تحديث مجلس التعاون الخليجي

                                      

                     د. علي محمد فخرو

تحديث مجلس التعاون الخليجي

أما وأن مجلس القمة لدول مجلس التعاون الخليجي قد انعقد في الكويت، فان من الضروري أن يدرك القادة المجتمعون بأن مناسبة هذا الاجتماع، تحت الظروف المعقدة الخطرة التي نعيشها، كانت مناسبة متميزة إلى أبعد الحدود عن كل المناسبات السابقة.

وإذا كانت مؤسسات المجتمعات المدنية في كل تلك الدول لم تفصح بما فيه الكفاية عن النتائج التي تنتظر أن يسفر عنها هذا الاجتماع التاريخي، فلان هشاشة مؤسسات تلك المجتمعات المدنية وضعف صوتها في الحياة العامة هما السبب لوجود ذلك الضعف في الإفصاح. لكن تاريخ مسارات حياة تلك المجتمعات قد عبر بأشكال كثيرة عما تموج به تلك المجتمعات من مشاعر وآمال وثوابت، بحيث سيحتاج القادة إلى أخذها بعين الاعتبار أثناء مداولاتهم وساعة اتخاذ قراراتهم في الحاضر والمستقبل.
فأولاً، إن الغالبية الساحقة من مواطني دول المجلس لن تقبل، تحت أي ذريعة كانت، بتفكيك مجلس التعاون أو إضعافه أو حرفه عن أهدافه التي سطرها النظام الأساس عند قيام المجلس. العكس هو الصحيح، فالمواطنون ينتظرون أن تُجرى حوارات صريحة وموضوعية وناقدة لكل الأخطاء والخطايا التي ارتكبت في الماضي، أيا تكون الجهات وأيا يكون المسؤولون، والاتفاق على تصحيح كل ذلك. والحوارات الأهم هي المستقبلية التي ستجنب المجلس حدوث خضات وخلافات عميقة تدخل المجلس في دوامة الصراعات والإعلام المبتذل بين الدول من جهة، وتشوه العلاقات والمشاعر القومية فيما بين شعوب المجلس من جهة أخرى.
ويستطيع القادة، لتجنب أي حرج يخافونه، تكوين مجموعة من المؤرخين والمفكرين والفاعلين السياسيين، بالتنسيق مع أمانة المجلس، لإجراء مراجعة تحليلية نقدية تركيبية لمسيرة المجلس منذ إنشائه، ولتقديم توصيات لتجنب الأخطاء، ولوضع أسس ومحددات تحكم العلاقات في داخل المجلس.
وبصراحة، فلن يغفر المواطنون لمن يضع أي عراقيل أمام وضع المجلس مستقبلا في المسارات التنموية والسياسية والالتزامات القومية العربية الجامعة الصحيحة. إذ تكفي الأخطاء التي ارتكبت في الماضي بحق النهوض الحضاري والتنمية الإنسانية الشاملة المطلوبين، والتزامات دول المجلس القومية تجاه أمتها العربية، وعدم ارتهان أي من دوله لقوى الخارج الاستعمارية والصهيونية والإقليمية الطامعة، أو ارتباطها بأي شكل كان بقوى الجنون الجهادي الإسلامي الإرهابي، نكاية بهذه الجماعة أو بذاك النظام.
وثانيا، إذا كان المسؤولون في دول المجلس يريدون حقا تحديث وعصرنة الحياة في دولهم، كما تشير إليه الاستراتيجيات والتصريحات، فان الحداثة الفاعلة المنسجمة مع متطلبات حضارة العصر تتطلب كأولوية قصوى بناء توازن صحيح مستقر فيما بين سلطة الدولة ومجتمعها. فالسلطة هي توازن ندّي فيما بين القوى السياسية والاجتماعية في المجتمعات من أجل قيام ذلك التوازن لابد من وجود مجال سياسي نشط مستقل حديث، والانتقال لإلباس الشرعية بالديموقراطية، والتزام الدولة بمسؤولياتها الاجتماعية تجاه كل مواطنيها وعلى الأخص فقرائها وذوي الحاجة فيها، والقبول الدستوري والقانوني بتمثيل المجتمع الاجتماعي والسياسي لدى الدولة من أجل أن يكون المجتمع متوازنا مع سلطة الدولة وقدراتها الهائلة. مناسبة ضرورة الدعوة لمثل ذلك التفكير السياسي بالنسبة للدولة والمجتمع هي انتقال دول مجلس التعاون في الآونة الأخيرة من دول معنية في الأساس بأمورها الداخلية والتركيز على بناء نفسها المادي والاقتصادي.. انتقالها إلى رغبات ومحاولات، بما تحمله من مخاطر والتزامات اقتصادية وعسكرية هائلة، للعب أدوار ثقيلة معقدة في المجالات العربية والدولية.
إن تلك الرغبات والمحاولات للعب أدوار جديدة ستعني في النهاية تحميل المجتمعات والشعوب عبء نجاحاتها، ولكن ايضا أعباء فشلها وانتكاساتها. من هنا فان علاقات العصبية والأبوية التي قامت عليها دول مجلس التعاون منذ عقود، أي بعد حصولها على استقلالها من سيطرة القوى الاستعمارية، ما عادت كافية لبناء دول حديثة. هنا يجب التذكير بأن الدول والمجتمعات ليست اقتصادا فقط، بل إنها تاريخ وهويات، وثقافة، وعلاقات اجتماعية، وطموحات مستقبلية، وتقاسم للخيرات، وتعاضد في الملمَات. وضع معقد كهذا يحتاج إلى أكثر من راع ورعية، من والد وأبناء، من ولاء لهذا العصبية أو تلك ومن شرعيات تاريخية لا تتطور مع الزمن ومع روح العصر الذي تعيشه. فالشرعية التاريخية ستحتاج إلى روافد وروافع مجتمعية، سياسية ونقابية ومهنية وثقافية، لكي تبعد نفسها عن الابتزازات الدولية العولمية أو الانبهارات المضللة المشوشة بهذه الشخصية السياسية الدولية أو تلك.
إن المواطنين يرغبون، وبصدق وبمحبة وباشفاق، الخروج من أحوال الجحيم الذي عاشته مجتمعاتهم في السنين الأخيرة. إنهم يريدون وحدة دول مجلسهم لمواجهة العواصف. إنهم يريدون أن يلعب مجلسهم دورا قوميا عروبيا متساميا في نهضة أمتهم العربية وفي حماية وطنهم العربي الكبير. لكن ذلك يحتاج إلى مراجعة حقيقية للأسس الحديثة التي يجب أن تقوم عليها العلاقة المتوازنة ما بين سلطة الدولة وسلطة المجتمع. لعل الآلام والدموع والدماء العربية التي لطخت جبين أمتنا العربية في الآونة الأخيرة تدفع جميع أقطار الوطن العربي لبناء تلك العلاقة المتوازنة التي تحدثنا عنها.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1142 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع