بقلم: سيمون عيلوطي
كتاب "مرايا في الأدبِ والنَّقدِ والثقافةِ"للدُّكتور محمَّد خليل مشروعٌ رائدٌ لإرساءِ ثقافةِ نقدِ النَّقدِ
تنويه:
أنوِّهُ، بدايةً، إلى أن الدكتور محمَّد خليل كانَ قد أصدرَ كتابينِ في ذاتِ الموضوعِ، قبل هذا الكتابِ: الأوَّلُ "نقدٌ على نقدٍ-عام 2007" والثاني "أوراقٌ نقديةٌ-عام 2014". من هُنا جاءَ كتابُ "مرايا في الأدبِ والنقدِ والثقافةِ" موضوعُ النَّدوة، (الحلقةُ الثالثة) استكمالاً لمشروعِهِ الذي يبادرُ من خلالِهِ لتأسيسِ ثقافةِ نقدِ النَّقدِ.
أمَّا بعدُ:
يواصلُ الدكتورُ النَّاقدُ محمَّد خليل في كتابِهِ الذي صدرَ حديثًا، بعنوانِ: "مرايا في الأدبِ والنقدِ والثقافةِ" مشروعَهُ مع النَّقدِ، وسعيَهُ الدَّؤوبَ في معالجتِهِ لحركتِنا الأدبيَّةِ والثقافيَّةِ، سواءَ كانَ ذلكَ في البحثِ والدّراسةِ، أو من خلالِ محاضراتِهِ التي يقدِّمُها بينَ الحينِ والآخرَ في مختلفِ المنتدياتِ والمراكزِ الأدبيّةِ.
المظاهِر التي شكَّلت الأدب الفلسطينيّ:
لاحظتُ من خلالِ قراءتي لكتابِ "مرايا في الأدبِ والنَّقدِ والثقافةِ" أنَّ الدكتور محمَّد خليل يُسلِّطُّ الضوءَ على أهمِّ المظاهِرِ التي مرَّتْ على مشهدِنا الأدبيِّ الفلسطينيِّ عبرَ مراحلِهِ التَّاريخيَّةِ -المفصليَّةِ التي تَشَكّلَ هذا الأدب في ظلِّ مُناخاتِها وتطوَّرَ. فنراهُ يتوقَّف ُ في الفصلِ الأوَّلِ من الكتابِ عند: "مظاهرِ الحياةِ في فلسطين قبلَ النَّكبة"، متطرّقًا إلى "عهدِ الحكمِ العثمانيِّ" من مختلفِ جوانبِهِ: "السّياسيَّةِ، والأدبيّةِ، وتطوُّر الصَّحافةِ والصُّحفِ العربيّةِ في فلسطينَ قبل الانتدابِ البريطانيِّ".
أمَّا في الفصلِ الثاني، فيتناولُ "واقعَ النَّقدِ الأدبيِّ قبل النَّكبةِ" ما يساعدُهُ على الولوجِ في الفصلِ الثالثِ، إلى: "مظاهرِ الحياةِ عامَّةً بعدَ النَّكبة".
تتوالى فصولُ الكتابِ في سردِ وتحليلِ ودراسةِ الظَّواهرِ الأدبيّةِ، والاجتماعيَّةِ، السّياسيَّةِ والاقتصاديّةِ التي واكبت أدبَنا الفلسطينيَّ في تلكَ المراحلِ، فبلورتهُ وجسَّدت ملامحَهُ، مضامينَهَ، وأشكالَهُ الفنيَّةُ الخَّاصةُ بهويَّتِهِ التي ميَّزتهُ بنكهةٍ تختلفُ عن النَّكهةِ الأدبيّةِ التي نُحِسُّها في أدبِ الأقطارِ العربيّةِ، وإن كانَ رغمَ فلسطينيَّتِهِ يعتبرُ جزءًا لا يتجزَّأ من المشروعِ العربيِّ الأدبيِّ خاصَّة، والثقافيِّ، الانسانيِّ عامَّة.
معالجاتٌ نقديَّة:
تضمَّنَ الكتاب بالإضافةِ إلى ذلك، معالجاتٍ نقديَّةً لعددٍ من الأعمالِ الشعريَّةِ والقصصيّةِ. استوقفتني من بينِها دراسةٌ خصَّصها الباحثُ لروايةِ نجيب محفوظ "حضرة المحترم"، ولعلَّ صاحبَنا الدُّكتور محمَّد خليل، أختارَ هذه الرِّوايةَ لاعتبارِها محطّةً بارزةً في أدبِ محفوظ، بعد محطَّتيِّ "الطَّريق" و "ميرامار" من جهةٍ، ومن جهةٍ أخرى، ربَّما لأنهُ أرادَ في هذه الدّراسةِ أن يخرجَ عن الخطِ العام للكتابِ الذي خصَّصهُ للنَّقدِ المحليِّ، ليدلِّلَ على أنَّ النَّقدَ حين يكونُ موضوعيًّا، فإنَّهُ لا يفرّقُ في معالجتِهِ بين المحليِّ والعربيٍّ في أيِّ حال.
الأدبُ لا يتشكَّلُ من فراغٍ:
يؤكّدُ المؤلّف من خلالِ نظرتِهِ الشَّاملةِ الواردُ ذكرُها آنفًا، أنّ "الأثرَ الأدبيَّ، شعرًا ونثرًا، وكذا كلُّ أثرٍ فنيٍّ، لا يتشكَّلُ من فراغ، إنَّما ينشأ مرتبطًا بسياقاتٍ متعدّدةٍ من ذلكَ المنطلقِ"، وبالتَّالي: "لا يحقُّ لأيِّ قارئ، أو باحثٍ، أو ناقدٍ أن يقرأَ، أو يدرسَ نصًا ما بمعزلٍ عن سياقاتِهِ الاجتماعيّةِ، والثقافيّةِ، والاقتصاديّةِ، وحتَّى السياسيَّةِ! فالنّصُ نفسُه، أدَبِيًا كان أم فكريًا، هو بُنيةٌ لغويَّةٌ، فنيَّةٌ، يُعَبِّرُ عن واقعِ المجتمعِ، وينبثقُ عنهُ". وفي هذا السِّياقِ قالَ أحدُ الأدباءِ ما معناهُ: "إذا أردتَّ أن تعرفَ شعبًا من الشّعوبِ، فاذهب إلى فنونِهِ".
ثقافة نقد النقد:
أرى أنَّ هذا الكتابَ يشكِّلُ قفزةً نوعيّةً في قيمتهِ المضافةِ لحركتِنا النّقديَّةِ والثقافيةِ، لا يندرجُ مثلَ النَّقدِ الأدبيِّ عند البعضِ، تحتَ باب العلاقاتِ العامَّةِ، أو لاعتباراتٍ فئويَّةٍ، حزبيَّةٍ، أو لغيرِ ذلكَ من الأمورِ التي لا تمتُّ للنَّقدِ الموضوعيِّ بصلةٍ. مؤلّفُ الكتابِ: يُغامرُ في الإبحارِ في بحرِ النَّقدِ المنهجيِّ ليصلَ إلى "نقدِ النَّقدِ": يقولُ بهذا الصَّدد، ص: (118) "تهدفُ الدّراسةُ إلى الوقوفِ على واقعِ ((نقدِ النَّقدِ)) في أدبِنا المحليِّ في ضوءِ النَّقصِ الحادِ الذي تعانيهِ مسيرةُ حركتِنا الأدبيَّةِ والنقديَّةِ. لم يحظَ هذا الموضوعُ إلى الآنَ، باهتمامِ كتَّابِ النَّقدِ الأدبيِّ المحليِّ، وخيرُ دليلٍ على ذلك، أنَّ المتتبِّعَ لا يلحظُ وجودَ كتابٍ خاصٍ بنقدِ النَّقدِ". هذه الدَّعوةُ الصريحةُ لمعالجةِ النَّقدِ بالنَّقدِ، أراها في محلِّها، وأعتقدُ أنَّها سوفَ تُحِدُّ من تلك الفوضى العارمةِ في مجالِ النَّقدِ عندَ البعضِ، والتي أخذت في الآونةِ الأخيرةِ تنتشرُ بشكلٍ لافتٍ، مستغلَّةً سهولةَ النَّشرِ على صفحاتِ مواقعِ التواصلِ الاجتماعيِّ، وبعضِ المواقعِ على الشَّبكةِ العنكبوتيّةِ، وما زادَ الطّين بِلّة في هذا المجال، هو: غيابُ المحرر الأدبيّ المختص عن تلك المواقع، وعن صحافتِنا والورقيَّةِ أيضًا.
ماهيَّة نقد النَّقد:
حينَ ننظرُ إلى مفهومِ الدكتور محمَّد خليل لنقدِ النَّقدِ، نراهُ يتلخَّصُ في الآتي: "هو نشاطٌ معرفيٌ يقومُ بمراجعةِ الأقوالِ النقديّةِ كاشفًا عن سلامةِ مبادئِها النّظريَّةِ، وأدواتِها التحليليَّةِ، وإجراءاتِها التَّفسيريّةِ والتَّأويليَّةِ. في ضوءِ ذلك الواقع تبدو الحاجة ماسَّةً إلى وجودِ نقدِ النَّقدِ. وهذا يتطلَّبُ البدءَ بالتأسيسِ لهذا المشروعِ. لا سيَّما وقد مضى على عمرِ حركتِنا الأدبيّةِ المحليَّةِ ما يزيدُ عن ستَّةِ عقودٍ، علمًا أنَّ العمرَ الحقيقيَّ للأدبِ لا يقاسُ بالزَّمنِ، لكنه بكلِّ تأكيدٍ لا يحدثُ خارجَهُ".
خلاصة:
ما تقدّم يقودُ الدَّارسَ إلى نتيجةٍ مفادُها، أنَّ: "الطَّريقَ الأمثلَ للنُّهوضِ بالنَّقدِ الأدبيِّ، هو وضعُهُ موضعَ النّقدِ والمساءلةِ". من هذا المنطلق؛ اختارَ ناقدُنا أن يسيرَ في مشروعِهِ النَّقديِّ الرَّائدِ نحوَ الاتجاهِ الصَّعبِ، وهو: نقدُ النَّقدِ. ومن المؤكَّدِ أنَّه نتيجةً لذلكَ سوفَ يثيرُ من حولِه زوبعةً من العواصفِ الكلاميّةِ والكتابيّةِ، خاصةً أنَّ ثقافةَ الحوارِ، ومناقشةَ الرَّأيِ بالرَّأيِ، لم تتأًصَّلْ بعدُ في حركتِنا الأدبيّةِ النّقديَّةِ، وفي حياتِنا العامّةِ أيضًا.
فهل تراهُ إزاءَ هذا الوضعِ: ينجحُ في تحقيقِ مشروعِهِ النَّقديِّ لتأسيسِ ثقافةِ نقدِ النَّقدِ؟!...
أرجو ذلك.
(نص الكلمة التي ألقيتها في النَّدوة التي أقيمت حول الكتاب، أمس في كليَّة الناصرة للفنون)
745 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع