علي المسعود
قضية فلسطسن فس الفيلم اللبناني / القضية ٢٣
القضية الفلـسطينية باعتبارهـا القـضية المركزيـة للأمـة العربيـة، و القضية الراهنة والملحة و المغمسة بأسئلتها الدائمة بحاجة فعلية للسينما و التي هي وسيلة من وسائل الاتصال الجماهيري، بل وبحاجة لتعامل جاد وشامل معها ، فالسينما تستطيع أن تطرح واقـع القـضية الفلسطنية وتحلّل ظروفها، وتعالج جوانبها المختلفة، ويمكن لها أن تنقل صـوت الانسان الفلسطيني المقاوم إلى جميع شعوب العالم،و كذالك يمكن للسينما أن توثق معاناة الشعب الفلسطيني و كذالك تفضح الممارسات اللانسانية بحق الناس العزٌل من قبل الاحتلال الاسرائيلي والسينما أيضأ تستطيع ان تقفز فـوق حـواجز اللغـة ويمكن لها أن تعيد صياغة المواقف العالمي تجاهها.كما أن لغة السينما والفن والثقافة هي الأقوى في ايصال صوت الانسان الفلسطيني المقاوم، فنحن الأن في عصر الصورة والتكنولوجيا، وكلها أشياء تنقل للعالم صورة الواقع الذي يعيشه الفلسطنيين وبالتالي تصب لصالح القضية الفلسطينية . السينما لنا (نحن العرب) مهمة جدا لعرض قضيتنا وهي قضية الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي على المكان والهوية والتاريخ وكلها أشياء لا يوجد شيء يعبر عنها أقوى من السينما، والعالم لن يستطيع أن يفهم ويعرف أشياء كثيرة عن الفلسطنيين وقضيتهم مع الاحتلال سواء سياسيا أو اجتماعيا وعن المجتمع والحياة والعادات التقاليد والجغرافيا وغيرها بدون السينما.
يقول الناقد الفرنسي سيرج لوبيرون: “إن السينما جزء لا يتجزأ من الذاكرة الفلسطينية، ذاكرة انفجرت في الزمان والمكان شظايا صغيرة، قطعا من أفلام ومن صور وأصوات محفوظة في علب يصعب التعرف عليها، تجب إعادة تجميعها وتصنيفها وحفظها، لأنها برهان على وجود له ماض وعلامة وهوية وتاريخ بحد ذاته".
فالسينما تستطيع دائماً القيام بمهمة طرح مواضيع القـضية العربية، وأسئلتها، بجرأة وعمق!.. وتستطيع بالصورة (الصورة التي تـساوي عـشرة آلاف كلمة) نقل الحقائق مهما كانت مريرة و ومفجعة، ومهمـا كانـت كارثيـة الإيقاع.. والقضية الفلسطينية تحتاج دائماً للسينما، على الأقل من أجل تكـوين رأي عام، ومن أجل خدمة الأهداف العليا، وعن طريق نقل واقع حال الانسان الفلسطيني في الداخل و الخارج , إن الصراع العربي - الإسرائيلي ليس فقط داخلي، وإنما صراع على الرأي ونقله إلى العالم والرأي العام الدولي، ولذا فالرهان على الخارج، والسينما لها دور مهم في ذلك . وعلى الجانب الاخر يمكن ان تكشف الكاميرا الكثير من المفردات في حياة اللاجئين الفلسطينين والتي تستطيع السينما بالصورة والعين الفاحصة أن تبين للعالم كفاح هؤلاء الشريحة من البشر والذين حرموا من ديارهم وشردوا وهم لازالوا يكافحون من أجل الصمود والبقاء بالرغم ما يواجهون من قسوة و ووجع واذا دارت الكاميرا وكشفت لنا واقع حال المخيمات ومعاناة اللاجئين وفضح وحشية و قسوة الاحتلال الاسرائيلي فتكون رسالة السينما قد وصلت الى كل العالم .
في فيلم ( القضية 23) أو ( ألاهانة وهوالعنوان الانكليزي للفيلم) يناقش القضية الفسطينة من خلال منظورآخر وهو واقع اللاجئ الفلسطيني في البلدان العربية ومن خلال الفيلم الذي يحكي الاحداث المشتركة بين اللبنانيين والفلسطينيين , الفيلم من بطولة كامل الباشا وعادل كرم ودياموند بو عبود وريتا حايك وطلال جوردي وجوليا قصار و كريستين شويري، وهو من تأليف جويل توما بالاشتراك مع مخرجه زياد دويري وفاز بطل الفيلم الفلسطيني كامل الباشا بجائزة أفضل ممثل بمهرجان فينسيا، فيما فاز بجائزة نجمة مهرجان الجونة الفضية . كما أن الفيلم نافس على جائزة أوسكار عن فئة أفضل فيلم أجنبي، و قد لقى ردود فعل إيجابية، كما أن كامل الباشا نفسه حاز على جائزة أفضل ممثل في مهرجان فينيسيا الدولي. يبدأ الفيلم بمشادة حادة تقع بين طوني (يؤدي دوره عادل كرم) المسيحي اليميني وياسر (كامل الباشا اللاجئ الفلسطيني المسلم المقيم في لبنان في أحد أحياء بيروت وتتحول إلى قضية رأي عام وتقود الرجلين إلى مواجهة في المحكمة , وفيما تنكأ وقائع المحاكمة جراح الرجلين وتكشف الصدمات التي
التي تعرضا لها يؤدي التضخيم الإعلامي للقضية إلى وضع لبنان على شفير انفجار اجتماعي، مما يدفع بطوني وياسر إلى إعادة النظر في أفكارهما المسبقة ومسيرة حياتهما.
قصة الفيلم بسيطة في البداية وتبدأ بهبوط المياه من مزراب طوني (عادل كرم)، الذي يسقي زريعته على البلكون، فوق رأس ياسر (كامل الباشا)، في فترة إشرافه على ورشات التأهيل العمراني في الحي . بهذه الحادثة، يندلع الصراع بين شخصيتي، المسيحي والفلسطيني، وبعد هذه الحادثة، تنتقل القصة على وتيرة واحدة، ذاهبةً من التطور الدرامي على أساس سبب ونتيجة إلى المبالغة في تعقيد الحبكة وجعلها مفرطة في تخييلها إلى درجة غريبة. كان لطوني نصيب كبير من الحوار، بينما كانت شخصية ياسر تلتزم الصمت وهو ما أداه ببراعة الفلسطيني كامل الباشا. كان صمته بكل هذا الاحتقان الغاضب تكثيفا جميلا ومبهرا وحزينا لمأساة الفلسطيني، بذات الوقت الذي كانت تحولات طوني الانفعالية تعبيرا صارخا عن تشظي في الروح. يجد طوني، المسيحي في ياسر رمزا لكل ما خلفته الذاكرة بكل قسوة في روحه من ذكريات الهجرة البشعة من الدامور ذات يوم، فيتمنى لو أن شارون محا الفلسطينيين بالكامل وهذه الكلمة تجرح المهندس الفلسطيني فيردها بضربة موجعة لطوني بعد هذه الحادثة يطلب طوني اعتذارا من المهندس الفلسطيني، وحين يستعصي الاعتذار تتصاعد القضية
إلى دعوى في المحكمة، وهنا تبدأ المحاكمة، وتنتهي إلى محاكمة خارجة عن سيطرة طوني وياسر، محاكمة تاريخ وذاكرة جمعية منقسمة ومتشظية.
يطرح زياد دويري في هذا الفيلم، وفي سرديته الأنيقة والذكية جدا، معضلة الاعتذار، لا في الاعتذار المنتظر من ياسر لطوني وحسب، بل في اعتذار الجميع للجميع عن كل شيء .
لقد اعتذر ياسر الفلسطيني في النهاية، وقد تلقى ضربة مماثلة للضربة التي وجهها لطوني في بداية الفيلم على ضلعه، وحين تساوى الوجع لديهما، حين انكسر شيء ما بداخلهما بالتساوي والتعادل، قدم الفلسطيني اعتذاره وانسحب , اعتذر ياسر لطوني، ولم يعد بالإمكان إطفاء النار خلفهما والتي لاتزال تحمل تحت رمادها جذوات اشتعال محتملة , الفيلم يسلط الضوء في موضوع الصراع المسيحي - الفلسطيني من خلال طبائع طوني وياسر، ومن خلال ملاسنتهما وتعاركهما، ومن خلال كيفيات تفاعلهما مع الأزمة الموجودة بينهما. وإلى جانب هذه القصة هناك خط موازي للقصة الاساسية ، يتضمن تسليطاً الضوء على للسلطات السياسية والحقوقية وبشكل نقد لاذع ، تلك السلطة التي يجسدها "النائب" والمحامي المغتر بذكائه وجدي وهبي (كميل سلامة)، الذي يدافع عن طوني، بالإضافة إلى ابنته (ديامان بوعبود)، التي تتحداه، مدافعةً عن ياسر، قبل أن ترتد إليه في وقت تهديد سلامته. ويتحول الخلاف الصغير بين الرجلين الى مواجهة كبيرة في المحكمة تتطور الى قضية وطنية تفتح ملفات الحرب الاهلية المثيرة للجدل بلغة سينمائية جميلة ومتماسكة.شبه تأريخي، عبر استعادة أيلول الأسود ومجزرة الدامور.
فيلم "قضية رقم 23" يبحث بين أمور عدة أخرى، في ضرورة المصالحة مع الذات و المصالحة مع الآخر والتي لا تكتمل من دون المصالحة مع الذات. والفيلم الذي يعتبر الأول لبنانيا المنتمي إلى أفلام محاكاة الماضي و محاكمته والذي يحمل أيضا جرعات من ألأمل والمشاعر ألأيجابية والفيلم يتضمن
مشاهد لا تخلو من الطرافة على الرغم من تناوله قضايا شائكة. ويشرح مخرج الفيلم الدويري “اخترت هذا النوع من أفلام المحاكمة لأقول أن الفيلم هو مسألة نفسية قانونية، والمحكمة هنا وسيلة لنصل إلى المصالحة الذاتية والوطنية".
الفيلم الذي يحلل بذكاء ونضج سوسيولوجي ونفسي الانقسام السياسي والطائفي في البلاد و الفيلم برأي مميز من ناحية التصوير السينمائي، الألوان، الإضاءة، المشاهد القوية، الصوت، التمثيل وقد
فاز الممثل الباشا بجائزة أفضل ممثل في مهرجان البندقية السينمائي.
وفي الاخير الفيلم "يفتح نافذة ضرورية نطل منها على فصول من الذاكرة اللبنانية والتي كانت بمثابة خطوط حمراء من الصعب تناولها وطرح أسئلتها،لانها تكشف الكثير من الملفات من تاريخ العلاقة و الاحداث المشتركة بين اللبنانيين والفلسطينيين.
علي المسعود
المملكة المتحدة
738 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع