نيسابور...المدينة والتاريخ في ضيافة الخيام والعطار النيشابوري

                                              

نيسابور...المدينة والتاريخ في ضيافة الخيام والعطار النيشابوري
محمد مهدي بيات
سفير الثقافة العراقية

سمعت  عنها كثيرا وقراتها في بطون الكتب هذه المدينة التاريخية التي تخرّج من مدارسها العامرة مفكرون عظام. علماء فطاحل وشعراء كبار يكفيك  ان يكون احدهم الشاعر العالمي عمر الخيام.

                         
تقع مدينة  نيْسَابُور او(  نيشابور)  بغير لغة العرب في مقاطعة خراسان في شمال شرق إيران وهي من  اعمال  مدينة مشهد.
سميت (نيسابور) نسبة إلى بانيها للمرة الثانية سابور الثاني الساساني في المئة الرابعة للميلاد  وكانت تعتبرمن أشهر مراكز الثقافة والتجارة والعمران في العصر العباسي  عندما كانت عاصمة لمقاطعة خراسان قبل أن يدمرها زلزال أصابها سنة 540 هـ، ثم أكمل خرابها غزو المغول لها سنة  (1221م).  
  من حسن الحظ ان ازور مدينة مشهد في عام 2004 مع مجموعة من ادباء التركمان ثم اخذونا لزيارة قبرالشاعر الفارسي الكبير الفردوسي صاحب كتاب الشاهنامة في مدينة طوس القريبة من مشهد حوالي عشرين كم وهناك رأيت مزار الفردوسي عامرا ببنائه  وكثرة زواره  وزيارته بثمن  وفي خارج البناية هناك قبر موحش مكتوب على شاهده ( هذا قبر الامام ابو حامد الغزالي ) وانه مجرد قبرعادي  بدون قبة سالت من بعض من كان هناك عن سبب عدم وجود القبة عليه لان صاحبه كان عالما  معروفا  بمصنفاته الكثيرة ابرزها كتاب احياء علوم الدين قالوا انه يحرم البناء على القبور فطبقنا فتواه لنفسه ... وبعد زيارتي  قبر الفردوسي زدت شوقا لمشاهدة قبر عمر الخيام الشاعر المشهور في  مدينة نيسابورالقريبة من مدينة مشهد..  

      


وفي زيارتي الثانية لمدينة مشهد عزمت السفر إلى هذه المدينة التاريخية لكونها حاضرة إسلامية معروفه بعد سمرقند وبخارى وإنها تبعد عن مشهد حوالي 120 كم باتجاه مدينة طهران فسالت عن السفر  اليها من بعض المعارف فقال احدهم غدا نسافر معا لان أسرة زوجتي  تعيش هناك وفيها الموضع المبارك لقدم الإمام الرضا (ع) على  بعد مسافة عشر كيلو مترات والذي يسمى بـ(قدم كاه) وفي هذا المكان نزل   الإمام للصلاة ومن العين توضأ و شرب  و ببركته يشرب الناس منه تبركا  به.

           


  في الصباح جئنا الى ميدان  يسمى( قرجدار) حيث تتوفرهناك  سيارات الاجرة  اليها فوصلنا الى  المدينة قبل الظهرفرايت المنطقة في غابة من الاشجار في حدائق جميلة وبدأت أتخيل تاريخ هذه المدينة ومعالمها وعلمائها  ومدارسها التي تخّرج فيها المفكرون الكبار ذكرهم التاريخ  باحرف من نور في انصع صفحاته منهم  الامام مسلم صاحب كتاب صحيح مسلم  والحاكم صاحب كتاب المستدرك والثعالبي صاحب كتاب يتيمة الدهر والبيهقي صاحب كتاب السنن والمبسوط وأبو سعيد محمد بن يحيى بن منصور النيسابوري، مؤلف كتاب الإنصاف في مسائل الخلاف بين الكوفيين والبصريين  والباخرزي واسد بن الفرات فاتح صقليه وغيرهم العشرات ولكن اهم معالم هذه المدينة هي مزارات الشعراء التي تقع في  نيشابور القديمة  لان المدينة مقسمة الى قسمين منها القديمة والحديثة   امثال عمر الخيام وفريد الدين العطار صاحب كتاب منطق الطير او عطارنامه ومحمد غفاري المعروف بكمال الملك الرسام المعروف في زمن ناصر الدين القاجاري. وهنا رجعت اربعين عاما من عمري الى الوراء فذكرت استاذنا المرحوم احمد ناجي القيسي  رحمه الله  محقق كتاب العطار الانف الذكر..
محطتي  الاولى هي زيارة قبر فريد الدين وعليه  قبة جميلة زرقاء  وبعدما اكملت مراسيم  الزيارة شاهدت لوحة كبيرة من الحجر بمحاذاة القبر مستندة على الارض ارتفاعها اكثر من مترين منقوشة عليها بعضا من حياة الشاعر واشعاره باللغة الفارسية وعلى مقربة من مزار العطار هناك قبة تعود للرسام كمال الملك وعلى مقربة من  المزارات شاهدت هناك حفريات والعمل فيها على قدم وساق وعندما سالت عنها اجابوني بانها تعود لنيشابور القديمة
اما قبر الخيام فيبعد عن المزارين اقل من ربع ساعه مشيا وعلى القبر قبة عالية مخروطية الشكل ومزينة باشكال هندسية جميلة ارتفاعها اكثر من خمسة امتار مستندة على ستة اعمدة  مفتوحة من كل الجوانب ومزينة برباعيات الشاعر وفي وسط القبة ترى قبر الشاعر على شكل مضلع بخمسة أركان وفوقه شاهد القبر وهناك التقطت بعض الصور التذكارية وعلى مسافة قليلة من المزار هناك متحف يضم مؤلفاته في الفلك والرياضيات ورباعياته الخالدة وفي  جانب من المتحف ترى  تمثاله مع تمثال الشاعر الانكليزي فيتز جيرالد, الذي له الفضل في شهرة الخيام حيث انه ترجم لأول مرة قصائده  إلى اللغة الانكليزية في عام 1859 م  اذ اعتبر بعض النقاد أن ادوارد فيتز جيرالد (1809 ــ 1883) من أهم الشعراء الانجليز في القرن التاسع عشر, ليس لانه كتب شعراً, وانما لانه ترجم رباعيات الخيام بلغة شعرية عالية, توازي اللغة الشعرية الفخمة في الشعر الكلاسيكي الانجليزي في العصر الفيكتوري وما قبله  وهناك تعرفت بمديرة المتحف وقد تحدثت معي باللغة التركية وقالت هنا تحت سقف  مدينة نيسابور تعيش اربع قوميات هي الفارسية والتركية والكردية والنصارى وبعضا من الزرادشتية المسمى بالزردوش وعندما حفرنا هذه المناطق عثرنا على الواح وخزف تعود لزمن الساسانيين وان الشاعر عمر الخيام لم يكن شاعرا فحسب وانما كان  انسانا بمعنى الكلمة ورغم كونه تركيا إلا انه لم يكتب بلغته الام بل ألف مصنفاته باللغتين الفارسية والعربية وكان عالما في  الرياضيات والفلك والتاريخ  وهو أوّل من اخترع طريقة حساب المثلثات ومعادلات جبرية من الدرجة الثالثة بواسطة قطع المخروط واشتغل في تحديد التقويم السنوي للسلطان ملكشاه، والذي صار فيما بعد التقويم الفارسي المتبع إلى يومنا هذا . ،  وقد وضع الخيام تقويما سنوياً في بالغ الدقة وتولى مرصد أصفهان. ثم اردف قائلا
 أن المتتبع لحياة الخيام يرى أنه كان عالما جليلا وذا أخلاق ودين ولم يكن ملحدا وانما كان مؤمنا لربه ولذلك  ان بعض المؤرخين يؤكدون بأن  بعض الرباعيات نسبت  له خطأ وقد أثبت ذلك المستشرق الروسي زوكوفسكي من هنا نرى أن رباعيات الخيام تتراوح بين الإيمان والإلحاد وبين الدعوة للمجون والدعوة للهو وبين طلب العفو من الله وإعلان التوبة، لذا اختلف العلماء في تصنيف عمر الخيام والأرجح أنه لم يخرج عن المألوف إنما هي صرخة في وجه الظلم والأمور الدخيلة على الدين الإسلامي في عصره. و لم يفكر معاصروه في جمع  رباعياته فأوّل ما ظهرت كانت في  1859م أي بعد رحيله بثلاثة قرون ونصف، وأوّل ترجمة للرباعيات كانت للغة الإنجليزية  ثم اضفت وقلت أما الترجمة العربية  فقام بها الشاعر المصري أحمد رامي، والعراقي  أحمد الصافي النجفي وان الاخير كان يجيد الفارسية فجاء من لبنان محل سكناه الى  شيراز مدينة الشاعرين سعدي وحافظ لكي يحمل روح الشاعرين ويذوب فيهما ثم ان الشاعرالعراقي الكبير عبدالوهاب البياتي كتب قصيدة بعنوان فلاح من نيسابور واختارصديقنا الاستاذ حميد المختار لاحدى رواياته اسما بعنوان صحراء نيسابور ففرح من كان هناك من اهل نيسابور على هذا التوضيح وبعد انتهاء مدة الزيارة اودعوني واوصلوني بسيارتهم الى كراج المدينة فرجعت الى مدينة مشهد ثانية وفي الطريق اوقفت شرطة المرور سائق السيارة التي كنت فيها  وغرمته لخروجه عن المألوف في سرعة قيادة السيارة فعرفت بان الطريق مراقب بواسطة الة التصوير.
 عمر الخيام: هو غياث الدين أبو الفتوح عمر بن إبراهيم الخيام   ولد في مدينة نيسابور عام 1048، وتوفي فيها في 1123م ولقب بالخيّام لان والده كان يعمل في صنع الخيام،  اشتهر في الرياضيات والفلك والتاريخ وكان في صباه يدرس مع صديقين له  فتعاهد ثلاثتهم على أن يساعد الاخرين  كل من ابتسمت له الحياة وجاءه الحظ وهذا ما كان فلما أصبح صديقه نظام الملك  وزيراً للسلطان "ألب أرسلان"، ثم لحفيده "ملكشاه"، خصص له راتباً سنوياً مائتين وألف مثقال يتقاضاها  من خزينة نيسابور من بيت المال كل عام فضمن له العيش في رفاهية مما ساعده على التفرغ للبحث والدراسة. وقد عاش معظم حياته في نيسابور وسمرقند. وكان يتنقل بين مراكز العلم الكبرى مثل بخاري وبلخ وأصفهان رغبة منه في التزود من العلم وتبادل الأفكار مع العلماءوهكذا صار للخيام  الوقت الكافي للتفكير بأمور وأسرار الحياة  وكان شاعرا للمرشد حسن الصباح أحد قادة الطائفة الإسماعيلية النزارية.
وللخيام عدة مؤلفات في الرياضيات والفلسفة والشعر أكثرها باللغة الفارسية أما كتبه باللغة العربية فهي
1.شرح ما أشكل من مصادرات كتاب إقليدس.
2."الاحتيال لمعرفة مقداري الذهب والفضة في جسم مركب منهما"، وفيه طريقة قياس الكثافة النوعية.
3.رسالة في الموسيقى .
فريد الدين العطار: شاعر فارسي متصوف  عاش في القرن الثاني عشر الميلادي. ولد في مدينة نيسابور وأمضي به ثلاثة عشر عاماً من طفولته ملتزما فيها ضريح الإمام الرضا  عليه السلام ثم أكثر بعد ذلك من الترحال فزار الري والكوفة ومصر ودمشق ومكة ومدينة و الهند وتركستان ثم عاد فاستقر في كد كن قريته الأصلية  واشتغل تسعاً وثلاثين سنة من حياته في جمع أشعار الصوفية وأقوالهم ومن أشهر أعماله كتاب (منطق الطير)
  وهو معروف بلقب  عطار نيشابوري وكلمة عطار معناها بائع الآدويه الشعبية والتوابل والعطور لأنه كان يشرف على دكان لبيع الأدويةحيث كان يزوره المرضي فيعرضون عليه أنفسهم، فيصف لهم الدواء ويقوم بنفسه علي تركيبه وتحضيره. ولقد تحدث عن نفسه في كتابيه مصيبة نامه والهي نامه فذكر بأنه ألفهما في صيدليته  المسمى بالفارسية داروخانه التي كان يتردد عليها في ذلك الوقت خمسمائة من المرضي، كان يقوم على فحصهم وجس نبضهم.  
 وأنه تعلم الطب علي يدي الشيخ مجد الدين البغدادي وهو أحد تلاميذ الشيخ نجم الدين كبرى . والشيخ نجم الدين مدفون في مدينة كهنه اوركنج في تركمانستان  في جامع المسمى باسمه واني شخصيا صليت في الجامع المذكور وقرأت سورة الفاتحة ترحما على روح الشيخ نجم الدين كبرى
   من كتبه المتأخرة كتاب اسمه مظهر العجائب وهو عبارة عن منظومة في مدح  الإمام علي بن أبي طالب  عليه السلام روي  أنه رأي النبي في رؤياه وأنه (ص)  باركه على تأليف هذا الكتاب   وعند ما  نشر العطار هذه المنظومة  سبّب له إزعاجا وتعصبا لدى أحد الفقهاء الناصبين من أهل سمرقند فإنّه أمر بإحراق نسختها واتهم صاحبها بالإلحاد  ثم أمعن في الكيد له فاتهمه بالكفر لدى براق التركماني وحرض العامة علي هدم منزله والإغارة على أمتعتها اضطر العطار بعد ذلك إلى الرحيل واللجوء إلى مكة حيث ألف هناك كتابه الأخير لسان الغيب

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

706 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع