المعمار سنان

                                          

                        آرا دمبكجيان

                 المعمار سنان

         

سنان، و يُلقَّب بـ "المعمار سنان" أو "المعمار الكبير سنان" Koca Mimar Sinan Aga . ولد في مدينة آغريناز الأرمنية في قيصرية في تركيا في 9 أيار سنة 1490 م، و توفي في 17 تموز 1588 في القسطنطينية (اسطنبول الحالية)، و يعتبر من أشهر المعماريين العثمانيين في وقته.

و على الرغم من محاولات الأتراك طمس هويته الأصلية و إضفاء الغمامة على منبته عمداً أو ... جهالة، فقد ولد سنان من أبوين أرمنيين و سُمِّي هوفسيب، أي يوسف، و هو يؤكد بنفسه ذلك في "السيرة الذاتية" انه درس في مدرسة مسيحية للأعاجم، أي من غير الأتراك، و كما يسميها Ajemi Oglanlar في سنين حداثته في اسطنبول عام 1502 حيث عمل في نحت الحجر و النجارة مع أبيه.
قام السلطان سليم الثاني (حكم 1566-1574) ابن سليمان القانوني بتهجير أرمن مدينة قيصرية جماعياً الى قبرص عام 1573، لكنه أستثنى عائلة "كبير معماري البلاط العثماني" من ذلك. أكَّدت الموسوعة التركية Turk Tarihi Enjumeyi Majmuasi في عدديها حزيران 1930 و أيار 1931 هذه المعلومات. و هذا دليل آخر على معرفة السلطان بقومية سنان.
في 1512 سيق أجبارياً للأنضمام الى القوات الأنكشارية و أعتنق الأسلام لأسباب غير معروفة، فبدأ حياته في خدمة البلاط العثماني و خاصة السلطان سليمان القانوني (حكمَ 1520-1566). أمضى سنان مدة من الزمن في دراسة جدية و تدريب صارم و قاسي و أصبح ضابطا للأنشاءات في الجيش العثماني ثم ترقّى الى قائد للمدفعية.
كشف سنان عن مواهبه المعمارية في 1530 عندما قام بتصميم و بناء الجسور و التحصينات و المنشآت العسكرية . و في 1539 أكمل بناء أول منشأة مدنية غير عسكرية فبدأ يخدم البلاط السلطاني كرئيس للمعماريين، و للسنوات الأربعين القادمة، عندما كانت الدولة في اوجِّ قوتها السياسية.
في أثناء مرافقة الحملات العسكرية العثمانية في الشرق و الغرب، أُتيحت له الفرصة أن يطَّلع على فن العمارة الأرمنية و البيزنطية و السلجوقية و الايرانية و غيرها، و كان ضمن صفوف الجيش عند دخوله تبريز عاصمة الصفويين و عند اجتياحه و احتلاله حلب و دمشق في عام 1516 وصولاً الى القاهرة، و تأمَّل طرز هذه المواقع المعمارية من مسيحية و اسلامية و عربية و مملوكية و فرعونية. و تابع سنان مسيرة التثقيف الذاتي، المعماري و الهندسي و الفني، مع اجتياحات الجيش العثماني في أوروبا، و تعرَّف على المدن اليونانية و المجرية و وصل مع اسطول خير الدين بربروسا الى ايطاليا. جاء سنان مع الجيش الى بلاد وادي الرافدين و درس البناء المعماري للمدن القديمة و مواقع بغداد.
يذكر سنان في مخطوطة "تذكرة الأبنية"، و هو كتاب أملاه على صديقه النقاش ساعي مصطفى جلبي جدولاً لأعماله التي بلغت 441 عملاً هندسيا و معماريا موزعة على مختلف أصقاع الدولة العثمانية الواسعة. و تشهد أعماله العديدة على معرفة عميقة بأسرار فن الهندسة المعمارية و ذوقه الرفيع بسبب اضافة عناصر عديدة من فنون بناء الشعوب المجاورة الأكثر تقدماً و حضارة من الأتراك العثمانيين، و خاصة ان العمارة العثمانية كانت في طور التشكيل في هذه القرون و ما بعدها، على الرغم من تبنّي الأتراك حضارات الشعوب المستعمَرة أو تقليد معالم أنشائية و بنائية في الأوابد التي أستعمروها.
و من جملة ما صمَّم و بنى من معالم ضخمة في تركيا وحدها:
- 79 جامعا، 34 قصرا، 33 حماما شعبيا، 19 قبرا، 55 مدرسة للتعليم، 16 دارا لإيواء الفقراء، 7 مدارس دينية اسلامية، 21 خانا للقوافل، و غيرها كثير.
و شيَّد سنان في الأوابد العربية جوامع و منشآت خيرية منها جامع خسرو باشا او الخسروية مقابل الباب الرئيس لقلعة حلب، و جامع و مطعم السلطان سليمان في دمشق، و مطعم خيري و جامع خاصكي سلطان، و مدرسة و حمّام السلطان سليمان في مكة، الى جانب ترميم قباب الحرم المكي، و مطعم خاصكي سلطان الخيري في المدينة المنورة.
و من أشهر الأعمال الثلاثة للمعمار سنان جامع شهزادة و جامع سليمان الأول القانوني في اسطنبول و جامع سليم في ادرنة.
يؤكد استاذ الفن التركي جلال أسعد أن سنان اهتم بالأشكال الخارجية للأبنية عكس المهندس البيزنطي. و من الجوامع التي قام ببنائها في اسطنبول، و أروعها و أدقّها فناً جامع صقوللو محمد باشا و جامع رستم باشا و جامع شهزادة و جامع السليمانية.

بدأ سنان بأنشاء جامع السليمانية في 1550 و أنتهى منه في 1557، و استخدم في بنائه نظام القبة المركزية (انطلاقا من الكنائس الأرمنية) و أثنتين من أنصاف القباب. يبلغ ارتفاع قبة جامع السليمانية 53 متراً، أي بزيادة 6 أمتار عن قبة كنيسة آيا صوفيا البيزنطية، كما درجت العادة، و التي حوَّلها الأتراك الى جامع و قاموا بطمس معالمها الملونة البديعة و ذلك بطلائها بالكلس الأبيض، و يبلغ قطر قبة جامع السليمانية 25,5 متراً. ركز سنان في بناء هذا الجامع على جميع فنون عصره في هندسة البناء و بشكل خاص على عوامل انعكاس الصوت و الضوء و نظام التهوية بحيث تتم بسرعة و بسهولة.
وضع سنان أربع مآذن، واحدة في كل زاوية من زوايا الجامع مُشيراً و مؤكداً على ان السلطان سليمان القانوني كان رابع سلطان عثماني منذ احتلال القسطنطينية. و في الوقت نفسه شيَّد سنان عشر شرفات على هذه المآذن معلناً ان السلطان سليمان كان في ذلك الوقت عاشر سلاطين بني عثمان منذ عثمان الأول مؤسس الدولة العثمانية. أقام سنان هذه المآذن بارتفاعات مختلفة بقصد اضفاء شكل هرمي على الجامع. و تحتوي كلية السليمانية على اقسام عدة و هي مدرسة عليا لتدريس الطب و اربع مدارس و كُتّاب للصبيان و مدرسة للملازمين و دار للحديث و حمّام و مستشفى و دار للضيافة و مطبخ و دار للقراء و تدريس القرآن و ضريح السلطان سليمان و ضريح حرمه و عين ماء و سبيل و ضريح المعمار سنان.
أما مجمع السليمية فيُعّد من أشهر الأعمال المعمارية في عهد السلطان سليمان القانوني، بل في التاريخ العثماني كله، لأنه يمثل اكثر مراحل فن العمارة العثمانية تطوراً. بناه سنان في 1557 بعد انتهائه من بناء جامع السليمانية. اختار لبناء المجمع ربوة عالية تتحكم بالخليج الذهبي و البوسفور. و يتألف المجمع من جامع و مدرسة و مطعم و غيرها، و هي الكلية الثانية المشيَّدة في اسطنبول بعد الكلية التي أبتناها السلطان محمد الأول لجامعه.
توفي سنان عام 1588 في سن المائة تقريبا و خلَّفه في منصبه المعمار داود آغا. آرَّخ صديقه النقاش ساعي مصطفى جلبي تاريخ وفاته قائلا: "مات سنان معلم المعماريين في هذا الزمان فأحسنوا الى روحه أيها الكهول و الشبان بقراءة الفاتحة."
يعتبر المعمار سنان من عباقرة الفن الهندسي المعماري عبر التاريخ الطويل للبشرية، و قيل عنه الكثير:
-- دائرة المعارف الأسلامية: " يعتبر سنان واحدا من أعظم المعماريين الذين ظهروا عبر العصور التاريخية كلها."
-- في مؤلفه "الحضارة الأسلامية" أكَّد بارتولد: "لم تكن أعمال سنان أقل شأناً من الناحية الفنية عن الأعمال المعمارية الأوروبية في عصر النهضة."
-- أكد بابنكر في بحث له: "ان سنان ميكائيل آنجلو العثمانيين."
-- ذكر البروفيسور الألماني كلوك من جامعة فيينا: "يتفوق سنان على ميكائيل آنجلو فنياً الذي هو اكبر اسم فني في الحضارة الأوروبية."
-- يصفه المؤرخ التركي احمد رفيق كالآتي: "لقد بلغ حُب الأمة العثمانية لسنان حدّاً جعلها تمنحه لقب (سنان الكبير رائد معمار العالم)."
و أخيراً، خدم سنان كمعمار باشي خاص للبلاط العثماني طوال حياته المديدة خمسة سلاطين عثمانيين هم بايزيد الثاني و سليم الأول و سليمان القانوني و سليم الثاني و مراد الثالث.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

826 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع