ألقى عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي السيد رائد فهمي خطاباً في حشد من العراقيين في لندن مؤخراً. أقتطفُ بعض ما جاء في تقرير(1) صحيفة "طريق الشعب"، الناطقة بإسم الحزب، الذي عرضتْ فيه ما جاء في كلمة الدكتور رائد:
"بدأ رائد فهمي مداخلته بالتأكيد على أهمية الاستحقاق الانتخابي المقبل، في انتخابات مجالس المحافظات التي ستجرى في نيسان القادم 2013، وضرورة التهيئة للمساهمة الفعالة فيها، باعتبارها فرصة لتمكين الناس من المشاركة في عملية التغيير وإزاحة الفاشلين والمسؤولين عن الفساد المتفشي وتردي الخدمات، الذين جاؤوا عبر نظام المحاصصة، وانتخاب من يمثلهم ويدافع عن حقوقهم ويضمن لهم مقومات الحياة الحرة الكريمة، وأشار الى ان المهمة الملحة التي تواجه قوى التيار الديمقراطي هي الشروع بإجراء مشاورات مع الأطراف السياسية الوطنية، التي يجمعها الالتزام بالديمقراطية ودولة المواطنة، من اجل التوصل إلى أوسع ائتلاف مدني ديمقراطي."
لا أريد أن أناقش جميع أفكار الخطاب وبالإسهاب الذي يستحقه فمعظمها تقييمات خاطئة أو سطحية وتبريرات للفشل السابق(2) واللاحق الذي أتكهنه، للأسف، للحزب الشيوعي وللتيار الديمقراطي كما سنرى. إنها، بالعموم وحسب رأيي، إنسياق وراء الحملة الإعلامية التي يديرها الطغمويون(3) بمعونة خبراء عالميين في التخريب السياسي وبتمويل سعودي - قطري يعيد طروحات سابقة منذ أول إنتخابات للحكومة عام 2005، إتسمت بخلط الأوراق ليتم التستر، بشكل إنتهازي، على المذنبين الحقيقيين من إحتلال أمريكي(4) وإرهابيين وطغمويين وإنتهازيين وتلبيس نتائج أفعالهم وتآمراتهم (من فساد ونقص في الخدمات وتعطيل عجلة الإعمار والبناء وتعطيل التشريع ومنع إستكمال البنى الديمقراطية) بجهات لها الفضل الأول في قيادة البلد، بشجاعة، في وجه بحر من المعوقات والمشاكل الموروث منها والمفتعل. فنجحت في سكب المنصهر العراقي، الذي أعده الأمريكيون، بقوالب عراقية خالصة إسترجعت الإستقلال والسيادة الوطنيتين (اللتين ما عادتا ذات أهمية للبعض هذه الأيام، كما يبدو) وقصمت ظهر الإرهاب وصانت وطورت الديمقراطية بوجه جهود تشويهها أو تخريبها، ووفرت كثيراً من الخدمات وباشرت بالنهوض الإقتصادي ورفعت معدل الدخل الشهري للفرد العراقي من ربع دولار إلى أكثر من (350) دولاراً رغم العرقلة والتخريب اللذين لم ينقطعا؛ وذلك بدلاً من السماح بسكب المنصهر في قوالب أمريكية لإنتاج ما أُريدَ إنتاجُه وهي جمهورية "خلال الطوش" الموازية لجمهوريات "الموز" في أمريكا اللاتينية أيام زمان، ليتم تحقيق شعار "الحريات أولاً" على "أحسن وجه" وكما أراده حامله(5).
لا أريد الإستفاضة في النقاش ليتم التركيز على قضية واحدة في غاية الخطورة على الشعب العراقي وديمقراطيته ووطنه وهي أعلى القيم على الإطلاق ولا تدانيها أية قيمة أخرى.
جاء في الخطاب المقطع التالي:
"كما ان الأحزاب الإسلامية تقدم الرؤية الطائفية والمصالح الذاتية والحزبية الضيقة على الرؤية الوطنية التي تنطلق من مصلحة الشعب والوطن"(6).
إذا كانت هناك ثمة أحزاب (والمقصودة هي أحزاب "التحالف الوطني" وقبله "الإئتلاف العراقي الموحد" اللذان قادا الحكومة واللذان يضمان أحزاباً إسلامية مازال البعض الجاهل يسميها بالأحزاب الطائفية) تُقدِّمُ:
1- "رؤية طائفية": والطائفية تعني إضطهاد الطوائف الأخرى، وإن لم تفعل ذلك فهي ليست طائفية رغم كونها دينية وذلك حسب التعريف الذي أطرحه للطائفية في الهامش رقم(3) أدناه. وإن كان للسيد رائد تعريف آخر يبرّء الطائفي من إضطهاد الغير فليطرحه،
2- وتُقَدِّمُ "المصالحَ الذاتية والحزبية على الرؤية الوطنية التي تنطلق من مصلحة الشعب والوطن". إذاً، فهذه الأحزاب الدينية تجعل مصلحة الشعب والوطن في الدرجة الثانية (على أحسن تقدير إن لم تكن نافية وغامطة لها كلياً بحكم طائفيتها المفترضة التي، أكرر ثانية، تعني إضطهاد الطوائف الأخرى، إذ أن غمط الحقوق هو وجه من أوجه الإضطهاد) بالمقارنة مع "مصالحها الذاتية والحزبية الضيقة"؛ علماً أن المقصود هنا واضح وهو "مصالحها الطائفية والحزبية الضيقة". وهذا، بدوره يعني، الإضرار بمصالح جميع مكونات المجتمع الأخرى وغمطها والإضرار بالمصالح الوطنية.
الآن أطرحُ ما يلي:
أولاً: في العراق جهات إرهابية (مدعومة من نظم شمولية لا يردعها رادع وذات إمكانيات مالية هائلة وذات مصالح حيوية جداً تخص خلاص فئاتها الحاكمة من الإزالة) مارست الإرهاب فعلياً منذ سقوط النظام البعثي الطغموي في 2003 ولحد الآن. كلها تدعي، سواءً عن إيمان حقيقي أو عن تكتيك يخفي وراءه ما يخفي، بأن الطائفة الشيعية في العراق، ممثَّلةً بأحزابها السياسية الحاكمة (والقول للإرهابيين)، تضطهد الطائفة السنية في العراق.
ويذهب إدعاء الإرهابيين إلى أبعد من ذلك ويطرح أنه لهذا السبب وغيره فإن الطائفة الشيعية في العراق بأكملها: مواطنين (متدينين وعلمانيين عدا الإنتهازيين والجبناء) وأحزاباً سياسية ومراجع دينية وخريجي وطلاب الحوزات العلمية في النجف وغيرها، مسؤولة مسؤولية مباشرة عن هذا الحيف الواقع على السنة العراقيين، لذا حقَّ تكفير الشيعة بالمجمل وإستباحة أرواح وأعراض وأموال من ينتمي إليهم.
وقد تمت هذه الإستباحة بالفعل وليومنا هذا أينما ومتى شاء الإرهاب.
ثانياً: أليست توصيفات السيد رائد فهمي للأحزاب الإسلامية العراقية تقدم التبرير لمن يطلبه من الإرهابيين سواءً للإعتداد به كدليل (وهو مستبعد) أو للتمنطق به أمام الآخرين لتبرير إبادة الشيعة؟ هذا إن لم نقل إنه إستعداء وتحريض على الجريمة والإرهاب للذي يبحث عن الإنتقام أو أخذ الثأر أو دفع الحيف أو كلها مجتمعة؟
ثالثاً: أليست هذه التوصيفات تدعم إدعاءات ممثل أمين عام الأمم المتحدة في العراق، السيد مارتن كوبلر(7)، الذي لام الحكومة العراقية، ظلماً، يوم ضربت بغداد وبعض المحافظات موجة من التفجيرات مؤخراً، مدعياً أن الحكومة لا تستمع إلى آراء الآخرين، ويقصد آراء الإرهابيين (وفي أحسن الإحتمالات فيقصد حماتهم)، ويبدو أنه ترك إلى غيره القول "وتقدم الرؤية الطائفية والمصالح الذاتية والحزبية الضيقة على الرؤية الوطنية".
أنا أفهم قول السيد كوبلر على أنه تبرير للإرهاب ويندرج ضمن الحملة التي تشنها شركات النفط واليمين الأمريكي عموماً ضد الحكومة العراقية لأنها لم ترضخ لطلبها في التعاقد وفق صيغة "المشاركة في الإنتاج" والمواجهة مع إيران والسماح للتدخل الأجنبي في سوريا. كما يشنها، أي الحملةَ على الحكومة العراقية، حكامُ السعودية والوهابيون عموماً كجزء من حرب شاملة يريدون إشعالها في الشرق الأوسط(8) من أجل التملص من الإستحقاق الديمقراطي وإحترام حقوق الإنسان التي يطالب بهما الآن الشعبُ السعودي (ولاحقاً، العولمة أي بعد أن تستنفذ أمريكا المنافع السياسية في المنطقة من الوهابية السعودية ستطيح بها مثلما فعلت مع طالبان والعرب الأفغان).
رابعاً: إن إتهام جهة لا تمارس الطائفية بالطائفية لهو الطائفية بعينها. ليس كافياً أن يكون الحزب إسلامياً لكي يُتهم بالطائفية. هذه نظرة إيديولوجية أكل الدهر عليها وشرب، إذ لا يجوز الحكم المسبق ونسيان الواقع العملي وما تحققه هذه الجهة أو تلك على الأرض. فالأحزاب الإسلامية وخاصة حزب الدعوة والإئتلاف العراقي الموحد لعبا دوراً كبيراً بمعية الأحزاب الكردية وآخرين في تأسيس النظام الديمقراطي وكتابة وإستفتاء الجماهير على دستور مدني يعد من أكثر دساتير المنطقة تقدماً رغم نواقصه، وقادا الحكومة التي أجرت ثلا ث جولات من الإنتخابات البرلمانية وجولتين من إنتخابات مجالس المحافظات وكلها إرتقت إلى المعايير الدولية حسب شهادة الأمم المتحدة والإتحاد الأوربي.
إن كلام السيد رائد يمثل الطائفية بعينها. طالبتُه قبل قليل بطرح تعريفه للطائفية. أراهن على أنه، أو غيره من أمثاله في القيادة، إن أجاب، سيلف ويدور ولكن عصارة رأيه سوف لا يبتعد عن فهم "الطائفية" بكونها "التشيّع" وأن "الطائفي" في مفهومه هو "الشيعي، ولادةً أو إيماناً، إلا إذا شَتَمَ الشيعة دون مبرر لشعوره بالدونية لسبب أو آخر". وهذا إستسلام لثقافة العهود الطغموية وخاصة العهد البعثي الطغموي، وعدم القدرة على تجاوزها حتى بعد أن شاءت الأقدار أن تقتلع النظام الطغموي من جذوره وأحدثت تغييراً تنطبق عليه جميع مواصفات الثورة الوطنية الديمقراطية وهو الأكثر جذرية من جميع ثورات الربيع العربي رغم الآلية التي أحدثت التغيير والتي أبطل مفعولها الإحتلالي الوطنيون العراقيون وعلى رأسهم المرجعية الدينية في النجف والأحزاب الإسلامية التي يتهمها السيد رائد فهمي، ظلماً، بالطائفية. إن العراق الديمقراطي الجديد هو ثمرة من ثمرات إنتفاضة ربيع عام 1991 الشعبانية التي كانت أقوى ثورة شعبية حقيقية شهدها العراق في القرن العشرين وشهدها العرب بعد الثورة الجزائرية، وقد إستشهد فيها ما لا يقل عن ربع مليون مواطناً.
كما أراهن على أن السيد رائد سيخلط بين الطائفية (وإفرازاتها الطبيعية والحتمية كالهيمنة والإستبداد السياسيَين وغيرهما) وبين شيوع ثقافة شعبية أباحتها لائحة حقوق الإنسان الصادرة عن الأمم المتحدة، مهما كان طابع تلك الثقافة سواءً كان دينياً أو علمانياً، تقدمياً أو رجعياً، فتبقى هي ثقافة شعبية تراثية أزاحت بسرعة البرق وهشَّمت صرح الثقافة الطغموية المفتعلة المفروضة فرضاً من قبل السلطات الطغموية الغامطة لحقوق الشعب والمستلِبة للسلطة والتي أشاعت ثقافة هجينة لا تمت للشعب بصلة لكنها كانت تمجد الدكتاتور والدكتاتورية وتبرر إستلاب السلطة من الشعب وتدعم قمعه وإحكام السيطرة عليها وعليه.
إن هكذا خلط بين الطائفية وبين الثقافة الشعبية يمسُّ موضوعاً في غاية الخطورة أبعد من كون إحياء الطقوس الدينية هي شعائر شعبية مشروعة تعود لمئات السنين ولا يجوز، أو لا يمكن التحرش بها، بل ستأخذ طريقها إلى التهذيب والتنظيم بنمط طبيعي مع إستقرار الوضع السياسي والأمني؛ بل هناك خطورة من نوع آخر يتعلق بمحاولة نزع هذا السلاح الذي كاد (ومايزال) أن يكون الوحيد بيد الحكومة المنتخبة مكَّنها من تحدي الإرهاب والوقوف بوجه الإحتلال وحلفاءه الطغمويين في ظروف غاية في الصعوبة جرّد فيها الأمريكيون الجيش العراقي الفتي من التسليح والتدريب وأتخموه بضباط طغمويين بذريعة المصالحة بل أرادوا تشكيل جيش ثالثٍ من الصحوات لولا موقف حكومة المالكي الصارم والشجاع؛ والسلاح الذي أعنيه هو سلاح الجماهير المليونية التي تنزل إلى الشارع عدة مرات في السنة لإقامة شعائرها الدينية ولإستعراض قوتها السلمية التي فعلت مفعولها السحري إذ كان بالإمكان تحويلها إلى حركة عصيان مدني لو إقتضى الصراع السياسي ذلك. لهذا فهي هدف المتربصين بالديمقراطية والعراق الجديد، بحجج وحذلقة لا نهاية لهما، لأنها الحصن المنيع للديمقراطية.
أعتقد أن هذا الخلط هو الذي دعا عضو المكتب السياسي الآخر الدكتور حسان عاكف إلى المطالبة بإحداث تغييرات "سياسية – إجتماعية" وليست سياسية وحسب إذ قال في ندوة سياسية في الشطرة ما يلي: " نحن كحزب شيوعي نرى أن لا حل للأزمة إلا بإحداث تغييرات سياسية اجتماعية تتولد منها حكومة وطنية بعيدة عن التعصب القومي والطائفي"(9). ما المقصود بالتغييرات الإجتماعية؟ لا ندري. وربما يقصد فرض ثقافة من فوق على الجماهير، وهو ما يفتح باباً جديداً للإستبداد وإضطهاد الجماهير والرجوع إلى سياسة الوصاية وصولاً إلى سياسة التطهير الطائفي. إن الطريق الصحيح للتغيير الإجتماعي هو عبر التطوير الذي يتطلب نضالاً جماهيرياً مضنياً ولا يأتي بالتمنيات ولا بالأوامر الفوقية.
وبما أن السيدين رائد وحسان يتحدثان بإسم قيادة الحزب الشيوعي، فإن كلامهما هذا لا يمثل حالة إنفرادية بل ينم عن وجود تيار طائفي قوي داخل الحزب، وبالتالي فإن هذا يضع الحزب في موقع المعاديٍ لغالبية أبناء العراق، ولا تنفع أزاءه الإدعاءات بالتفاني في سبيل الشعب.
خامساً: لديَّ هواجس قوية بأن هذه الطروحات الخطرة للسيد رائد فهمي نابعة من توقٍ وتمهيد لإعادة التحالف مع من أسماهم السيد رائد ب"الأطراف السياسية الوطنية، التي يجمعها الالتزام بالديمقراطية ودولة المواطنة" وهؤلاء حسب تعريفه هو، ليست الأحزاب الدينية التي "تقدم الرؤية الطائفية والمصالح الذاتية والحزبية الضيقة على الرؤية الوطنية ...."، بل هي، إستنتاجاً، "إئتلاف العراقية" وبعض الأطراف الكردية المرتبطة بشركات النفط.
إن هذا الهاجس لم يأتِ من هذا التحليل لتشخيص السيد رائد لمواصفات الجهة التي يريد التحالف معها؛ بل هناك قرائن بتطابق فكري بين الحزب الشيوعي والطغمويين من إئتلاف العراقية. فالدكتور حسان عاكف يريد "إحداث تغييرات سياسية إجتماعية" لأجل معالجة الأزمة السياسية في البلد، بينما لم يبتعد عن هذا الطرح رأيُ الدكتور طلال الزوبعي، القيادي والمنظِّر في إئتلاف العراقية، الذي نقلت عنه فضائية "الحرة – عراق" بتأريخ 4/11/2012 ما يلي:
"على الجمهور ألا ينتظر أي شيء من المؤتمر الوطني لأن الوضع ليس بحاجة إلى إصلاحات بل إلى تغيير جذري، بين قوسين ثورة".
أي أن كلا الدكتورين يريدان الإنقلاب على الدستور وعلى المؤسسات الديمقراطية التي أقرها الدستور. لماذا؟ لأن الدستور والمؤسسات لا تروق لإئتلاف العراقية ولا إلى طموحه الرامي إلى إستعادة السلطة المفقودة بأي ثمن، ولا أعرف لماذا لا يريدها القادة الشيوعيون.
سادساً: أستخلص من مواقف القادة الحزبيين السيد حميد مجيد موسى والسيد رائد فهمي والدكتور حسان عاكف أن موقفهم من الديمقراطية القائمة (التي مازالت تحبو وتحتاج إلى تكاتف لإنضاجها والوقوف بوجه محاولات الإرهاب والطغمويين وعلى رأسهم إئتلاف العراقية لتعطيلها وتخريبها) – أستخلص أن مواقفهم تتراوح بين الإستهانة بها وبين قتلها (وإلا فكيف نفهم طلب الدكتور حسان: "إحداث تغييرات سياسية إجتماعية"؟).
هذا على الصعيد الفكري. أما على الصعيد العملي، فما علينا إلا عقد مقارنة سريعة بين مقدار الحرص على النظام قبلاً وحالياً علماً أن الحرص على النظام هو آخر ما يخضع ل"التطوير" ما يدل على أن هناك نظام جيد فنحرص عليه وهناك نظام سيء فنستهين به. دعونا نتبين:
أسألُ: أين هذا الحرص على نظام سائر بإتجاه الديمقراطية ويتعرض لأخطر المؤامرات والتبعات الإجرامية المرعبة من ذلك الحرص على النظام البعثي الطغموي الفاشي؟ وهل الحرص على النظام الديمقراطي يساوي شيئاً من ذلك الحرص على مجرد العلاقة مع النظام البعثي الطغموي الفاشي؟ لقد كان بعض القياديين في لجنة تنظيم الخارج في براغ (لتخ) يتكتم ويعتم على صدور حكم الإعدام بحق رفيقنا كمال شاكر لئلا يحتج رفاق القاعدة الحزبية "ويُسمع صوتهم ويزعل حلفاؤنا البعثيون في الجبهة!". هذا مثل واحد من أمثال عديدة.
سادساً: أقول للسيد رائد ورفاقه القياديين: لو فرشتم الأرض وروداً ورششتم الهواء عبيراً وملئتم الجيوب نقوداً لما إنتخبكم الناس لأن الورد والعبير والغنى لا تمثل شيئاً للجثث الممزقة بمفخخات الإرهاب المعروف نسبه والمعروف داعمه والمعروف معاونه والمعروف المتستر عليه ومعروفة هي الطروحات الرعناء التي تبرره. إن تبرير الفعل، في المعيار الموضوعي شئنا أم أبينا، هو وقوفٌ مع أصحاب الفعل في خندق واحد.
سابعاً: أخيراً، السلام على من أقرَّ بخطئه وإعتذر للجماهير. وإلا فهي وصفة مثلى لطبخة دسمة للفشل وللعنة التأريخ الذي لن يرحم مستقبلاً ولم يرحم فيما مضى. إنها، أيها السادة، أرواح الناس الأبرياء فلا تعبثوا بها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1): التقرير منشور في موقع "ينابيع العراق" الإلكتروني بتأريخ 8/11/2012 على الرابط التالي:
http://www.yanabeealiraq.com/ar0412/rf071112.html
(2): في مقابلة له مع فضائية "الحرة – عراق" بتأريخ 14/2/2011، برر السيد حميد مجيد موسى، أمين عام اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي، فشلَ الحزب في إنتخابات 7/3/2010 بوجود الشحن الطائفي والإثني، كما قلل من أهمية الإنتخابات بإدعائه أنه "حتى إنتخابات زين العابدين وحسني مبارك قالوا إنها ترقى إلى المعايير الدولية" وهو أمر غير صحيح تماماً إذ لم يصرح ولم يدَّعِ أحد بذلك حتى أتباع النظامين. أما بالنسبة للشحن الطائفي والإثني فأقول: أليست هذه مشكلة حياتية ينبغي إتخاذ الموقف السياسي الصحيح حيالها (وليس الإكتفاء بطرح الرفض الفكري لها وحسب) بعد فهم مسبباتها وأصولها التأريخية وسبب ظهورها بعنف بعد سقوط النظام في عام 2003 وعلاقة ذلك بإفلاس الطغمويين الفكري والسياسي لذا طرحوا هذه الورقة الرابحة في إثارة التعصب ورفض الآخر وتأجيج الإرهاب والحفاظ على بعض التأييد والمواقع الشعبية [كما هو مشروح في الهامش رقم (3) أدناه] والسعي بشتى الوسائل لإستعادة حكمهم الطغموي؟ أليست الطائفية والعنصرية في العراق مثّلا الوجه العلني لصراع طبقي في حقبة هيمن فيها الطغمويون على ثروات البلد وتصرفوا بها بلا رقيب وكأن العراق ضيعة من ضيعاتهم لكنها غير مسجلة في السجل العقاري!؟
في الحقيقة لم تمتلك قيادة الحزب لا الوضوح الفكري (للتمييز بين الطغمويين والسنة العرب) ولا الشجاعة الكافية للوقوف الموقف المبدئي حيال القضية الطائفية وتأشير الجهة المذنبة وهم الطغمويون بل على العكس دخلوا مع الطغمويين (الذين خلط الحزب بينهم وبين السنة العرب في العراق والسنة براء من الطغمويين) في تآلف هو إئتلاف العراقية الذي سرعان ما فككته الحياة إذ إنسحب وزراء العراقية من الحكومة السابقة وبقي الوزير الشيوعي فيها ولم ينسحب حتى تشكيل الحكومة الجديدة بعد إنتخابات 7/3/2010 الخالية من أي وزير شيوعي فإنهال السب والشتم وقليل من النقد البناء بحق إئتلاف دولة القانون وزعيمه. إتخذ الحزب على العموم بعد ذلك موقف المحايد وراح يوزِّع مسؤولية إثارة الطائفية وآثامها على الجميع. لم تستطع القيادة لحد الآن الفكاك من المفاهيم التي أشاعتها النظم الطغموية وبالأخص النظام البعثي الطغموي الذي إعتبر الطائفية تعني التشيّع. هذه الحقيقة مسلَّم بها فعلياً ولكن لا يُصرح بها بسبب وجود لخبطة فكرية وربما وجود صراع فكري – سياسي داخل الحزب وللخوف من غضب الجماهير.
(3): للإطلاع على "النظم الطغموية حكمتْ العراق منذ تأسيسه" و "الطائفية" و "الوطنية" راجع الرابط التالي رجاءً:
http://www.qanon302.net/news/news.php?action=view&id=14181
(4): مازلتُ مصراً على أن العراق مدين لأمريكا بالشكر على تأسيس النظام الديمقراطي بعد إطاحة النظام البعثي الطغموي الذي بلغ من الجبروت حد الإقدام على تنفيذ سياسة واعية مبرمجة ممنهجة للتطهير العرقي والطائفي عبر الإبادة الجماعية وجرائم ضد الإنسانية وإقتراف جرائم حرب حتى أصبح غير قادر على إطاحته سوى الله أو أمريكا التي أطاحت به لا لسواد عيون العراقيين بل لأهدافها الخاصة ولكن العراقيين عرفوا كيف يحولون التغيير لصالحهم فاستعادوا إستقلالهم وسيادتهم وحافظوا على ثرواتهم النفطية.
أتمنى لو تستمر العلاقات الطيبة بين البلدين على أسس الشفافية والإحترام المتبادل القائم على المصالح المشتركة المتكافئة.
(5): حامل هذا الشعار "الحريات أولاً" هو السيد جاسم الحلفي عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي. كيف يكون هذا الشعار هو الأول في الوقت الذي يتعرض فيه العراق إلى أشرس مؤامرة سيكون إجرام إنقلاب 8 شباط / 1963 "زلاطة" مقارناً بنوايا هذه المؤامرة في حالة نجاحها؟ [راجع الهامش رقم (8) أدناه رجاءً].
(6): في الحقيقة لم أتبين بالدقة اللازمة فيما إذا كانت هذه الكلمات الأخيرة هي للسيد رائد أم كانت كلمات معد التقرير في صحيفة طريق الشعب. ولكن الأمر سيان فالرأي هو راي قيادة الحزب سواءً صدر من عضو المكتب السياسي أو من صحيفة الحزب المركزية.
(7): كنتُ قد كتبت مقالاً حول الموضوع بعنوان: "هل الإرهاب بحاجة لتبريراتك يا ممثل الأمم المتحدة؟" على الرابط التالي:
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=327090
(8): قال السيد باقر جبر الزبيدي القيادي في المجلس الإسلامي الأعلى ووزير الداخلية الأسبق في فضائية "الحرة – عراق" / برنامج "حوار خاص" بتأريخ 12/11/2012 بأن لديه تقارير إستخباراتية موثقة تشير إلى تطور التحذير الذي أطلقه عام 2007 ملك الأردن عبد الله الثاني (دون أن يذكر السيد الزبيدي إسم الملك) بشأن "الهلال الشيعي" الممتد من إيران فالعراق فسوريا فحزب الله وحماس - إلى حركة تسمى "جبهة النصر" يتزعمها الوهابيون (وليس الحكام السعوديون) الماسكون بشؤون الدين في السعودية يرمون إلى كسر هذا الهلال الذي بدأ، فعلاً، بالسطو على الثورة السورية السلمية. ويذهب الوهابيون في السعودية والمنطقة، وفق هذا المخطط، إلى أبعد من ذلك إذ يضعون سيطرة الوهابيين والأصوليين على المنطقة نصب أعينهم ويتطلب هذا شن حملة إبادة ضد الشيعة لا تتوقف عند قتل الرضيع كما كان شعار "القاعدة" بل يمتد إلى قتل الجنين الشيعي. وحذر السيد الزبيدي الكويت لكونها مشمولة في هذا المخطط ونبه إلى نشاط الأصوليين الإستثنائي فيها وفي الأردن. على أن أمريكا تستفيد من هذه التطورات لكنها تعود لمحاصرة السعودية بعد إنتهاء المهمة كما حصل مع طالبان في أفغانستان.
للعلم فإنني طالما نبهتُ، تحليلاً وتكهناً، إلى مخطط سعودي مماثل في المنطقة إبتداءً من عام 2006 عندما رددتً بتأريخ 29/11/2006 في صحيفة "الواشنطن بوست" الأمريكية برسالتين على مقال في نفس الصحيفة للسيد نواف عبيد المستشار الأمني للسفير السعودي في واشنطن حيث حذر فيه من إحتمال تدخل عسكري سعودي في العراق لصالح السنة في حال إنسحاب القوات الأمريكية المبكر. أدناه ترجمة الرسالتين:
1- الرسالة الأولى:
دع السيد نواف عبيد يفصح عن "التداعيات التي هي اسوء بكثير من التداعيات المترتبة على عدم تحرك السعودية" في حال انسحاب القوات الأمريكية من العراق، على حد قوله. لو كان السيد نواف صادقا، بما فيه الكفاية، لأجابنا بما يلي: إن العراقيين قادرون على بناء نظام ديمقراطي بمساعدة الولايات المتحدة (إن لم يكن بدافع الحب للديمقراطية فبدافع الحفاظ على أرواح الناس العراقيين من الفناء، وبالأخص الشيعة والكرد، الذين تعرضوا لجرائم الإبادة الجماعية تحت نظام صدام حسين؛ ذلك النظام الذي يسعى السعوديون وغيرهم في المنطقة إلى اعادة فرض نظام شبيه له من جديد على العراقيين).
وإذا كان السيد عبيد صادقا، ثانية، لأضاف قائلا: تشكل الديمقراطية لنا، نحن السعوديين، مرضا قاتلا كمرض الإيدز.
عندئذ سأقول هذا هو كلام الحق والصدق. أما الحديث عن قتل السنة والتدخل الإيراني فهذا كلام سخيف.
علينا أن نتذكر أن النظام السياسي السعودي هو من أشد النظم في العالم رجعية وتخلفا؛ وأن سجله في مجال حقوق الإنسان لهو أسوأ سجل. وهتان الحقيقتان هما اللتان أنتجتا 16 إرهابيا من أصل 19 قتلوا 5000 إنسانا بريئا يوم 11/9/2001.
2- الرسالة الثانية:
" إذا نظرنا إلى الأمور من زاوية أخرى، فقد يكون ما كتبه السيد نواف عبيد إفصاحا عن خطة مستقبلية أمريكية- إسرائيلية- سعودية لمصلحة هذه الأطراف. ربما أيقنت الولايات المتحدة وإسرائيل بعدم قدرتهما على منع إيران من تطوير سلاحها النووي. عليه فربما فكرا بتعطيل فاعلية هذا السلاح "الشيعي" ضد إسرائيل عن طريق مواجهته بالسلاح النووي "السني" الباكستاني وتحييده...... وهكذا تنشأ قضية جديدة في الشرق الأوسط تستنزف العرب والمسلمين للقرن الواحد والعشرين، بعد أن يسدل الستار على قضية الشرق الأوسط الحالية أي القضية الفلسطينية التي استنزفتهما طيلة القرن العشرين. ولكن الإحتدام الكارثي هذه المرة سيكون سنيا – شيعيا على نطاق العالم. وبهذا ستحصن العائلة المالكة السعودية الرجعية الشمولية الأوتوقراطية نفسها من مرض الديمقراطية الكريه."
(9): نقلاً عن تقرير حول الندوة التي عقدت في الشطرة كتبه السيد فاضل العبودي في صحيفة الحزب الشيوعي "طريق الشعب" بتأريخ 14/11/2012.
587 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع