الدكتور مليح صالح شكر
النزاهة والانتخابات، والتدوير
من يقرأ ويستمع ويشاهد ويتابع كل ما يتعلق بالحملة المحمومة في العراق لإجراء إنتخابات في ١٢ مايس/ مايو المقبل، يكتشف أن هذه الحملة ليست ذات صلة بأية قاعدة من القواعد المعروفة لأية عملية إنتخابات ، ولا لأي شيء له علاقة بالمبادىء الديمقراطية .
وما يزيد في الطين بله، أن من يوجه ويراقب ويدقق في كل ما له صلة بالحملة الانتخابية للمرشحين هي جهات تحمل في أسمائها الرسمية صفة( المستقلة)، المفوضية العليا المستقلة للانتخابات ، وهيئة النزاهة التي حذفوا منها صفة المستقلة، لكن أسمها كافياً للدلالة على ما يفترض انه وظيفتها .
مفوضية الانتخابات تشاهد كل المخالفات التي يرتكبها المرشحون ، وتلك أختها هيئة النزاهة ترى جميع المعاصي والفساد بكل أنواعه بين صفوف المرشحين وكتلهم دون ان تتدخل بشكل مؤثر.
وينفي قادة إحدى الكتل الانتخابية أنهم تعاقدوا مع شركة إعلانات مقابل ١٥٢ مليون دولار ، وبالرغم من هذا النفي ، فالرقم يشير بوضوح الى استخدام المال بكثافة في هذه الحملة الانتخابية.
وتزيد هيئة الانتخابات ان انتهاكات القواعد والتعليمات من قبل جميع المرشحين وكتلهم تقريباً قد وصل الى مستويات لم يسبق لها مثيل .
ومن المؤكد ، أنه لم يسبق أن حصلت مثل هذه الأنتهاكات ، ليس في العراق فحسب، بل في أي بلد آخر في العالم الثالث ، أو ربما العالم الرابع الذي يضم الدول ذات الاولوية في ممارسة الفساد المالي والاداري .
جميعهم يزعم في دعاياته الأنتخابية محاربة الفساد، وكأنهم لم يشاركوا فيه ، وكلهم يتخلى نفاقاً عن مصطلحاته السياسية السابقة ، وبعضهم ترك استخدام مقولات مثل ( البلد) و( الشارع العراقي ) ليعود الى المصطلحات المعروفة شعبياً وسياسياً ( الوطن) و( الشعب العراقي)، وسيعودون إليها بعد عودتهم لمناصبهم البرلمانية والحكومية.
ويكشف الناطق الرسمي باسم مفوضية الانتخابات، كريم التميمي، أرقاماً مفزعة عن مخالفات المرشحين، ويقول ان الهيئة عاقبت أكثر من 100 مرشح من معظم الائتلافات والأحزاب السياسية، وعاقبت ايضاً ٢٥ حزباً بغرامات مالية لمخالفتهم نظام الحملات الانتخابية، الذي لم يجف حبر إصداره بعد! وكل هذا قبل الانتخابات.
وأحدهم مرشح في الموصل شمال العراق لكنه يزرع صوره المكبرة في شوارع أحياء بغداد كرخ ورصافة !
أما سوق شراء البطاقات الانتخابية فتشهد نشاطاً هو الاخر لم يسبق له مثيل ، لا في العراق ، ولا في اية دولة من دول العالم التي أعتادت على تزييف نتائج أية انتخابات.
ظاهرة شراء الأصوات التي باتت تمارس على نطاق واسع، بما في ذلك شراء بطاقات الناخبين، ويقول أحدهم : شراء الأصوات جريمة يعاقب عليها القانون، وقدرة المرشحين على الاستمرار بالشراء تأتي من قدرتهم على إخفائها!
أنه الفساد بأقبح صوره ، هذا إن كان للفساد صورة أخرى.
وتتهم إحدى الصحف السياسية جهات سياسية بشراء البطاقة الواحدة بـ 500 دولار، لتقوم على أقل تقدير بإتلافها لإسقاط حق التصويت لأصحابها ، ولفئات ودوائر انتخابية محددة، إذا لم تستطع التصويت بها لصالح الجهة التي أشترت البطاقة.
وتستنجد هيئة النزاهة بالمواطنين والصحفيين وغيرهم لإبلاغها بعمليات شراء أصوات الناخبين وسماسرتها ، وحسب تقديرات المراقبين فإن الجميع يعرفهم جيداً.
وواحدة من المفارقات المؤلمة ان الانتخابات على الأبواب وفِي غضون ثلاثة أسابيع فكتشف مفوضية الانتخابات ان قوائم المقترعين تتضمن ٦٠٠ ألف أسم لناخبين متوفين أو أسماء مكررة ، فتضطر لحذفهم!
ويا ترى كم من الأسماء المماثلة ما تزال مدرجة في قوائم الناخبين ، ولمن سيصوت رحمهم الله؟
ويتوقع اكثر المتابعين ، أن ما ستسفر عنه هذه الانتخابات هو عودة القطط السمان والحيتان الى مجلسهم الذي تربعوا فيه منذ الاحتلال حتى يومنا الراهن بصفات عدة، مرة في المجلس وأخرى في الحكومة ، أي تدوير: Recycling.والمستقبل كشاف .
828 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع