د. سيّار الجميل
"اعترفوا بفشلكم الذريع في حكم العراق على مستوى كل السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، فعندما يثور الشعب، سوف لا يعرف التفريق بينكم أبداً"
تتفاقم نقمة العراقيين الأحرار من جحيم الحياة في بلدهم، كما توضحت صورة التظاهرات التي عمّت بغداد الجمعة الماضي (28 أغسطس/آب) رفضاً صريحاً للأحوال السيئة التي وصل إليها العراقيون على أيدي المسؤولين الذين تولوا الحكم زوراً، ذلك أن حجة الانتخابات انكشفت تزويراتها في تصريحات عميد حزب الدعوة السابق، عزّت الشابندر، فقد فضحت النظام وأركانه وتعاسة رجاله وبلادة عقولهم وسوء أخلاقهم وانعدام مبادئهم الوطنية وانحراف قيمهم الدينية، وانعدام شرعية انتخاباتهم، فضلا عن تصريحات غيره في ما يخص انعدام شرعية تلك الانتخابات. فلا تتبجحوا بها أبدا بعد اليوم، فقد انفضح أمركم، خصوصا بعد أن دمرتم البلاد، وأهلكتم العباد على امتداد أكثر من عشر سنوات عجاف، عانى فيها العراقيون كثيراً، ومروا بأزمنة ظالمة، ووعود وزارات فاشلة، تعد من أسوأ العهود، حيث انهارت في أثنائها مؤسسات العراق قاطبة، وعمّ الفساد، وتأخر المجتمع ودخل في حرب أهلية صعبة.
اليوم، تتفاقم نقمة الشعب العراقي كثيراً على كلّ المسؤولين، وعلى كلّ من شارك في العملية السياسية القميئة التي أوصلت ناساً لا يفقهون شيئاً في الإدارة، ولا في السياسة الداخلية، ولا الخارجية، وقد تراخى اقتصاد البلاد الريعي، جرّاء عمليات النهب المنظم، وتعرّض العراق إلى الإفلاس، جرّاء انخفاض أسعار النفط، مع تفاقم الفساد في كل مرافق الحياة في البلاد، ولم ينجز هذا "النظام" السياسي السيئ أي منجز في الزراعة والصناعة والتجارة والنقل والعمران، وتراجع التعليم، وتأخرت مرافق التربية، وساءت الخدمات كثيراً بشكل لا يمكن تخيله، بحيث لم تعد الناس تقبل استمرار هذه الأحوال.. ناهيكم عمن اخترق البلاد، سواء لمن فرض أجندته الخارجية وإرادته الإقليمية، كما زجّت البلاد في حرب داخلية ضروس، لسوء إدارة كل المسؤولين حتى اليوم، بسبب عدم الحفاظ على العراق أرضاً وشعباً، ففسح المجال لانتهاك سيادة العراق وسيطرة مليشيات على الأرض، وقاد احتلال داعش أهم المدن العراقية، وتشريد سكانها، وانتهاك أعراض عراقيات، وتهجير مواطنين مسيحيين ومسلمين وعرب وتركمان وشبك ويزيدية وصابئة من ديارهم، وما شابه من كوارث عرف الناس من كان المسبب فيها تماماً. مع تفاقم التناقضات الداخلية التي سببها النظام السياسي الحالي، بسياساته الطائفية المارقة، وقراراته الانقسامية والجهوية البليدة. المشكلة الحقيقية هي في نظام سياسي فاسد، كل عناصره فاسدة، نسوة ورجالاً، أحزاباً وكتلاً وتحالفات ومليشيات ومرتزقة، وجماعات فاقدة ضمائرها وذممها.
أبعد من هذا وذاك، يبقى المشهد على ما هو عليه؟ أبعد حدوث كل هذه المأساة التاريخية المريرة، ينتظر الشعب العراقي الإصلاحات التي لا تنفع أبداً؟ سنوات طوال مرت والأصوات الحرة والوطنية تنادي بالتغيير الجذري، خصوصا بتجميد دور القوى الدينية والأحزاب الطائفية، وأن يكف رجال الدين، مهما كانت فصائلهم وألوان عمائمهم، عن التدخل في السياسة وصناعتها، ولا من مجيب. سنوات طوال مرت، وهؤلاء الجهلة من القابضين على السلطة بالتزوير، وخداع الناس، والكذب عليهم لا يسمعون صوت الحق، وهم في مخادعهم متخندقون، وفي منطقتهم الخضراء منتشرون، أو في بلاد العالم يتسكعون، ويشتمون من ينتقدهم. سنوات طوال مرت، والعراقيون يراقبون كيف نهبت أموالهم العامة، وكيف سرقت إرادتهم باسم الدين تارة، وباسم الطائفية تارة أخرى.. واليوم، يريد بعضهم أن يشارك في التظاهرات لإفسادها، وكأنهم لم يقترفوا الجرائم تلو الأخرى، وكأنهم لم يشاركوا في قتل العراق؟
اعلموا، أيها المسؤولون العراقيون جميعاً، أن الثورة قادمة تزحف بسرعة إليكم، كي تزيحكم عن الحكم، واعلموا أنه لم تنفع مع العراقيين أية إصلاحات شكلية، ولا أية رتوقات خادعة، ولا أية سياسات كاذبة، أو إشاعة إعلاميات مفبركة، ولا شتائم مقذعة. لا يمكن أن يبقى أمن المواطنين وسلامهم مهدداً، ولا اقتصاد البلاد مضمحلاً، ولا السياسة الخارجية تشوهها تصريحات تافهة، تتصدرها عقلية مخبولة، ولا القوات المسلحة مهزوزة بفعل مليشيات مرتزقة، ولا وجود لبرلمانيات حاقدات، أو برلمانيين متخلفين ومنتفعين، ولا رواتب تقطع عن الناس فهي رزقهم الوحيد، ولا مدارس منحرفة، ولا جامعات بدائية، ولا سياسات نفطية يعتم عليها، ولا قضاء مأجورا مشوها يقوده أجير لدى قادة سياسيين بغاة، ولا تهريب للأموال العامة إلى الخارج، ولا منشآت أو قصوراً أو حدائق وأماكن عامة، كانت للدولة واليوم استحوذت عليها طبقة حاكمة، تتشكل من شراذم لصوص وحرامية، ولا منطقة خضراء يسرح ويمرح فيها هؤلاء، ولا أولاد مسؤولين وأقرباء لهم يتصدرون مناصب وسفارات في الداخل والخارج، ولا امتيازات ونهبا علنيا من خلال صفقات مفضوحة أتلفت مليارات الدولارات ، ولا رجال عمائم لهم نفوذهم (الإلهي) الذي صنعوه لأنفسهم في مثل هذا الزمن.. والقائمة طويلة من الجرائم والهزائم التي ارتكبت منذ سنين.
أنبهكم، أيها المسؤولون العراقيون، أن تعجلوا وتسرعوا في إعلان استقالاتكم، وحمل حقائبكم، وأن ترحلوا عن مناصبكم، فالساعة آتية لا ريب فيها، لكي يحاسبكم الشعب حساباً عسيراً على كل ما اقترفتموه بحق العراقيين جميعا، وعليكم أن تتناسوا من يصفق لكم ويسبّح بحمدكم، فسوف تعود حليمة إلى عادتها القديمة، فكل من صفّق لحكام العراق السابقين انقلب، في لحظة تاريخية على زعيمه أو حاكمه، وكانت نهايات حكام العراق بين من سحل أو قتل مقطعاً، أو أعدم رميا بالرصاص، أو احترق، أو دس له السم، أو شنق بالحبال.
أعلنوا براءتكم واعتذروا من شعبكم، وأرجعوا له أمواله العامة، وأعيدوا إلى الدولة ممتلكاتها كاملة، بل أرجعوا إلى من استحوذتم، ظلماً وعدواناً، على أملاكه وعقاراته وحلاله، إليه.. توبوا إلى الله جل وعلا، قبل أن يسوقكم الشعب إلى القضاء، لتنالوا جزاءكم العادل. اعترفوا بأخطائكم وخطاياكم التي اقترفتموها بحق العراق والعراقيين، قبل أن تسحقكم الإرادة الوطنية، في يوم قريب، سيكون لكم مفاجأة غير سارة أبداً. اعترفوا بفشلكم الذريع في حكم العراق على مستوى كل السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، فعندما يثور الشعب، سوف لا يعرف التفريق بينكم أبداً.
أعيد ثانية على رئيس وزراء العراق، حيدر العبادي، ندائي، بأن يفكر بمصير العراق من رهبة الفوضى القادمة بوجود طبقة سياسية فاسدة، تحتل كل المواقع المهمة، فيقوم بإلغائها كلها، ويبدأ تشكيل هيئة قيادة وطنية عراقية، في ظل حكم طوارئ، ويختار ساسة مدنيين وطنيين وقادة عسكريين محترفين، وما أكثرهم، ليتولوا قيادة البلاد وتخليصها من أزمتها، وأن يعلن عن حل الدستور الكسيح، وحل مجلس النواب وكل الأحزاب والمليشيات، وأن يبطل كل ما هو غير طبيعي في حياة الدولة. وعليه أن يعلن عن فترة انتقالية، من أجل انتخاباتٍ بإشراف دولي، بعيداً عن أي تدخل لعراقيين.. أعتقد أن من الصعب أن يقوم العبادي بخطوات مصيرية كهذه. ولكن، ينبغي أن نحذر من العاقبة، والأيام المقبلة حبلى بالمفاجآت.
4754 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع