ثورة ١٤ تموز ١٩٥٨ المفترى عليها

                                               

                       الدكتور مليح صالح شكر

ثورة ١٤ تموز ١٩٥٨ المفترى عليها

قبل اكثر من ثمانية سنوات ناقشت في مقال لي منشور آنذاك رأياً للمرحوم الدكتور حازم مشتاق ،نشره في موقع شنعار الالكتروني ، بعنوان (عبد الرحمن عارف في الذاكرة العراقية)، يستعرض فيه تجربته الصحفية آنذاك، ولم أقصد مناقشته في موضوع حكم الرئيس الراحل عبدالرحمن محمد عارف ولكن عن ما قاله من ملاحظات تتعلق بالصحافة العراقية ابان توليه رئاسة تحرير إحدى الصحف الرئيسية .

وأستغربت كثيراً أن يتفادى الدكتور حازم مشتاق تسمية ما جرى في يوم ٩ نيسان ٢٠٠٣ المشؤوم بأنه ( أحتلال)، ويكتفي وهو صاحب التاريخ الوطني المعروف، بالقول (دخول القوات المسلحة الامريكية الى بغداد).

ويستكثر الدكتور الفاضل أيضاً أعطاء صفة (الثورة) لما جرى في يوم ١٤ تموز ١٩٥٨ المجيد، وبالرغم من كل ما أحدثته تلك الثورة من تغيير شامل في الحياة العراقية، سياسياً ودستورياً وقانونياً واقتصادياً ونفطياً وثقافياً وصحفياً ونقابياً واجتماعياً وزراعياً وأدبياً وصحفياً وعسكرياً ، ومحلياً وعربياً ودولياً، ويقول إنه (انقلاب)!
ولا أتخيل أن المغفور له عبد الرحمن محمد عارف كان سيوافق على هذه الصفة في ثورة شارك هو شخصياً في أحداثها، وكان شقيقه المرحوم عبد السلام أحد قادتها الأساسيين .

ويشتكي الدكتور حازم في ذلك المقال من (التشويه المقصود والتحريف المتعمد، والتجاهل والتعامي والتناسي والتعتيم)، لفترة حكم الرئيس عبد الرحمن محمد عارف، دون أن ينسب هذا التشويه لتاريخ العراق ، لأصحابه ، وهم من أيقظهم الاحتلال الامريكي للعراق عام ٢٠٠٣ والذي لم ير دهاقنته ، وأذنابه وأزلامه، والمنتفعين منه ، وصغارهم ، من تاريخ العراق سوى سنواته الخمس والثلاثين الأخيرة، ليتسنى لهم غزو العراق واحتلاله وحرق تاريخه، كما حرقت رموزه الوطنية التاريخية المتمثلة في المتحف الوطني ومركز الوثائق والمكتبة الوطنية، وثم حرق الاخضر واليابس، كما أصبح معروفاً للجميع، داخل العراق، وفي أرجاء المعمورة. انتهى الاقتباس

####

لابد من التذكير مرة ومرتين وثلاث مرات بحقيقة أن العنف السياسي في العراق لم يكن نتيجة لثورة ١٤ تموز المجيدة ، بل أنه سبق أعلان النظام الجمهوري بعدة عقود من الزمن ، ولعدة مرات خلال سنوات النظام الملكي وحكامه الرئيسين الوصي على العرش عبد الاله ورئيس الوزراء المزمن نوري السعيد.

 

أغتال اعوان الفريق بكر صدقي في انقلابه العسكري أواخر عام ١٩٣٦ وزير الدفاع ، مؤسس الجيش جعفر العسكري، فإذا برأناهما من دم الملك غازي ،فكيف يمكننا تبرئة الوصي عبد الاله ونوري السعيد من دم قادة انتفاضة مايس ١٩٤١ ضد الإنكليز ومنهم يونس السبعاوي وصلاح الدين الصّباغ ورفاقهما من المدنيين والعسكريين؟

 

أصر الوصي عبد الاله الذي لم تمضي حينذاك عام ١٩٤١ على تجنيسه بالجنسية العراقية سوى سنتين وبضعة شهور بعد مصرع الملك غازي المريب ، أصر على تعليق جثة العراقي العقيد صلاح الدين الصّباغ على بوابة وزارة الدفاع بباب المعظم نهاراً كاملاً.

 

مرة أخرى كيف يمكن لنا أن نفسر أعدامات فهد ورفاقه الشيوعيين ، وآخرين غيرهم في شباط ١٩٤٩ بعد بضعة أسابيع من تشكيل نوري السعيد لوزارته الجديدة، وتم إعدامهم في ثلاث ساحات عامة في بغداد ، ساحة المتحف في علاوي الحلة ، وساحة باب المعظم ، وساحة تمثال الرصافي الحالية ، وأبقت الحكومة جثثهم معلقة لبعض الوقت قبل إخلائها.

 

هذا مع ملاحظة ان فهد ورفاقه قد حوكموا مرتين، وضغطت الحكومة على محكمة التمييز للمصادقة على إعدامهم بعد ان خففت الحكومة التي قبلها احكام الإعدام الى السجن .

 

ويؤكد كامل الجادرجي في مذكراته ان وزير العدلية آنذاك دفع أكرامية ٨٠٠ ديناراً لكل حاكم من الحكام الثلاثة لكي يوافقوا على قرارات الإعدام .

 

أليست هذه إفساد مالي للقضاء؟

 

فإلى المتباكين ، أوضح بأن العنف لم يكن صفة الخمسة والثلاثين سنة التي سبقت الاحتلال عام ٢٠٠٣، فقط ، بل صفة أنظمة حكم أخرى سبقتها بعقود من الزمن ، وتشهد سنوات ما بعد الغزو الامريكي الخمسة عشر البغيضة ان العنف والقتل والفساد خلالها تفوق على اعمال عنف وقتل للسنوات منذ تأسيس الدولة العراقية مجتمعة .

 

           

 

وهل كان جلالة فيصل الثاني وفق الكتاب الرسمي رقم ب/١/ ٨٧٢ المؤرخ في ١٥ مايس ١٩٤٠ ، وهو طفل لأنه من مواليد ٢ مايس ١٩٣٥ بحاجة لكل هذه الكمية من العنبة ؟

ويقولون لم يكن هنالك في العهد الملكي فساداً! ويطلبون للطفل الرضيع من البصرة صندوقين من العنبة ( أسبوعياً)!والعنبة للقراء العرب غير العراقيين هي مخلل مانغو مصدرها الهند، ويستخدمها العراقيون.

ونستذكر الفساد في العهد الملكي بقضايا الحديد السكراب خلال الحرب العالمية الثانية وبعدها، وتسفير اليهود العراقيين مقابل مالي استلمه القائمون على مقاليد الأمور ،وإسقاط الجنسية خلال حكم بكر صدقي وحكمت سليمان عام ١٩٣٦-١٩٣٧، وخلال حكم نوري السعيد وحلف بغداد عام ١٩٥٥.

في بداية الثلاثينيات من القرن العشرين وكان الانتداب البريطاني قد استكمل غاياته، وخلف وراءه العنف حين ارتكبت قوات عسكرية بقيادة الضابط بكر صدقي ما ارتكبته من تقتيل بذريعة اخماد تمرد الاثوريين، وتلاعب السياسيون بالعشائر الجنوبية لغايات سياسية ضد بعضهم البعض الاخر .

وكذلك ، في العهد الملكي كان لشيوخ العشائر الأقطاعيين سجونهم الخاصة يسجنون فيها كل من يخالف أوامرهم، ولم يكن فيصل الثاني صباح ١٤ تموز سوى ضحية سلوك خاله عبد الاله الأرعن.

أتلاحظون أنهم يحاولون دون جدوى إلغاء تراث العراق السياسي، فالشعب العراقي أصبح عندهم يسمى الشارع العراقي، والوطن العربي اصبح الإقليم؟

تراث العراق لن يمحى او يُحرّف بهذه السهولة، فتاريخ العراق ليس سوالف مقاهي وتسفيط تهم وضغائن.

وتاريخ العراق لا يقبل التزييف والتشويه مهما كانت الاجور باهضة، مكافأة لمن يتحدث بالسوء عنه.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

807 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع