د. سعد ناجي جواد
في ذكرى احتلال العراق و كيف كان الرئيس صدام حسين يقيم القدرات الامريكية
بقدر ماكانت لقاءات الرئيس الراحل قبل الاحتلال مع الضباط والقيادة آنذاك تشعرني بشيء من بالضيق، لانها كانت بالنسبة لي بعيدة عن ما كان يجري على الارض، وتبدو غير واقعية امام ما كانت الولايات المتحدة تعده من جريمة تجاه العراق، فان عبارة قالها قبل الاحتلال بأيام لا تزال ترن في أذني ويعود صداها في كل ذكرى للاحتلال او للجرائم التي اقترفتها الولايات المتحدة وحلفائها وعلى رأسهم اسرائيل وبريطانيا. ففي لقاء مع مجموعة من قيادته آنذاك تحدث احد الحاضرين عن ما تروج له الولايات المتحدة من نية لبناء عراق جديد ديمقراطي ومرفه. رد عليه الرئيس (ان الولايات المتحدة لا تمتلك قدرة البناء وإنما تمتلك قدرة التدمير فقط). ولا اعتقد ان اي إنسان موضوعي يمكن ان يختلف مع ذلك. وليس ماحدث في العراق هو الدليل الوحيد، فتجاربها في كوريا وفيتنام وتشيلي وبنما، ومؤخراً في ليبيا والآن في سوريا سوى أمثلة قليلة على ذلك. ثم الم يكن في مقدور الولايات المتحدة احتلال العراق من دون تدمير بنيته التحتية و منشئات خدماته الحيوية كالكهرباء والماء والجسور والبنايات العامة؟ او على الأقل تسارع الى اعادة عمل او بناء هذه الخدمات بعد الاحتلال. لكن ذلك لم يحدث، بل وحتى لم تعتذر للشعب العراقي عن ما اقترفته بحقه. وبدلا من ذلك يخرج علينا رئيس الولايات المتحدة بتصريح مضحك مبكي يقول فيه ان على العراق ان يدفع تكاليف تدميره الى الولايات المتحدة.
لقد جرت منذ عام ٢٠٠٣ احداث كثيرة دللت من دون أدنى شك ان كل من الرئيس الامريكي الأسبق جورج دبليو بوش، ومعه رئيس وزراء بريطانيا الأسبق توني بلير، بأنهما مجرما حرب، بسبب حربهما البشعة على العراق، وأقيمت لهما محاكمات شعبية وشبه رسمية ادانتهما بهذه التهمة. ناهيك عن لجان التحقيق الرسمية، وخاصة لجنة تشيلكوت البريطانية الرسمية التي اثبتت بدون اي شك ان بلير كان تابعا لبوش وانه ذهب الى الحرب المدمرة ضد العراق بدون تفويض شرعي من الامم المتحدة، وأنه ذهب للحرب مخادعاً حكومته ومتجاوزا الاّراء الكثيرة في ادارته التي نصحت بعدم ارتكاب هذه الحماقة.
اضافة الى التدمير الهائل الذي احدثه الاحتلال العسكري الكبير والقتل العشوائي للابرياء، الذي لم ينته مع تثبيت حقيقة الاحتلال من قبل الامم المتحدة، فان من جاء مع الاحتلال من مَن يدعون بأنهم من ابناء العراق اكملوا هذا النهج التدميري. وهذا متوقع جدا من أشخاص عادوا الى العراق ولا يحملون سوى روح الانتقام من كل من كان موجودا في العراق او من كل ماهو عراقي. لا بل يمكن القول ان غالبيتهم العظمى لم تكن تؤمن بشيء اسمه العراق، وهذا شيء محزن لكنه ملموس. في لقاء تلفزيوني مع (معارض) عراقي سابق، قال جملة تسترعي الانتباه، حيث اعتبر سبب فشل الإدارات العراقية بعد الاحتلال يعود الى (الفشل في بناء المواطنة العراقية)، وهذا صحيح، اذا ما تناسينا وعوده قبل الاحتلال للعراقيين بمستقبل زاهر، ولكن هل سال نفسه كيف يمكن لأشخاص لا يؤمنون بشيء اسمه العراق ان يدعموا مفهوم المواطنة العراقية. وهل نسي الشحن الطائفي الذي كانت (المعارضة)، التي كان هو من قياديها، تردده وتحث عليه،؟ وهل نسى تصريح احد أعضاء مجلس الحكم الذي شكله سيء الصيت بريمر، الذي طالب فيه العراق بدفع مائة مليار دولار الى ايران تعويضا لها عن حرب الثمان سنوات مع العراق؟ وهل انه لم يسمع احاديث القياديين القادمين الجدد، المسجلة والمتلفزة اثناء الحرب وهم يحثون اتباعهم على مقاتلة (الأعداء) من ابناء العراق الذين يدافعون عن أراضي بلادهم؟ وهل انه لم يسمع تصريح وكيل احدى الوزارات الذي قاله عندما طُلِبٓ منه اعادة بعض الموظفين الاكفاء للخدمة والذي قال فيه ماذا سيكون موقفه في الآخرة عندما يقابل الامام الخميني ويسأله عن سبب إعادته لأشخاص قاتلوا ضد ايران؟ او تصريحات قادةاقليم كردستان الأكثر دلالة التي قالوا فيها ان العراق دولة مصطنعة وان دولة العراق لا وجود لها على ارض الواقع وإنما هي موجودة في اذهان بعض السياسيين فقط. و هذا ما كرروه اكثر من مرة. ولقيادي كردي كبير حديث معبر اخر قاله لمجموعة من مقربيه، بعد اختياره عضوا في مجلس الحكم، والذي قال فيه ما مفاده انه سيعمل للأكراد وللقضية الكردية كما عمل المرحوم فيصل الاول من اعمال لتثبيت دولة العراق، وسيثبت أسس قيام دولة كردية في شمال العراق. ولو انه تناسى هذا الحديث عندما انتخب لمنصب رفيع فيما بعد. وربما يكون تصريح مدير سابق لمكتب المرحوم الطالباني عندما كان رئيسا للجمهورية، وهو الذي يمثل مدير إدارة رئاسة الجمهورية والأقرب الى أفكار ونوايا الرئيس، وهو منصب كبير بكل المقاييس، الذي قال في ندوة حول العراق في جامعة لندن ، وهي مسجلة ومنشورة، بالحرف الواحد (دعونا لا نتحدث عن عراق واحد بل دعونا نفكر معا كيف نفكك هذا الكيان بسلام). فكيف يمكن ( لقادة) من هذا النوع ان يبنوا مواطنة عراقية صادقة. اما تصريحات نائب الرئيس الامريكي السابق بايدن و القادة الاسرائيلين بضرورة تقسيم العراق الى ثلاثة دويلات بالخفية على احد.
وهكذا وبدلا من ان تتخذ الحكومات العراقية المتعاقبة الخطوات الجادة باتجاه مقاضاة كل الدول التي ساهمت في احتلال العراق امام المحاكم الدولية، وتطالبهم بتعويضات عن ما احدثته من خراب وتدمير، ناهيك عن تعوض الضحايا من البشر الأبرياء التي لا يمكن ان تقدر بثمن ولا يغطيها اي تعويض، كما أُجبِر العراق على دفع تعويضات هائلة جراء اجتياحه المرفوض للكويت، والذي صاحبه خسران أراضي عراقية كثيرة جراء ترسيم الحدود الظالم، وبدلا من ان يعترف هؤلاء الأشخاص بفشلهم ويعتذروا للشعب العراقي و يتركوا العمل السياسي، تجدهم يرشحون أنفسهم مرة اخرى لانتخابات جديدة. وبالتاكيد سيتم اعادة انتخاب معظمهم، بالتزوير و بدعم أمريكي وايراني ودعم أموال السحت الحرام التي سرقوها من دم الشعب العراقي. ومن لم يُنتٓخٓب منهم سيتم تعينه في منصب مرموق يتناسب ودوره الكبير في تأييد ودعم عملية احتلال العراق.
1772 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع