زيد الحلي
سمعتُ طرقا خفيفاً على باب مكتبي ، ثم زاد الطرق وعلا الصوت .. فتحتُ الباب … وجدتُ امرأة تمسك يد طفلة ، ولاحظتُ كدمات على جانب عينيها ، واحمرارا بينا على صدغها ، اما الطفلة التي لم يتجاوز عمرها السبع سنوات ، فقد كانت منكسرة الوجدان ، وساعدها ملفوف بقطعة شاش طبي ، إذ يبدو إنها تعرضت لاعتداء بالضرب ..!
وقفت ، طارقة الباب ، بخجل ، ثم طلبت بعض المال .. وحين سألتها عن الذي تعرضت له .. بكت ثم ، روت ما لا يدخل العقل .. فماذا قالت ؟
(قبل يومين صحبت ابنتي الى احدى الساحات العامة ، ووقفت في جانب من تقاطعاتها ، طالبة العون من المارة ، ومن ركاب السيارات ، لسد الرمق ، وتوفير مبلغ ايجار الغرفة التي اسكنها مع ابنتي في احدى خانات بغداد ، بعد ان فقدتُ معيلنا رب أسرتنا الوحيد ، واصبحت اسيرة العوز والفاقة ، لاسيما انني يتيمة الابوين … ولم تمض دقائق على بدء وقوفي تحت اشارة المرور ، تقدم مني ثلاثة اشخاص (رجلان وامرأة) وطلبوا مني مغادرة الساحة فورا .. وحين رفضتُ ، حملوا ابنتي وساروا بها الى شارع خلف الساحة، وحين تبعتهم ، مستنجدة بالمارة ، لم يستجب لي احد .. وبعد وصولي لمكان ابنتي ، ركلوني بأرجلهم وضربوني بقسوة قائلين ان وقوفي للاستجداء في هذه الساحة مخالف لقانون الاستجداء في بغداد!! لأنهم (اصحابها .. وهي خاصة بهم ولا يسمحون لأحد بالوقوف فيها)… فوعدتهم بترك الساحة .. وقررت التجوال بحثا ، عن لقمة عيش لي ولأبنتي .. هذه هي حكايتي مع الكدمات والرضوض التي تشاهدها) … وبين مصدق ، ومكذب لرواية هذه المرأة ، اعطيتها من بركة الرحمن ما استطعت … وجال فكري في موضوعة الاستجداء التي عمت بغداد والمحافظات ، بشكل لافت … واصبح عدد المستجدين، يفوق عدد الموطنين العاديين ، بل ربما تجاوز عددهم ، عدد سكان احدى دول الخليج او اكثر!!
فهل من حل ؟
السؤال كبير في محتواه ، لكن الاجابة عليه ليست بالصعوبة التي نتصورها ، فبتعاون الاجهزة المختصة ، ودوائر الرعاية الاجتماعية يمكن الحد من هذه الظاهرة التي باتت تشكل معضلة اجتماعية خطرة جدا ، حيث تقع عيوننا في كل لحظة اثناء ذهابنا وإيابنا، في معظم شوارعنا خاصة عند إشارات المرور، وفي الأسواق، وفي أماكن التجمعات الترفيهية على مشاهد مقززة من مستجدين راحوا يستجدون بطرق مزعجة ، بل مخيفة احياناً ، لتدافعهم بين السيارات معرضين أنفسهم للهلاك من أجل الحصول على المال بكل السبل .. واللافت في الموضوع مرابطة هؤلاء على مدار الساعة، حتى بعد منتصف الليل، ولا ادري ماذا تفعل النساء والأطفال الصغار جدا عند الإشارات في الساعات المتأخرة من الليل، وفي اجواء باردة جدا كالتي نعيشها هذه الايام ..
صحيح ، ان ظاهرة التسول لا وطن لها فهي منتشرة في كل بلدان العالم الغنيّة والفقيرة منها ، غير انها اصبحت معضلة في بلدنا ، لأننا اخذنا نرى شبابا وصبية ونساء في اعمار مختلفة بملابس رثة، وممزقة، وفي اشكالهم عوق او (تصنع) العوق بطرق مبتكرة ، لذلك ينبغي السعي الى تجفيف منابع الاستجداء ، بمحاربة الفقر والبطالة، وتوفير فرص عمل للقادرين وإعادة تأهيل المتسولين بإعداد وتنفيذ برامج مناسبة لتعليمهم حرف يدوية مناسبة لقدراتهم، أو مساعداتهم لعمل مشاريع صغيرة مثل اقامة اكشاك بسيطة للخدمات العامة بأشراف وزارة العمل والشؤون الاجتماعية ..
ان ظاهرة الاستجداء، سلبية وخطرة، وتمثل مرضا عضالا اصاب جسد الوطن … لقد بتنا نحلم باختفاء هذه الظاهرة وهذا الوباء من مجتمعنا .. فهل يتحقق الحلم ؟
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
402 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع