سميّة العبيدي / بغداد
النهروالناس تراثيا من التراث القريب
في زمننا هذا لا يشكل النهرفي حياة الانسان الا امسية جميلة يقضيها مع الاسرة او مع الاصدقاء في ظل جميل وماء وفير وصحبة طيبة وقد يمخر بعضنا النهر في زورق او يظل على الشاطىء يتأمل ما خلق الله ويتمتع ويشكر .
وليس بعيدا موغلا في القدم كان النهر والشاطيء - بل قرابة منتصف القرن العشرين - يشكلان الكثير في حياة الانسان البغدادي ولا انسى ان النهر كان على مقربة من سكان الاحياء فهناك الكثير من الفتحات التي تؤدي مباشرة الى النهرعلى خلاف ماهو قائم اليوم . وسوف اسوق مثالاعلى ذلك ( الاعظمية ) وساستعرض بعض ما في ذهني من علاقات الانسان بالنهر فيها .
ولنبدأ بالنساء واذكر في هذا الشأن ثلاثة أشياء العمل والنزهة والنذور. اما العمل فان النساء حتى وان لم تكن بيوتهن تلاصق النهر كن يجلبن الملابس وخاصة الأغطية الثقيلة - اللحف - ليغسلنها في النهر فكن يأتين على شكل مجاميع من امرأتين او ثلاث يتعاونّ على غسلها ثم يطرحنها على الرمل حتى تجفَّ تحت شمس الصيف الحارة , فيحملنها الى بيوتهن . اما اللواتي كانت بيوتهن لصق النهر فكانت علاقتهن بالنهر أكثرمن ذلك بكثير, وكن يتفاعلن معه اكثر. هذا فضلا عن ان النساء لبضعةعقود خلت قبل هذا كنّ يجلبن الماء من النهر لأغراض منزلية شتى (1) - أو يكلف رجالهن من يأتي لهن بالماء من النهر – وانتهى هذا حين أوصلت البلدية الماء الى كلِّ البيوت العراقية بالصنابير .
اما اللهو فكانت المرأة تصطحب أولادها وبناتها الصغيرات عصراً بين حين وآخر - وربما اتفقت أكثر من امرأة او جارة على هذا - الى نزهة نهرية أو شاطئيـّة بالأحرى, ليفترشن الأرض على وطاء جلبنه معهن فيلعب الاولاد عن كثب وتراقبهن الامهات بأكثر من عينين وهـــن يتسلين بالنقل والمكسرات - الكرزات - فاذا حان وقت الطعام أخرجنه من أكياسهن او سلالهن ودعون الاطفال لوجبة ولا الذ ّ. وكن يخترن شجرة ظليلة ليجلسن في فيئها ويثرثرن ويتحدثن والحديث ذو شجون .
أما النذور فحدّث عنها ولا حرج فكن ينذرن لوجه الله تعالى إِن تحقق ما يتمنين , أن يهدين شمعاً الى رجل الله الصالح (خضر الياس ) فان تحقق ذلك ذهبن الى النهر واخرجن الشموع ليثبتنها على أصل سعفة - كربة - يوقدن الشموع ثم يدفعنها بلطف بالغ الى مجرى مياه النهر وياله من منظر جميل !. وبخاصة اذا اتفق ان أكثر من امرأة جاءت توفي بنذرها في نفس الوقت . هذا وان بعض النساء كن يوفين نذرهن لله بزيارة مرقد الرجل الصالح خضر الياس في جانب الكرخ من بغداد ويوقدن شموعهن هناك ثم يدفعنها الى النهر امام مرقده كما لا تزال بعضهن تفعلن ذلك حتى اليوم .
اما بالنسبة للرجال فكان الامر غير ذلك وهو على ثلاثة انواع أيضا للنزهة وللرياضة وللعمل . اما عن النزهة فقد كان الرجال ايام الصيف يجعلون من شاطىء النهر مكانا يلتقون به مع بعضهم إخوانا واصدقاء فيمرحون مساء يتحدثون ويشربون المرطبات ويسهرون هزيعاً من الليل . حتى انهم كانوا يبنون من سعف النخيل ومن غيره حانوتا أو مقهى يسمونه ( الجرداغ ) وهو مخصص لفصل الصيف - ولا يزال في الاعظمية مقهى بهذا الاسم ولو انه بعيد نسبيا عن شاطيء النهر- .
واما الرياضة فعلى ثلاثة انواع السباحة وهي معروفة
لا تحتاج لإيضاح فان اغلب من تقع بيوتهم قرب الشاطيء يمارسونها صغارا وكبارا ويعلمها الرجال لأولادهم في عمر مبكر ولا ينهاهم ويصرفهم عنها غرق بعضهم بين حين وآخر اما الجانب الآخر ولا اظن ان شباب اليوم يعرفونه وهو - الجفرة - . والجفرة هي عبارة عن تسوية مؤقتة لأرض من الرمال قرب النهرعلى شكل مستطيل ممهد يحدد بعض الشيء لغرض ممارسة انواع من الرياضة والالعاب على رأسها المصارعة . يجتمع اليها الشباب للمشاركة او للفرجة ويكون ذلك في الصيف أيضا . ولا ننسى ذكر الزوارق الصغيرة يركبها الشباب للتريض أو للنزهة وقد يصطحبون عوائلهم بين حين وآخر للتنزه والترويح عن النفس . وقد يؤجرون زورقاً أو ما يسمى بال (كـُفـّة) لمتعتهم , والكفة اشبه ما تكون بكرة كبيرة مفرغة استغني عن أعلاها وسطح أسفلها وطليت بالقير .
اما العمل فان بعض الشبان الذين يحاولون الانتفاع والترويح عن انفسهم في وقت واحد يجعلون من الشطآن مزراع صغيرة تنتج ما لذ وطاب من الخضر الصيفية تكون لهم لهوا طوال فصل الصيف ومكانا يتمتعون فيه بالهواء الطلق الرطيب والظل الوفير , فاذا جمعوا المحصول باعوه في الاسواق القريبة وانتفعوا بمردوده المالي هذا فضلا عن الفرح الذي يغمرامهاتهم وهم يأتون اليهن بالخيارالطازج والباذنجان واللوبياء باحجام صغيرة تصلح للأستهلاك أو لعمل المخللات - الطرشي - فبارك الله النهر والصيف والشباب وما يأتون به من خير اذا اجتمعوا . فرحم الله أيام الصفا والطيب والبراءة .
*****
سميّة العبيدي / بغداد
825 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع