هشام ابراهيم
كان لي بلد
كان لي بلد أسمه العراق وعنوانه الأبرز "بلاد الرافدين " . وكان لي أمل و طموح وابتسامة وقلب طفل يلعب في حارته ويركض بكل اتجاه بأمان .
كان لي بلد ! وكثيرا ما كنت أسمع من والدي وأخي الأكبر يصفون لي معنى وأهمية البلد!
ويفخرون بماضيه وعزته وكرامته، وكيف أنه كان مهيباً بشهادة الأعداء قبل الأصدقاء. مات أبي ، وبقي أخي الأكبر ! اليوم أسأله عن البلد .. فيرفع يديه الى السماء بصمت دون أن ينظر الى عيني وتنساب من عينيه دموعاً تتساقط على كفي وأشعر بدفئها .. أراد أن يعبر عن حزنه بكلام ولكن خانته الكلمات ولم ينطق بكلمة واحدة لهول الفاجعة التي حلت في البلد! فعرفت من غزارة دموعه أن مستقبل البلد قد اصبح مجهولاً ، وأن تلك الشمعة المضيئة إنطفئت برياح العنف و الهوان , وأصبحت أنا تائهاً بلا وجه وهدف، وبلا موقع على الخريطة مشتتاً في غربتي بين البلدان. لقد حل الخوف بديلاً للأمان، وحل القتل بديلاً للسلام. فلا أحضان دافئة ولا قدرة على العودة الى تلك الشقوق في مسامات ذلك البلد بعدما تجعدت معالم بشرته وخارت قواه، وغطت الجروح سائر جسده وتصبب القيح السائل من كل جوانبه
إثرمنازعات نتنة ومليشيات وعصابات نكرة مزقت أرض البلد.
لقد خانني بوعوده هذا البلد بعدما فديته بدمي وريحان شبابي .
آلام تقطع أوصالي وينقبض لها قلبي، وأنفاسي تخفت ويضيق صدري حينما أذكر اسم البلد.
لا أدري إن كنت مازلت انتمي اليه وهو الذي لفظني خارجاً بعدما توالى على أرضه الغرباء.
لقد قتل أصدقائي وجيراني على مرأى من عيني، وحرق بيتي وسرق مني كل أحبتي وطموحي وابتسامتي ولعبتي، وطردني مذعوراً إلى غربتي !
كان لي بلد معافى ، ولكنه اليوم يحتضر ! نعم يحتضر، وليس من منقذ بين العرب !
وهنا تذكرت مأساة أطفال العرب !
أطفال عاشوا في أوطان تحتضر وقاسوا الفقر والمعاناة والحاجة الى الأمان في أحشاء وطــــــن وهبهم الخوف والقهر والجوع و الحرمان . فإذاً :
لا أمان ولا ديمقراطية،، اذاً لا وطن !
لا كرامة ولا عمل ،، اذاً لا وطن !
لا حقوق ولا حرية ،، اذاً لا وطن !
ومما يذكر هنا بألم وحزن عميق :
طفل عراقي يلعب بمخلفات حرب انفجرت فراح ضحيتها عائلته كلها وبقي هو نزيل دائم بالملاجئ، فتأكد أن الوطن عدو لا صديق !
طفل سوري قتل والده أمام عينيه من قبل جندي من أهل بلده في ليلة لا يذكر حتى تاريخها !! فتأكد أن الوطن عدو لا صديق !
طفلة سودانية شهدت صراعات ومجاعات انتهت بتقطيع أجزاء الوطن وبقيت هي تائهة بين جزئين يتصارع عليها أم وأب انفصلا فكانت مرة ابنة الشمال ومرة ابنة الجنوب ! فتأكدت أن الوطن عدو لا صديق!
طفل فلسطيني هرب من مخيم لاجئين وجند نفسه ليسترجع بيته الذي أخرجوه منه عنوة وسط صراخ والدته الأرملة وبكاء أخوتهم التسعة !وتم أسره ولم يجد من يناصره في السلطة! فتأكد أن الوطن عدو لا صديق!
أنا إنسان عربي ، واليوم أتذكر أني أملك وطن يفترض أنه يحبني ويحتويني ويمدني بالأمان. وطن بقلب أبيض وروح خضراء، ومليك أحببنا فيه تواضعه و طهر قلبه فحسبناه والدنا. فهل يا ترى هو كذلك ؟!!
نظرت الى السماء وجلست أتأمل في مستقبل بلدي العراق الذي جعل منا نحن الأشقاء الثمانية مشتتين كل منا تحت نجمة في بقاع الأرض ، فتأكد لي أن بلدي الآن عدو لا صديق!!
كان لي بلد زاهر في كل حسبان القيم
نبراس مهيوب مهاب بين مجموع الأمم
كان لي بلد !!!!
أخوكم المحب/ هشام ابراهيم
22 نيسان 2018
897 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع