بقلم : د. بهنام ابو الصوف
ترجمة : عبدالسلام صبحي طه
بعثات التنقيب اليابانية في العراق
في ربيع العام 1956 قرر معهد الآثار الياباني في جامعة طوكيو , البدء بأعمال التنقيب لأول مرة بالعراق.، وقد اختاروا 3 مواقع مابين الموصل و تلعفر والمعروفة بتلول الثلاثات , والتي يتراوح عصرها مابين الألف السادس ( حسونة ) , صعودا الى منتصف الألف الثاني ق. م (الحوريين ) ، في ذلك الوقت كنت في بداية حياتي العملية كآثاري, واقوم بمهام التحري في دائرة الآثار الشمالية ، وكان مقري آنذاك في متحف الموصل.
في صباح يوم رائع من ربيع ذلك العام , وجدت نفسي في محطة الموصل للسكك الحديدية منتظرا
المدير العام لمديرية الآثار القديمة العامة آنذاك الدكتور ناجي الأصيل , والذي ترجل من عربته في الدرجة الأولى بصحبه رجل ياباني تبدو عليه سمات الهيبة و الأستقراطية ، متبوعا بالأستاذ فؤاد سفر .
قدم د. الأصيل ضيفه على أنه صاحب السمو الملكي تاكاهيتوميكاسا, شقيق أمبراطور اليابان , بعد فترة استراحة قصيرة في فندق المحطة ذهبنا جميعا الى متحف الموصل للإطلاع على معرض الحضر، ثم غادرنا الموصل الى تلول الثلاثات للإطلاع على مجريات الأعمال التنقيبية لجامعة طوكيو .
كما علمت لاحقا فأن الأمير ميكاسا يعتبر من الآثاريين المعروفين , وهو أستاذ في الفن القديم وحضارة غرب آسيا ورئيس معهد الآثار في جامعة طوكيو ، كانت نتائج التنقيب للبعثة اليابانية في موقع تلول الثلاثات مفيدة وحالفها النجاح وقد نقبوا في المواقع الثلاثة. ونشر عن نتائجها لاحقا تقارير رائعة ، رفدت المكتبة الآثارية بعدة مجلدات عن نتائج تلك التنقيبات.، حيث كشفوا عن تاريخ الموقع و استمرارية استيطانه منذ الالف الثالث ق.م ، في ربيع 1964 ، قد تم الإعلان عن كشف مهم في تلول الثلاثات من قبل زميلي الأستاذ سونو ، في التل الثاني منها، كان هناك خندق دفاعي يحيط طبقة العُبيد من الألف الخامس ق.م ، وقد هرع الأستاذ سونو الى حيث كنت أنقب في تل الصوان , ليحيطني علماً بهذا الاكتشاف ويقارنه باكتشافي السابق لخندق مماثل في الموقع،لكن وفاته المفاجئة كانت خسارة كبيرة ليس فقط لزملائه ولكن للحقل الآثاري، .كان ليصبح أحد الآثاريين المشهورين المختصين ببلاد مابين النهرين .سنستذكره دوما بإعجاب وحزن .
ارتبط اسم آخرلزميل ياباني مهتم بآثار مابين النهرين، والذي غطت جهوده الكثير من النقص الحاصل جراء غياب المنقبين في تلول الثلاثات لمدة عقدين تلت, ألا وهو الأستاذ هيدو-فوجي رئيس قسم الآثار في جامعة كوكو شيكان في طوكيو ، والذي تعرفت على منجزه المهم وتنقيباته في كهوف الطار، في الطريق الى الأخيضر, غرب كربلاء، وقد أثار اعجابي لصبره وتفرغه لهذا الحقل , بالرغم من الظروف المختلفة والطبيعة الجغرافية الصعبة، استطاع أن يستقرأ نشاطات الإنسان ومنجزه والمخبوء تحت الأرض منذ 2000 سنة مضت .
تعرفت على هيدو بشكل أقرب في نهاية السبعينيات عندما كنت مشرفا على الجهود الإنقاذية في حوض حمرين، اصطحبته وفريقه في ظهيرة يوم خريفي من العام 1977 الى أبعد نقطة في حوض حمرين حيث يلتقي جدول نارين مع نهر ديالى قرب قرية نوزي أمين , ودعوته لرؤية تل مخروطي به بقايا من عصر اروك المتاخر , جمدة نصر , والسلالات الأولى .
قلت له : هيدو هذا تل جيد، ستكون نتائجة رائعة بالنسبة لك . هل تود بأن تأخذه، فوافق على الفور .
انا سعيد الآن لأن توقعي كان في محله و اثبت ذلك الموقع المعروف ب ( تل كبه ) ، بأنه احد أهم المواقع المهمة في الحوض معماريا وما الى ذلك
.فقلب البناء المدور المكتشف في تل كبه، احتوى ربما هيكلا رمزيا للآله (دوموزي)، أحد أهم الآلهه السومرية.
أصبحنا أصدقاء وكنت خلال زياراتي للموقع أحرص على زيارته في موقعه مرة الى مرتين بالاسبوع لثلاث سنوات تلت , وإثر نشرات رائعة للبحوث تمكن الأستاذ فوجي من منح (تلة كبه ) الشهرة والمكانة التي يستحقها.
شهرة البناية الدينية المكتشفة في تل كبة , دفعت الأمير تاكياهيتو ميكاسا و زوجته الأميرة ميكاسا الى تجشم متاعب السفر ليوم بكامله عبر طرق ترابية مغبرة باتجاه حوض حمرين .قمت بمرافقتهم الى الموقع وأخذنا استراحة طويلة في مقر البعثة التنقيبية اليابانية في قرية نوزي أمين , وقد صحبتنا زوجة السفير الياباني في بغداد وقامت بواجب الضيافة و تقديم أطباق يابانية لذيذة ، صحبتها أطباق عراقية حازت على إعجاب الاميرة ميكاسا.
بعد خمسة سنوات ، نشرت كتابي عن فخار أوروك ، قدمت نسخة منه الى الأمير ميكاسا , أبلغني زميلي الأستاذ فوجي بان الكتاب قد حاز على إعجاب الأمير وقد قرر ترجمته إلى اليابانية، لأغراض الدراسة في الجامعة .
الأستاذ فوجي وفريقه انتقلوا بعد ذلك من حمرين الى سد القادسية في أعالي نهر الفرات .
بعد العام 1982 جائني الاستاذ فوجي مع فريقه للمساهمة في التنقيبات الانقاذية في حوض سد صدام (الموصل) في منطقة اسكي موصل ، وقد قام بالكثير من التنقيبات في مواقع مهمة يغمرها الماء من ضمنها جيكان، فينسا، مشرافة وثاويجة ، والتي غمرها جميعا ماء السد الان.
أن الشباب الآثاريين الأربعة الذي عملوا تحت اشراف الأستاذ فوجي الان في أوروبا يقومون باتمام دراساتهم عن العصور الحجرية في بلاد مابين النهرين ، العصور الحجرية الحديث في موقع حمرين , الالف الثاني في اسكي موصل .
أعتقد أن هذا الإنجاز يحسب كثيرا للصديق هيدو فوجي لتشجيعه الجيل الجديد لكي يطوروا معارفهم ودراساتهم لإغناء علم الآثار.
1-نُشرت في Iraq Review - , May 15, 1985 ( المترجم )
2-آثاري عراقي ( 1931-2012 )، حاصل على الماجستير والدكتوراه في عصور ما قبل التاريخ من جامعة كيمبردج و اشتهر بتنقيباته في تل الصوان – سامراء حيث كشف عن حضارة عراقية قديمة ترقى الى الالف السادس ق.م ، و ادار مديرية الاثار في المنطقة الشمالية لسنوات وقد حاضر ودرس في العديد من الجامعات العراقية.( المترجم )
3-باحث عراقي ، اصدر مذكرات د. بهنام ابو الصوف و له كتاب عن الكارثة: نهب آثار العراق وتدميرها و كتاب مترجم عن ( العراق القديم ) ومقالات في الارث الثقافي العراقي. وله موقع العراق في التاريخ : www.iraqinhistory.com
4-Professor Sono ( المترجم )،
5-Professor Hiedo Fujii : Emeritus Professor of KOKUSHIKAN UNIVERSITY ( المترجم ) 2013-1927 ،
731 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع