ماجد عبد الحميد كاظم
م/ قراءات في صحف عراقية قديمة
نشرت جريدة الاهالي الصادرة صباح يوم الاحد في بغداد بتاريخ 17 /9/ 1933 الموافق 27 جمادى الاولى 1352 نقلا عن جريدة البلاغ المصرية مقالة بعنوان (في جزيرة العرب خطورة الحالة بين ملكي نجد واليمن) وحيث اننا نشهد في هذه آلآونة حربا في اليمن تقودها السعودية من جانب مع من يتقاطع معها من اليمنيين من جانب آخر رأيت من المفيد ان يطلع عليها ابناء هذا الجيل ليعلم ان هذه ليست المرة الاولى التي يكون فيها صراع دموي بين البلدين.
المقالة
القيامة قائمة في جزيرة العرب، والدنيا هناك تموج بالمتهمين من نجد، والمنجدين من اليمن، والاودية تسيل بالنافرين الى الحرب خفاف وثقالا والبحر يعج ويضطرب ويقذف بادوات الهلاك واسباب التلف والبوارعلى عسير - من فوق ومن تحت- والدنيا تنظر وتعجب لهذه الحرب التي يوشك ان تستعر نارها ما داعيها؟ وعلام تدور ارحاؤها الطاحنة؟ وماذا بعدها -ان كان بعدهها شيئ غير الخراب؟؟ ولسنا نبالغ فان التهويل بغيض الينا، ولقد آثرنا الى الان ان نعد الخلاف اهون من ان يدفع الى حرب؟ ولم نشأ ان نرى في التلويح بالقتال الا تخويفا او مناورة ليعود احد الفريقين اساس مقاده وألين في في مجرى العنان، ولكن الانباء التي ينشرونها في نجد تقول ان السعوديين عثروا على وثائق عند قبائل عسير ومع بعض الجواسيس تدل على ان اليمن تريد ضم عسير اليها، او هكذا يقول السعوديون ، وان نجدا تلقاء هذا استنفرت قبائل معينة وشرعت تقذف برجالها من البر والبحر على عسير وتشتري سيارات النقل وتجهزهم بها وتطلقها الى هناك ويقول رواة هذه الانباء في "الاهرام" انهم لم يروا لهذه الاستعدادات شبها وانه اعظم ما شهدوه في حرب الدويش وفي فتنع عسير ولا نذكر ابن رفادة فانه ما سلم حتى ودع، او ما نهض ليضرب حتى جزت رقبته وسوي عليه لحده، والان ماهي الحكاية؟؟ الحكاية باوجز ما نستطيع ان نقصها ان الحكومة السعودية استولت على عسير وبلاد الادارسة بطلب من اهلها، وكانت لها عليها حماية في اول الامر ثم ضمت الى الدولة السعودية ، وقد ظنت نجد انها ارضت اليمن بالتساهل في تعديل الحدود لمصلحتها والنزول لها عن جبل العرو، ولكن اليمن تريد ان تأخذ بلاد الادارسة وعسيرا بحجة من الحجج، ونجد تدعوها الى المفاوضة على اساس الامر الواقع، اي ان يبقى لنجد ما هو في يدها، ولليمن ما هو تحت حكمها من بلاد الادارسة، لان الكلام في غير هذا لا يؤدي الى نتيجة عملية، وليس من شأننا أن نقول أيهما احق بعسير، وما ينبغي لنا ان ندخل بينهما هذا الدخول، ولكننا نقول ان حربا تشب في جزيرة العرب تردها كلها - يمنها ونجدهاعلى السواء- قرونا الى الوراء، وتضعف كيانها وتضعضع وجودها وتعرضها لاشد الاخطار في في الداخل ومن الخارج، ولا يخرج المنتصر بشئ يستحق ما يراق في سبيله من الماء وهذا سر ما في الحرب، فانها لا تستحق ذرة مما تجره من الخسارة في المال والانفس وما تسرقه من الجهود وما تبدده من القوى وما تستنزفه من الحيوية، وما نعرف حربا واحدة في تاريخ الدنيا باسرها تعادلت فيها كفتا الربح والخسارة،او خرج منها المتقاتلان أقوى أو خيرا مما كانا قبل ان يخوضاها. ولو ان الذين يتحفزون للحرب يقيسون دواعيها الى ما تضفي اليه من الوبال، قبل ان يطلقوا الكلمة المؤذية بالحرب لهالهم الامر وارعبهم ما هم مقبلون عليه ولزجرهم ذلك على الارجح عن اضرام هذه النار، ولقد اثير عن امبراطور المانيا السابق انه قال في فاتحة الحرب العالمية "الويل للمغلوب" ولكننا لا نظنه هو او غيره استطاع ان يتصور حقيقة هذا الويل، وآية القصور انه حسب ان الويل سيكون للمغلوب وحده، وقد رأينا انه كان وما يزال الغالب والمغلوب على السواء، بل لعل ما اصاب الغالب كان اهول مما نزل بالمغلوب. وقد تكون بواعث الخلاف بين نجد واليمن موجبة للخلاف، ولكننا لانراها موجبة للحرب، ولقد انكر العالم العربي كله ان يتناحر عاهلا الجزيرة على صخرة جرداء او رقعة من رمال الصحراء، ولو ان سبب النزاع اجل واخطر لما استحق مع ذلك ان تهرق عليه الدماء، وسيرتد للمكان بعد الحرب اذا دارت ضعيفين يطمع فيهما من كان يخشامهما ويتقيهما، ووسيندمان ولكن بعد الاوان، وعهدنا بجلالة الامام يحيى حكيم رزين وبجلالة الملك ابن السعود ان حلمه راسخ واناته طويلة، وحيلته في تدبير الامور واسعة، ولو لم يكن كذلك لما كان ابن السعود، وان تاريخه لشاهد ناطق بما رزقه الله من المواهب الجليلة وهذه امة العرب ما ذنبها حتى تنكبها الحرب وتفجعها في آمالهاوتنسخ لها رجالها في المستقبل الذي تخطو اليه على مهل؟؟
ومن دواعي الارتياح ان الجنود السعودية "تلقت اوامر مشددة باجتناب كل ما من شأنه اثارة القتال؟ وان لا يتعدوا مراكزهم الا بأوامر من الملك رأسا" ولو كان الاتصال السريع باليمن كلاتصال بالحجاز لامكن ان نعرف ما أوامر جلالة الامام الى جنده، وكنا نرجو ان تكون جيوشه المرابطة على الحدودبعيدة عن العدوان او عن ابتداء القتال ولكن هذا لايكفي، وكثيرا ما خالف البطن الظاهر وليس اخطر من ان يقف الجنود متقابلين وما اسهل حينئذ ان يتزاحفا لاهون سببواتفهه، فهلا ردهم الملكان الى حيث لايتيسر الاحتكاك ولا يخشى التواثب؟؟ وليس في الدنيا خلاف يتعذر على التوفيق وعين العقل غير العاطفة، ولا امل في وفاق اذا نزل الملكان على حكم الشعور وقعدا رهن ما تشاء العاطفة والشعور او الاحساس بالكرامة او غير ذلك مما يجري مجراه، ولكن الوفاق سهل اذا حكم العقل وألقى اليه بالزمام، ولعل مما عقد الامور ان جلالة الامام كان مريضا في ابان هذا الخلاف، وان سمو ولي عهده هو الذي كان يسوس الدولة او كان صاحب الرأي في سياستها لمرض جلالة والده، وللشباب جماحته، وللسن تجربتها وما تفيده من الخبرة بالحياة والايام من الاناة والحكمة وبعد النظر وحسن التقدير، وقد شفى جلالة الامام واسترد الاعنة وقبض عليها بيديه الرزينتين، فعسى ان يكون ذلك عونا على ابعاد الحرب واتقاء شرها.
والعلم الاسلامي كله يرقب ما يكون مشفقا بل مستهولا، ونصارح جلاليتهما بانهما لن يفوزا منه بعطف او دعاء اذا وقعت الواقعة، ولا نظن ان بهما استغناء عن رأي العالم الاسلامي وشعوره، وصحيح انهما مستقلان عن هذا العالم.
وقد يكون الاستعداد للحرب حائلا دونهما ومانعا من وقوعهاولكنها نظرية ثبت فسادها فان الاستعداد يلهب الشعور ويحمس النفوس، والتوفيق يتطلب الهدوء بل البرود، وما زال املنا عظيما في حنكة الملكين وصدق غيرتهما على جزيرة العرب وقضيتهم، فعسى ان يصدق فيهما الرجاء.
"ابراهيم عبد القادر المازني"
انتهى الاقتباس
ما اشبه اليوم بالبارحة من حيث ما يحدث الان في اليمن والحملة التي تقودها السعودية على اعتبار انها تساند الشرعية! ولا بد ان نتذكر انه في مطلع الستينيات من القرن الماضي انقلب السلال على الامام البدر ابن يحيى حميد الدين وهما من الطائفة الزيدية وحينها وقفت السعودية مع الامام ، ومصر مع السلال والان انقلب الامر فبعذر مساندة الشرعية تحارب السعودية "الحوثيين"الذين ينتمون الى المذهب الزيدي ، فسبحان مغير الاحوال والمواقف.
وتقبلو تحيات معد قراءات في صحف عراقية قديمة
ماجد عبد الحميد كاظم
833 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع