توليف : الدكتور عبدالرزاق محمد جعفر
أستاذ جامعات بغداد والفاتح وصفاقس
شاهد عيان على اللحظات الأولى لثورة 8 شباط 1963
من الصــدف النادرة التي حدثت معي , ان اكون صــباح يوم الثامن من شـباط احد المغادرين جواً من بغداد الى موســـكو,.. بعد قضـاء العطلة الربيعية في ربوع الوطن !
* ففي مســاء السابع من شباط (فبراير) 1963 ,توجهت نحو الباب الشرقي في بغداد لأســتلام تذكرة الســــفر من شــــركة الطيران الأمريكية " بان امريكان", فقال لي مديرمبيعاتها العراقي:
* الطيارة التي ســتقلك , ستقلع من طهران , وســتصل غداً مطار المثنى في بغداد في حدود الســاعة التاســعة صباحاً,.. ثم خلد للصمت متلعثماً, وقال : ولربما ســيتأخر وصولها!,..أومن المحتمل عدم وصولها,عندئذ نســفرك على طائرة خطوط جوية اخرى !
* لم اعرملاحظة بائع التذاكراية اهمية, واعتبرتها امراً اعتيادياً, قد تحدث من باب الأحتراس, وعلى اية حال,في صباح الثامن من شباط كنت على أتم الأستعداد للتوجه الى المطار, بصحبة أخي عبدالجليل الموظف بقسم حسابات مطار المثنى , وما أن تطلع له الموظف المختص له وبادله التحية ,همَ بفحص الوثائق, مُرحباً بنا, وأنجز معاملة السفر , وسلمتُ الحقائب ,ثم توجهت للسلام على المودعين قبل الســاعة التاســعة, وفي تمام الســاعة التاســعة,.. ســمعنا مكبر الصــوت في صــالة الأنتظار بالمطار, يعلن عن غلق المطار ومنع مغادرة اي طائرة!
مطار بغداد القديم
أمتثل الجميع الى الأمر المعلن, وبدأ المســؤلون والأمن العســكري في المطار يأمرون الأهالي بالمغادرة, والكل يتســائل عن الســبب؟, وســمعت من يقول: انقلاب عســكري,أو,...أغتيال عبدالكريم قاسـم!
وما ان خرج الجميع من صالة المطار,... حتى شــاهدوا في ســماء بغداد, وفي تمام الســاعة التاســعة صـباحاً,.. طائرة عســكرية تحوم فوق بناية وزارة الدفاع!
مقرعمل وســكن الزعيم عبدالكريم قاســم, وتلى ذلك انفجار مدوي, وبهذا لم يبقى امامي ســوى مغادرة منطقة المطار , والعودة الى البيت بأســرع مايمكن.
* كان برفقتي اخي عبدالجليل ولكونه موظف معروف في المطار, تمكن من اســترجاع حقائبي بســرعة, وغادرنا المطار بسرعة خوفاً من خطورة متوقعة عند تبادل القصـف مع الطائرة المغيرة على مقر عبدالكريم قاسم في وزارة الدفاع في الباب المعظم.
*وفي طريق العودة الذي يخترق الأعظمية, بقرب الجســر الحديدي
اعترضـتنا مظاهرة لبضع مآت من الشــباب وفي يدهم غـدارت , أو أسلحة خفيفة ,..وهم يرددون هتافات مدوية, ضـد نظام قاســم , وقد كانت وجهتهم نحو بناية وزارة الدفاع , في باب المعظم , في بداية شــارع الرشــيد, اشــهر شــوارع العاصــمة بغداد.
* وعند وصـولنا دارأخي , شــاهدنا تلفزيون بغداد, واســتمعنا الى أذاعات عربية وعالمية متعددة, ولذا بدأنا نعلم عما حدث وما يحدث سـاعة بســاعة!,.. كما علمنا ان عبدالكريم قاســم ما زال حياً يرزق, و كان ذلك اليوم هو الجمعة, وهو يوم العطلة الرسـمية في العراق. * بعد وقت قصــير من اندلاع الأحداث, فأن معظم اتباع النظام القاســمي, جلهم من الحماية الشــخصــية للزعيم عبدالكريم قاســم, والفلاحين والعمال والحرفيين, خرجوا في مظاهرة صــاخبة, وهم على اتم الأســتعداد للمواجهة والقتال من اجل حماية الزعيم قاســم, ولم يرى احداً النوم تلك الليلة في بغداد او المدن العراقية الكبرى!
* وفي يوم الســبت, التاســع من شــهر شــباط (فبراير) , وعند الســاعة 12.30 بعد الظهر,القي القبـض على عبدالكريم قاســم,.. وكافة المسـؤلين في نظامه, واقتيدوا الى دارالتلفزيون الحكومي في بغداد, الصــالحية, وادخلوا الى قاعة الموســيقى,وخضـعوا لمحاكمة صـورية وســريعة,.. وحكموا على عبدالكريم قاســم ورفاقه بالموت وقد شـاهد العراقيون منظر القادة وهم مقيدين على الكراســي , وقد فارقوا الحياة!, ومن المؤلم ووفق الخلق العربي الأســلامي, ان نرى شــخص من الذين نفذوا حكم الأعدام ,.. يمسـك عبدالكريم قاسم من شــعر رأســه ويســحبه الى الخلف بحركة مشــينة!
تكون نظام الحكم الجديد من المجلس الوطني لقيادة الثورة والسـلطة فيه موزعة بين العسـكر وقيادة البعث, وتم التوافق على تعيين العقيد عبدالسـلام عارف رئيــساً للجمهورية وأحمد البكر رئيــسأً للوزراء.
* بعد اســتباب الوضـع الجديد,... تكونت لجان خاصة تضـم بعض المآت من البعثيين في منطقة الأعظمية, اطلق عليها اســم , الحرس القومي, من اجل الدفاع عن النظام الجديد ضـد اي احتمال لتهديده, وبحدود بضـعة اســابيع تم القضـاء على اعداد من الماركســــين والمؤيدين للنظام الســابق والمعارضين للنظام الجديد, أي من الذين يشــكلون تهديداً للنظام الجديد.
872 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع