خالد القشطيني
الأساطير أيضاً تتطور
مهما كبر الإنسان يبقى طفلاً. ومهما تعلم الطفل يبقى متعلقاً بالأساطير. كل ما في الأمر أن هذه الأساطير تتغير في طبيعتها من عصر إلى عصر. كان الناس في العالم القديم يؤمنون بأساطير الوثنية؛ بأسطورة أبوللو وإيزيس وتموز... وهلم جرا. وفي العصور الوسطى أخذوا يؤمنون بالعفاريت والعمالقة والأقزام. وجاءنا أخيراً العصر الحديث؛ عصر العلوم. وتوقعنا أن العلوم ستقضي على كل هذه الأساطير وتبدد أوهامها. بالفعل قام العلم الحديث بالقضاء على ذلك. ولكنه جاء بأساطيره الفريدة الخاصة به.
أساطير العصر الحديث أساطير علمية. طبعاً لا أقصد بذلك أنها حقيقية وواقعية. كلا، فالأسطورة تبقى كذلك؛ وإلا فهي ليست أسطورة. إنها لا تقل وهماً وزيفاً عن أساطير العفاريت والأوثان، ولكنها تختلف عنها بصفتها العلمية. والآن حق للقارئ أن يطالبني بأمثلة. راجت في بريطانيا قبل سنوات حكاية رجل عانى من حكة في عينه، يهرش فيها حتى تصبح كالبنجر. قالوا إن عشاً من القمل عشش وراء عينه. كيف؟ قالوا إنه كان في الصف الأول من المسرح وكان أحد الممثلين يلوح بحزام محشو بالقمل، وحدث أن مس الرجل وجهه فانتقل القمل إلى عينه. تبين بعد أسابيع أن الحكاية من أولها لآخرها أسطورة من نسج الخيال. خيال من؟ الله أعلم. إنها واحدة من أساطير العصر.
وهي تذكرني بحكاية سمعتها في بغداد عن فتاة في سن المراهقة وقد حملت. أخذها أهلها للطبيب فأكد لهم أنها حامل ولكنها ما زالت بكراً ولم تختلط بأي رجل. لدى التحقيق قيل إنها لبست لباساً لأخيها المراهق أيضاً. وشاءت الصدف أن كانت عليه بعض الحيامن منه. فانتقلت إلى جسمها وتوغلت إلى الرحم وسببت الحمل.
سمعت هذه الحكاية من عدة مصادر. هذه أسطورة أخرى من أساطير العصر لا تقل خيالاً عن أسطورة شهرزاد وشهريار.
لا يصدق الإنجليز معظم ما يقوله وزراؤهم. ولكن كثيراً منهم صدقوا حكاية «شبل الأسد» التي رواها الجاهل منهم والعالم. قال المصدر إن امرأة إنجليزية ذهبت لزيارة أخيها في الهند، ورأت هناك أرنباً سائباً في حالة يرثى لها من الجوع والتدهور. فعطفت عليه كأي امرأة إنجليزية تجد حيواناً أمامها. قررت أن تنقذه وتحمله معها إلى بريطانيا وتهربه عبر الجمارك خلافاً للتعليمات. وهذا ما تم. ولكن هذا الأرنب أخذ يعاني من الجو الإنجليزي والأكل الإنجليزي البغيض. فساءت صحته وفقد شهيته ولم يعد يعبأ بما تقدمه له من طعام. أخذته للطبيب البيطري لفحصه ومعالجته. سألها الطبيب عن علته، فراحت تروي له شيئاً عن أعراض مرضه. قالت إنه لم يعد يعبأ بما تقدمه له من طعام الأرانب: الخس والجزر... ونحو ذلك. ولكنه يفضل أكل اللحوم والأجبان. سألها الطبيب: من أين جئتِ به؟ قالت: من دكان الحيوانات في باترسي. قال لها: إنك تكذبين، فهذا الحيوان ليس أرنباً وإنما شبل أسد من الأنواع المعروفة في الهند.
راح الإنجليز يستأنسون بهذه الحكاية ويرويها بعضهم لبعض، ولكن سرعان ما اكتشفوا أن الحكاية ليست سوى أسطورة من أساطير العصر!
717 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع