القوة العسكرية هي من أهم صلاحيات المؤسسة التشريعية وحدها وفق الدستور الأميركي.
فليس سراً أن أوباما حين أعلن عن الحرب على داعش قال وقتها، إنه لا يحتاج لقرار من الكونغرس وإنه يملك الصلاحية بموجب قرار المؤسسة التشريعية الصادر بعد 11 سبتمبر 2001، الذي يمنح الرئيس صلاحية استخدام القوة العسكرية لمواجهة الإرهاب. وقتها، كانت الانتخابات التشريعية على الأبواب، ففضل أعضاء الكونغرس عدم اتخاذ قرار لئلا يؤثر ذلك بأي شكل في فرصهم الانتخابية.
لكن بعد الانتخابات، غير البيت الأبيض موقفه، وقدم مشروع قرار للكونغرس يعطي للرئيس الصلاحية لمحاربة داعش تحديداً. والقرار الذي تقدم به البيت الأبيض حدد مدى زمنياً قدره ثلاث سنوات، ولكنه لا يحدد بلداً بعينه تستخدم فيه القوات العسكرية الأميركية. المفارقة أن أغلبية الجمهوريين يرفضون وضع مدى زمني لتلك الحرب، ولا مانع عندهم من إطلاق يد الرئيس في نقلها لدول أخرى.
هذا بينما تقف نسبة معتبرة من أعضاء حزب الرئيس ضد إطلاق يده زمنياً ومكانياً، فهم يرون أن المدى الزمني الذي حدده الرئيس بثلاث سنوات لا معنى له طالما أن القرار لا ينص بوضوح على أنه بديل لقرار الكونغرس في 2001 الذي يمكن لأي رئيس قادم أن يستخدمه مثلما استخدمه أوباما من دون العودة للكونغرس.
وهم قلقون من عدم تحديد نطاق جغرافي للعمليات العسكرية الأميركية باعتبار أنها تحرم المؤسسة التشريعية من صلاحياتها الدستورية في الموافقة المسبقة على استخدام القوة العسكرية.
باختصار، فإن تخلى الأغلبية الجمهورية في الكونغرس عن أهم صلاحيات المؤسسة التشريعية، أي إعلان الحرب واستخدام القوة العسكرية، يكشف عن أن موقفها من المفاوضات الدولية ليس لأسباب تتعلق بصلاحيات الكونغرس الدستورية، كما زعم الخطاب الموجه لإيران، وإنما بسبب صراع حزبي لا علاقة لها بالسياسة الخارجية.
469 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع