أ.د. سيّار الجميل
لماذا يسمح الإعلام السعودي للفرس بتشويه تاريخنا؟
تشويه التاريخ في صحيفة “الشرق الاوسط”
اتصل بي أحد الأصدقاء من خلال رسالة الكترونية مرفقاً معها مقالة نشرت في صحيفة “الشرق الاوسط” السعودية ،اللندنية ، قائلاً : ما رأيك بهذا ” المقال ” الذي نجحَ صاحبه في تدليس التاريخ والاساءة اليه ونشره في صحيفة شهيرة تموّلها المملكة العربية السعودية ؟ لقد نجحَ كاتبه في تمريره للمقال وفاتَ ذلك كالعادة على مسؤولي الصحيفة ورئيس تحريرها ، وكلّ الاعلام السعودي . أجبت صديقي : ان الصدف وحدها هي التي تجعلني أطلّع على مقالات أو حوارات مثل هذه في زمن اختلطت فيه الامور ، وازداد خلاله عدد الكاذبين والمدلّسين والملفّقين وناشري السموم ضدّ تاريخنا ومدننا ووجودنا العربي والانكى انه يأتي اليوم من داخل ثقافتنا واعلامنا العربيين ، فان كان كاتب المقال فارسيٌ يكتبُ بالعربية ، فما رأيك بكتّاب عرب يسيئون ليل نهار لتاريخنا وتراثنا ؟ اننّي الآن في غمرة تشريح أفكار طرحها مفكّر عربي سوري معروف في واحد من حواراته ، ونشرَ سموماً بالعربية لا يمكن السكوت عليها ، وأنا بصدد كتابة نقد لافكارهِ ، وتشريح لأفكاره ، وادانة لتصريحاته غير المسؤولة ، اذ نال هذا الاخير من تاريخنا وتراثنا بشكلٍ بشع ، وستجدون ردّي عليه بتفكيك خطابه السيئ قريبا . .
أعود الى الكاتب المخضرم أمير طاهري ، فهو يكتب مقالاته بالعربية في صحيفة “الشرق الاوسط” منذ سنوات طوال ، ويبدو أنه وجه مقبول من قبل الاخوة السعوديين الذين اعتقد انهم كانوا وما زالوا يجهلون الناس ، وانهم لم يدركوا معادن المثقفين ، ولا يعرفون شيئاً من خبايا الاعلاميين الذين يوظفونهم في مؤسساتهم . ولا أدري هل أن المسؤولين السعوديين يدركون ذلك ، أم أنها سياسة مقصودة في ابعاد المثقفين والمفكرين المتميزين والمختصين العرب الاحرار عن الساحة ومقاطعتهم ، والاعتماد على المهرّجين والمداهنين والمصفقين والمرتزقة المنافقين ؟؟ لماذا لا يميّزون بين أخيار المثقفين عن أشرارهم؟ اذ تعجّ مؤسسّاتهم الاعلامية المموّلة بعشرات الملفقّين والمدلّسين والطائفيين والكذّابين والاعلاميين من المرتزقة المنتفعين .. وكثيراً ما يمرّ مثل هذا وذاك علينا ويلحظه المخلصون من النقّاد العرب ، مؤشرّين على البضاعة المسمومة في الصحافة العربية وأجهزة الاعلام المرئية المموّلة سعودياً ، وكأنهّا حالة طبيعية لدى المسؤولين السعوديين ويا للأسف الشديد !
كتب امير طاهري مقالته في صحيفة “الشرق الاوسط” اللندنية بتاريخ 2 مارس 2018 بعنوان ” ترمب صانع الصفقات .. ” ، ودعوني لا أناقش كلامه المليئ بالتهافت والتناقضات والأخطاء ، وتوصيفاته المملّة، فالكاتب يكيل بمكيالين واكثر ، وهو يريد أن ينصح الآخرين بدرس تاريخي عن معضلة الشرق الاوسط ، وكأنه مؤرخ فحل يدرك خفايا قضايانا العربية المعقدّة ، اذ نصّب نفسه محلّلاً ومحكّماً لصراعنا العربي ضدّ اسرائيل ، وهو يريد تعايشاً معها ، فجاء درسه مخيّباً للتاريخ ، ومسيئاً للثقافة ، ومليئاً بالاخطاء ، أو انه ساقها لنا بطريقة خبيثة وملتوية لا يمكن السكوت عنها ، والأنكى من ذلك اتيانه بأمثلة جغرافية وتاريخية محدّدة وبطريقة مدلّسة خاطئة كي يدسّ السم في ثقافتنا العربية ، وهذا لا يمكن قبوله ابداً ! فما هي تلك الأمثلة التي ساقها لنا والتي اختارها عن قصد دون ان يختار أخرى ، وهو يتحدّث عن تاريخ العالم المعاصر ، وقد وصف ذلك التاريخ كونه مجموعة من الصفقات ، وهو يتحدث عن الحقوق التاريخية وفرص التعايش والسلام مغيّباً نضالات شعوب ، وحروب تحرير ، وجهود قادة ومفكرين ونخب وجماهير .. فيرى تعايشاً وسلاماً بين روسيا واليابان برغم الحرب بينهما ، ويرى تعايشاً وسلاماً بين الهند والصين برغم قضم الصين أجزاء من الهند ( كذا ) وأيضا بين بوليفيا وشيلي، ويقول : ” وهناك ما لا يقل عن 89 دولة من أصل 198 دولة من الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة ضالعة في نزاعات إقليمية وحدودية، أو هي مواطن لأقليات متمرّدة، أو ربما انفصالية في بعض الأحيان. وإن أضفنا إلى ذلك الأحلام غير المحققة والمزاعم المتأصّلة في الأساطير أو التاريخ، فإن أغلب أعضاء الأمم المتحدة هم في حالة صراع مفتوح مع جيرانهم ” .
هذا كلام فضفاض لا يستند على اية حيثيات ، وهو كلام يكذبه الواقع الدولي ، اذ أنّ لكلّ بلد مشكلاته الخاصة ، وربما تمتدّ تلك المشكلات تاريخياً الى قرون مضت ، وهناك مشكلات حدود كالتي بين العراق وايران دامت أربعة قرون ، ولكن يجمع أغلب المؤرخين المنصفين في العالم أن أخطر معضلة في تاريخ القرن العشرين تتمّثل بابادة وتهجير شعب كامل وتشريده عن ارضه وافتراس ممتلكاته بتأسيس كيان صهيوني في فلسطين لدواع اسطورية وخرافات شعب كاد ينقرض مع شعوب منقرضه أخرى كانت تعيش موازية له قبل الفي سنة لولا الحركة الصهيونية التي تآمرت مع دول كبرى على فلسطين واستلبتها في أسوأ جريمة جرت عبر التاريخ . وعليه ، فقد صنّفت الصهيونية حركة عنصرية من قبل العالم في 10/11/ 1975.
كنت أتمنى على هذا الكاتب أن لا يوزّع أحكامه البليدة لدول قديمة وجديدة ، ويخفي صراع شعب من أجل وجوده على مدى قرن كامل . وأسأل : من قال لك يا طاهري أن ولايتي كاليفورنيا وتكساس من الاراضي المكسيكية الخالصة كونك لم تلتق بأي مكسيكي دون أن يخبرك بذلك ؟ كاليفورنيا على طول سواحل الباسيفيك ما دخلها بالمكسيك ، وتمتد فيها صحراء نيفادا الكبرى في قلب امريكا الشمالية؟ واذا كانت ولاية تكساس الكبرى تطل سواحلها على بحر المكسيك ، فكيف جعلتها مكسيكية ؟ وهنا نسألك : لماذا أخفيت المطامع الايرانية في الخليج العربي الذي جعلتموه فارسياً ؟ ولماذا يدين الكاتب الالبان المسلمين كونهم يحكمون اقليم بريشتينا الذي جعله مقدّساً لصربيا ؟ هل نسيت المذابح التي قام بها الصرب للبوسنيين والألبان المسلمين قبل سنين ؟ ونسمع الفاجعة الاعظم لصحيفة الشرق الاوسط التي جعلت طاهري يعدّ بغداد مدينة فارسية بقوله : ” وهناك عدد قليل من الإيرانيين الذين لا يشعرون بالحزن لأن بغداد، التي كانت محل عاصمة كتيسيفون القديمة، قد صارت الآن مدينة عربية.” ! وأسأل الصحيفة : هل اصبحت بغداد الان فقط مدينة عربية ؟ كيف تنشرين هذا الهراء الذي يعلن صاحبه ما يريد في زمن تتوالى على بغداد كلّ الجراحات ؟ بغداد التي بناها الخليفة العباسي ابو جعفر المنصور وغدت سيدة البلاد – بتوصيف ياقوت الحموي – ومنارة الحضارة العربية في العصور الوسطى – بتوصيف ارنولد توينبي – ، تصبح اليوم مدينة فارسية ؟
وأسأل : لماذا لا يدين هذا الكاتب التدّخلات الايرانية السافرة في العراق وغيره ، وقد خلقت ايران في دول عديدة دولاً خاصة بها ؟ لماذا لم يذكر جزيرة القرم وشعبها ، وقد غدوا تحت سطوة الروس ؟ لماذا لم تذكر مآسي الارمن والاكراد والبلوش والروهينجا وغيرهم لتركض نحو بغداد وتصفها بمدينة فارسية ؟ لماذا أخفيت ذكر المعاهدات الدولية ؟ لماذا لم تذكر صراعات اوروبا وحروبها وزوال امبراطورياتها وتكوين دولها الحديثة التي تصارعت بقسوة متناهية في حربين عالميتين ابان القرن العشرين ؟ اذا لم تكن مؤرخا ضليعا ، فما دخلك بالتاريخ ؟ ولماذا توزّع الاحكام جزافا على تواريخنا العربية ؟ هل تقبلون ان يتم هدم حصوننا من دواخلها وتشويه تاريخنا وفي صحيفة تمولّها المملكة العربية السعودية ؟ ولماذا لم يذكر هذا الكاتب عربستان ومتى أصبحت ايرانية ؟ لماذا لم يذكر في مقاله بان ايران دولة مركبة من شعوب عدة تناضل جميعها من اجل حريّتها ؟ وما موقع اقليم بارس ( بلاد فارس ) فيها ، وقد تفرّست اليوم بشكل كامل ؟
اخيرا ، اتمنى على القراء العرب أن يحترزوا كثيراً في قراءاتهم لما ينشره البعض هذه الأيام ، وخصوصاً عندما يدخل هؤلاء أنوفهم في حياتنا الثقافية ، ويسيئون الى وجودنا وتواريخنا ومدننا وجغرافياتنا لأهدافٍ وغاياتٍ باتت معروفة للجميع . وهي رسالة الى الاخوة المسؤولين السعوديين ان يعيدوا النظر في ما يبثّه اعلامهم عربيا ، وقد تغلغل فيه طابور خامس !
867 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع