ليلة موصلّية في ضيافة ليالي بغداد

                                          

ليلة موصلّية في ضيافة ليالي بغداد
بقلم : سالم إيليا

 

        

   

الموصلّيون لهم خصوصيتهم التي تميزهم عن غيرهم من المواطنين العراقيين، وعلى الرغمِ من وضوحِ إنتماءهم الوطني ورقيّه حيثُ يسمو بهم الى أعلى درجاتِ التضحية والإيثار في سبيلِ بلدهم وشعبهم، إلاّ إنهم ينفردونَ عنهم بلهجتهم المحلية وبطريقةِ معيشتهم وخصوصيتها الناشئة من تراكمات الحقب الزمنية المتوالية على بلدتهم الموصل وبيئتها، إذ تركت بصماتها الواضحة على تقاليدهم وتراثهم فأضحت ميّزة من ميّزاتهم التي يُعرّفونَ بها، ولهذا السبب نجدهم يفتقدون بيئتهم التي عاشوا فيها حين يُغادرونها ويحننون اليها على الرغمِ من إستمرارية تمسكهم وإحتفاظهم لأغلب عاداتهم وتقاليدهم في المجتمعِ الجديد الذي رحلوا اليهِ، بل ومحاولين نشرها بين أفرادهِ.
وحيثُ أنّ خصوصيتهم هذه تشمل جميع مفاصل الحياة الإجتماعية التي يحيونها إبتداءاً من أصنافِ الطعامِ الذي ينفردون بهِ وإنتهاءاً بمراسيم ( تقاليد ) الزواج وما يرافقه من أغاني ورقصات فولكلورية ، لِذا قررت نُخبة طيبة من الموصليين القاطنين في بغداد إحياء ليلة موصلية في رحاب ليالي بغداد يستذكرون فيها تراثهم وتقاليدهم وعارضين فنونهم على أهالي بغداد التوّاقين الى إستذكار ليالي زرياب وإسحق الموصلّي ومقامات والحان المُلا عثمان الموصلي والمتشوقين لمشاهدة من سار على خُطاهم في تكملة وتطوير تلك الفنون، حيثُ بدأ المعنيون من الموصليين بالتحضير لِما خططوا للقيام به وذلك قبل عدّة أشهر من الموعد الذي حُددَ لإقامة تلك الليلة  وبما عُرفَ عنهم من مثابرة وجد وتنظيم .
وكان من ضمنِ منهاج عملهم البحث عن الأشخاصِ المناسبين لتكملة فقرات تلك الليلة، إذ تمّ الإتصال ببعض المعنيين بالفعاليات الفنية من موسيقيين وفنانين وقارئي المقام والذين أثروا الساحة الموصلّية والساحة العراقية الفنية بنتاجاتهم الكبيرة (1) .
فبدأت الإجتماعات تتوالى في كيفية الخروج بهذا الحدث في أجمل وأزهى صُورِه، إذ لم يترك المُجتمعون أية جزئية للصدف وذلك بشمول تلك الليلة لجميع أنواع الفنون الفولكلورية ومنها الشعر الشعبي الموصلّي، حيثُ كُلِّفَ الأستاذ المرحوم عبدالرحمن الأغواني والذي كان أحد المشرفين والقائمين على إقامة تلك الليلة للإتصال بالإستاذ يقين إيليا الأسود ودعوته لتأليف شعر شعبي يتماشى مع الحدث ويعكس جانباً من تراث وفولكلور الموصل.

وبعد حضور الأستاذ يقين للإجتماعات التحضيرية تبلورت الفكرة لديه بمحصلتها النهائية في عرض الأكلات الموصلّية من خلال شعره الشعبي الذي قدّمه في تلك الليلة والتي إحتضنها نادي المنصور الإجتماعي في بغداد في اليوم الثالث من شباط عام 1972م، حيثُ إبتدأ شعره مخاطباً المدعويين :
آنساتي سيداتي سادتي ـ ـ ـ ـ ـ أوصف لحضرتكم أكلتي
كبّي وبرمة وسمبوسك ـ ـ ـ ـ ـ وعغوق تنّوغ بذوقك
وخبز لغقاق محلانو ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ علسفغا ما ننسانو

   
دغيد أوصف الكبّي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ بلذ ّتة تصيغلك عجبي
محشيي بأفخر قيمة ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ نطلب من الله يديما
أمّا البرمة يا أخوان ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ تحمي المعدي والمصغان
ماكو أطيب من أكلا ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ خصوصاً بهذي الحفلة
والسمبوسك يا حاضغين ـ ـ ـ ـ لذيذ وكلّش دهين
أرجوكم تذوقونو ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ وتعطونا رايكم بينو
غيحة العغوق دوم تفيح ـ ـ ـ طيبي كلّش وأكلا يريح
دهيني وكثيغ هشّي ـ ـ ـ ـ ـ ـ مع اللبن والطرشي

  
ذوق طرشي طه المَلَكْ (2) ـ ـ لا تستعجل تصلك
يشهّيك بهار البيها ـ ـ ـ ـ ـ ـ ولأعز صديق إهديها
أقدم خبز لغقاق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ذوقونو بالله يا رفاق
مع كل أكلي يتقدم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ولياكلو ما يندم
لذيذ وكلّش غقيق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ويستيهلو كل صديق
إنتم غلاّي علينا ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ أبأكلاتنا شاركونا
وإذا لاحظتم تقصير ـ ـ ـ ـ ـ ـ نرجوكم لاتواخذونا

وقد تمّ تسجيل هذه الحفلة للتلفزيون العراقي حينذاك وقدمت المذيعة المعروفة السيدة شميم رسّام حلقة خاصة عرضت فيها بعض الفقرات من الحفلةِ .

       

(1) كان من بين الفنانين الذين تمّت دعوتهم الأستاذ جميل جرجيس وقارئ المقام المرحوم إسماعيل الفحّام ومن الموسيقيين عازف القانون عبدالأحد وولده عازف الإيقاع المعروف سامي عبدالأحد .
(2) تعتبر طرشي طه المَلَكْ من أجود أنواع الطرشي ليس في الموصل فحسب وهي (ماركة مسجلة) يفتخر الموصليون بها، حيثُ لا يزال أولاد المرحوم طه الملك يديرون محلّهم وفي نفس الموقع حسب ما قرأتُ وسمعتُ وهذا التوضيح لغير الموصليين .

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

971 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

تابعونا على الفيس بوك