مطامع تركيا الإمبريالية بين الهيمنة الأمريكية والنازية الجديدة للصهيونية

                                              

                       يعقووب أفرام منصور

مطامع تركيا الإمبريالية بين الهيمنة الأمريكية والنازية الجديدة للصهيونية

تلتقي مصالح الهيمنة الأمريكية مع النزعة التوسّعية والشوفينية لدى تركيا، ونزعة مماثلة لدى الصهاينة النازيين الجُدد. والتقاء هذه المصالح أوجد من هذا الثلاثي حِلفًا غير مقدّس بات يُخشى منه على المصير البشري، لأنه يشكّل خطرَا جسيمًا، نظرًا لنزعات الشر والإيذاء والقسوة المستحكمة في نفوس ساسة وحكام هذا الثلاثي الغاشم، الآخذة الآن في التصاعد بعد غياب الإتحاد السوفياتي عن الساحة الدوَلية، الذي كان وجوده عامل توازن بين القوى. وما كان دور أمريكا وتركيا وإسرائيل في العدوان الأمريكي الأطلسي الثلاثيني على العراق إلا أنصع برهان على تماثل هذا الخطر الداهم للعيان، الذي ينبغي على الشعوب كافة أن تحتاط جيدًا للحيلولة دون وقوعه. 

في كتاب موسوم (تركيا مثيرة الإضطراب في البلقان) صدر في عام 1988 مترجمًا إلى الإنكليزية، للكاتب التقدمي اليوناني ( نيكوس مارانغوس)، نقف على حقائق وشواهد هذه الرغبة الجموح في التوسّع والنزعة العدوانية في نفوس الساسة الأتراك، اللتين تلقَيان هوىً وتشجيعًا لدى نفوس الساسة الأمريكان والصهاينة.
وليس تصريح الحكومة اليونانية في 7 ـ 12 ـ 91 في إدانة أهداف تركيا التوسّعية ببعيد عنا، إذ قال (مانوليس كالاميداس) في 6 ـ12 ـ91 : إن تصريحات (تورغوت أوزال) في أسطنبول في إطار مؤتمر حول الأولويات الإستراتيجية لتركيا يكشف، من دون أدنى شك، الأهداف التوسّعية الفعلية التركية والدور الذي تعتزم تركيا القيام به في المجال الأوربي( جريدة الثورة ـ 8 ـ 12 ـ 91).
لم يكن عبثأ وصف الدولة العثمانية ب " الرجل المريض" ، قبل أن يتسلّم مقاليد الحكم فيها رجال "تركيا الفتاة"، وهذه الحقيقة جعلت الأتراك في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين يدركون جيدًا، وهم يلاحظون إزدهار أوربا، أن بلادهم سيعتريها الإنحلال، وأن رقعتها الوسيعة المترامية الأطراف ستغدو وشيكًا في مهب الرياح، وستتناهشها الدول الأستعمارية طبقًا لإتفاقية سايكس ـ بيكو.
وفي عام 1921، وقبل أن يتقرر مصير تركيا، شاء مصطفى كمال ـ الذي تشرّب بعمق نزعات رجال "تركيا الفتاة" ـ شاء أن يبقى على علاقات ودّية مع الإتحاد السوفياتي لغرض الحفاظ على مصالحه على الرغم من الحقيقة بكونه تركيًا، كان ثمة حدثان تاريخيان عظيمان لم يكن بمستطاعه قبولهما أو احتمالهما : الثورة الفرنسية الكبرى التي أيقظت المشاعر القومية للشعوب، وثورة (أكتوبر) الإشتراكية التي بددت أحلام تركيا الإستعمارية، ونادت بنهاية إستغلال الإنسان للإنسان ( ص 210).
لكن حتى في أيامنا هذه، بعد انصرام عشرة عقود، لم يتقلّص عدد حُماة ومناصري تركيا، فترومان ودالس وكيسنجر وريغن وواينبرغر وآخرون، نظرُا لنزعات وخصال خاصة لدى رجال الحكم في تركيا، سمحوا لهؤلاء الحكام الأتراك الجدد بالظهور على المسرح الدوّلي، فصار كيانهم يخلق الإضطراب في دول البلقان وفي أصقاع أخرى، ومع ذلك يدعمه الرؤساء الأمريكيون ويمّدونه بوسائل الحياة، ويتحمّلون عيوبّه وضعفه، ولو يكرهونه وينفرون منه. . فالدوَل التي تُجاوره: سوريا ـ العراق ـ قبرص، بل حتى في بعض مناطق الأناضول الجنوبية التي يقطنها أكراد وأقليات أخرى نالت من الإضطهاد والجور والإبادة وسوء المعاملة والمعاداة ضروبًا عديدة في مختلف الأزمان والحقب.
هؤلاء الحُماة والأنصار يوجهون الدعوات إلى هذا الكيان المصاب بالشوفينية، ويقدمون له الوجبات السخية الشهيّة على موائد ناصعة السِمط، برغم معرفتهم أنه لم يغسل يديه الملطّختين بالدماء، بل وهم يشاهدون أنه لم يغيّر ملابسه الملوّنة، ويشمّون رائحة الإدانة المنبعثة من أردانه، الممتزجة بالعفونة ورائحة اللحم البشري المتفسّخ. إنهم يفتخرون برؤية هذا الذي يمارس التعذيب بفظاظة ووحشية، وهو يقدّم لهم قِطعًا ثمينة من المجوهرات والأعمال الفنية التي انتزعها من أصابع ضحاياه أو من المتاحف الوطنية لشعوب أخرى، يرضيهم فقط أنهم قد حصلوا على أحجار كريمة لنبلاء أدّوا دورًا بارزًا في التاريخ، غير عابئين بكيفية بلوغ هذه المجوهرات إلى أيدي هؤلاء العتاة الغرباء عن شعوب شبه جزيرة الأناضول العريقة ـ هؤلاء العتاة الذين لم يكونوا أهلاً لمعرفة القيم الإنسانية.(ص 210).
هؤلاء العتاة يروقهم، بصورة خاصّة، سماع بعض البيانات التي أدلى بها ناطق حكومي يوناني في 13 ـ 5 ـ 86، إذ تم الكشف بجلاء عن موقف تركيا "المحميّة": (موقفنا واضح حيال مسألة جعل البلقان خاليًا من الصواريخ. إن الأسلحة النووية يجب أن تُنزع . لم نغيّر وجهة نظرنا. إننا نقود حملة بغية التوصل إلى إتفاقية تضم دول البلقان كافة، باستثناء تركيا التي لها وجهة نظر مناقضة) ـ (ص 211).
من خلال التوتر والتشوش والأزمات الحادة ،التي تكتنف العالم بأسره في المنافع المتبادلة المضطربة، يبدو ان خطر الكارثة الأرضية ينذر بسوء العاقبة. ومن خلال تلك السحب الكثيفة الداكنة، والجو الخانق المسموم، والشعور السائد بالقلق، كان لتصريحات الإتحاد السوفياتي، قبل أعوام قليلة، مجلبة لشعاع من الأمل، إذ أعلن : " لن نكون البادئين باستخدام الترسانة النووية، ولن نهاجم البلد الذي يروم الذود عن حريته". لم تكترث القوى الكبرى بهذا التصريح، ولم تهتم بالبحث عن سبيل لتفادي خطر مَحرقة نووية على كوكب الأرض. وفي الصفحة الأخيرة من كتابه قال ( نيكوس مارانغوس) :
[إننا في هذه الزاوية (اليونان) من بلاد البلقان بخاصّة ونحن في مقدمة قاعدة البحر الأبيض المتوسط، لدينا أسباب بأن نكون أكثر من غيرنا قلقًا، لأن علينا أن نتعامل مع بعض الخصوصيات المتميّزة، وهذه الخصوصيات المُقلقة هي: إن زعماء السياسة في جناحنا اليميني قد وقّعوا إتفاقات مع الأمريكيين التوسعيين، تعرّض قطرنا لمخاطر عديدة. إن قواعد الموت منتشرة على كل ترابنا الوطني، وسواحلنا تمثّل أجسم خطر مباشر علينا. وهناك الموقف الإستفزازي لإذاعة (صوت أمريكا) حيال الأقطار المجاورة لنا التي نود ان نقيم معها علاقات صداقة، وهو موقف لا يقلّ إزعاجًا وخطرًا بالنسبة إلينا. لكن الحقيقة الأكثر إزعاجًا لنا وللعالم بأسره هي جنون رغبة التوسع الأمريكي الذي بانضمامه إلى رغبة إحياء الشهوات والأحلام الإستعمارية والنزعة الطورانية لدى تركيا، والنازية الجديدة لدى الكيان الصهيوني العنصري تنبئ بمخاطر جسيمة على منطقتنا والعالم أجمع. إن المؤسسة الصناعية الحربية الأمريكية قد اختارت الممثّل السينمائي من الدرجة الثانية (ريغن) ليؤدّي في الساعات الأخيرة من سلطته أردأ دور على الإطلاق يمكن لفرد أن يؤدّيه، وهو أن يضغط على زر الترسانة النووية فوق كوكبنا. إن الزمرة العسكرية التركية تأمل أن يكون اتجاه التوسعيين الأمرييكيين بهذا المنحى كذلك، على أمل الخروج من الطريق المسدود الذي مهدت له العصابة الصهيونية في إسرائيل، لأن هذه الزمرة ترتجي من ذلك فوائد إقتصادية".

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

912 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع