د. سيّار الجميل
توقعنّا منذ وصول حيدر العبادي للسلطة ان لا ينفّك ابداً عن حزبه، الدعوة الاسلامية، وكان قد آمن بمبادئه الديماغوجية منذ اربعين سنة ولن يتخّلى عنه.
وهذه ليست مشكلتنا معه، بل المشكلة الحقيقيّة مع حزبه وحلفاء هذا الحزب، ذلك انّ تشبثهّم بالسلطة واستماتتهم للبقاء بها بعد ان وصلوا اليها بفضل الاميركان وبقائهم فيها بفضل ايران .. فالعبادي يحاول ان يقّدم ترقيعات في نظام الحكم الذي كرهه عموم الشعب العراقي.. ترقيعات باسم " الاصلاحات " وكأنه متفّضل على العراقيين كما ظهر في خطابه الاخير في مجلس النواب، مع كيل الوعود للشعب بان يحاسب الفاسدين ويقضي على الفساد وكأنّه يضحك على شعب ذكي جدا "مفتّح باللبن " على قولة البغداديين، وقد بدا انه يمارس لعبته المعتادة في السيرك امام جمهرة حاذقة من المشاهدين العراقيين !
ان منظومة هذا الحزب والمتحالفين معه، لا تقبل البتة التنازل عن الحكم بالرغم من كلّ ما اقترفه قياديوها من اخطاء وسرقات وجرائم باتت مفضوحة، وهي شلّة لا تقبل ان تعترف بالخراب الذي سببّته للعراق، وغير صادقة في حمل الامانة الوطنيّة .. ويبدو ان لا مبالاتها قد وصلت الى درجة لعينة من التردّي بحيث تجد السخط عليها في كلّ العراق، وهي تصرّ على البقاء في السلطة مهما كانت الاثمان غالية . وكم شعر ملايين العراقيين بالاحباط تجاه القرار الذي اتخذه السيد مقتدى الصدر بوقف حركة العصيان المدني ، اثر التظاهرات الاحتجاجيّة التي بدأت منذ اشهر ضدّ سوء الاوضاع، ما اعطى الانطباع بان السيد الصدر لا يبتغي التغيير الحقيقي لمن في سدّة الحكم ، بل هو مجرّد اختلاف بين اركان ما يسمّى بـ " التحالف الوطني " الذي تجتمع فيه احزاب تكتلات طائفية.. وعليه ، فقد شعر العراقيون بخيبة أمل كبيرة جرّاء انهاء الاعتصامات لحظة اعلان العبادي عن ترشيحاته، وكنت اراقب الموقف وكأنّ اتفاقا قد جرى بين الاثنين ، فما ان اكمل العبادي خطابه في قاعة البرلمان، حتى انطلق السيد الصدر بقراءة كلمته المكتوبة من خيمة اعتصامه في المنطقة الخضراء !
كم كانت محاولة حيدر العبادي مخيبّة للامال الوطنية التي حملها ملايين العراقيين وهم ينتظرون التغيير الجذري في النظام السياسي ، ولكن من البديهي ان لا يتمّ ايّ تغيير جذري في العراق من دون ثورة تطيح بكلّ الرؤوس التي لا تفيد معها لغة "عيني واغاتي". ان التغيير الحقيقي ليس مجرّد تبديل شلّة وزراء بشلّة اخرى ، فالوزراء يأتون ويذهبون وهم يدورون في اطار عجلة عربة مهترئة تجرّها التكتلات السياسيّة الطائفية الحاكمة .. بل ان المعضلة الحقيقيّة تكمن في طبيعة هذا " النظام السياسي " الذي قاد العراق الى التهلكة والخراب ومآسي الفساد . انه النظام الفاسد الذي صنعه بول بريمر قبل سنوات طوال، وقامت بادارته جوقة من السياسيين العراقيين الفاشلين والفاسدين والجهلة وقليلي الخبرة الذين شكّلوا اليوم طبقة سياسيّة تقف تحت مظلة كتل متحالفة من أجل المنافع ونهب المليارات ، واحزاب تمييز طائفي عمياء ، وكل الطبقة عملت في جلباب حزب الدعوة الذي اتسمّ بعدم القابلية على الحكم ، وممارسات قادته الذين قادوا البلاد الى هذا الانهيار المفجع ، وقد سحقوا العراقيين منذ 13 سنة على وجودهم البائس !
لا يهم أبداً إن كان حيدر العبادي يحمل الدكتوراه أم لا ؟ ولا يهمّ ان كان من التكنوقراط أم لا ؟ ولا يهمّ أبداً ماذا سيكون دوره في المستقبل المنظور ، فلقد ثبت للجميع عجزه السياسي واخفاقه القيادي وضعف شخصيته وجهله بالادارة العليا ، ناهيكم عن فقره السياسي وترددّه وخوفه من الآخرين. وبدا في خطابه البائس الاخير امام مجلس النواب وهو يقدّم المرشحين الجدد لوزارته كم هو مضطرب وعاجز ومتردد ويخشى من حزبه والآخرين، بل يخشى من كلّ الفاسدين الذين ابتلعوا ثروات العراق، وكأنّه قد فعل فعلته معهم - كما يشاع.
ويبدو ان الاختيارات لاسماء وزراء رشحهم العبادي كانت اعتباطية، ومن دون ان يسأل بعضهم عن قبولهم او رفضهم المناصب الوزارية بدليل عدم قبول الدكتور نزار محمد سليم ترشيحه لحقيبة وزارة النفط ورفضه العمل وزيرا في مثل هكذا حكومة ترقيعية، فالرجل يبدو انه يحترم نفسه وتأريخه.
واذا كانت البقية الباقية من الاسماء قد قبلت ترشيحها لهذه المناصب، فانني اعتقد بأنها سوف تحسب على هذا النظام، وانها غدت من حيث تدري او لا تدري تعيش في جلباب حزب الدعوة الذي يقود "التحالف الوطني".. وليعلم هؤلاء الاخوة، انهم سيكونوا مجرد أدوات تنفيذيّة او مجرّد بقايا خردة لسياسات سيئة وطائفيّة يرسمها كبار رؤوس النظام، ويمليها عليهم رئيسهم حيدر العبادي ! فلا تفرحوا بمثل هذه المناصب التي غدا أصحابها على عهد هذا النظام، مجرّد بيادق على رقعة شطرنج يحرّكها بلهاء، وتقودها شلّة من كبار الفاسدين في التاريخ .
ماذا ينفع هؤلاء ان جاءوا كوزراء ترقيع في حكومة عاجزة في ادائها ومكبّلة بارادات غير عراقية، ولا تهتم بهموم الشعب، بل ولا يضيرها ان توجّه اليها اللكمات وهي تبرّر للمسؤولين السابقين جرائمهم ومفاسدهم وفضائحهم وعلى رأسهم المالكي وشلتّه ؟ ما دوركم في حكومة يقف على رأسها رئيس وزراء ليس باستطاعته محاكمة الفاسدين والمجرمين الذين انفضحت صفقاتهم ومنهوباتهم ؟ ماذا ينفع هؤلاء ( التكنوقراط ) الا في تنفيذ سياسات لا يقومون برسمها، وهم في ظلّ اجندة ماكرة يطلقها نوّاب لهم تبعيتهم لقادتهم من زعماء الكتل؟ ماذا باستطاعة الوزراء فعله في دوائر ومؤسسّات ابتليت بالمخرّبين والمرتشين واكلي السحت الحرام ؟ كيف يعملون في غياب القوانين ووصولية القضاء وتغافله عن المجرمين؟ كيف باستطاعتهم رسم خارطة طريق جديد في ظلّ دستور عقيم وهيمنة طبقة سياسيّة رعناء؟ ماذا يصلحون ان كان ربّ الدار بالدفّ ناقرا، ولم يزل عضوا قياديا في حزب فاشل؟ ستجدونهم يرقصون على الحلبة رقصة الجوبي وهم متكاتفون كتفا بكتف! كيف ينفع هؤلاء السادة الوزراء، وهم يعملون في نظام حكم لا يعاقب المجرمين والفاسدين والقتلة، ولا يجتّث كلّ المسؤولين السابقين ، ولا يحاكم ولا يعاقب كلّ الذين تسببّوا في مسلسل الهزائم النكراء؟ كيف يشتغلون ومشكلة النظام سائدة بعدم مطاردة كلّ الذين سرقوا المال العام كي يرجعوه بأيّة وسيلة من الوسائل الى خزينة البلاد؟ ماذا تنفعكم مناصبكم التكنوقراطية الّا ان كنتم من السعاة اللاهثين للجاه والمال والسلطة المزيّفة ؟ انكم سوف تشكلّون جوقة فساد من نوع آخر ! سيضحك التاريخ عليكم وسيسجل لكم المستقبل خنوعكم وانتم تجلسون على مائدة واحدة مع فاشلين .. لا تهمّكم ابدا الهتافات والصيحات والتهاني والتبريكات التي تنهال عليكم من الاف العراقيين، فان الملايين من العراقيين يشعرون باحباط شامل واستياء عارم من الوضع وهم يكظمون غيضهم، وما هذه الخطوة الا مجرّد بوابة يتنّفس منها النظام السياسي الحاكم، وستكونون معه في قارب واحد ان قبلتم العمل معه، علما بأنّ بعضكم يعمل معه منذ سنوات خلت!
لا يغرّنكم وقف العصيان المدني على ابواب المنطقة الخضراء، فالمسألة قد توضّحت الآن جليّا بأنّ اتفاقا سياسيّا قد دبّر بليل بين الكبار على هذا "الحل" الخادع الذي ينفذّه وزراء يسعون للسلطة بأيّ ثمن، وهم مخدوعون أو لاهثون، وهو "حّل" سينقذ التحالف الوطني من المأزق الذي يعيشه. وكما قال السيد مقتدى لواحد من الساسة المستقلين العراقيين جوابا على سؤال له: "أبعدوا أنفسكم، فالمشكلة يمثلها خلاف في التحالف الوطني"، فإن صحّ هذا فكلّ "هوسة" الاعتصام لا دخل لها بمعضلة وطن ولا بتغيير جذري، ولا باسقاط نظام !
من يعتذر عن قبول هذه المناصب سيسجّل لنفسه مأثرة لا تقدّر بثمن أبداً، فلا تربطوا انفسكم، ايها التكنوقراط، بهذا النظام السياسي الفاشل الذي لا يمكنكم العمل على صلاح شأن العراق بوجوده مع هكذا طبقة سياسيّة حاكمة تتصدر مشهد السلطة العليا وكل التابعين لها يملؤون قاعة البرلمان . الايام القادمة ستحدد من هو على خطأ ومن يكون على صواب
381 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع