تظاهرات ... ام عصيان .. ؟؟؟

                                  

                                           حسن حاتم المذكور

التظاهر : فعاليات جماهيرية سلمية واضحة الأهداف والمطاليب والنوايا , ضمنها الدستور واجازتها القوانيين , ملخص شعارات ولافتات وهتافات ومطاليب مدونة , تطالب بها الحكومة التي انتخبتها ومنحتها ثقتها ان تستجيب لها , وعلى الحكومة ان تحاور من يمثل المتظاهرين وتتفق معها على تنفيذ المشروع منها بدأً من الممكن والملح ,

اما العصيان فشي مختلف تماماً , مواجهات في اغلب مظاهرها عنفية , واكثر الأحيان عدوانية مسلحة ذات مطاليب تعجيزية تمثل خلفيات غير صريحة , تقف خلفها اجندات مشبوهة لقوى اقليمية ودولية ومحلية , تستهدف اضعاف الدولة وارباك المجتمع ثم اسقاط الحكومة وتمرير مشاريع تصفية جميع المكتسبات والأنجازات التي حققها العراقيون رغم تواضعها , تمهيداً لعودة النظام الدموي الشمولي للأقلية الطائفية ــ البعثية ــ  .

ما يحدث الآن في الأنبار ونينوى وتكريت وكركوك وديالى وبعض البؤر المعروفة  في بغداد , والمدعوم بقوة من قبل طائفيي تركيا والسعودية وقطر وحكومة الأقليم ــ مع الأسف ـــ وما رافقه من شعارات وهتافات كريهة ومطاليب متشنجة , تشكل استفزازاً وتجاوزاً على الدستور واستخفافاً فاضحاً للرأي العام العراقي , واذا ما وضعنا مطاليب العفو العام ـــ الشامل ــ والغاء المادة ( 4 ) ارهاب من الدستور , ودعوة اعادة ضباط الجيش العراقي السابق وتعويض وتكريم ( والأعتذار طبعاً ) لجميع مجرمي البعث عبر الغاء قانون المسائلة والعدالة ـــ المعطل اصلاً ـــ الى جانب الشعارات والهتافات بأسقاط الحكومة والتهديد بتقسيم العراق طائفياً وقومياً , الى جانب المشاركة المكثفة لتكفيريي القاعدة والجيش الحر وقوات النصرة وفلول البعث , لو وضعنا كل هذا والكثير غيره تحت مجهر التجارب والحاصل على الآرض منذ تسعة اعوام , لأدركنا ان الذي يحصل هناك , ما هو الا تهيئة لمرحلة ما بعد سقوط النظام السوري وبعده الأردني , ثم اعلان ربيع الأنبار بعدها دولة الأقليم الشمالي الغربي ثم الزحف الطائفي على بغداد ثم الوسط والجنوب عبر مجازر لم يسبق حتى للبعث المجرم ان ارتكب مثلها .

ان رقصة بعض الأطراف المحلية على حبال الصقور الأقليمية والدولية التي افتعلت ودعمت العصيان الراهن, ما هي الا عملية انتحار طائفي قومي مؤجل, لعبة سيكون السقوط فيها موجعاً, ولن يجد هذه المرة من يتألم من اجلها , لأنها جزءً من لعبة الأخطار والكوارث التي تهدد سلامة الوطن ومصير السعب .

اللاعبون على حبال الأزمة كثر , وقحي المواقف , لا يدركون , متى ينبغي ان يرفعوا او يخفظوا ذيولهم , , متى يفرشون بساط الطاولة المستديرة ومتى يرفعونه , كيف يحرفوا موقف المرجعية الدينية ليعيدوا فصاله على مقاس نواياهم الخلفية , انهم الأكثر اثارة للقلق والريبة داخل الشارع العراقي .

خلط الأوراق, بين ما هو مطاليب جماهيرية مشروعة وبين ما هو عصيان مأجور اقليمياً ودولياً , مهمة اعلامية في المقام الأول , نستطيع القول بصوت عال , ان اعلام الردة قد حقق تفوقاً واضحاً , استطاع ان يخترق جدار الرأي العام العراقي ويدق ابواب المراجع الدينية , وينتزع منها تصريحات ودعوات وتوجيهات مقلقة , حمالة لكثير من التأويلات والتوظيفات والمنعطفات , شكلت في جميع الأحوال ’ انتكاسة نفسية ومعنوية وحالة احباط وخيبة امل وارباك داخل الشارع العراقي ومنه في الجنوب والوسط , المستهدف المباشر من تمدد عصيان الردة , هنا على الدولة والمجتمع , ان يكونا على قدر المسؤولية في تشخيص الأخطار والكوارث المحتملة لو نجح العصيان في التمدد ابعد من معاقله وتجاوز حدود محمياته , ويضعوا ثقل نشاطهم الأعلامي على نقل الحقيقة الى الرأي العام , وعدم المجاملة على حساب وعي الناس , انها مواجهة بين حق العراقيين وباطل عصيان الردة , لا يمكن حسمها عبر توجيهات وتعليمات ونصائح الوقت الضائع .

العصيان حقق انجازات ومكاسب كثيرة على طريق اهدافه النهائية , والتي تتلخص في , اما استعادة العراق كاملاً ــ سلطة وثروات وانتماء طائفي , واما اعلان كونفدرالية الأنبار كمرحلة للأنفصال عن العراق وانضامها الى دولة الربيع الأسلامي الذي تقوده الآن تركيا والسعودية وقطر وبعض المتواطيين محلياً ,  بعد اخضاع سوريا والأردن , انه مشروع دولي كريه , يبدأ بأسلمة المنطقة وتدميرها ثم اعادة تقاسمها في ( بلفور ) جديد .

قانون المسائلة والعدالة , فرغ من مضمونه واصبح ورقة للمزايدات , قانون مكافحة الأرهاب , نكتـة رثـة , فأغلب الأرهابيين , بعثيين وقاعديين تم اطلاق سراحهم اوتهريبهم بأعداد كبيرة , مادة ( 4 ) ارهاب الدستورية , وكأي مادة اخرى في دستور معوق مشوه فصل طائفياً وقومياً , بيئة لتفريخ الأزمات والفوضى , لأعادة استلاب الحاضر والمستقبل العراقي , لقد اخضعت انتفاضة الدولار الحكومة لأرادتها وحققت على حساب الوطن والناس مكاسباً كثيرة , كلجنة النظر بمطاليب المتظاهرين !!! ولجنة وزارية دائمة الأجتاع لتلبي وتنفذ مطاليب المعتصمين, ورفع الحجوزات عن عقارات البعثيين , والتي كان اغلبها سلب من مهجري ومهاجري الشريحة الفيلية والعراقيين الهاربين من موت النظام البعثي , الى جانب التوجه الى اعلان العفو العام عن جميع القتلة واطلاق المعاملات التقاعدية لكافة المشمولين بقانون المسائلة والعدالة , ثم وبفترة اسابيع تم معالجة اكثر من ( 20 ) الف معاملة لأشخاص متهمين بمختلف الجرائم , كل هذا والعصيان لا زال متواصلاً وبمطاليب غير محدودة مدعوماً من جهات اقليمية ودولية , ان الأمر يذكرنا بتجربة ضياع ثورة 14 / تموز 58 الوطنية  .

التطورات والمتغيرات في مظهرها الراهن , لا تتجه لصالح العراق , فالدولة تم انهاكها , والحكومة اضعف نقطة فيه , حكومة الأقليم اقوى منه وتتحكم في مصيره ,وعصيان الردة في المناطق الشمالية الغربية يبتزه , والتيار الصدري خنجراً اقليمياً في خاصرته والقيادات الخيرة لا زالت معلقة مرتبكة الموقف بين الوطن والمذهب .

اننا على ثقة , لو ان ما يحدث الآن في الأنبار ونينوى وتكريت , حدث اقل منه في البصرة والعمارة والناصرية , حتى ولو كان من اجل مطاليب خدمية متواضعة مشروعة , لما حصلوا على 1 % من الأستجابة والمكاسب والمساومات المذلة التي حصل عليها عصيان الردة , ولما استنفرت الحكومة وذهبت اليهم الوفود وحققت لهم المتواضع من الحقوق في الكهرباء والماء الصالح وفرص العمل واصلاح ما خربه حزب البعث في مدنهم وبيئتهم ونفوسهم , ولما فتحت الأبواب امام الملايين من مهجريهم ومهاجريهم ومشرديهم , واوقفت حملة الأجتثاث الوحشية التي تتعرض لها المكونات الحضارية الأصيلة, وقدمت لهم مثل تلك الحقوق المشروعة مثلما قدمت على طبق من ذهب التنازلات والمساومات والتراجعات المهينة التي حصل عليها عصيان الردة , حتى ولا انكسر خاطر المرجعيات الموقرة امام حجم المعاناة وبشاعات الموت اليومي التي يتعرض لها بأنتظام ووحشية بنات وابناء الجنوب والوسط , فقدرهم كما هو دائماً , الجهل والفقر والأوبئة والتخلف , لتبقى تلك البيئة المعطاة , حقل بائس يتطفل على عافيته الظلام والخرافة والشعوذات لقتل العقل وتصفية نوبات الوعي ووأد النفس الأخير من بقايا حضارات تحاول التنفس مرة اخرى برئة الجنوب العراقي ووسطه .  

عراقيو الجنوب والوسط , اذا ارادوا الخروج عن حالة البؤس المزمن لأوضاعهم , عليهم ان يحرروا عقلهم ويستعيدوا وعيهم ويمتلكوا كامل ارادتهم , واعتماد الأنتماء الوطني والهوية العراقية المشتركة مع الأخر اساساً للتعايش معه ويتجنبوا ردود الأفعال الطائفية , ويرفضوا بقوة ان يستمروا مشروعاً للتدجين الطائفي , حينها يكون الأصلاح السلمي عبر الممارسات الديمقراطية ممكناً , وكلنا امل , على انهم اتقنوا الدرس واصبحوا مؤهلين لأحداث طفرة نوعية الى الأمام عبر صناديق الأقتراع لأنتخابات 2014  ـــ امين ـــ

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

815 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع