ا.د. ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث –جامعة الموصل
قرى إبتلعتها مدينة الموصل
قد يتحدث كثيرون عن ان مدينة الموصل وهي مدينة متمدنة متحضرة واجهت نزوحا من الريف عبر تاريخها القديم والوسيط والحديث وهذا صحيح وطبيعي في أكثر مدن العالم لكنهم لايعرفون ان مدينة الموصل هذه المدينة المتحضرة المتمدنة ابتلعت الكثير من القرى التي كانت تسكنها العشائر المختلفة واقامت عليها مبانيها واسواقها وشقت بينها طرقها وشوارعها .كيف حصل هذا ولماذا لم يتحدث عن ذلك المؤرخون كثيرا واقول نعم تحدث عن ذلك المؤرخون ومنهم العمريان محمد امين في (منهل الاولياء ) وياسين في (منية الادباء ) .
كما وقف عند هذه الظاهرة صديقان باحثان كريمان هما الاستاذ عبد الله محمد خضر النجماوي والاستاذ محمود حسن ال طليان النعيمي الاول في كتابه عن (الموصل في القرن العشرين ) والثاني في كتابه (تاريخ الموصل في قرن 1900-2003 ) والذي تشرفت بكتابة تقديم له .
نعم نحن جيل مابعد الحرب العالمية الثانية ادركنا قرى كثيرة كانت تحيط بالموصل سواء في جانبها الايمن او الايسر ولازلت اذكر ان معلم اللغة العربية في مدرستي ابي تمام الابتدائية الاستاذ محمد اساعيل ، وكانت تقع في محلة عبدو خوب في الجانب الايمن من الموصل كان في الخمسينات يصطحبنا الى قرية الاربجية وهي اقدم قرية زراعية في العالم قرية اكتشف فيها الانسان الموصلي الزراعة لاول مرة في التاريخ وكنا نشعر بأن المسافة بعيدة بين محلتي عبدو خوب والاربجية مع ان الاربجية اليوم تقع ملاصقة لحي القادسية الثانية .
وكذلك لازلت اذكر قرية الجيلة مقابل مستشفى السكر حاليا كان الناس يخرجون اليها في الربيع حيث تكتسي ارضها وارض الموصل باللون الاخضر ولاانسى انني اسهمت في بناء عدد كبير من الدور التي خصصت لموظفي جامعة الموصل فيمابعد في الجيلة ضمن ما كان يعرف في السبعينات العمل الشعبي .
اذا مدينة الموصل بجانبيها ابتلعت قرى كثيرة ونذكر من هذه القرى في الجانب الايمن مشيرفه والكنيسة وكنبص والبو سالم وتل الرمان والاغوانية والخربة وحاوي الواسطة والدواسة والغزلاني .
وفي الجانب الايسر من مدينة الموصل قرى يارمجة والشمسيات وقز فخرة وجيلو خان وقوجاق والكركوكلي والسادة والدملماجة والاربجية واوغلان تبة والحشمية والحديديون والبو عامر ونجموك وتل يابس وبلبل تبة وهي نفسها الجيلة والسادة وبعويزة وبعويرة والقاضية وقره كوز وشاهين اغا والرحمانية والدركزلية والنبي يونس وبيسان والرشيدية والشريخان والكبة ودرنه جوخ والجمالية والشيخ محمد والقوسيات .
مجسر اليرموك ويقع ضمن قرية وادي العين الشمالية
نعم كل هذه القرى وغيرها ابتلعتها مدينة الموصل واقامت عليها احياءها الحديثة فعلى سبيل المثال منطقة الدواسة اقيمت على انقاض قرية تحمل نفس الاسم (الدواسة) وقد ازيلت القرية ولم يبق الا اسمها . أما قرية الغزلاني ، فقد ذكرها المؤرخ ياسين العمري في كتابه (غرائب الاثر ) وقال انه عندما تعرض عرب الاشمطا في محلة النبي شيت سنة 1179 هجرية -1766 ميلادية الى الوباء حتى افناهم ، رحل من بقي الى قرية الغزلاني خارج سور الموصل .
قرية شاهين اغا وكانت قرية صغيرة في الجنوب الغربي من تل قوينجق هي الان تقع في الحي الزراعي وقد ادركنا هذه القرية التي تعود الى المرحوم شاهين اغا بن عبد الرحيم اغا العباسي وكانت محاطة بأشجار العوسج والطرفة والغرب .وهناك قرية الرحمانية التي تعود اراضيها الى ال عبد الرحيم اغا والى ال عبو اليسي وكانت تقع على ضفاف نهر الخوصر وهي اليوم المنطقة المقابلة لحي الثقافة .
والدركزلية وهي قرية كان مركزها في نفس مكان مديرية الدفاع المدني في ايسر الموصل ولاتزال تحمل الاسم نفسه ..ولاننسى قرية النبي يونس التي باتت اليوم محاطة بالاحياء السكنية وكان اهلها مثل اهالي كل القرى التي ذكرناها يعملون بالزراعة وتربية الحيوانات والرعي .
دورة العبيدي في حي الزهور كانت بالاصل قرية الحشمية
اتوقف قليلا عند قرية الحشمية وهي مدينة الزهور الحالية وحي المصارف وحي البريد الحاليين وكان مالكها المرحوم السيد عبد القادر العبيدي المحامي الذي قام في سنة 1957 بتخطيط الاراضي وتقسيمها الى قطع سكنية بدأ يبيعها بالاقساط للناس وكان يشجعهم على بناء دور سكنية حديثة هي الان مدينة الزهور وقد ابتدأ بنفسه فبنى له دارا عامرة لاتزال قائمة .
وكان مركز قرية الحشمية يقع قرب جامع الشيخ محمد ياسين عبد الله السنجاري الحالي وكان اهل القرية يعملون في الزراعة والرعي وتربية الاغنم وقد رحل اهل القرية منها بعد تقسيم اراضيها الى قطع سكنية .
عمارة عزيز فتحي في الزهور كانت قرية الحشمية
ومدينة الزهور تبعد عن النبي يونس بمسافة خمسة كيلومترات وظلت هذه المسافة خالية من العمران لفترة زمنية الى ان قامت جمعية بناء المساكن للموظفين في سنة 1962 برئاسة صبحي علي بتوزيع الاراضي ونشأ حي المثني الذي اقتصر اول الامر على المعلمين والمدرسين .كما وزعت جمعية بناء المساكن للمعلمين الاراضي على منتسبيها في الستينات والسبعينات ونشأت احياء اليرموك والوحدة والبكر وهكذا فعلت جمعيات الصحة وكبريت المشراق ومنتسبي الماء والكهرباء والبلدية فظهرت احياء اليرموك والصحة وحي الماء والكهرباء وحي البلديات وحي الحكمة المجاور لحي النور وفي الثمانينات من القرن الماضي انحصر توزيع الاراضي بالبلدية فقط فوزعت البلدية الاراضي على الموظفين المدنيين والعسكريين والشهداء والمفقودين فإكتملت الفراغات التي تتخل بين الاحياء وظهرت احياء النور والمشراق والقادسية والمحاربين والبريد والمصارف والقاهرة والسلام واىنتصار والسبعاوي والرفاق والكفاءات الثانية والكفاءات الثالثة وحي القدس والبناء الجاهز والسويس والحي الزراعي .
حي النور في الموصل اقيم على انقاض قرية الاربجية
وفي شمال حي المصارف بأيسر الموصل كانت هناك قرية البو عامر وقد هجرها اهلها بعد ان بني فوق ارضها حي المصارف .
وكانت في شمال شرق حي السكر قرية نجموك وهي التي قام على ارضها حي السكر الحالي وهو حي كبير يقع على ضفة نهر الخوصر .
والعمران اليوم امتد الى قرية السادة وقرية بعويزة واصبحت القريتان ضمن حي الحدباء السكني .
كما اصبحت قرية القوسيات وتقع شمال قرية القبة ضمن التصميم العمراني لمدينة الموصل وكذلك الامر مع قرية بعويره التي تقع قبالة الحي العربي عند معمل الالبان وعند قرية القاضية اقيمت القصور الرئاسية وجزءا من مباني جامعة الموصل وتقع قرية القاضية على تل يشرف على حي الاندلس السكني الحالي وهكذا قرية كركوكلي شمال محطة تلفزيون الموصل في الكرامة وشمال حي عدن وهناك قرية قوجاق في حي اللكرامة وفي سنة 1962 نزح اهلها الى قرية الكوكجلي .
قرى كثيرة ادركها العمران في مدينة الموصل لابل ابتلعتها مدينة الموصل ، وصارت اراضيها الزراعية ملكا صرفا بيعت الى الناس او وزعت عليهم لايتسع المجال للوقوف عندها نذكر منها قرية قره كوز ومكانها اليوم كازينو القمة وبناية كلية العلوم الاسلامية السابقة مقابل باب نركال .ويمكن القول ان حي الكفاءات الاول يقع ضمن عقار مقاطعة قرية قره كوز
وهناك قرية قز فخرة وقرية يارمجة التي تجاوزها العمران في احياء فلسطين ودوميز ونابلس ، وقرية جديدة المفتي وتقع نهاية حي الانتصار الحالي من الجهة الجنوبية ، وقرية قوجاق في حي الكرامة .
ان معظم عقارقرية يارمجة يضم اليوم اراضي حي سومر وحي دوميز وحي السلام .
وهناك قرية بيسان وعندها يقع معمل الالبان وقد اتصلت المنطقة بقرية الرشيدية او ناحية الرشيدية والمتصلة بالحي العربي الواقع في عقار قرية بعويرة كما قلنا والذي يضم دير مار كوركيس وجديدة النقيب وقرية جيلوخان مقابل بادوش وقرية النبي يونس وقرية بيسان وقرية الكبة وقرية الدرنه جوخ .
وهكذا نجد ان قرابة (50 ) قرية من قرى الموصل اندثرت وتركها اهلها وتم تقطيع اراضيها وتوزيعها على السكان الذين بنوا عليها دورا حديثة وقد ظهرت احياء جديدة اندمجت بالاحياء والمحلات الموصلية تحكي قصة قرى ابتلعتها مدينة الموصل وقامت بتمدينها وتحديثها وهذا مما يتطلب الدراسة والتوسع في متابعة هذه الحالة الفريدة من حالات التوسع العمراني لمدينة الموصل .
ومما اود ان اذكره في هذه العجالة ان اسماء هذه القرى والمقاطعات المندثرة لاتزال قائمة ومستخدمة حتى يومنا هذا فهذه مقاطعة الكركوكلي وتلك مقاطعة قوجاق والثالثة مقاطعة قز فخرة واذكر على سبيل المثال ان حي النور الذي اسكنه انا كان يتبع مقاطعة نينوى الشرقية وهذه المقاطعة قريبة من قرية الاربجية بين حي البكر وحي المرور وحي القادسية الثانية .
لقد ابتدأ التوسع العمراني في الموصل سنة 1930 بالفيصلية (النصر ) والزهور (1957 ) والدركزلية ( 1960 ) والثقافة (1964 ) والمالية ( 1965 ) ثم في السبعينات(البكر 1972 والتأميم 1978 وفلسطين 1978 ) والثمانينات (الجامعة والامن والبلديات والمثاق وسومر والسلام والحدباء والزهراء ) والتسعينات ( المرور و الكفاءات الثالثة ) .
1382 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع