يعقوب أفرام منصور
يهود معارضون للصهيونية /1 ـ يوري أفنيري نموذجًا
قليلون هم اليهود الحاليّون الذين لا يحملون بِزرة الصهيونية التي تسمّم عقول هذه المِلّة، وتملأ قلوبهم بالأحقاد والكراهية تجاه " الأغيار"، وتشحن نفوسم بالعُقد ومركّبات النقص والأمراض النفسية، وتحشو أدمغتهم بالإستعلاء على أجناس البشر كافّة، منطلقين من وهم " نقاوة " عنصرهم العرقي، في حين ثبت بالأدلّة القاطعة، علميًا وتاريخيًا، أنّ نسبة عالية من اليهود أنفسهم، والصهاينة بشكل خاص، متحدّرة من أعراق غير ساميّة، هي آرِيّة وسلافيّة وخَزَرِيّة، وأفضل دليل ـ علاوةً على الأدلّة التاريخيىة الدامغة التي لا مجالَ لذكرها هنا ـ هي أن تلك النسبة غير القليلة يحمل أفرادها خصائص وراثيىة هي خارج نطاق الخصائص المميّزة للعنصر السامي لليهود أصلاً، إذ عيونهم زرق اللون، وشعورهم شُقر اللون، وأنوفهم صغيرة أو مفلطحة ( آريّة ـ أوربية)، بينا اليهود الأصليون متحدّرون من الشعب العبراني السامي، سود العيون أو بُنّيتها، وسود الشعر أو كستنائية، وأنوفهم طويلة دقيقة مسطّحة.
إن المستشار النمساوي ( برونو كرايسكي) ليس هو اليهودي الوحيد المعارض، بل الرافض للصهيونية، فثمة يهود آخَرون غربيون بارزون، وغيرهم سَلَفِيّون عاديون يشاطرونه موقفَه، مع كونهم قليلي العدد، ومنهم مقيمون في الكيان الصهيوني منذ عام 1948، وهم في شبه قطيعة وعزلة ( ويُعرَفون بجماعة " ناطوري كارتا" ـ أي " حُرّاس الأرض "، فهم لا يسمحون للإدارة الرسمية الإسرائيلية بالتدخّل في إدارة شؤونهم المدنية والدينية والإجتماعية، إذ لهم محاكمهم ومجالسهم الخاصّة للبت في شؤونهم ودعاواهم،لأنهم لا يقرّون أن يكون لإسرائيل كيان سياسي، إذ هي رمز ديني فقط.).
من هؤلاء اليهود المستنيرين المعارضين للصهيونية هو المدعو (يوري أفنيري) الذي نزح إلى فلسطين في أيام الإنتداب البريطاني في عام 1933، الذي حلّ فيها برفقة والديه، فقد حمله تحمّسُه للصهيونية آنئذٍ أن يحسبها "أرض الأجداد "، حتى إنه عدّ قتل العرب، وإزاحة المنتَدِبين البريطانيين إلى خارج فلسطين هو الأسلوب الذي يرتضيه. بَيدَ أنه طفق ينحو نحوًا مغايرًا إلى حدٍ ما منذ انفصاله عن منظمة (الأرغون) الإرهابية بسبب إنشقاق داخلي، وقبل شهور قليلة من إقامة الكيان الصهيوني الملطّخ بالدماء العربية، وبالاثام التي رافقت اغتصاب أرض فلسطين من قِبل عصابات توارثت الآثام منذ عهود أنبياء بني إسرائيل، إذ أنشأ تنظيمًا سياسيًا صغيرًا إستهدف إقامة جبهة ساميّة لتضمّ العرب واليهود، ولتقود نضالاً مشتركًا يرمي إلى توحيد المنطقة السامّيّة. وشرع يُبدي طروحات تخالف طروحات الصهاينة، وأفصح إنه بعد قيام الكيان الإغتصابي قد تحوّل إلى " داعية تفاهم مع العرب "،. وقد كانت إصابته بجرح في جبهة سيناء عام 1948 مدعاة لتركه الجيش لاحقٌا، وتفرّغه للعمل السياسي غِبّ شرائه إمتياز صحيفة " هعولام هزّه " ـ (هذا العالم)، غير أنّ أهم نتاج فكري صدر عنه عام 1968 هو الكتاب الموسوم (إسرائيل بلا صهيونيّة ). كتابه هذا يُفشي حقيقة أفكار وهواجس متباينة تتنازعه، وتصبّ في مجرى محاولة البحث عن تسوية للصراع العربي ـ الصهيوني تُرضي العرب (!!) من غير أن تمس الكيان الصهيوني الذي كان قائمًا قبل حرب عام 1967 . وهذا يعني، في نهاية الأمر، بالنسبة إليه، تقليص النزاع بين حركتين أو قوتين للتوصّل إلى ترتيبات جانبية، غير جذريّة، تُعيق الإمتداد الصهيوني السرطاني في فلسطين والأراضي العربية، وتعيد إلى العرب الجانب الغربي من نهرالأردن وقطاع غزّة المُحتلّين، ليُقيموا عليهما دولة فلسطينية إلى جانب الكيان الصهيوني، التي سمّاها " الدولة اليهودية "، وهذه التسمية تعني دولة دينيّة (ثيوقراطيّة)، كي يتعايش الكيانان الفلسطيني والإسرائيلي ضمن صيغة سلام مكتوبة.
فقال في هذا الصدد : " إن المناعة القومية في البلاد تتحقق بإيجاد دولتين : هما " دولة إسرائيل " و " دولة فلسطين"، على أن ترتبط الدولتان بروابط إقتصادية وسياسية وأستراتيجية"، وعلى الكيان الأول أن " يُشجّع قيام دولة فلسطينية في الضفة الغربية والقطاع، بشرط دخول هذه الدولة الفلسطينية بدءًا في حلف سياسي ودفاعي" مع الكيان الأول الذي أطلق عليه تسمية " دولة إسرائيل ".
وفي موضع آخر من كتابه قال: (إن على دولة إسرائيل ألا تمدّ يد المساعدة إلى أيّ جسم عالمي أو من المنطقة يهدف إلى سلب شعوب المنطقة حقوقها الكاملة في ثروتها الطبيعية أو إلى إستعبادها من قِبل المصالح الإستعمارية والرأسمالية. ) أنظر مجلة (الدوحة) القَطَريّة ـ ك/1 سنة 1981ـ ص 30 ـ 31.
843 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع